الرئيسية / فن وموسيقى / ماجدة الرومي.. الفراشة البيضاء الاوبرالية في الضيعة الخضراء المنسية

ماجدة الرومي.. الفراشة البيضاء الاوبرالية في الضيعة الخضراء المنسية

عشت بين سقسقة العصافير وأصوات الشجر والنفوس البسيطة الطيبة التي لا تعرف سوى صدق المشاعر ” . ” ، فلا يوجد ماهو أغلى لدى المرأة من مملكتها.
ماجدة
هناك من يتهم الفن اللبناني بأنه أصبح سطحياً ويعتمد على الإثارة والرقص أكثر من غيره ولعل هذا ما نراه في بعض البرامج التي يتم بثها فضائياً قد شوه بعض ما لدى الاخوة اللبنانيين من القدرات العالية والمزايا الرفيعة ومن الظلم جدا أن نحكم علىالشعب اللبناني احكاما سريعة نتيجة انعكاس ما نراه – مثلا – في برنامج فضائي معين ، ربما يعكس حال شريحة محدودة من الناس المتحررين …. لكن لابد أن نعترف أن في لبنان عمالقة من الفنانين الرائعين الذين انجبهم القرن العشرون ، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من لم يزل حيا يرزق حتى اليوم .. وخصوصا في الموسيقى والغناء ، علما بأن لبنان قد عاش تاريخا صعبا جدا في الربع الاخير من القرن المنصرم تمثلت بمرحلة الحروب والحزن والألم الذي امتد لسنوات عديدة نشأ فيه جيل جديد ربما يختلف عن الاجيال التي سبقته ، كما غدت الناس وأصبحت تبحث عن الفرح والبهجة التي بالغ البعض فيها بأساليب غير مقبولة ولا تعكس الفن أو صورة الشعب والفن اللبناني بشكل عام.
آليت ان اكتب هذا الاسبوع عن الفنانة القديرة ماجدة الرومي التي حظيت بلقاء اجتماعي معها قبل سنوات طويلة برفقة زوجها وكان صيتها حينذاك قد بدأ ينتشر ، ثم حضرت واحدة من الحفلات التي غنت فيها .. واحسست نفسي انني امام فنانة اصيلة لها قدرات اوبرالية كبيرة ، ولكنني اعتقد وما زلت عند معتقدي نفسه ، انها لم تجد حتى اليوم من يوظّف تلك القدرات بكل مهارة ويخلق منها كتلة لامعة من الابداعات للفن العربي .. وكم تمنيت وأنا اسمعها على المسرح لو عاشت ماجدة الرومي في زمن مضى وجايلت محمد القصبجي في شبابه ردحا من الزمن ’ لاستطاع ان ينتج منها صفحات ساطعة من اللجين وبريقه المشع ! لكنها برزت في الربع الاخير من القرن العشرين وفي لبنان معايشة كل حروبه الاهلية الغبية .. ومع كل هذا وذاك ، فانها استطاعت ان تنتصر رفقة حبيبها لبنان وان يخرجا على العالم سالمين يغنيان ويصدحان في هذا الوجود الصعب .
الاولويات
نشأت الفنانة ماجدة الرومي في ضيعة لبنانية ساحرة جميلة ونموذجية متميزة بطرقاتها الجبلية الضيقة وتنساب منها عين المياه الصافية العذبة لتترشح في كل الاتجاهات ويمتد شجر الزيتون وكروم العنب في بساتين كثيفة .. كانت الضيعة مجتمع انساني مرهف ومتماسك ومتضامن له حيويته في الليل والنهار وتجد فيه البيوت الصغيرة متلاصقة فكانت البنت الجميلة تحس وتشعر بأن كل المكان بيتها وكل البيئة ملعبها وكل الناس اهلها وكل البساتين لها وكل الاصوات تغازلها وكل الالحان تناشدها … فنشأت بين ماجدة وبين جميع تفاصيل وعناوين واوراق وموجودات هذه البيئة الرائعة علاقة حميمة جدا وترسخت جمالياتها في دواخلها الغضة التي كبرت معها ، كما ابقت دم لبنان يسري في شرايينها ولنان لديها هبة بكر من السماء قبل أن تخدشه الحروب والالام وكل تضادات العصر ومنحوساته القاسية . كانت الطفلة ماجدة محاطة بأسباب كثيرة دفعتها إلى هذا الإتجاه اي الى الفن الراقي ، فوالدها الفنان القدير المعروف حليم الرومي والذي كان أحد اقطاب الاذاعة اللبنانية قبل خمسين سنة ، وهو فنان يحب الفن الاصيل والموسيقى والالحان الهادئة والغناء كذلك العزف على الآلات الموسيقية .. وهي سمة تميزت بها مجموعة من أفراد عائلة الرومي اللبنانية ومن هنا