خاص حاورته : سماح عادل
سيّار الجميل استاذ متمّرس ومؤرخ، ولد في الموصل 1952 في اسرة علمية معروفة واكمل دراساته في بريطانيا ، ونال دكتوراه فلسفة التاريخ الحديث في جامعة سانت اندروس الاسكتلندية 1982 .. له أكثر من 40 عامًا اكاديميا قضاها في جامعات أوروبا، وأميركا الشماليّة، والعالم العربيّ. درَّس مساقات التّاريخ العالميّ وتاريخ الفكر المقارن، ومناهج التّاريخ وفلسفته، والتّاريخ العثمانيّ، وتاريخ إيران وتركيا، وتاريخ الشرق الاوسط. عمل مستشارًا علميا للعديد من مراكز الأبحاث والمؤسّسات الدوليّة ، منها “اليونسكو” و”الألسكو” و”الإيسيسكو” وغيرها، وحرر في اكثر من ثلاث موسوعات عالمية . وألّف ونشر أكثر من 40 كتابًا، ونحو 90 دراسةً علميّةً باللّغتين العربيّة والإنكليزيّة، وهي تتنوّع في مجالات اهتماماته البحثيّة والأكاديمية مع مئات المقالات والمشاركات . تخرج على يديه عشرات من طلبة الماجستير والدكتوراه. وحاز جائزة “شومان” للعلماء 1991 منفردا وبراءة تقدير 1992 . ومُنح قلادة العلماء المتميّزين من النمسا 1995، وحاز أيضًا على جائزة الكوريار انترناشنال 2004 ، وانتُخب مستشارًا رئيسًا للمجلس الثقافي العراقي 2007، ومنح لقب سفير السلام العالمي عن الامم المتحدة 2009 . ومنح لقب الاستاذ الاكاديمي الدولي ” عن المجلس الاكاديمي الدولي لنظام الام المتحدة ACUNS في 2009 ، وهو يقطن منذ 20 سنة في تورنتو بكندا بعد ان عاش حياته المهنية في جامعات بريطانيا والمانيا والمغرب والجزائر وتونس ولبنان والاردن والامارات العربية وقطر وكندا واميركا وغيرها ، وتولّى الإشراف على برنامجين بحثيّين وأحد مؤسسي الهيئة الدولية لدراسات المستقبل ، وهو اليوم يدير اكثر من برنامج علمي دولي بمدينة تورنتو في كندا والعالم .
الحوار
- هل بالامكان ان تحدد لنا طبيعة مشروعاتك العلمية والفكرية التي نجحت فيها على امتداد مسيرتك الاكاديمية لاربعين سنة مضت ؟
ج. انها ثمانية مشروعات اساسية في حياتي انتجت من خلالها عدة كتب وبحوث ودراسات بالعربية والانكليزية ، توزعت بين مشروع التكوين التاريخي ، ومشروع النقد التاريخي ومشروع نظرية الاجيال ومشروع الفكر التاريخي والمزامنات ومشروع الدراسات التاريخية ومشروع التحقيقات التاريخية ومشروع الرواية التاريخية ومشروع البايوغرافيات ..فضلا عن دراسات في النقد الادبي والفلسفة والفكر المقارن . وحصيلتها جميعا اكثر من اربعين كتابا وعشرات البحوث والدراسات .
- في كتاب (تفكيك هيكل) ذكرت أنه في كتبه يزوّر المعلومات ويحرّف النصوص المنقولة عن مصادر غير مكتملة اعتمادا على إحصائيات كاذبة وبيانات ملفّقة وسرد وقائع غير صحيحة، ومعظم مصادره من صحفيين أميركيين وصهاينة.. لماذا سعيت إلى كشف زيف هيكل رغم أنه كان يعد قامة إعلامية لدى البعض؟
ج. لم اسع بنفسي الى كشف زيف هيكل ، بل انكشفت امامي حالات واضحة عن اكاذيبه ومفذلكاته ، وخصوصا عندما تأكدت تماما انه لم يقابل البتة اينشتاين الذي نشر كتابا كاملا عن حوار معه لم يحدث البتة ، فجمعت كل كتبه واخضعتها للنقد ضمن المنهج التفكيكي ، فاكتشفت ان كتبه قاطبة لا يمكن ابدا الاعتماد عليها وخصوصا من قبل الباحثين والدارسين اذ تفتقد الموضوعية والمنهج والامانة العلمية .
