عمّان – ناجح حسن – قال المؤرخ العراقي الاستاذ الدكتور سيّار الجميل إن ما تعيشه المنطقة العربية من تحولات عصيبة وواقع صعب مليء بالمفاجآت جاء نتيجة لضياعها بين الفكرة القومية والفكرة الدينية وما أدت إليه من نزعات إقليمية وطائفية ومذهبية.
وأضاف الجميل في محاضرته المعنونة (لماذا وصل تاريخنا الى هذا المآل؟) التي اقامها المنتدى الثقافي في مؤسسة عبد الحميد شومان أول من أمس 4 /5/ 2015 إن مؤشرات هذا التيه يكمن في تهميش دور المثقف وغياب العدالة الإجتماعية وعقم المناهج التربوية والتعليمية، وإلى تفشي البطالة والظلم وعدم تطبيق القانون وتفشي الاخلاق الرخوة . مبيناً إن مجتمعاتنا ما زالت أسيرة وقائع الماضي، فهي تعيش حاضرها على نتائج (سقيفة بني ساعدة)وتداعياتها !
وأوضح ، إن الثروة الحقيقية تكمن في الإنسان الذي يزرع ويعمل ويدرس ويقرأ ويثقف ذاته وأن أي جائزة دولية أو مرتبة أو إنجاز رفيع يحققه هذا الإنسان لهو تجسيد حضاري يرتقي فيه المجتمع بين الأمم.
وبيّن الجميل حاجة مجتمعاتنا لإعادة قراءة التاريخ وأن تنفتح على ثقافات العالم، مبينا أنه لا قيمة لثروات الأمة إن لم تكن منذورة للإبداع، متسائلاً عن أسباب غياب البرامج الثقافية على شاشات التلفزة العربية ( 731 فضائية بالعربية على مدى 24 ساعة ) في الوقت الذي تزخر فيه ببرامج الغيبيات والسحر والشعوذة والحظ والتفاهات واثارة الشغب والفتن !
وطالب المحاضر ضرورة أن يكون هناك قائد ذكي ومخلص للمجتمع وصانع قرار جريء لديه بطانة من ذوي الأخلاق والمعرفة يستشيرهم وقت المحن والأزمات واللحظات الحرجة عدا عن كونه منفتح على العالم، يرسم قوانين تؤيدها الاغلبية في المجتمع، كما يعي دور التنمية الشاملة وتوزيعها بشكل عادل على منجزات حقيقية يشعر فيها كل أفراد المجتمع، مبيناً إن الثروات قد تكون أيضاً عامل تدميري لا قيمة لها، أو أداة للفوضى والإضطراب والتدخلات الخارجية إذا أسيء توظيفها، إذ أن المجتمعات لا تنهض ولا تستطيع الحراك صوب التطور والتقدم بلا قوانين عصرية أو مؤسسات ديمقراطية أو إصلاح تعليمي وتنموي.
وقال الجميل في المحاضرة التي قدمه فيها الدكتور محمد الأرناؤوط إن المنطقة العربية في السنوات الاخيرة شهدت بوادر للإنطلاق والتغيير من خلال ما أصطلح على تسميته بالربيع العربي، قبل ان تداهمها متغيرات استلاب جذرية أعادت المنطقة مئة عام أخرى الى الوراء، لاسيما وأنه على الرغم من كل التغييرات التي عاصرتها المنطقة في الماضي، فانها لم تشهد مثل هذا الإمعان في القتل والتدمير على نحو بشع ومروع رافقه تدمير أماكن العبادة والآثار وتشريد للأهالي من بيوتهم .
وألقى صاحب كتاب (تفكيك هيكل) اللوم على بعض المؤرخين والمثقفين العرب الذين اساءوا الى تاريخ المنطقة وحركة تطوره أكثر من المستشرقين والمؤرخين الأجانب، مبيناً إن تداعيات المنطقة السياسية أثرت على إشتغال المثقف ورؤى المفكر العربي، بحيث قادت البعض منهم إلى الإنتحار أو الجنون او الانحراف ، جراء فجيعتهم بأفول زمن الإستنارة الذي كانت تنعم فيه المنطقة بالماضي عند بدايات القرن العشرين ، حيث الإنتشار الطاغي للصحافة بشتى أشكال تعابيرها والصادرة في لغات متعددة، وعلى الأخص بروز ظاهرة إزدهار صحافة الكاريكاتير، وكتابات التجديد في قراءة موروث المنطقة الحضاري ضد الظلم والإستبداد، وبدء تشكيل التجمعات السياسية وتطور الانظمة المدنية لافتاً إلى أن تلك الحقبة الماضية العائدة إلى بدايات القرن الفائت إتسمت أيضاً بإزدياد تشييد المسارح ودور الاوبرا وصالات السينما ومنتديات الادب مع حراك ثقافي حيوي وأبداعات الفنون الجميلة كأعمال النحت مثلاً.
وأعتبر المحاضر الذي يدرس التاريخ الحديث في كندا وجامعات عالمية ، إن هناك بصيصاً من الأمل والضوء في إنتظار مستقبل الأمة، لكن ذلك يعوزه الكثير من العمل والتصميم الحقيقي الذي يراعي حركة التاريخ الجديد، وخلاف ذلك فإن الكارثة ستضرب الجميع عندها ستبقى الشعوب العربية أسيرة الظلم والعنف والقهر والتفسخ والإنقسام.
المؤرخ العراقي سيار الجميل المقيم في كندا متمّيز بمنجزه الإبداعي وفلسفته للحياة والزمن والتاريخ، فقد أثرى الثقافة العربية بكل جديد، وأمتلك ناصية النقد وآليات التفكيك والتحليل، وهو الذي أبلى جهدا ومعرفة على تثقيف نفسه وتكوينه الخصب الذي يقطف من الموروث العربي الاصيل وعوالم الحداثة فهو صاحب منهج نقدي بديع الأسلوب.
فّدم الجميل افكاره وقناعاته وتصوراته وتحليلاته في الاستراتيجية والتحولات العولمية بفطنة اصابت هدفها، وهو الذي يسجل توقعاته باستقلاليته السياسية وحرية كلمته وجرأته وقوة آرائه وموضوعيته ودقته وعلميته.
كما واجه سائر النزعات المذهبية والطائفية والاقليمية وتعسف الاراء الفكرية لدى التيارات السياسية، كما وقف ضد عوامل التخلف والتقهقر للامة وهو يؤمن بالحرية والتقدم فهو الذي يمّثل فكريا ريادة المجتمع العربي الجديد بأبهى تجلياته.
نادى الجميل بالنهوض في المجتمعات العربية بعيدا عن الغلو ولكن على ارضية من البذل والعطاء والاحترام للرأي الآخر والتفاعل مع صنوف الثقافات الانسانية.
نشرت في جريدة الرأي الاردنية الأربعاء 2015-05-06
شاهد أيضاً
رموز وأشباح الحلقة 42 : برقيات وشفرات أميركية أرسلت من بغداد طوال يومي 14-15 تموز / يوليو 1958 لماذا لم يتمّ رفع السرّية عنها بعد مرور اكثر من ستين سنة على الحدث ؟
رموز واشباح الحلقة 42 : برقيات وشفرات أميركية أرسلت من بغداد طوال يومي 14-15 تموز …