كنّا نترقب إعلان نتائج المنافسة الكبيرة بين ايرينا بوكوفا وفاروق حسني على منصب إدارة اليونسكو ، وأخيرا ، فازت ايرينا ، وهي سيدة بلغارية معروفة في السلك الدبلوماسي ، وفاتت اليونسكو على العرب مرة أخرى ، إذ فازت السفيرة ايرينا بالمنصب باكثرية 31 صوتا مقابل 27 صوتا للوزير فاروق ، وهي البالغة من العمر 57 عاما ، اذ ولدت في 12 يوليو 1952 وتعمل سفيرة لبلادها بلغاريا لدى باريس ولدى منظمة اليونسكو نفسها ، وقد وجهت فور انتخابها تحية لمصر والى فاروق حسني وصرحّت للوفد المصري : ” إنني آمل في أن نكون معا ، لأنني لم أؤمن يوما بصراع الحضارات ” . وستتم مصادقة المؤتمر العام للمنظمة بأعضائها 103 في اكتوبر القادم ليغدو نافذا ، كي تصبح ايرينا بوكوفا أول امرأة تتولى هذا المنصب ، الذي سيقف على رأسه لأول مرة أحد مواطني دول المنظومة الإشتراكية السابقة. فمن تكون هذه المرأة ؟ وهل ثمة استثناءات عندها ، خصوصا عندما نعلم بأن حياتها قد حفلت بأنشطة رائعة وخدمت بكل ما استطاعت بلادها وأوربا والعالم خدمات لا تضاهى ، وهي متزوجة ولها ولدان ، وتتحدث أربع لغات بطلاقة بالغة : الانجليزية والاسبانية والفرنسية والروسية.
انها إيرينا جورجيفا بوكوفا Irina Bockova من مواليد بلغاريا 12 يوليو، 1952 ، وهي سياسية مخضرمة بين عهدين ، وغدت عضو برلمان فترتين، ثم وزيرة للشؤون الخارجية، ثم سفيرة حاليا لبلادها . تناصفت حياتها بين عهد شيوعي وعهد ما بعد الشيوعية ، وهي ابنة رئيس تحرير الحزب الشيوعي الحاكم .. كانت طالبة ناجحة ، التحقت بعد الثانوية بمعهد موسكو للعلاقات الدولية ونالت الماجستير ، ثم حصلت على منحة لدراسة الشؤون العامة في جامعة ميريلاند بالولايات المتحدة، كما التحقت بكلية جون ف. كينيدي في جامعة هارفارد.
رجعت إلى بلغاريا قبل متغيرات العالم وزوال المنظومة الاشتراكية لتعمل في وزارة الخارجية منذ 1984 ، ثم أصبحت مستشار وزير ومنسقة رئيسية لعلاقات بلغاريا مع الاتحاد الأوروبي 1995 ـ 1997 قبل أن تصبح فترة وجيزة وزيرة للخارجية البلغارية بين نوفمبر 1996 حتى فبراير 1997. كانت ارينا قد شاركت منذ 1990 عضوا في الجمعية الوطنية التأسيسية ، وفي صياغة دستور بلغاري جديد ، وترأست وفد البرلمان البلغاري في الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا ، وغدت عضوا في لجنة السياسة الخارجية واللجنة المعنية بحقوق الإنسان ، واستهلت الندوة البرلمانية الأولى في الإعلان الأوروبي لحقوق الإنسان وصارت عضوا في المجلس التنفيذي لليونسكو منذ 2007 .
عملت سفيرة فوق العادة ومفوضة لبلغاريا لدى فرنسا وإمارة موناكو ومندوبا دائما لدى اليونسكو وممثلة الرئيس البلغاري لدى المنظمة الدولية للفرانكفونية ، وترأست الدورة الاستثنائية الثانية للجنة الحكومية الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي ، وتعد تجربتها البرلمانية تجربة خصبة منذ يونيو 2001 ، ومنها غدت نائب الرئيس للسياسة الخارجية والدفاع والأمن اللجنة ، وعضو لجنة التكامل الأوروبي ، ونائب رئيس اللجنة البرلمانية المشتركة بين بلغاريا — الاتحاد الأوروبي ، وكان لها نشاط داخل المجتمع المدني لأكثر من ثماني سنوات إبان متغيرات العالم ، أي بين 1997 – 2005 .