- في كتاب “تفكيك هيكل” أشرت إلى أن دور مصر النهضوي والثقافي في النصف الأول من القرن العشرين كان أفضل بكثير من دورها السياسي والأيدلوجي في النصف الثاني منه.. ما هي الانتقادات التي توجهها لدور مصر السياسي الأيديولوجي في النصف الثاني من القرن العشرين؟
ج. صدقا ، انا اعتز بزعامة جمال عبد الناصر وما تحّلى به من كاريزما وادوار تاريخية وكان من الممكن ان يتقّدم بمصر تقدّما مذهلا لولا سياساته الفاشلة، واعتماده على اناس امثال صلاح نصر وهيكل وامين هويدي وغيرهم من الطاقم الفاسد الذي اضر بحكمه كثيرا ،والتفرّد بصنع القرار مع قمع الحريات السياسية، فضلا عن تدخلاته واجهزة مخابراته في شؤون الاخرين مع خذلانه في حرب اليمن ووحدة مصر وسوريا وهزيمة حرب 1967 كلها قد اضرت بمنجزات الرجل التي انتكست سواء في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين . انني اعشق مصر واعتز بتاريخها وتراثها وفنونها ، ولعل اهم ما اعشقه في اهلها تسامحهم وروعتهم في تعايشهم وما قدموه للفن والادب والحياة مما يعلمنا عن عظمة تاريخ بناء استمر 150 سنة بالضبط منذ بدايات القرن 19 وحتى منتصف القرن العشرين . اتمنى مخلصا ان تعود مصر محورا ارتكازيا في المستقبل .
- هل حاربك هيكل بعد معرفته بكتابك عنه وكيف؟
لقد ذهب الرجل الى رحمة الله وليسامحه الله ويغفر له ، ولا اريد ان انشر غسيل ما فعله ضدي، فقد حاربني بلا هوادة في رزقي عندما كنت اعمل في جامعتين في دول الخليج ونجح في ذلك من خلال اعوانه ، كما كان يشتري كل نسخ ” تفكيك هيكل ” من السوق حال وصول دفعات منها الى مصر ليحرقها ، حتى ان الرئيس الراحل حسني مبارك قد اتصل بأحد سفرائه في كل من الاردن ولبنان ليحصل له على نسخة من الكتاب كما اخبروني لاحقا . كما أساء هيكل كثيرا لي من خلال تابعيه ، وقطعت علاقتي بسببه مع بعض المراكز البحثية العربية وآخرون قاطعهم لعلاقتهم بي ، ووقف ضدي من خلاله بعض الكتاب المصريين من خلال التشهير واساءة السمعة معترضين على تعييني مديرا للابحاث في مركز للابحاث كما اخبرني احد المفكرين العرب .. علما بأنه لم يستطع مواجهتي امام العالم ولم يواجه ايضا الراحل الدكتور فؤاد زكريا الذي انتقده في كتاب اصدره ضده ايضا من قبلي، لقد تحدّيت هيكل ان يخرج معي في حوار تلفزيوني امام العالم ، ولكنه تهّرب من الدعوة التي وجهّت اليه من قبل قناة تلفزيونية عربية شهيرة ، واعتقد انه يعجز عن مواجهة الاساتذة الاكاديميين كونه لم يحمل ابدا حتى الشهادة الابتدائية !
- وما قصة كتابك الثاني ضد هيكل ؟
انه لم يفهم النقد العلمي أبدا رحمه الله ، ولم اكن ضدّه شخصيا ، او أحمل عليه فانا ناقد للنص الذي كتبه ليس الا ، ولقد وجدته بعد سنوات من صدور ” تفكيك هيكل ” لم يتعلّم شيئا ، وهو يحمل نفس اساليبه وتدليساته على مدى ثلاث سنوات وهو يهذي اسبوعيا على قناة الجزيرة الفضائية ، فكنت ان جمعت كلّ احاديثه التي القاها ، واخضعتها للنقد الصارم ودققت في كل كلامه الذي كان يدّعي انه وثائقي ، وقد اسميت كتابي الثاني عنه ” بقايا هيكل ” وكان في موقف حرج لا يحسد عليه خصوصا وانني نشرت الكتاب على حلقات ( 50 حلقة) في مجلة وجريدة روز اليوسف بمصر خلال السنوات 2009 – 2010 ، وسيصدر الكتاب في طبعة جديدة قريبا بحول الله .
