الرئيسية / فن وموسيقى / جون لينون..الموسيقار البريطاني الراحل رائد فرقة البيتلز ..اروع ظاهرة موسيقية غنائية انسانية عالمية في القرن العشرين

جون لينون..الموسيقار البريطاني الراحل رائد فرقة البيتلز ..اروع ظاهرة موسيقية غنائية انسانية عالمية في القرن العشرين

” اعطى السلام فرصة واسمح قليلا بالعمل الجماعي من اجل عالم افضل بكثير مما هو عليه الان ”
جون

مر زمن جميل علينا قبل اربعين سنة نحن الجيل الذي عاش الخمسينيات والستينيات والسبعينيات .. انبهرنا فيه بفرقة البيتلز ( = الخنافس ) التي حفظنا اغانيها واحتفظنا باسطواناتها وتابعنا اخبار اولئك الذين تتألف منهم وهم اربعة شباب تميزوا فجأة في المجتمع البريطاني وصعد نجمهم وحصدوا الشهرة العالمية على طرفي الشرق والغرب معا . كنت معجبا باداء كل من جون لينون الذي عّده العالم كله رائدا لجماعته ومن بعده يأتي بول مك كارني .. كانت البستهم موحدة ببدلاتهم السوداء وقّصات شعرهم الطويل الذي ميّزهم .. حتى اعتبرتهم الملكة اليزابيث الثانية سفراء غير عاديين للثقافة الانكلوسكسونية وقلدتهم النياشين والميداليات .. كنت احفظ اغنياتهم التي اعجبت بها اعجابا شديدا ، ومنها : حب حقيقي ، بعض الشيىء ، من فضلك انا احبك ، مطر ، يوم من حياتي ، كل ما تحتاجه في الحب ، منّي اليك ، انا متعب جدا ، في حياتي ، والبارحة وغيرها كثير . وكنت اتمنى ان احضر حفلا واحدا من حفلات البيتلز التي كانت تقام في مدن العالم الشهيرة .. ولما وصلت بريطانيا في اواسط السبعينيات كانت فرقة البيتلز قد انحلت منذ سنوات .. وقد تفّرق شبابها الاربعة المشهورين .. ولكنني حظيت برؤية كل من جون لينون وزوجته يوكو في احدى المناسبات وصافحتهما من دون ان اسأله ابدا اذ تجمّدت الكلمات في لساني .. كان في السابعة والثلاثين من العمر وقتذاك ، ولكن شكله يوحي انه اكبر من عمره الحقيقي .. كان يتميز بنظارته المدورة وباشعاع يصدر من عينيه وهو يتكلم في مسألة حقوق الانسان والتقطت بعض افكاره التي لم تزل عالقة في ذهني منذ اكثر من ربع قرن .. ولم اكن ادري ان جون لينون سيموت في عز شبابه بعد ان يغتالونه غدرا ولم يعرف سر مقتله حتى يومنا هذا ! لقد فقد فيه العالم كله واحدا من اشهر الفنانين الرائعين والنجوم الساطعين.
وقفة عند سيرته
ولد جون لينون في 9 /10/ 1940 في ليفربول بانكلترا . وعند الرابعة من العمر افترق ابوه عن امه ، فأثّر ذلك في تكوينه لاحقا . كان ابوه تاجرا بحريا وعليه لم يعرف الكثير عن ابيه في صغره . وكطفل عشق الزخرفة وازدادت مشكلاته من صبوته ومطلع شبابه ، وقد تمتع جون برسم اشكال غرائب السحرة والعجزة المقعدين . كان موسوسا ووراء وسوسته وهلوسته كل من المقعدين العجزة واصحاب العاهات ، وتأثر بموت امّه جوليا ليعيش مع خالته ميمي . اقترح عليه مدير مدرسته ان يذهب الى كلية الفنون ليس بسبب عدم تحصيله علامات جيدة في المدرسة ، بل بسبب ميوله الذكية الفنية التي برزت فعلا فيها . وهناك التقى جون بسيدة اسمها كاثيا باول والتي اصبحت زوجته الاولى . عاش جون حياة طفولة هادئة متصلة ولم يشعر بمشاعر الافتراق الحزينة . ولكن لسوء الحظ ينقطع ذلك الاتصال فجأة عندما توفيت امه قبل ان يصل الثامنة عشرة من العمر . جون لم يحب ان يتكلم عن موت امه .. لقد ذهب ليعيش عند خالته ميمي وقد اعتبرها امرأة عظيمة . لقد عاشا في بيت صغير ومع حوافي ستائر الشبابيك وشجرة تفاح قديمة في مواجهة الحديقة المقابلة .
