المفرق / عمّان 6 أيار (بترا)- بدعوة من كلية الآداب في جامعة آل البيت وبالتعاون مع مؤسسة عبد الحميد شومان، قال الخبير الدولي في الدراسات الاجتماعية والثقافية والتاريخية الاستاذ الدكتور سيار الجميل، إن المنطقة العربية في السنوات الأخيرة شهدت بوادر للانطلاق والتغيير من خلال ما اسمي بـ “الربيع العربي” قبل أن تدهمه تغيرات جذرية استلابية أعادت المنطقة إلى الوراء على الرغم من كل التغييرات التي عاصرتها المنطقة في الماضي.
وأكد الجميل خلال محاضرة ألقاها بعنوان “الأزمنة العربية ومآلاتها” في جامعة آل البيت بدعوة من كلية الآداب بالتعاون مع مؤسسة عبد الحميد شومان، اليوم الاربعاء 5 /5 / 2015، أن المجتمعات العربية بحاجة ماسة إلى مقومات جديدة لها القدرة على التعامل مع العالم بمرونة، خصوصا مع وجود مقومات وعناصر موحدة في الوطن العربي. ولقد حلل الاستاذ الجميل طبيعة البنية التاريخية للازمنة العربية الحديثة وحالات التموج التي عاشتها مجتمعاتنا منذ بدايات القرن التاسع عشر ، وتطور تلك الازمنة من خلال سلاسل الاجيال بدءا من حملة نابليون بونابرت على مصر وسواحل فلسطين عام 1799 التي شكلت صدمة تاريخية اثارت حراك المجتمعات العربية على مدى ثلاثين سنة حتى 1829 ، مرورا بالتنظيمات العثمانية واصدار القوانين المدنية المتنوعة الخاصة بالإدارة والاراضي والتعليم والمدن والبلديات والمتصرفيات والمؤسسات على مدى ثلاثين سنة حتى العام 1859 ، انتقالا الى زمن البحث عن الدستور والتفكير بالحقوق والواجبات والصراع من اجل تقييد سلطة الاستبداد والانفتاح الفكري على اوروبا حتى العام 1989 .. انتقالا الى زمن الاستنارة وولادة جيل مخضرم بين قرنين على عهد السلطان عبد الحميد الثاني ومتغيرات الانقلاب العثماني وتجربة المشروطية الثانية حتى زمن الحرب العالمية الاولى الذي تشكلت فيه صدمة تاريخية كبرى وما قدمه العرب ومن تعايش معهم من تضحيات ومواجهة تحديات انتهت على مدى ثلاثين سنة من خلال مؤتمر فرساي عام 1919 وما لحقه من مؤتمرات قاد الى تشكيل كيانات جديدة مع تبلور كيانات قديمة والدخول في زمن ما بين الحربين العالميتين في النضال ضد الاستعمار وصدمة تأسيس كيان صهيوني وتداعيات ذلك على مدى ثلاثين سنة .. ليبدأ زمن من نوع آخر عام 1949 شغل المجتمعات العربية قاطبة بتبلور المد القومي ووصول الاحزاب القومية والعسكر من خلال الانقلابات العسكرية الى السلطة وكان من ابرزها ظاهرة جمال عبد الناصر على مدى ثلاثين سنة .. وقد خبا ذلك الزمن مع العام 1979 الذي اعتبرته اخطر عام في القرن العشرين ، عندما طغا الاسلام السياسي من خلال وصول اول حاكم يحكم باسم ولاية الفقيه في ايران ، وولادة ظاهرة الافغان العرب اثر غزو السوفييت لافغانستان ، وزيارة الرئيس انور السادات للكنيست الاسرائيلي .. فكان ان تبلورت تيارات وحركات لا حصر لها في الاسلام السياسي .. وقد طغا الاستبداد والدكتاتورية خلال هذا الزمن ودخلت المنطقة في حروب اقليمية ومحلية سمحت بالتدخلات الخارجية ، وبذرت مليارات الدولارات على الانفاقات العسكرية والاعلاميات الطائشة والحصارات ، فازدادت المجتمعات قهرا وتفاقمت بشاعة السلطات ظلما .. وانتقلت المجتمعات العربية الى زمن آخر مع 2009 وانطلاق الثورات العربية نهاية 2010 كي نعيش اليوم في زمن يمتلئ بالانسحاقات والتدمير والتمزقات والانقسامات الطائفية والعرقية مع صراعات وحروب وتدخلات سافرة .. وسيدوم هذا الزمن حتى العام 2039 كي يعقبه زمن اولادنا القادم عام 2069 ومن ثم يعقبه زمن احفادنا ما بعد القادم عام 2099 ويختتم القرن الحادي والعشرين ..
