رؤية في الواقع والتطلعات :
لقد وصلت الكتابات والأفكار في العلوم والآداب العربية المعاصرة في مجملها العام وفي خصوصياتها النخبوية في البيئات العربية المثقفة .. وصلت إلى فراغ كبير ، تعطلت فيه الحماسة نحو التقدم والتطوير يوم انصرف الفكر العربي المعاصر عن نشاطه الفلسفي والإبداعي والنقدي الصرف إلى حالة من الرضى المُقنع باسم الحداثة وقد غلبت عليها التقليدية والتوفيقية والتلفيقية والمهادنة مع السكون والتخلف . ولابد ان نعلم بأن الفكر السياسي العربي قد كبا من نهضته الحرة على الرغم من صيحات أبناء النخبة العربية بمبادئ الديمقراطية والسيادة والقانون وتقدم الإنسان وترصين الدولة وتطوير المجتمع ولكن ؟
كان طغيان التراجعية أكبر بكثير من تقدمية الحياة بفعل حالات الإحباط التي منىَ بها الإنسان العربي ، فبدأ المثقف العربي يتراجع في رؤيته للحياة ، وأخذ يكرس جهوده في الموروث على حساب معاصرته الصعبة خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين معتقداً بل متوهماً بإرجاع زهرة الماضي ويبني في خياله حلماً يستحيل تحقيقه في عالم يختلف تماماً عن القرون الوسطى بكل دقائقه وجزيئاته .
واليوم يجد البحث العلمي والرؤية الفكرية عند شعوب أخرى فرصة هائلة لاكتساب المعلومات وتطوير الآليات الدقيقة وتنمية الاقتصاديات الإقليمية وممارسة الحريات ونقد التطبيقات ودراسة النظريات وتصنيف الموسوعات وارتقاء العلوم التربوية والبيداغوجية ، والتفكير بما ستكون عليه أوضاع الديموغرافيا ومستقبل الطبيعة والبيئات مع خلق البدائل والآليات الجديدة بما يتفق ومتطلبات القرن القادم .
تحولات منتظرة :
لقد بدأت الفلسفة المعاصرة والأفكار المستقبلية الجديدة تنبئ عن تحولات واسعة النطاق في ميادين المعرفة والحياة واللغة والاقتصاد والمجتمع والسياسة ، الخ ، فالقوة والغلبة ستكون لمن يتحكم في تلك الميادين ، وبالتالي التحكم في المصادر والبيئات والموارد والثروات ومن ثم في مصير البشر ووجوده .
لقد غدا التحول خطيراً ومتسارعاً في العالم المتقدم ، بل تجاوزت الفلسفة المعاصرة القائمة على أسس معرفية مستقبلية أخر خفقات الكوجيتو الديكارتي وكوجيتو العقل وحتى لمن أتى من بعد ديكارت . . أي الانتقال من البحث في الأشياء إلى البحث في طبيعة وبنى العلاقات التي تتحكم في تلك الأشياء . . إن الشيء يتغير . . أما العلاقة فمتحكمة ، وعليه ، فقد غدا التحول خطيراً ، والعالم تجتاحه اليوم ثورة معرفية ، وأن تطورات مثيرة في طريقها للحدوث حتى وصل الفهم الجديد للمعرفة والتحكم بها إلى ميلاد أساليب فعالة للتحكم في سلوك الإنسان ومشاعره وذكائه .
السؤال الآن : هل تستطيع بنية التفكير العربي المعاصر أن تستوعب مثل هذه المفاهيم ؟ وإذا كان وضع الفكر العربي الحديث كالذي أوضحنا بعض مواصفاته في أعلاه . . فهل يستطيع أن يمتلك القدرة على إجراء التحولات في الحياة العربية القادمة ؟ الجواب : وبوضوح : لا ، فحتى من يريد أن يفكر بذلك من الفئات المثقفة العريضة على الساحة العربية ، فسوف يرجع ليكون في صميم البنية الفكرية التي تفكر بدله وهو موضوع فيها ، إذا المطلوب : البحث في مستقبل البنية الفكرية العربية الحديثة .
ما معنى ذلك ؟
معنى ذلك : أن الأنظمة الموروثة والبنىَ التقليدية ( وحتى النهضوية العربية منها ) بكل ما تحمله من هياكل قديمة أو رواسب تاريخية هي التي تعمل بنشاط في دنيانا العربية ، هي التي تفكر ، ومن ثم فهي التي تسيطر على حياتنا ومصيرنا . أما المثقف العربي فهو أداة طيعة في داخلها حتى وإن كان مثقفاً عضوياً أو رافضاً أو محتجاً فهو إنسان غير حر كونها متسلطة عليه وتمارس ارهابها العاتي على النخبة فكرياً واجتماعياً وسياسياً . . إن العلائق القديمة والرواسب التاريخية البالية هي التي يستقي المجتمع العربي المعاصر منها تربيته وأفكاره ويرضع عليها لبنة أسراره .