ما الذي حدث ؟ جون خلق وابدع بتأسيس أول جماعة موسيقية وغنائية بعد ان اكملوا سني كليتهم . وفي احد الايام ، قّدم بول مك كارتني الى جون لينون وتوثّقت العلاقة بينهما بعد ان سأل جون صديقه الجديد بول اذا كان بامكانه الانضمام الى الفرقة ، فانضم وبرفقته جورج هاريسون . كان اول تسجيل لهم باسم ( انه سيكون يوما ) . لقد ولدت البيتلز كجماعة مثل شعاع استمر يتوهج عدة سنوات حتى بعد انحلالها . ولدت التسمية عندما سمّاهم رجل اسمه ابسيم ابرين بالبيتلز ( = الخنافس ) واصبح مديرا للفرقة بعد اكتشافها . طرحت البيتلز اول اغنياتها (Love me Do ) ، فطارت اسهم هذه الاغنية وارتفعت حساباتها في اليوم الثاني ! وغد جون لينون يكتب اغنياتها الجميلة .. واعقبها باغنية (Please Please Me ) التي اشتهرت عالميا وطارت في الافاق بسرعة مذهلة !
الفيلسوف : الانسان كريستال الحلم
تزوج جون بصديقته كاثيا باول في شهر اغسطس 1962 ورزقا بطفل معا سمي بجوليان وقد وصفت كاثيا زوجها جون انه : خشن الطبع وليس على طابعها بشكل كامل ! لقد طّلق جون لينون كاثيا وتزوّج ثانية تلك التي التقاها صدفة في نوفمبر 1966 ، وكانت البيتلز قد وصلت الى قمة مجدها . في العام 1970 ، تفرق البيتلز بسبب مغادرة بول مك كارتني . وبعد هذا الانكسار ذهب جون لينون في طريقه وبدأ يصنع له شيئا خاصا اراد من خلاله تخيل العالم ضمن تصوره الفلسفي في كريستالية الحلم الذي يدعو فيه الى مثالية الاشياء والنظم على الطبيعة التي عشقها عشقا لا حدود له ! وكان في حقيقة الامر يسعى لأن يقول للعالم شيئا من احلامه . بعد تشتت الخنافس ، بول مك كارتني كتب عدة اغنيات تحمل رسائل ذات معنى ايضا جعلت جون لينون يتألم ، فرد على صديقه القديم بنص يقول : ” كيف لك ان تنام ؟ ” وقد ضمنه البومه كذلك !
في العام 1972 ، اعطى لينون منحا للكونسرت ، وكان الكونسرت في الماديسون الواقع في الكاردن سكوير من قبيل المساعدة للاطفال المعّوقين والعجزة العاجزين .. بدأها في مهرجان السلم بتورنتو سنة 1969 . جون وزوجته يوكو عملا على تدعيم موسيقى الكونسرت من اجل السلم والتضامن في العالم فضلا عن نشر الحب وروح المساعدة المتنوعة في المجتمعات ودعم قضايا تلك المجتمعات للتخفيف من مشاكل الانسان بطريقة فعلية وحيوية . وان كل ريع ذلك الكونسرت كان يذهب الى المحتاجين . ان كونسرت الماديسون في الكاردن سكوير تحّول الى ان يكون برعاية جون لينون نفسه . في العام 1972 ، ايام الحرب الفيتنامية ، غدا ذلك الكونسرت حركة دائبة من اجل الحياة الحرة وامتلأت صالاته بمعاني الحب للاخوة الانسانية بين الرجل والمرأة . وكل من حضر هناك غّنى في النهاية اغنية ” اعطي للسلام فرصة ” (Give Peace a chance ) الناس لم تستطع النزول عن هذا المبدأ بعد ان تغّنت به مع جون لينون وهو على رأس فرقته الجديدة ( بلاستيك ون باند ) !
جون بين يوكو وبين الموسيقى
