أوباما بجامعة القاهرة
لقد كانت كلمة شجاعة حقا ، وحّيا من خلالها ، الإسلام ، كونه مجالا يوفّر السلام ، وبأن القرآن الكريم دعوة سلمية .. الخ ويبدو أن أي زعيم غربي من قبله ، لم يداعب عواطف المسلمين كالذي فعله اوباما ، إذ كان الأخير فنانا في مشاطرة الآخرين أحاسيسهم .. ولكن خطابه يأتي في زمن خامل لم يشحن بالإعلام والانتظار .. لقد كان مفاجأة ، وأخشى أن ينتهي إلى فقاعة ، إذ ينبغي أن نسأل : هل كان الخطاب يعّبر عن وجهة نظر السياسة الأمريكية ؟ أي بمعنى انه يمثل إستراتيجية جديدة أم انه مجرد محاضرة عامة لأستاذ متمّرس وخطيب مفّوه ؟ إن خطابا يوجه إلى 48 بلدا في العالم الإسلامي ، لا يعني أن الناس جميعا لا هم لهم إلا فلسفة اوباما .. وان القادة والزعماء في العالم الإسلامي ليست لهم القدرة على ترجمة أي مبادرة تاريخية إلى واقع ! وان يستثمروا أي كلمة رائعة من اجل المستقبل .
قال اوباما إن التغيير لا يحدث بين عشية وضحاها وأنه لا توجد كلمة واحدة للفصل ، بل أن القضاء على سنوات من انعدام الثقة ، بحاجة إلى رسم صورة نمطية جديدة للولايات المتحدة في الأذهان والعقول . ويرى الرجل أن جزءا من واجبه كرئيس للولايات المتحدة ، مكافحة الصور النمطية السلبية عن الإسلام حيثما ظهرت . وأشار إلى أهمية الإسلام في تعزيز السلام بما يناسب الحقيقة.
ليس ثمة شك في أن أوباما هو شخص عظيم ، مشرق بشخصيته ، ومن كبار المتحدثين ، ومن المؤكد ، انه يبدو ـ كما اعتقد ـ رجل حسن النوايا ، وان ما قاله يشّكل عنده هاجسا كونه يمّثل رؤية يؤمن بها ! وهذا ما يخيف خصومه وكل من ناصب خطابه العداء ، الذين ترجموا أفكاره على نحو سيئ للغاية مثل إسرائيل وإيران.. وهناك من يتّوقع أن الحدث والخطاب سيكونا ، للأسف ، في نهاية الطريق ، بتفجّر المزيد من العنف ! ويعّلق آخرون انه عندما يأتي شخص مثل أوباما بهذه الرؤية ، فإنه يفهم على كونه ضعف ممثلا بزعيم ضعيف وهزيل ! وقالوا بأن الخطاب لم يتضمن أي مفاجآت سياسية أمريكية بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ، من دون أن يدركوا أية خطوات في التاريخ !
الإجابة على هذا السؤال لن تكون قد وجدت في جامعة القاهرة ، حيث تحدث اوباما إلى العالم الاسلامي. وبدلا من ذلك ، لن يتم العثور عليها في المساجد وقصور في العالم العربي. وإلا إذا كان هناك حكام تأخذ الأيدي التي امتدت لها ووضعها اوباما نفسه على قلوبهم ، وخصوصا بعرض إمكانية قيام دولة فلسطينية. ولكن هل سيكون قادرا على إقناع إسرائيل لاتخاذ هذه الخطوة؟ ودعا إلى حوار مع الشباب الإسلامي. ولكن هل يمكن إيقاف نجاحات طالبان ؟ ودعا إيران إلى التخلي عن جهودها لإنتاج قنبلة نووية. ولكن آيات الله في طهران ، قالوا بأن القاهرة ليست مركزا للعالم الإسلامي .. ولم تهمهم غير أجندتهم وعقيدتهم ، إذ ينبغي أن تكون كلمتهم هي الأولى ! وبقدر ما أصاب الرجل الحيف من إيران .. انتقدته إسرائيل انتقادات مريرة !
إن المرء يصدّق اوباما ، وهو يفتتح بشخصه صفحة جديدة في التاريخ ، فهل هذا محل رضى الولايات المتحدة وكل العالم ؟ فالعالم انقسم إلى قسمين ، قسم معه وقسم ضده كونه سّجل ضربة هدف سديدة لما يؤمن به الرجل ، بقوله للمستقبل : ها انا ذا خطوت خطوة كبيرة شبيهة بتلك التي خطاها ثلاثة رجال كبار من قبلي ، وحققوا من خلالها انتصارات لكل البشرية ! مارتن لوثر كينغ ، وهو يخاطب الناس عن حلمه قرب نصب لنكولن التذكاري في واشنطن عام 1963 ، فتحقق حلمه الأمريكي من خلال حركة الحقوق المدنية بإنهاء التمييز العنصري. ورونالد ريغان في خطابه عام 1987 حول هدم جدار برلين الذي كان يعد محوه خرافة .. فكان غورباتشوف أن استجاب إليه وللتحدي بجرأة متناهية .. فتغير العالم بالضد مما كان عليه في لحظة تاريخية واحدة ! وويلي براندت في أول خطاب أمام البرلمان الألماني الغربي عام 1969 بإعلانه معنى جديد للتحدي ، للمزيد من الديمقراطية ، والانفتاح والحداثة الجديدة وشعبية جيل من الشباب لمناهضة حرب فيتنام وغيرها .
ما تميز به الثلاثة يكمن في إجراءات تاريخية لما وراء الخطاب ، فالكلمات تنضب معانيها إن لم تجد نفسها مغروسة في ارض خصبة وحيوية .. إن اوباما أطلق خطابا رائعا ، ولكن هل أعلن عن إستراتيجية عمل ؟ هل طالب بمذكرة تفاهم مع العالم الإسلامي ؟ وسنرى هل له القدرة إن كان مخلصا في نواياه للتواصل ، ولا يمكن أن يكون غير ذلك من ترجمة خطابه إلى نظام في التاريخ ؟ هواجسي تقول بأن نهاية تراجيدية ستلحق بالرئيس اوباما .. فهو يناطح جبالا صلبة في بلاده والعالم اجمع !
نشرت في البيان الاماراتية ، 10 يونيو ، 2009 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com