أسست منتدى السياسة الأوروبية وترأسته في صوفيا منذ 1997 ، من أهدافه الرئيسية تعزيز الهوية الأوروبية ، وإقامة حوار على أساس تنوع التقاليد والثقافات والتطور التاريخي بهدف التغلب على الانقسامات في أوروبا ؛ مع تحليل وتطوير عمليات التكامل في أوروبا والعالم في مجالات عدة ، فضلا عن تعزيز القيم الأوروبية ، وصياغة المواقف وخلق البدائل الرئيسية . لقد كانت ايرينا وراء تأسيس مشروع أوربي ثقافي على امتداد أكثر من عشر سنوات من اجل خدمة الاتحاد الأوروبي بالاشتراك مع معاهد ورابطات وجامعات أوربية شملت على سياسات الاقتصاد الكلي ، والزراعة والقضايا الاجتماعية وجنوب شرق أوروبا ، في عالم متغير ، والأمن الأوربي للشباب . لقد نفذ مشروع تيمبوس وكانت ايرينا وراء نجاحه باشتراك عدة دول فيه ، فنجحت في مؤسسة بناء القدرات في مجالات التعليم والرعاية الصحية ، وانتصر بدخول بلغاريا للاتحاد الأوربي .. وقد ضم فريقها نخبة عليا من اقتصاديين وفلاسفة وفقهاء بلغار خاضوا مدافعين في ورش عمل في صوفيا وبروكسل مع مندوبين عن المفوضية الأوروبية وأعضاء في البرلمان الأوروبي . وانعقد في صوفيا 2004 ، المؤتمر الدولي حول التنوع في الأمم المتحدة : الوطنية والهوية الثقافية في عالم العولمة ، وبمشاركة فكرية بلغارية وبولندية وبرتغالية لخدمة الاتحاد الأوروبي .. لقد كانت ارينا تخطط لذلك منذ كانت وزير دولة للتكامل الأوربي عام 1997 . ونجحت في مهامها السياسية وغدت وجها مألوفا لدى الأوربيين مهتمة بالحوار بين الثقافات والمرأة والهوية والتكامل ونالت عضويتها في أهم المنظمات الأوربية .
لقد نشرت بعض كتاباتها ، ومنها : بلغاريا والتوترات العرقية في البلقان والبحر المتوسط. ورصد انضمام بلغاريا إلى الاتحاد الأوروبي ، ومنتدى السياسات الأوروبية .والتكامل من جنوب شرق أوروبا في عملية التكامل الأوروبي . ولها عدة مقالات حول السياسة الخارجية وقضايا الاندماج الأوروبي. ونالت القيثارة الذهبية من اجل تعزيز الموسيقى البلغارية والفن في فرنسا .
هذه هي صفحة ارينا بوكوفا التي اجمع عليها المنتخبون إزاء الوزير فاروق حسني الذي يبدو انه لم يحّصل الا على 27 صوتا تمّثل أصوات دول عربية وصديقة فقط ! كّنا نأمل أن يكون رصيدنا نحن العرب اكبر في عالم الثقافة ، ولكن أتمنى أن يتأمل المرء في سيرة مثل هذه المرأة وخدماتها لبلادها ، وحجم أنشطتها وفاعليتها في حياة هذا العصر .
نشرت في البيان الاماراتية 30 سبتمبر 2099 ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com
شاهد أيضاً
على المشرحة.. لا مواربة سياسيّة في الحوار العلمي (الحلقتان الثالثة والرابعة)
ثالثا : الاحرار العرب : مستنيرون لا خونة ! 1/ اخطاء تاريخية وتحريف للتاريخ ويستكمل …