كانت مؤثرات البيئة الجميلة المحيطة مخصبة لماجدة في انطلاقتها القوية نحو الفن. نعم ، كان تأثير الإحتكاك والتأثر البالغ بالطبيعة الساحرة التي نشأت فيها قد ساهم في خلق ماجدة وهي بمنتهى الشفافية فهي التي تقول : ” عشت بين سقسقة العصافير وأصوات الشجر والنفوس البسيطة الطيبة التي لا تعرف سوى صدق المشاعر ” . أنها في حياتها الخاصة عفوية وبسيطة ومهما انشغلت بالفن فمكانها الأساسي الذي تعشقه هو منزلها وبيتها ، فهي تعشق دورالأم وتعيش جميع تفاصيله…وتحب دور الزوجة وتسعى دائما إلى مساندة زوجها ، فلا يوجد ماهو أغلى لدى المرأة من مملكتها.
الانطلاق والافكار
كنت قد سألتها عن ابيها وتراثه اذ كانت قد تأثرت به كثيرا ولكن عاش ومات وهو مغبون في فنه وفي حقوقه .. وبدت لي ماجدة انها كانت تريد ان تخلق لها نجوميتها بعيدا عن التأثيرات الاجتماعية لوالدها الذي كان قد رحل منذ سنوات ! وبدا لي ايضا ان ابنته لها تفكير خاص بها ولها اسلوبها الذي يعنيها ولها منهج معين في الاداء .. فضلا عن ثقافتها الجديدة التي تحملها وهي تؤمن ايمانا حقيقيا بأن الإنسان لدية شيء متميز وبصمة خاصة استطاع عن طريقها أن يصل إلى الناس… والحياة مستمرة باشكالها وصورها واطيافها والوانها المختلفة ً فالحياة بتبدلها تطوينا حتى تصبح الأمجاد الساطعة المتوهجة صورة على التراب وتبقى فقط البصمات الإنسانية والعلاقات الطيبة التي لابد أن نوليها إهتمام أكثر من أي شيء آخر قد يزول في وقت ما – كما ذكرت لي بالحرف – . انها امرأة تحمل نزعة انسانية غاية في الخصب والجمال والتواضع والقدرية والتآلف مع الموجودات من دون اية تمردات او اشعال للمشكلات او نشر للتفاهات وتلك لعمري سنة الحياة الطبيعية .
وماجدة ليست مع الحياة الصاخبة والإنتشار بلاهدف ، فهذا الاسلوب يؤدي إلى إهدار الصحة الانسانية ومعاكسة الطبيعة البشرية في جمالياتها .. وان الفنان لابد يسمح لنفسه ان تتأمل وتفكر وتعيش هدوءا من نوع خاص فكثرة الارتباطات والمشاركات لا تقدم للانسان اية ايجابيات .. وكل الاعمال الخالدة خلدت اصحابها الذين كانت لهم حياتهم الطبيعية وتفكيرهم الهادىء .. وهم يرحلون واعمالهم تبقى حية ومطلوبة ازمانا طويلة تعيش من بعدهم لأنهها انبثقت عن تفكير هادىء ، وماجدة ترى انه من الأجدى تكثيف المجهود لإخراج عمل واحد متقن أفضل بكثير من مئات الأعمال التي لا تأخذ حقها من الإعداد…إلى جانب أن الفنان إذا سعى للإنتشار بهذا الشكل الغير مدروس يبدأ نجمه بالأفول ويفقد التوازن في حياته ومسؤولياته الأخرى….من جهة أخرى لابد أن يمارس الفنان حياة الإنسان الطبيعي ولا ينسى أسرته وعلاقاته الإجتماعية البعيدة عن عالم الفن ، ومن الاشياء التي تكرهها ماجدة هي أن نصبح دولارات تمشي على الأرض فهذا أمر مؤلم ، وبديلها وجود قلوب عامرة بالحب الحقيقي مزروعة من حولنا أثمن بكثير من جميع الأموال ولابد في سعينا للكسب أن نضع خط نتوقف عنده وأولويات حتى لا ننساق في الطريق الخاطيء.
تقول ماجدة : ” وعلى كل حال أنا أحب الأدوار الإيجابية في الحياة وأكره الحوائط الثابتة فإن وجدت أن في هذا العمل ما يخدم الآخرين لن أتوانى بالمشاركة فيه وتوظيف طاقاتي لتعمير حياتهم بالسعادة وقلوبهم بالحب ” .
فصلة من كتاب سيار الجميل : نسوة ورجال : ذكريات شاهد الرؤية

شاهد أيضاً

فقرات من كلمة الدكتور سيار الجميل في حفل تكريم صديقه الفنان حمودي الحارثي في كندا الحفل اقامه اتحاد الفنانين التشكيليين العراقيين الكنديين يوم 29 /5 / 2011 على قاعة اسيمبلي هول في مدينة تورنتو

ايها الاصدقاء الاعزاء اسعدتم مساء شكرا جزيلا لاتحاد الفنانين العراقيين الكنديين استضافته لي هذه الامسية …