منذ اكثر من نصف قرن والقادة العرب يجتمعون في قممهم العربية تحت يافطة جامعة الدول العربية ، وهم لا يعرفون غير الاستعراضات الخطابية والانشاءات الدعائية ، يجتمعون ويتعانقون.. ثم يختلفون ويتخاصمون ! ولكن لم يعرف لهم اي خطة ،ولا اي منهج ، ولم يتفقوا اصلا على اي صفحة للمبادئ التي كان بامكانها صنع ارادة عربية عليا لمعالجة المشكلات الخطيرة بمعزل عن اية اجندة داخلية مضادة او خارجية مناوئة . وعند انعقاد اي مؤتمر للقمة العربية ، أحاول ان ارسم بعض الخطوط ، واكتب بعض الملاحظات ، وانشر بعض النقدات .. وقبل اكثر من شهر ، نشرت مقالتي : ” مؤتمر قمة ام صراع اجندة ؟؟ ” ( الحياة ، 17 فبراير 2008 ) توقعت ما ستؤول اليه قمة دمشق من خلال تفاقم صراع الاجندة المختلفة في منطقتنا .. وان القمة العشرون اعجز من مناقشة قضايا ساخنة تعج بها المنطقة ، ولهذا فقد كرّست اهدافها ضمن سياق واحد او سياقين لا اكثر ، علما بأن مشكلاتنا متلاقحة ومتواصلة وتتفاقم يوما بعد الاخر الى الاسوأ .. وان العرب لن يوفقوا تاريخيا في بناء ارادة واحدة عبر تاريخهم المعاصر! واذا كانت مشكلات الامس اهون بكثير من مشكلات اليوم ، فكيف يمكنهم ان ينتصروا لأنفسهم دولا وشعوبا في معالجة حالات التمزق والتشظي والاحتلالات والانقسامات والصراعات التي لم تعد سياسية كما كانت سابقا، بل غدت تطحن مجتمعاتنا طحنا من دون اي بصيص أمل؟ واذا كانت المشكلات السابقة عربية صرفة ، فثمة ما يزعج اليوم من تدخلات اقليمية سافرة، وتحالفات ثنائية معلنة، واجندة دولية فاضحة .
صحيح ان المشكلة الفلسطينية لم تزل هي المركزية ، مع اخفاق تام لأية حلول ومشروعات لمشكلات اخرى .. وان عدم ايجاد مخرج للمشكلة السياسية التي يغرق لبنان في لججها ، فان العرب لا يمكن ان تكّبل اراداتهم الى هذا الحد من الضياع ، فما هو طافح على السطح داخليا واقليميا وخارجيا ليس بحاجة الى مؤتمر واحد للقمة ، بل انه بحاجة الى ورشة عمل دائمة للقادة العرب يمكنهم ان يؤسسوا منهاجا وخطوطا عريضة لهم يمكنهم من خلالها ان يقترحوا ويجتهدوا ، يختلفوا ويتصالحوا ، يتقاربوا ويتباعدوا .. انهم بحاجة ماسة الى صفحة اعلان مبادئ عملي لا وهمي ، داخلي لا خارجي .. تتشكّل من خلاله استراتيجية عربية موّحدة باستطاعتها ان تضع اكثر من مشروع او مقترح او خطة للاصلاح وصنع المواقف والعمل السياسي العربي المشترك .