وعليه ، فإن الإنسان والمثقف العربي معاً هو الغائب والساكن والمتساكن أو الجاهل والمجهول ما دام لا يتحكم في سيرورة حياته وإدارة دفة أفكاره نحو المستقبل المعقد ، أو حتى السيطرة على مقاليد قوتها طوال هذا القرن العشرين الذي عاش مقهوراً في خضمه بسبب من عدم إدراكه لمخاطرها .
السؤال الثاني : هل باستطاعة (الفلسفة) العربية وميادين ( الأكاديمية ، المعرفية ) العربية إن تفتح المجال واسعاً لكي تؤسس معارضة جذرية لبنية الثقافة العربية المعاصرة وأنظمة الحياة العربية وآنساقها ؟ وهل باستطاعة الأمة العربية أن تكشف عن قوى احتجاجية ، متسلحة بأساليب ايبستمولوجية متطورة قبل أن يعلن عن صرخات عالية وشعارات ديماغوجية خاوية كالتي أعلن عن بعضها أولئك الذين تخندقوا في قنوات أيديولوجية متنوعة باختلاف الأهداف والنوايا على امتداد القرن العشرين ؟
وهل باستطاعة النخبة العربية الممتازة أن تقود عمليات التغيير والتحديث لبناء مشروع المستقبل العربي ؟ وهل باستطاعة البحث العلمي العربي أن ينتقل من أعرافه الإنشائية / الاستنساخية / الإطنابية . . إلى أعراف جديدة لها القدرة على مخاطبة البنىَ التي تغلف التفكير العربي والشروع بتفكيكها ؟ وهل باستطاعة الباحث العربي أن يتسلح في بيئته بالمناهج الجديدة من خلال التأصيل والتعريب . وتتكون له القدرة على استيعاب المصائر المجهولة التي ستقوده إليها سرعة وتقدم التطورات الحديثة من طرف ، أو بقائه رهين أنساقه وهياكله ورواسبه القديمة وأعرافه البالية من طرف آخر ؟
لقد قلت يوما في واحدة من المناسبات العلمية العربية : ” علينا أن نقول إن القرن الحادي والعشرين سيهبط علينا نحن العرب محتشداً بميراث تطوري وتكنولوجي ومعلوماتي واقتصادي هائل مع جملة من التقديرات والتغييرات ، وسوف يمارس سلطاته التي ربما ستكون قوية صاعقة ضاغطة تفرغ شحناتها بوسائل وأدوات وآليات يعجز أبناؤنا وأحفادنا عن صدها أو استيعابها أو امتلاكها والسيطرة عليها . . كوننا نحن نتراجع علمياً واقتصادياً وفكرياً عن المواقع الحقيقة في المعرفة والتقدم والتطور ، والتي اختارها لنا آباؤنا الأوائل من رجالات النهضة العربية الحديثة عندما نهضوا من الكبوة التاريخية الطويلة معرفياً . .فكان التأسيس النهضوي العربي المبكر يمارس بدايات مشروعة وعملية لتحديث عربي واضح المعالم والأبعاد ، وقد سعى لكي يقود المجتمع إلى بناء تفكير عربي حر ، جنباً إلى جنب ذلك النضال من أجل استقلال البلاد العربية من ربقة الاستعمار . . لا أن يحدث العكس بتغير الأحوال عند نهاية القرن العشرين ” .
رؤية في المفاهيم والأغراض :
أن إحدى التجديدات الأساسية لأفكار مارك بلوك ولوسيان فيبر ، هي محاولة الإجابة عن أسئلة يطرحها الإنسان اليوم على نفسه بالضرورة ، لرسم معالم مستقبلية من خلال المعرفة التاريخية والمعلوماتية . . ويمكننا قياس المزيد من الأفكار عبر تطلعات ايبستمولوجية قدمها ستراوس وفرناند بروديل وميشال فوكو . . الذين تعد دراساتهم أحد أبرز المناهج في البحث العلمي المعاصر ، وعلينا ، أيضاً ، أن نعرف بأن ما حققته الثورة المعرفية والآلية والتطبيقية في ثلاثة عقود من الزمن المعاصر ، لم تستطع الإنسانية من تحقيقه في عشرات القرون .