في العام 1973 ، افترق جون لينون عن يوكو 14 شهرا بسبب الضغوط الشعبية ومشكلات لم يستطيعا مقاومتها ، فذهب جون الى لوس انجلوس وغدا لوحده مرة اخرى بعد وقت طويل من الزوجية .. لقد ادمن على الخمور ، ثم صاحبته ماي بانك خلال تلك الاوقات كمرشد له .. وقد سجّل جون عدة اسطوانات واغان باسماء متنوعة مثل : الاعيب العقل و روك اند رول ، والجدران والجسور .. لقد عمل مع رنكو على انتاج البومه مشتركا مع التون جون خلال تلك الفترة . لقد اكتشف لينون بعد ذلك الزمن الصعب ان ليس هناك انسان يحبه مثل يوكو ، فعاد اليها ، فالحقيقة انها الوحيدة التي احبها جون لينون ولم يستطع العيش من دونها ابدا .. لقد غادر جون في 9 اكتوبر 1975 بعد ان اعطته يوكو ولادة جديدة فعاد الى الموسيقى اثر اشتياقه لها وقد غدا زوجا وهو يربي ولده . وجون لم يكن له اي وجود من دون الموسيقى التي غابت عنه قرابة خمس سنوات .. اصبح مقبلا على الحياة وله القدرة على كتابة الاغاني الجديدة من دون اي ضغوطات . لقد كتب اغنيات مثل : الفنتازيا المزدوجة في فترة ثلاثة اسابيع واستمر يكتب الالبوم كاملا ثم سجّله وطرحه في العام 1980 .
اغتياله : تراجيدية قصة وداع حزينة
عندما كان جون يكتب ويغني هذا الالبوم تراءى لكل له ان كل انسان في الوجود انما يحس نفس احاسيسه وهو في عمر جيله . لسوء الحظ ، اطلق النار على جون لينون مقابل جناح الكومبولكس بنيويورك بينما كان يريد طرح البوما آخر اسمه ( حليب وعسل ) . لقد مات جون لينون عن عمر يناهز الاربعين في مستشفى روزفلت في 8 ديسمبر 1980 ، بتأثير اطلاقات نارية من مسدس على ظهره ! لقد سمعت بذلك وانا اقيم في اسكتلندا فحزنت عليه حزنا شديدا لأنني كنت اتابع خطواته تباعا وقد نشرت مقالا عنه في صحيفة السكوت مان . يعد البوم الفنتازية المزدوجة من اعظم الاعمال كما هو حال الانطلاقة الاولى .. بعد موت جون لينون بدأ هذا الانسان الفنان حياة جديدة في ذكريات الناس لقد بكاه عشاقه وملايين المعجبين على هذه الارض .. بكاه الاطفال المعوقين الذين ساعدهم .. بكاه الفلاسفة لأنه كان فيلسوفا مثلهم .. واقول : عندما قتلته الايادي الاثيمة تذكر الناس فضله في تأسيس اعظم فرقة كسبت هيام ملايين الشباب على هذه الارض .. اسمها البيتلز التي جمعته مع بول ورينكو وجورج .. بقّصات شعرهم المميزة .. وقد صنعوا معا اعظم الاعمال الغنائية في التاريخ . جون لينون لم يكن تابعا ، بل كان قائدا ورائدا ليس في البيتلز حسب ، وليس في الموسيقى ، بل في الصراع من اجل حقوق الانسان . لقد كان انسانا يعشق الطبيعة والانسان وكل الكائنات وكان يندفع لصنع مواقف مختلفة في الحياة السياسية التي سادت في كل من الستينيات والسبعينيات الماضية . جون لينون لم يكن مجرد موسيقار وكاتب عظيم ، بل كان فنانا شاملا وممتازا واثرى موسيقى الروك اند رول وعالمها المتحرك . ستبقى اغنياته حية الى الابد في القلوب والعقول .. فقط اعطى السلام فرصة قليلا وآمن بالعمل الجماعي من اجل عالم افضل بكثير مما هو عليه الان . لن انسى اللقاء الاول والاخير الذي لم يستمر الا دقائق معدودات اعتبرتها دهرا طويلا بعد ان استمعت اليه وهو يحكي لنا افكاره عن مشروع محبة ومساعدة بين البشر .

فصلة من كتاب سيار الجميل ، نسوة ورجال : ذكريات شاهد الرؤية

شاهد أيضاً

فقرات من كلمة الدكتور سيار الجميل في حفل تكريم صديقه الفنان حمودي الحارثي في كندا الحفل اقامه اتحاد الفنانين التشكيليين العراقيين الكنديين يوم 29 /5 / 2011 على قاعة اسيمبلي هول في مدينة تورنتو

ايها الاصدقاء الاعزاء اسعدتم مساء شكرا جزيلا لاتحاد الفنانين العراقيين الكنديين استضافته لي هذه الامسية …