ان ما حدث ويحدث في كل عموم العراق في شماله ووسطه وجنوبه بقتل ونحر العراقيين من خلال تفخيخ السيارات والشاحنات والاشخاص والحيوانات .. وتفجير المؤسسات والاجهزة هو جزء من خطط منظّمة تشترك بها مجموعات متنوعة من الارهابيين الذين وجدوا في العراق بيئة صالحة لعملياتهم ليس ضد الامريكيين وحلفائهم بقدر ما وجدوها لعبة صالحة لتمرير اهدافهم الشريرة ضد العراق والعراقيين .. وهم بهذا وذاك يلقون دعما معنويا واعلاميا قذرا في اجزاء من هذا العالم ومن اولئك الذين يعتبرون هذه العمليات الدموية الارهابية مشروعات لتحقيق اهدافهم .. وكأنهم استرخصوا دماء العراقيين بهذه الوسائل التي يبررون بها غاياتهم المتعددة ؟؟ مهما كانت تلك الغايات .
ان ما حدث على امتداد ثلاث سنوات من سقوط النظام السابق من تفجيرات واعمال عنف قاتلة ضد المؤسسات العراقية وضد العراقيين .. او حتى ضد الامم المتحدة والصليب الاحمر وبعض السفارات ومراكز الشرطة ودوائر المحافظات ومقرات ألاحزاب .. الخ وضد ابناء المجتمع في الشوارع والاسواق والجوامع والحسينيات ومجمعات النقل والموصلات .. ناهيكم عن عمليات الخطف والقتل .. وكلها تعّبر عن مأساة ضد العشرات من المدنيين ومصرع هذا العدد الكبير من العراقيين انما هو جريمة لا تقّرها لا الاعراف ولا الشرائع ولا الدين الاسلامي ولا اي عقائد ونظم واخلاق .. ان هذه الجرائم الارهابية التي اتخذت لها من العراق بيئة صالحة لتحقيق مآربها هي التي لابد ان تدان من قبل كل الشرفاء .. ان مصرع العشرات من الناس من دون جرم ولا سبب هو جريمة بحق مستقبل العراق والعراقيين الذين ينتظرون الخلاص من هذه الاحوال ليس من باب توزيع الادانات حسب ، بل من باب توسيع الاجراءات وفرض الامن والنظام في كل العراق وخصوصا في المناطق الحساسّة التي قابلة للتفجير .. واستعدادها لممارسة هذه العمليات !
الارهاب : لماذا في العراق ؟
ان هذه الظاهرة التاريخية التي يتفاقم أمرها بشكل متّهور في هذا العالم وعند مفتتح القرن الواحد والعشرين قد جعلت من العراق – كما يبدو – بيئة حقيقية لها اليوم وخصوصا بعد ذاك الذي حدث في التاسع من ابريل 2004 .. وكانت اولوياتها قد حدثت في نهايات عهد الرئيس كلينتون ووصلت الى ذروتها يوم 11 سبتمبر 2001 .. وكان المفروض ان تغدو افغانستان بيئة صالحة للارهاب وتصفية حساب صراع الحضارات هناك عام 2002 ، ولكنها لم تكن مؤهلة لا من الناحية الحضارية ولا من الناحية التاريخية ولا السكانية ولا الاستراتيجية كما حدث في العراق ، اذ غدت هذه الظاهرة مشروعا مؤجلا حتى تبلور تداعيات الحرب وسقوط النظام السابق عام 2003 .. وغدا العراق الذي لم يستطع الامريكيون احكام قبضتهم عليه وعلى حدوده وكأن النظام والقانون مشروعا مؤجلا .. وسوء ما اتخذوه من قرارات اذ فتحوا الباب امام الانتقال من اسوأ الحالات الى اكثرها سوءا .. فهل من المعقول ان يسقط نظام حديدي قوي مثل النظام السابق في العراق وقياس وضعه كسقوط حكومة طالبان الهزيلة في افغانستان ؟؟ وهل من العقل ان يغدو العراق من دون سلطة ولا قانون ولا ضبط ولا ربط لشهور من الزمن ؟؟ هل من المعقول التعامل الامريكي مع الوضع تعاملا طبيعيا ؟ هل من المعقول ان تنفتح ابواب العراق امام كل من هب ودب للدخول اليه والخروج منه من دون اي مسائلات ولا أي سمات دخول ؟؟ هل يعقل ان يغدو العراق خلال عشرة شهور من الاحتلال وادارة التحالف بيئة صالحة لتحرك الارهاب واستقطابه وجذبه وتصفيات حسابات العالم مع الامريكان على ارضه ؟
ايها العالم الراكد واللامبالي : من يدفع الثمن الحقيقي اليوم ؟
