تساؤلات مثيرة
نشر الاخ عبد السلام بنعبد العالي مقالة في صحيفة الحياة 26 /11/ 2007 بعنوان ” اليوم العالمي للفلسفة .. انهم متكلمون جدد ؟ ” قال بان ( فلاسفتنا ) تحولوا امام الاعلام ، وامام ما يروج من جداليات كلامية وسياسوية الى مجرد ردود افعال .. وعاب الرجل تحول ( الفلاسفة) الى مجرد موظفين لما تطرحه عليهم الساحة وما تلوكه الالسن .. لك كل الحق يا صاحبي في ما تقول ، وانني اشاركك همومك .. ولكن متى كان لدينا فلاسفة في عصرنا الراهن ؟ اين قرأنا فلسفة عربية مؤثرة ؟ كتبت قبل سنوات قائلا : انني اتحّدى ثقافتنا العربية (الحديثة) الاتيان بفيلسوف عربي واحد اليوم عند مطلع القرن الواحد والعشرين او حتى من مثقفي القرن العشرين.. قدّم نظرية فلسفية عرفها العالم كله؟ او انه قدّم ابداعا فلسفيا في موضوع حيوي معين على الارض العربية وليس جزءا من انتاج معرفي في جامعات غربية؟؟ ولقد طالبت الجيل الجديد أن يؤسس ثورة نقدية عارمة لمنتجات آبائه في القرن العشرين ليقف على حقائق مذهلة وعلى اسماء كتاب مشهورين في ادبياتنا العربية كتبت في الفلسفة وغيرها، لكنه سيكتشف انها اسماء مخادعة ومهزوزة ومخاتلة ومستلبة لم يكن ذلك الكم الوفير الذي كتبته تلك الاسماء ونشرته الا مجرد ترجمات خفية عن لغات اجنبية ويا للاسف الشديد! خصوصا وان ابرز هؤلاء عاشوا في بيئة محلية لا تعرف الا لغة التهويل والمديح والتعظيم لأناس وصفوهم بالمفكرين والفلاسفة والعمالقة الكبار وهم لا يصلحون حتى لكتابة عرضحالات لدوائر رسمية او على اكثر تقدير اعتبارهم كتبة مقالات او مؤلفي كتب لا حياة فيها ولا فكر لها ولا ابداعات مثمرة عنها!
الفكر العربي : طغيان الايديولوجي على المعرفي
صحيح أن القدماء الاوائل من فلاسفتنا قد ابدعوا واثمرت جهودهم عن براعة فكر حقيقي استفاد العالم كله منهم.. ولكن عصرنا الحالي لم يشهد ولادة فلاسفة عمالقة ولا حتى اقزام صغار يتفلسفون او حتى يهذرون عن عشق للفلسفة او عن جنون بها.. لقد عجز الفكر العربي المعاصر عن الفلسفة بسبب عوامل عديدة لا يمكنني اغفالها في مثل هذه المداخلة! فالعرب على امتداد تاريخهم الحديث قد غلبوا الافكار السياسية والمعتقدات الايديولوجية المتنوعة على تفكيرهم المعرفي فحادوا عن طرائق العقل، وكانوا وما زالوا يتغّلب الايديولوجي عندهم على المعرفي. والمعاصرون اليوم كانوا وما زالوا يختنقون في اقفاص حديدية سجنهم فيها حكامهم واباطرتهم.. او انهم وجدوا انفسهم في مجتمعاتهم يتشربون من ترسبات عقيمة وبقايا التخلف وهم في شرانق تحزهم خيوطها ولا تسمح لعقولهم بالتفكير الحر والتعامل النقدي المباشر مع الحياة.. والمعاصرون اليوم عندنا قد فتحت الاجيال الاولى منهم عيونها واسماعها ومشاعرها وكل جوارحها على ما يسّمى بـ ” النهضة ” و ” التقدم “، وبعد ان اخذها هذا شمالا وسحبها الاخر يمينا وجدت الاجيال الجديدة نفسها وقد افترستها مشروعات مؤدلجة ومواعظ ملالي وممنوعات ومحرمات شيوخ وخطب سياسية رنانة عدة ازحمت بالشعارات والمقدسات والتعليمات، فصمّت الاذان وتعطلت لغة العقل وقفل على الالسنة واضطهدت المشاعر وكممت الافواه واختنقت الانفاس..