تختلف علوم المستقبليات عن أطروحات ” التنمية ” التي تختص بنطاق العالم الثالث ، وإن المختصين في كليهما يختلفون بعضهم عن بعض هناك ثلة قليلة جداً من المشتغلين العرب في مجال المستقبليات ، وهي علوم يحتاجها وطننا العربي بصورة ماسة ، من أجل رسم مستقبله المنشود ، ومستقبل أجياله القادمة ، وتشخيص العوائق ، ومجابهة التحديات ، ومعالجة المشاكل والمعضلات كافة .
ليست مهمة تغيير نزعة التفكير نحو المستقبل ، بأمر عارض أو هين أو أنه سيقتصر على فئة قليلة من الأكاديميين العرب فحسب ، بل إنها مهمة قومية لكل أبناء الأمة وأجيالها الجديدة التي يجب أن تجد من يزرع فيها الرؤية العلمية تجاه المستقبل ، ونزعة البناء الذهني والتفكير الجاد ، ودفعهم إلى ميادين حياة جديدة ، يشعروا فيها بأهمية الزمن والمعاصرة وحداثة التحضر ، بعد تخليصهم من المتوارث البالي والتقليدي والماضوي والتواكلي والتواتري . . الخ هذا المتوارث المعّوق الذي تشكل تكلساته عوائق حقيقية ازاء التغيير والتقدم .
إن من مستلزمات تطوير العلم ، هو تغيير نمط التفكير من سكونية الماضويات نحو رؤية المستقبليات ، وأن لا يبقى رجال المعرفة العرب يفكرون كما كان يفكر رجال الماضي من أبناء الجيل القديم ، فلقد تغير تفكير العالم منذ عام 1950 ، أي بعد الاكتشافات الهائلة والمروعة التي أنتجتها ثورة اينشتاين واينهايمر . . فالعالم يعيش اليوم ، ثورة معرفية في التكنولوجيا ، وثورة في الحسابات والمعلوماتية ، واللا مفكر فيه ، والقياس الرياضي وبناء التطورات المنطقية والفلسفية ، وتجاوز الطبيعة والوراثة والفضاء . . لقد استطاع الإنسان أن يحقق خلال ثلاثة عقود من حياته المعاصرة ما لم تحققه الأجيال في عشرات القرون !
مفاهيم عديدة لا أريد أن استطرد فيها ، على الرغم من أهميتها ، أحددها كمؤرخ يبتعد قليلاً عن مجال تخصصه في فلسفة التاريخ الحديث ، وهو يرى بأن ” الدراسات التاريخية العميقة هي التي تحمل الأمل في تحسين أدوات تحليل التغيرات عند الإنسان ” على حد تعبير ساجز الذي يشاركه المؤرخ فرناند بروديل والفيلسوف ميشال فوكو .
إن الزمن قد انكمش بواسطة الإنسان وأدواته في العمليات الإلكترونية الصعبة ، مذ اكتشف الدوائر الإلكترونية . . وبدأ يتحرر في منظوماته الفكرية عن كل من رواسبه وبقاياه القديمة نحو المستقبل ، ويبدأ البناء ، مستقبل يؤهل الإنسان لتقبل الأساليب والمناهج التي تساعده على حل ما سيصادفه من أزمات وتعقيدات .. أنه يهتم اليوم بالتخطيط والتنظيم والبرمجة والفعالية والنزعة الرياضية والصحة والثقافة والإيمان بالعلم والتقنية والتوزيعية والنمذجة .
أولويات في المعرفة والمهمات الكبرى :
دعونا نتساءل عما نحتاجه في تطوير مستلزمات البحث العلمي على ضوء ما تطرحه العلوم المستقبلية التي تتجاوز ” التنمويات ” وخططها المرحلية .
أ- تشخيص العوائق والمعضلات التي تواجه التعليم العالي العربي حتى عام 2009م ، ومنها : ضخامة الأعداد الكبرى من الطلبة والمتعلمين في الجامعات العربية ، والذي سينعكس على :
ب- تحسين محتويات عقول الأساتذة والباحثين العرب وظروفهم وبيئتهم ومعاشهم وقابلياتهم وقدراتهم على الإنماء المرحلي والاستراتيجي والمستقبلي المنظور والبعيد .