- مشروعك المميز عن “تكوين العرب الحديث” والذي بدأت العمل عليه في 1982 بأجزائه “العثمانيون وتكوين العرب الحديث” و”تكوين العرب الحديث”، و”بقايا وجذور التكوين العربي الحديث”، و”التكوين العربي المعاصر”.. هل سعيت لعمل تأريخ رصين للأفكار والاتجاهات للقومية العربية؟
ج . مشروع ” التكوين التاريخي ” هو احد مشروعاتي العلمية الخمسة منذ العام 1982 ، وساضيف الى الاصدارات المذكورة ضمن هذا ” المشروع ” كتاب ضخم ” التكوين التاريخي لمجتمعات الشرق الاوسط ” وكتاب ضخم آخر ” التكوين التاريخي الحديث للخليج العربي وشرقي الجزيرة العربية ” وقد انتهيت من كليهما وسادفعهما للنشر قريبا . اما ما انجزته بصدد تاريخ الافكار والاتجاهات السياسية العربية ، فهو يدخل ضمن اطار مشروع آخر لي اسميته بالمزامنات ، اذ صدر كتاب ” المزامنات الاولى ” معالجا فيه المنهج والنظرية واصدرت ” المزامنات الثانية ” معالجا نقد الاشكاليات الفكرية ، وسيصدر قريبا ” المزامنات الثالثة ” وعالجت فيه الاستنارة العربية والمستنيرون العرب .. اما المزامنات الرابعة فيختص بالثقافة العربية والمثقفين العرب وصولا الى المزامنات الخامسة معالجا فيها متغيرات المجتمع العربي والرؤية الى المستقبل ..
7. ما رأيك في الدعاوى التي ترفض الانتماء العروبي وترجع عظمة العراق ودول الشرق كمصر وسوريا إلى تاريخهم الحضاري الأقدم.. الحضارة السومرية والآشورية والمصرية القديمة…الخ؟
ج. هذه الدعاوى قديمة ، وتتجدد من حين الى آخر ، وخصوصا في مصر والعراق ولبنان وسوريا او في المغرب العربي .. والمشكلة كما اعتقد بنيوية وتاريخية في ذاتها ، اذ لم تكن موجودة قبل العام 1919 ، ولكن مع بروز القومية العربية وما حدث من اخطاء وخطايا عند من طبقها ومزجها مع الدين والعروبة غدت عامل تنافر بدعوات الى التشظي نحو انتماءات اخرى مندثرة هذه الايام ، اذ اعتقد ان القومية لا علاقة لها لا بالدين الاسلامي ولا بالعروبة التاريخية قد سبّب ردود فعل شرسة ضدها ، اضافة الى ان الفكر القومي العربي لم يفرّق بين العرب والاعراب ، والفرق كبير بين الاثنين ، كما يظهر ذلك واضحا جغرافيا ومناطقيا ، واخيرا ، فان الفكر القومي العربي لم يحسب اي حساب لخصوصيات كل بيئة عربية تاريخيا وثقافيا ، فسعى الى الوحدة الاندماجية سعيا خاطئا دون الالتفات الى ردّات الفعل ، علما بأن العروبة ظاهرة تاريخية تعايشت مع كل الاجناس في بيئاتنا عبر الاحقاب !
- قيل أنه من خلال نظرية “المجايلة التاريخية” التي نشرتها في كتاب بعنوان “المجايلة التاريخية: فلسفة التكوين التاريخي” تنبأت بالثورات التي حدثت في المنطقة حيث أشرت إلى أن عام 2009 سوف تحدث فيه تغييرات جذرية تمثل نقطة تحول في المنطقة. هل هذا صحيح؟
ج. لم اتنبأ بها ، بل توقعت حدوثها ، فالنظرية نشرت عام 1999 والتي اعتمدت قياس الاجيال في سلاسلها التاريخية ، ولما وجدت تلك السلاسل تختتم كل 30 سنة اي حياة كل جيل بقفلة تاريخية منذ ازمنة طوال ، ووجدت ان 1799 انتهت حملة بونابرت على مصر وبلاد الشام وان 1829 قضي على النظام العثماني القديم وان 1859 بدأت الحياة الدستورية العثمانية وان 1889 بدء زمن الاستنارة العربية وان 1919 بدأت حياة الكيانات العربية المعاصرة ، وان 1949 فشل العرب امام الكيان الصهيوني وتبلور التيارات الراديكالية والانقلابات العسكرية وان 1979 حدوث الثورة الايرانية وانطلاق التيارات الدينية المتشددة والدكتاتوريات الشرسة ، فكان لابد من قفلة لهذا الجيل بين عامي 2009 – 2010 التي توقعت فيها حدوث تغييرات جذرية تمثل نقطة تحول في المنطقة ، وقد اعتنى الالمان بذلك من خلال حوار جرى معي في ديرشبيغل عام 2002 . ثم تناولت الموضوع عدة صحف ووسائل اعلام .. وانتظرنا الانفجار فكان نهاية 2010 .
