بعد مرور ستين عاما على انتصار المشروع الصهيوني بتأسيس اسرائيل ، وكان عيدا بالنسبة للاسرائليين وعدّ نكبة للعرب التي تمّر ذكراها اليوم من دون اي مراجعة عربية حقيقية وعلمية للذات والتاريخ والمصير .. ومعرفة عوامل ضعف الاستجابة ازاء التحديات التاريخية .. نجد اسرائيل لها فضاء من نوع آخر .. ولكن بالرغم من احتفالاتها بالمناسبة التي تعتبرها عيدا للتأسيس ( والاستقلال ) ، فان ثمة حقائق ينبغي ان ندركها ، وخصوصا تلك الحركة التي يقودها المؤرخون الجدد .
انهم نخبة محددة من المؤرخين الاسرائيليين واعتبروا بمثابة حركة نشأت عند نهايات القرن العشرين وبعد نصف قرن على تأسيس اسرائيل ، وقامت بنشر تواريخ عمليات طرد الفلسطينيين من قبل اسرائيل في عام 1948 ، ومصادرة الممتلكات الفلسطينية ، وعالجت حملات التطهير العرقي من قبل اسرائيل في 1948 وحولها. ولقد اعتمدت عدة وثائق رسمية اسرائيلية سرية مصادر رئيسية للكتابة ، فضلا عن استخدام وثائق بريطانية وعربية . ومن بين اعضاء هذه النخبة : بيني موريس ، بابي ايلان ، وافي شلايم ، وتوم زكييف وسمحه فلابان وغيرهم من الذين حصلوا على شهادات عليا في جامعات اسرائيلية ..
واعتقد ان مؤرخين جددا سيلحقون بهؤلاء من الذين يقدمون اليوم اطروحات صارخة في التاريخ ، ومما يثير حقا ان اسرائيل تهتم بالتاريخ وكل ما يصدر من معالجات مؤرخيها الجدد المندفعين نحو العالم ، في حين لم نشهد بروز اي نخبة من مؤرخين عرب جدد على الطرف الاخر لهم القدرة على مخاطبة العالم بنفس درجة مؤرخي اسرائيل ! ان ما يثير الانتباه ايضا تلك الاستنتاجات التي قدمها مؤرخو اسرائيل الجدد والتي توضّح تمكّن الايديولوجية السياسية لمرحلة ما بعد التأسيس والانطلاق من كون اسرائيل حقيقة بالرغم من خلاف بعضهم معها .. ان معالجاتهم تبرز الحجج الاساسية ومن ثمّ القيام بنقدها واجراء مناقشات رئيسية عليها من اجل فحص المصادر والمراجع واتاحة المجال للمزيد من القراءات التي يشاركون العالم بها من دون اقتصارها على ثقافة اسرائيل الداخلية ..
وما دام مؤرخو اسرائيل الجدد هم نتاج النصف الثاني من القرن العشرين ، اي انهم نتاج قيام دولة اسرائيل ، فهم الذين يتصدرّون موقع اصدار الرأي وانتاجه . لقد وجدت ان مؤرخي اسرائيل الجدد مهما انتقدوا ما حدث في العام 1948 وما قبل نشوء اسرائيل ، فهم يخالفون ما حدث سياسيا ولكن ليس من الناحية المبدئية .. كما انهم اعلنوا عن اشراك الجميع في تحمل المسؤولية التاريخية ، ذلك بدءا بالفلسطينيين ، ومن ثمّ العرب والمجتمع الدولي قاطبة اثر الحرب العالمية الثانية .. ولقد نجح هؤلاء في قراءة الوثائق البريطانية الرسمية بطريقة مغايرة ، بحيث وجدنا ادانات دامغة ليس للعرب وحسب ، كما كان يكتب سابقا ، بل حتى للساسة الاسرائيليين الذين ساهموا بتأسيس اسرائيل .
يقول احدهم بان الاحداث العسكرية التي وقعت عام 1948 لم تكن حاسمة. وهو يدعي ان انشاء اسرائيل ومصير الفلسطينيين مصممة من قبل السياسيين من كلا الجانبين – في مناقشات وقرارات للامم المتحدة في 1947 – 1948 ، اذ يقول ان عدم التزام اسرائيل للاستفادة من فرصة حقيقية للسلام مع العرب في الامم المتحدة في رعايه مؤتمر لوزان في عام 1949 ادت الى استمرار الصراع المأساوى بين اسرائيل والدول العربية.
لقد تعرّضت كتابات المؤرخين الاسرائيليين الجديدة لانتقادات قوية ومتكررة ، من قبل التقليديين والكتّاب السياسيين والمتدينين الاسرائيليين ، ووصفوا بالآثمين الذين يروجون ما يخدم العرب والمسلمين ، وهم يتهمون ايضا كونهم يسعون الى التغطية الحقيقية عن سوء التصرف وخطايا السلوك الصهيوني. ان واحدة من أخطر التهم التي أثيرت ضد “المؤرخين الاسرائيليين الجدد ” استخدامهم مصادر عربية. ولا ادري كيف يمكن الكتابة في تاريخ العلاقات وتاريخ الصراع بين الصهيونبة والعرب من دون مصادر عربية ؟ ويستغرب النقاد جدا حدوث ذلك باسم ” التحرك الوقائي ، وما دامت اسرائيل هي التي كانت تحرّك الاحداث ، فان من الصواب ـ حسب وجهة نظرهم ـ استخدام وثائق اسرائيل فقط !!
لقد جرت حوارات صاخبة في السنوات الاخيرة بين مؤرخي اسرائيل الجدد وبين عدد كبير من منتقديهم .. وتلك ” حقيقة ” كانت ستتبلور عاجلا ام آجلا ، فليس هناك اثمن من التاريخ في فضح كل علاقات الزمن الماضي وتحليل كل ما صدر من خطاب ، ومعالجة كل ما حدث من احداث .. لقد جرت مناوشات ساخنة عن ديفيد بن غوريون وعن تأسيس اسرائيل والدور البريطاني ومسألة طرد الفلسطينيين من ديارهم وفكرة الترانسفير ، وايضا حول العلاقات مع الانظمة السياسية العربية .. وعن كميات هائلة من مواد المحفوظات والوثائق وتقديم ادلة مؤيدة للمشروع الصهيوني وما كتب عن الاسطورة الجديدة وخيانة البلاد ( كذا ) وعن العصابات وتنظيماتها لترحيل الفلسطينيين العرب واستخدام ابشع انواع المجازر التي كشف عن بعضها مؤخرا ، وخصوصا في بعض اطروحات الدكتوراه ، فضلا عن اجتثاث اليهود من بيئاتهم واوطانهم الاصلية وترحيلهم الى اسرائيل في ابشع ماراثون بشري ..
لقد وصفت بعض اعمال تلك النخبة من مؤرخي اسرائيل الجدد بعملية تشويه منهجية وصناعة ملتوية للتاريخ ، ومبتورة للحقائق ومشوهة للوثائق !!! وجرت ردود قوية على العديد من الاتهامات المفصلة دحضا للدعاية الرخيصة المضادة والاهانات الشخصية التي تعّرض لها البعض . ووصل الامر بالبعض الى المحاكم بتهم القذف وقدمت تراجعات من هذا وذاك . السؤال : اين نحن العرب ؟
www.sayyaraljamil.com
البيان الاماراتية ، 21 مايو 2008
شاهد أيضاً
زعامات ورزايا .. ورئاسات بلا مزايا
الزعامة غير الرئاسة، والرئاسة غير الإدارة، والإدارة غير القضاء. لقد مضى زمن الزعامات الحقيقية، وماتت …