أما أولويات ما يمكن فعله عربياً ، ونحن على أعتاب القرن الحادي والعشرين ، فإنها تنحصر بما يلي :
1- النقد المعرفي والتكنولوجي ، أي نقد المجتمعات المتقدمة والمتحضرة ليس من خلال نزوع عاطفي أو مجتزأ ، بل من جانب ايبستمولوجي ( = نقد البناء المعرفي ) في سبيل فهمها ، ومعرفة أٍساليب تفكيرها وتوجهاتها وخططها ، وهذه هي نظرية هربرت ماركيز في علوم المستقبل .
2- زيادة الاهتمام بالإنتاج القومي ، ويلعب ” العلم ” و ” البحث العلمي ” المخطط له ، دور استراتيجياً من أجل الإنتاج ، وخلق أدوات الإنتاج ، والبدء بالتحولات من حالة ” الاستهلاكيات ” نحو الإنتاجيات ” في مختلف صنوف العلم ، بحيث يتلفت العالم إليها كـ ” مرجعية ” يستخدمها نظرياً وتطبيقياً .
3- الوقوف بشكل قوي بوجه مختلف العوائق السوسيولوجية والتاريخوية ، وصدها أو تجاوزها ، ومنها :
1. ضعف تثاقف المتعلمين والباحثين والمهنيين . . الخ بفعل الذهنية المركبة المسيطرة ، أي بمعنى : القيام بغرز النزعة التجريبية في الذهنية الثقافوية وبناء استقلاليتها .
2. عدم جعل الحياة العلمية والبحثية والتطبيقية والمهنية ميدانا استعراضياً أو إعلامياً أو استهلاكياً أو إنشائياً أو تواكلياً . . إلخ .
3. التخلص من تبعية المؤثرات التي تفرزها الرواسب التاريخية والأمراض الاجتماعية ، ومنها : هجمة البداوة على الحضارة ، وهجرة الريف إلى المدينة ، والتعلق بمشكلات الماضي أكثر من التخطيط للمستقبل ، فردياً أو جماعياً أو مجتمعياً .
4. معالجة خطورة التوارث الفكري بإسقاط الأماني على التصورات ، مما يفقد الوعي العلمي وقيمة العمل أسمهما التي قاما عليها .
5. معالجة مهام النظم التربوية والتعليمية العليا من خلال بناء بيداغوجية رصينة ، وحصر المهام الأساسية بإعادة تنظيم المجتمع القادم ، وذلك بمثابة هندسة للمشكلات الاجتماعية والتربوية والتعليمية على ضوء نماذج العلوم المعاصرة ، شرط أن يخصص للعلوم المستقبلية حقل فعال لهذا الغرض .
إذن ، نتساءل الآن عن أبرز المهام الكبرى لحقل المستقبليات ؟
إن أبرز المهام الاستراتيجية لهذا الحقل الحيوي الذي لا مناص من الدعوة له ، والعمل من خلاله ، إنما تكمن في معالجة مستوى الإنتاج الفكري والمعرفي ، ومعالجة زيادة مشكلات التعليم والتعليم العالي والبحث العلمي ، ومنها :
1. خلل التربويات المدرسية المنعكس بالدرجة الأساس على مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي .
2. ضعف المناهج المتبعة في التدريسات الجامعية أولاً ، وضعف عمليات البحث العلمي ثانياً .
3. ضعفت أدوات التعريب ، والمعاناة في استخدام اللغة العربية المبسطة Standered Arabic – وضعف عام في الثنائية اللغوي ( أي عدم إجادة المتعلم والباحث لغة أجنبية عالمية غير لغته العربية ) .
4. ضعف الوعي الموسوعي والأنسكوبيدي والقاموسي المعجمي بشكل عام .
5. المعاناة من ضخامة الأعداد الكبرى من الطلبة الذين سوف تستقبلهم الجامعات العربية ، بفعل تضخم أعداد الشباب العربي ، فكيف سيغدو عليه الحال ، إذا عرفنا بأن هناك 6.2 مليون عربي من الطلبة في التعليم العالي سنة 2000م ؟
إن هذه المشكلات البارزة سيتفاقم خطرها على الأجيال القادمة ، وسيتأثر التعليم العالي العربي في أطره وهياكله وأجهزته بشكل خطير للغاية ، وسيتوقف عن بلوغ أهدافه وتطلعاته ، وستعاني خطط الإنتاج من خريجية الذين ستحولهم الجامعات إلى أنماط استهلاكية بحتة قد يكونون عبئاً على الدولة أولاً ، وعلى مجتمعهم النامي ثانياً ، وسينسحب الأمر على العلماء والباحثين ورجال المعرفة إلى حد الإرهاق الفكري والسايكلوجي ، وإلى درجة العجز العلمي والاجتماعي !! مما يؤثر على عملية التقدم ومستقبل الأمة بالضد ، في حين سيخطو العالم خطوات عملاقة في الرقى والتطور .