- هل تسير حركة التأريخ في العراق والمنطقة العربية وفق معايير علمية في الوقت الحالي أم تعاني من مشاكل؟
ج. ليست هناك معايير علمية اليوم في كل منطقتنا العربية واغلب العالم الاسلامي ، فقد افتقدت البوصلة الفكرية والعلمية في مجتمعاتنا قاطبة ويا للاسف الشديد ، فكل مجتمعاتنا مشلولة ومترهلة وغير منتجة، بل وغير مشاركة هذا العالم المعاصر الذي تأخرت عنه كثيرا .
- ما تقييمك لحال الثقافة في العراق وهل تبشر بنهضة؟
ج. شهد العراق منذ اكثر من مئة سنة ولادة نخب مثقفة ومتخصصة ومبدعة ، وتطورت انتلجينسيا العراق في ابداعاتها الادبية والشعرية ، وفي الرواية والنقد والفنون التشكيلية والمسرحية وفي الطب والعمارة والقضاء .. الخ ولكنها انتكست منذ حكم العسكر العراق وادخلوا البلاد في صراعات سياسية وحزبية واستبداد سلطة وحروب شنيعة وحصار اقتصادي وتدمير اخلاقي وصولا الى الاحتلالات واستلاب الموارد وتفشي الفساد .. وقد طحن المجتمع وتفككت بنيته وتشرذمت انتماءات ابنائه .. ولا اعتقد ان حال الثقافة فيه تبشّر بنهضة .. ابدا حتى اليوم !
- ما رأيك في الحراك الشعبي العراقي الذي بدأ في أكتوبر 2019 وهل يمكن اعتباره ثورة شعبية؟
ج. نعم ، انه حراك ثوري له سلميته ، وقدم تضحيات بالغة من شباب العراق اذ انه واجه التحديات بالقتل والتصفيات والخطف وبقي صامدا بالرغم من استلاب ارادته المضادة للفساد والفاسدين ، ولكنني اعتقد ان الموجة العارمة لفايروس كورونا واجتياحها العالم كله قد اضّر بذلك الحراك الثوري في العراق ، وبالرغم من وقوفنا معه الا ان علينا ان نعترف ببعض المثالب التي حدّت من انتصاره ضد النظام الحاكم ، منها انه بقي في اطار طيف اجتماعي واحد دون بقية الاطياف ، وايضا انه بقي وحده دون ان تناصره اية قوى سياسية فاعلة لا في الداخل ولا من الخارج ، وايضا انه لم يعلن عن قيادة ثورية واضحة تعلن عن برنامجها واهدافها الحقيقية ، فهل الحراك قد انطلق وبقي من اجل اسقاط النظام ، ام من اجل ترميم هذا النظام ؟؟
- في رأيك هل يمر العالم بحرب عالمية ثالثة من نوع جديد كما يشاع حاليا وأن انتشار الفيروسات أحد وسائلها ؟
ج. لا اعتقد ابدا ، اذ انني اشبه العالم اليوم ببيت كانت العائلة فيه منقسمة ومتصارعة كل يسعى لمصلحته ، وفجأة يشبّ حريق مهول في بعض اركان البيت ، فتجد كل واحد اغلق باب غرفته ، وانزوى فيها ، على امل ان هناك من سيطفئ الحريق وعندما سيخمد النار ، ستعود حليمة الى عادتها القديمة !
- ماذا عن القادم من الاصدارات ؟
ج. عدة اعمال تاريخية ونقدية وبايوغرافية، منها : كتاب “الزعماء: بناة وطغاة “، وكتاب ” على المشرحة “، وكتاب “نادرشاه ايران “، وكتاب من عدة اجزاء عنوانه : ” نسوة ورجال : ذكريات شاهد الرؤية “، وسأعيد نشر كتابي : “انتلجينسيا العراق ( تاريخ النخب المثقفة في القرن العشرين ) “، وكتاب ” العراق في الذاكرة العربية “، وكتاب ” الشخصية العراقية: التشكيل والانماط والتنوعات ” ، وكتاب ” التعايش العثماني بين العرب والاتراك ” وغيرها من الاعمال .
- هل حددّت رؤيتك لمستقبل المنطقة ؟
ج. نعم في اكثر من كتاب ودراسة وحوار .. من المحتمل ان تنفرج الازمات في عموم الشرق الاوسط في العام 2039 او العام الذي يليه ، لتبدأ حياة جيل جديد يختلف تفكيره ورؤيته عن تفكير الجيل الحالي الذي ورث كل مشكلات القرن العشرين وترسباته وموروثاته الصعبة ، وتختفي احزاب وزعامات وايديولوجيات وجماعات ونظم سياسية وتحلّ بدلها بدائل جديدة .
نشر في كتابات بتاريخ 25 آذار / مارس 2020 ، ويعاد نشره على الموقع الرسمي للدكتور سيار الجميل