ودعا الاستاذ الجميل بعد تحليله التاريخي البنيوي والتحقيبي الى ضرورة رعاية الجيل الجديد بإيجاد أساليب ومناهج تربوية منفتحة ترعى الإبداعات ، وتوفير فرص المنافسة من خلال البناء العلمي والتكوين الثقافي . وتخليص الجيل الجديد من الآفات السياسية ومن الاوبئة الطائفية وانقاذه من حالات الاحباط والترهل مع استعادة القيم النبيلة والاخلاقيات العليا .. وتبديل الذهنية المركبة الى ذهنية منفتحة ، وانتقد الاعلاميات العربية الماكرة والفاسدة ، وما الذي تقدمه الفضائيات ومواقع الاتصالات على الشبكة العنكبوتية من تفاهات واثارة فتن وشعوذات وجهالة وبدائيات وغلق منافذ العقل باسم الدين مع تشويه وتزوير للتاريخ وشل حركة التقدم في المجتمع بالوقوف حجر عثرة امام اية تجديدات وتطورات !
ولفت الجميل إلى أن المجتمعات لا تنهض ولا تستطيع الحراك تجاه التطور والتقدم بلا قوانين عصرية أو مؤسسات ديمقراطية منضبطة أو إصلاح تعليمي وتنموي، موضحا أن تداعيات المنطقة السياسية أثرت سلبياً على المثقف والمفكر العربي تأثيرا بالغا .
وشدد على ضرورة النهوض بالمجتمعات العربية بعيدا عن الغلو والتطرف على أرضية من البذل والعطاء والاحترام للرأي الأخر، والتفاعل مع صنوف الثقافات الإنسانية. وحضر المحاضرة التي أدارها الاستاذ الدكتور عليان الجالودي، عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية وعميد معهد بيت الحكمة ، ومدير مركز اللغات ، ورئيس قسم التاريخ ، وجمع غفير من أعضاء الهيئة التدريسية والطلبة رفقة شخصيات من المثقفين الضيوف .
وفي نهاية المحاضرة التي سجل فيها الاستاذ والمفكر الضيف جملة من الافكار والتحليلات الرائعة مع رؤيته الى المستقبل المنظور والبعيد ، دار حوار غني موسع بين المحاضر والحضور. ومن الجدير بالذكر ان جامعة آل البيت قد احتفت في هذه المناسبة بالبروفيسور سيّار الجميل الذي كان قد قضى في رحابها استاذا في قسم التاريخ فيها على عهد تأسيسها للفترة 1995- 2000 . وكان قد انتخب فيها عضوا في مجلس الجامعة ممثلا عن اساتذة كلية الآداب على عهد رئيسها المؤرخ المعروف الاستاذ الدكتور محمد عدنان البخيت . ولقد دعي الضيف الى حفل غداء في رحاب الجامعة .
–(بترا) ه ق/س أ/س ق
6/5/2015 – 03:48 م
الرئيسية / الرئيسية / محاضرة البروفيسور سيّار الجميل في جامعة آل البيت بالاردن حول الازمنة العربية ومآلاتها
شاهد أيضاً
رموز وأشباح الحلقة 42 : برقيات وشفرات أميركية أرسلت من بغداد طوال يومي 14-15 تموز / يوليو 1958 لماذا لم يتمّ رفع السرّية عنها بعد مرور اكثر من ستين سنة على الحدث ؟
رموز واشباح الحلقة 42 : برقيات وشفرات أميركية أرسلت من بغداد طوال يومي 14-15 تموز …