أفكار جديدة : مشروع استراتيجي في اليقظة
في ضوء ما تقدم أعلاه ، ونظراً لحاجة العرب العلمية الملحة فإنني اقترح مشروعاً نموذجياً واستراتيجياً في اليقظة Project Aware ودعوة لتأسيس مركز للعلوم المستقبلية العربية كواحد من أبرز مستلزمات تطوير البحث العلمي ، أن هذه الدعوة ، قد تكون متأخرة نسبياً عند العرب ، مقارنة بدول وجامعات أخرى ، تلك التي جعلت من مراكزها الاستراتيجية والمستقبلية ، ميادين بارزة ومعتمدة لها كافة أدواتها الكفيلة بتسيير الخطط والمناهج والدراسات لمختلف المؤسسات والأجهزة والمنظومات سوء ما يتعلق بالأمن القومي ، إن بالإنتاج البيداغوجي والمعرفي ، أو بالتكوين الموسوعي والأنسكلوبيدي واللغوي ، أو في مجال الصحة والاكتشافات الطبية ، أو الخطط الأروائية والزراعة ، أو في حقل توثيق المعلومات واعتماد الاستشارات والخبرات ، أو في نطاق تجريبية أساليب العمل وفي الكومبيوتر ومختلف العلوم الأخرى .
أن مشروعاً كهذا هو جزء أساسي من التفكير الجماعي أو الهيئوي ، الذي يخطط لرفع مستلزمات تطوير التربية والمعرفة والتعليم العالي والبحث العلمي العربي والمناهج القومية ، إذا سيخدم الخطط والأهداف والسياسات الاستراتيجية على المدى البعيد ، ولكنه سيحتاج قرابة عشر سنوات حتى يصل إلى تحقيق نتائجه الفعلية من أجل بناء الأهداف وتحقيق التطلعات .. أنه يحتاج إلى مناهج وكوادر وعناصر ومعلومات وأرشيفات . . إلخ أن الدعوة تجيء ، ونحن في نهايات عقد زمني معقد هو الأخير من مسيرة القرن الحالي الذي نطمح لو شغله تأسيس لمثل هذا المشروع ، وخطط له . . فسيغدو علامة مضيئة في مسيرة التقدم ، فالعلوم المستقبلية ، سترفد الدولة والمجتمع معاً بوظائف عليا ، وأنها ستسهم في إظهار تغيرات واسعة النطاق عند فاتحة القرن القادم .
أما قيمة العلوم المستقبلية فستحددها مؤسسات التعليم العالي Futurology ، وذلك من أجل أن تنسب العناصر الكفوؤة له ، وتحدد مهام عمله ومسؤولياته وخدماته الكبرى سواء بالنسبة لأجهزتها ومؤسساتها ، أم لبقية المؤسسات العلمية الأخرى ، نعود لنؤكد ، أن أبرز مهمة يضطلع بها هذا ” العلم ” هي مهمة الأمن القومي أن الوطن العربي تعتريه اليوم كأحد أطراف الصراع مع أكثر من طرف ، تحولات بالغة الخطورة والتعقيد ، وسوف تترتب عليها آثار بالغة : تاريخية واجتماعية وسكانية متنوعة وأنها ستؤثر حتماً على الأجيال القادمة ، أنه ما لم يجر بحث آثارها المستقبلية على أنماط الحياة العربية في الحاضر ، ومعالجتها على ضوء التصورات المرحلية والسوقية ، فسوف يتعذر على العرب ” ترويض ” عملية التغيير إلى أمام و ” توجيهها ” في الاتجاه العقلاني الذي يعود عليهم بالعائد الأفضل .
هذا ما نأمل أن تلتفت إليه جامعاتنا العربية ، ضمن إطار نمذجة النخبة الرصينة ، من أجل أن تضع خطة للعلوم المستقبلية ضمن ركائزها الأساسية ، تلك العلوم التي ستقدم لها خدمات واسعة النطاق ، وستكون إذ ذاك قد أفادت مستقبل العالم الإسلامي كله ومستقبل أجيالنا القادمة .
شاهد أيضاً
دعوة الى المثقفين العراقيين في كندا
دعوة الى المثقفين العراقيين في كندا يسرّنا جدا دعوتكم الى الحضور والمشاركة في الاجتماع التأسيسي …