لماذا يدفع العراقيون ثمن الصراع العالمي ضد الامريكيين ؟ لماذا يصّفي العالم الاسلامي حساباته ضد الغرب على التراب العراقي ؟ هل هناك من مغفلين واغبياء حتى يومنا هذا ينادون بالحوار بين الحضارات ؟ اليس ما يحدث اليوم في العراق خصوصا هو تعبير حقيقي لصراع الحضارات الذي لا يعترف به المسلمون حتى الان ؟ اليس جريمة ان يجلس كل هذا العالمين العربي والاسلامي يتفّرجا على ما يحدث من دون ان يتحركا وان يفعلا شيئا ضد الارهاب تحت اي ذرائع او ضد اي خصم من الخصوم ؟ لماذا اختارت الولايات المتحدة الامريكية العراق كي يكون بيئة يستقطب الارهاب العالمي ؟ لماذا يسكت العالمين العربي والاسلامي على دعوات ابن لادن وجماعاته وحلفائه في ان يجعل من العراق منطقة جهادية دموية ضد الامريكان .. ومن يقتل ؟ ان الذي يقتل هم اهل العراق وابناء العراق وشيوخ واطفال ونساء ورجال العراق ! لماذا تفّسر عمليات التفجير وتفخيخ السيارات ضد المصالح العراقية الصرفة عمليات مقاومة ضد الامريكان ؟ لماذا يقتل الابرياء من العراقيين مهما كانت ملتهم ومهما كانت اعراقهم واديانهم وطوائفهم واطيافهم
مطالبات ومناشدات من اجل وقف مسلسل الرعب
لابد ان يقف الجميع بكل جرأة وشجاعة وضمير حي للعمل من اجل ايقاف مسلسل الارهاب ضد العراقيين جهرا قولا وفعلا .. ان تطور الاوضاع سوءا في العراق سيدخل كل المنطقة في اتون اضطرابات لا اول لها ولا آخر .. ان الضرورة تقضي بمعالجة مسألة الارهاب في العراق بتداعياته الخطيرة التي لم يشهدها اي بلد عربي بمثل هذا الحجم من العنف والاستمرار ! اطالب كل الاقلام العربية والكتاب العرب ان يقفوا وقفة رجل واحد ضد هذا الطوفان الذي ان لم يتوقف لا سمح الله ، فسوف يسري نحو كل العالم .. اناشد رجالات الدين وعلماء الاسلام ومراجع المسلمين وهيئات الوقف ومنظمات الفكر ان يعلنوا جميعا حربهم ضد الارهابيين ! اطالب الحكومات العربية والاسلامية باعلانات رسمية وشعبية في الوقوف ضد ارهاب الشعب العراقي بدل التفّرج على العراقيين وهم يفخخون ويخطفون ويفجرون ويقتلون ! اطالبهم بادانة تفخيخ السيارات وتفخيخ اجساد الرجال والنساء وتفخيخ حتى الحيوانات .. لابد ان يجدول المحتل زمنه ويعلن عن اجندته في العراق امام كل العالم .
اطالب كل هذا العالم ان يقف ضد مشروع القتل والارهاب المنظم ضد العراقيين ليكون العالم فعلا اصحاب اخلاق واصحاب مبادىء واصحاب قيم عليا .. لا يمكن ابدا ان يبقى الاعلام العربي يزاوج عن عمد بين المتشابهات ويقوم بخلط الاوراق عن سبق اصرار حول مسألة الارهاب ! لا يمكن ابدا ان نقبل ان يسكت الشرفاء على ما يجري في العراق ! ان العراق مسألته اليوم أمنية بالدرجة الاولى وليس لدى العراقيين اي هم آخر ! وكل من يقول عكس ذلك فهو لا يدرك واقع ما يجري في العراق اليوم . ان العراقيين يعيشون عهد الارهاب المجنون الذي اخذ اليوم له ابعادا جد خطيرة لابد للعالم كله ان يوقفها مهما كان الثمن .. قبل ان تنفلت الامور وتختلط الاوضاع وتشتعل كل الاوراق . واناشد كل العراقيين بمختلف طبقاتهم والوانهم واطيافهم واديانهم وطوائفهم واعراقهم وكل اتجاهاتهم السياسية والفكرية ان يقفوا صفا واحدا ضد الارهاب وضد مشروع نحرهم وقتل حلمهم باستعادة مشروع العراق الحضاري ، فالمسألة الامنية لابد ان تكون في المقدمة اليوم الذي بات هاجسا لكل العراقيين . عزاؤنا لكل العراقيين بهذا المشهد المحزن من تاريخهم المعاصر.
الجريدة ، 21 مارس 2006
شاهد أيضاً
مطلوب لائحة اخلاق عربية
تعيش مجتمعاتنا العربية في حالة يرثى لها، لما أصابها من تفكك سياسي جعلها تتمزق اجتماعيا، …