خطايا واقع متعفّن
أسأل : هل يمكننا ان نقف ولو لمرة واحدة مع نظرية فلسفية واحدة؟ اي اثراء معرفي عربي حقيقي جرى في حياتنا الفكرية الحديثة لنظريات فلسفية حديثة عاشت في القرنين السابقين؟؟ هل كانت الكتابة في موضوعات كالداروينية او المثالية او الماركسية او الوجودية او النسبية او البنيوية.. الخ فلسفة؟ هل نجحت ثقافتنا في اثراء المعرفة الانسانية بالعمل جماعات وفرق عمل نظريا وميدانيا لانتاج اعمال مميزة يلتفت اليها العالم؟ حياتنا الفكرية مجرد ندوات ومؤتمرات وشعارات وخطابات رنانة ! اي فلسفة عربية معاصرة هذه التي يتبجحون بها ونخبة المثقفين منهم تجتر المقولات وتردد النصوص وتستلب الافكار ولا تحترم الاخر وليس لها الا الاوهام والاخيلة والتشبب وذكر الامجاد وتكرار الاقوال والامثال وتدجن الكوارث وتشيد بالسلطات والدكتاتوريات..؟؟ اي فلسفة عربية معاصرة يكتبها اناس لا يعرفون الا الكتابة .. ولكن ماذا يكتبون من دون اي قراءة ولا دراسة ولا متابعة ؟؟ لماذا لم تشهد حياتنا العربية حتى اليوم اي ثورة نقدية وفكرية حقيقية او اكاديمية منهاجية لدراسة تراثنا ونقده وكشف مستوراته وفضح عوارضه وتعرية مفاسده وتقويم اعوجاجاته الى جانب احترام رجالاته وثمار ابداعاته بعيدا عن النرجسية وعن التقديسية وعن التكفيرية وعن سحق الموضوعات الحية باسم عدم سحق الذات والذات منسحقة من عصر بعيد وقد غدت في اسفل سافلين!!
واخيرا: ما الذي يمكنني قوله؟
متى يتم التخّلص من صناعة اللغو والثرثرة ؟ متى يتم التخّلص من الوعظية وتوزيع الاحكام المجانية والقاء الاتهامات القاصمة على الاحرار والمفكرين والنقاد الحقيقيين؟ متى تفرز الحياة العربية النقاوة من المفاسد والبياض من العتمة والنظافة من الاوساخ والعقل من الجهالة والحداثة بعيدا عن اقانيم التخلف..؟؟ وتعالوا نسأل: اين ( الفلاسفة ) العرب اليوم من بحثهم عن حقائق الاشياء وتوليد المعاني وتخصيب التفكير وابداعات الروح والعقل؟ اين هم من الحكمة؟ اين هم الان من نظريات العصر الفلسفية الحديثة؟ لماذا يتقبلون كل شيىء مادي وتكنولوجي ينتجه الغربيون ببساطة وسذاجة باعتباره تحصيل حاصل مشروع وشرعي ومتاح ، ولكنهم يحجمون ويتبلدون عن قبول فلسفات الغرب ونظريات المعرفة الحقيقية المعاصرة؟ لو كان لديهم فقط حركة نقدية وفكرية وفقهية اجتهادية جريئة وحرة لنفضوا عنهم وعن انفسهم وعقولهم غبار الاختناقات وترسبات الماضويات وعفونة الواقع واحترموا تراثهم الحضاري الزاهر بعيدا عن تقديسه بغثه وسمينه، واحيوا مقاصدهم النظيفة التي لا تتقاطع او تتناقض مع ثوابتهم الراسخة.
نعم، لو بدأت مشروعات تجديدية وتحديثية في التفكير العربي والاسلامي الحديث وعالج العرب زمنهم لشاركوا مشاركة حقيقية في حياة العصر، ولكنهم ، ويا للاسف الشديد ، كانوا وما زالوا يتراجعون جدا عن اللحاق حتى بفهم ذيوله وقوة صعقاته! لو كان لدينا فلاسفة حقا لأنتجوا بعد اجيال واجيال من مشروعاتهم حكماء يتدبرون امر حياتنا الصعبة وكانت ستحل مشكلات ومعضلات لا حصر لها بأيديهم.. ولتغير وجه حياتنا العربية واسرعت خطاها نحو ركب التحولات في العالم كله! وأخيرا ليس لي الا ان أسأل: هل ما زال هناك بشر سوي يقول بأن لدينا فلسفة حديثة وبعض فلاسفة كبار من المعاصرين؟؟
www.sayyaraljamil.com
3 ديسمبر 2007
شاهد أيضاً
مطلوب لائحة اخلاق عربية
تعيش مجتمعاتنا العربية في حالة يرثى لها، لما أصابها من تفكك سياسي جعلها تتمزق اجتماعيا، …