ان مشكلات العراق وفلسطين ولبنان والسودان والجزائر وجزر الامارات الثلاث والصومال وجزر القمر والصحراء المغربية .. مع ضمان امن الخليج واضطهادات اسرائيل ، وتهديدات تركيا ، واختراقات ايران .. الخ لا يمكن ان يعالجها لقاء استعراضي لقادة عرب يخالف احدهم الاخر ليس في معالجته للمشكلات ، بل في خطابه وتوجهاته وسياساته وعلاقاته الاقليمية والدولية .. اننا لا نطعن في شرعية التلاقي ، ولكننا نريد حلحلة لهذا الواقع المتأزم من خلال اتفاق على مبادئ عربية عامة لا حيدة عنها تنبثق منها حلول ومعالجات بعيدة عن اية اجندة اقليمية ودولية ، ونحن نعرف حق المعرفة حجم التدخلات وقوة التحالفات بين هذا الطرف او ذاك . وعليه ، فان القادة العرب بحاجة الى ورشة عمل متواصلة لمعالجة مشكلاتهم بأنفسهم ، ويصنعوا حلولا حقيقية لكل هذا الركام الصعب من المشكلات ومن اجل ايقاف حالة الانهيار التام الذي تواجهه بعض الدول في منطقتنا . ان جدولا للاعمال لا يمكن ان يكون عاديا ، ما لم ينبثق عن فلسفة استراتيجية جديدة تتبناها جامعة الدول العربية التي تعتبر فاشلة في كل مبادراتها ، فهي لا تتقدّم ابدا ، بل انها تتأخر يوما بعد آخر ، وتؤخر دوما حياتنا العربية .
لقد اطلعت على جدول اعمال مؤتمر قمة دمشق الاخير ، فكان ان ركّز ثقله كله من اجل مشكلة واحدة او اثنتين ، من دون ان يقّدم اي حلول حقيقية ، وبسبب غياب بعض القادة عن المشاركة لأسباب خلافية وسياسية عميقة .. وحتى ان شاركوا ، فان ما جرى عليه من تقليد ان يبقى الدوران مستمرا على المنوال نفسه من دون اي حراك استراتيجي عربي يعمل لانقاذ ما يمكن انقاذه .. اننا نطالب ان لا يكتفي باصدار البيانات والاعلانات حول الازمات المزمنة وما تنتجه من مشكلات . ان على مؤتمر قمة حقيقي ان يتعمق في الاسباب والدواعي التي تخلق التحديات سواء كانت معلنة ام خفية . على القمة العربية ان تحدد موقفها الثابت من اقسى ما يواجه مجتمعاتنا من الازمات الخطيرة ، ومنها : الإرهاب وخلاياه وتنظيماته .. الاختراقات الاقليمية لهذا الطرف او ذاك في الشأن العربي .. شبح التحالفات من اجل انتقال الجريمة المنظمة العابرة للحدود بمساعدة دول ومافيات .. الاتفاق على اسس وركائز موحدة وناجعة لمعالجة الوضع الاقتصادي العربي الذي يزداد تراجعاً وتردياً .. الاتفاق على صيغ موحدة او شبه موحدة في ازالة التراكمات الداخلية والوقوف معا للحد من اختراقات دول الاقليم سواء ما يخص الامن والنفط والمياه والحدود والجماعات المسلحة وزراعة الافيون.. الخ فضلا عن اتفاق بشأن عدة تداعيات دولية ، يقف على رأسها شبح الركود الاقتصادي العالمي.. اننا نعلم بأن ثمة مبادرات خرجت بها بعض المؤتمرات كانت ممتازة لو تمّ تفعيلها ومتابعتها ، ولكن لم يحدث ذلك لأسباب معروفة . واخيرا ، سواء انعقدت القمة ام لم تنعقد ، فالمطلوب خلق اوراق عربية يلعب بها القادة العرب بعيدا عن اية اوراق اخرى تثير التوترات .. واعطاء الحق لأي شعب ان يحدد مصيره بيده ، وعدم السماح لأي طرف ان يلعب باجندته على ترابنا وفي قلب منظومتنا .. والا لماذا نبقى نوهم انفسنا بشعارات ( العمل العربي المشترك ) ؟
www.sayyaraljamil.com
البيان الاماراتية ، 2 ابريل 2008
شاهد أيضاً
زعامات ورزايا .. ورئاسات بلا مزايا
الزعامة غير الرئاسة، والرئاسة غير الإدارة، والإدارة غير القضاء. لقد مضى زمن الزعامات الحقيقية، وماتت …