ستكون سابقة في التاريخ العالمي أن يتقلد رئيس وزراء بريطاني اسمه توني بلير منصبا جديدا عنوانه : (مبعوثا للشرق الأوسط بعد تنحّيه مباشرة ) ، أي انه سيعمل وسيطا بين الأطراف من خلال اللجنة الرباعية الدولية الخاصة بمتابعة سلام الشرق الأوسط والتي تضم الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا، أي انه سينقل كل اهتماماته بعد بريطانيا إلى الشرق الأوسط .. خصوصا وانه قد اكتسب خبرة واسعة في مشاكل الشرق الأوسط طوال حكمه . لقد عقدت اللجنة الرباعية اجتماعا لمناقشة مسألة تعيينه مبعوثا لها ، وبمباركة أمريكية بطبيعة الحال .. وأنهت اجتماعها الذي عقدته في القدس وهو أول اجتماع لها منذ الانقسام العميق الذي شهدته الساحة الفلسطينية بسيطرة حماس على قطاع غزة وقيام حكومة طوارئ في الضفة الغربية بقرار من محمود عباس .
ولكن يبدو أن التوصل لقرار بشأن بلير قد تأجل بسبب اعتراضات من روسيا التي كانت تدهورت علاقاتها مع بريطانيا خلال الشهور المنصرمة ، ولكن من المنتظر أن توافق روسيا على تعيين بلير .. وهذا شأنها ، إنها دوما تعارض ، ثم تتخلى عن مواقفها بعد مزايدتها عليه وهي تدرك مباركة الولايات المتحدة لدور بلير .. أما الموقف العربي ، فلم اسمع عن أية ردود فعل رسمية .. فما دام الصمت مطبقا ، فان الموافقة حاصلة ، وسواء وافق العرب أم لم يوافقوا ، فالأمر محسوم للرجل إلا إذا طرأ أي طارئ .. وينظر البعض من العرب إلى توني بلير كونه متحيزا جدا لإسرائيل والولايات المتحدة ، في حين يجده المعتدلون العرب انه الأفضل ليس بسبب كونه عاشقا للشرق الأوسط ، بل بسبب خبراته السياسية في الشأن الدولي وفي مقدمة ذلك : الصراع في الشرق الأوسط .. وما دام الرجل قد أعرب مخلصا عن رغبته في تولي هذا المنصب ، فهو يطمح أن تحل مشكلة الشرق الأوسط على يديه .. واستبعد ذلك تماما ، فالمشكلة ليست بسيطة ابدا ، إذ أنها معقدة جدا . وقال بلير لدى لقائه بحاكم ولاية كاليفورنيا الأمريكية ارنولد شوارزنيجر ما نصّه : ” إن كل من يهتم بالسلام والاستقرار في العالم يدرك أهمية التوصل إلى حل نهائي ودائم للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وسأبذل كل ما بوسعي للتوصل إلى هذا الحل”. إن هذا ” التصريح ” يدل دلالات عميقة على انه سيوفر المناخات السياسية الملائمة بين الفرقاء .. وينتظر أن يتركز دوره على مساعدة الفلسطينيين بالنيابة عن اللجنة الرباعية في بناء مؤسسات فعالة.
ولكن لماذا غدا توني بلير مكروها عند بعض العرب ؟
انه ليس صاحب شخصية سياسية مستقلة في إرادتها .. بل كان ولم يزل مشاركا ، بل وتابعا للولايات المتحدة .. واعتقد انه لولا تواريخه ومواقفه لنال تأييد الجميع .. ويبقى بلير زعيما مثيرا للجدل ، وخصوصا بشأن دوره في الحرب على العراق عام 2003 . ربما سيكون حياديا في البداية إن اقرّ تعيينه ، ولكنه بالتأكيد سيتعاطف مع إسرائيل .. وكلنا يذكر بأن بلير تعّرض لانتقادات شديدة اللهجة بسبب رفضه إدانة القصف الإسرائيلي للبنان في العام الماضي ورفضه كذلك الدعوة لوقف مبكر لإطلاق النار. والمهم ، سواء رضي العرب ام لم يرضوا عن مجيئ بلير مبعوثا ! فان الدور الذي سيلعبه بلير ـ كما اعتقد ـ هو لمصالح أمريكا العليا قبل مصالح اسرائيل .
كتب مراسل بي بي سي في القدس تيم فرانكس بأن المسؤولين الإسرائيليين يظهرون حماسا منقطع النظير لمكانة بلير وخبرته العميقة ، بينما يبدي الفلسطينيون تشككا أكثر في قدرته على إحداث اختلاف وتغير دائم في الوضع الراهن. وقد علقت حركة حماس على هذه الأنباء بالقول: ” إن تجربة شعبنا مع بلير سيئة ” وان تعيينه “قد يؤدي إلى تدهور الأوضاع”. وهنا بدوري أسأل حركة حماس : من يتحمّل المسؤولية كاملة في تدهور الأوضاع ؟ كان لابد للأخوة الفلسطينيين أن يجدوا لهم أي مساحة للتفاهم على الحدود الدنيا من دون أي قتال ولا أي انقسام ولا أي صراع وتمزق .. هم أنفسهم مسؤولون عنه ، وعلى أي طرف يشعر بأنه قد اخطأ ، فليعترف بخطئه .. فليس من المعقول ان يأتي من ليس له أي خبرة إدارية وسياسية وقيادية ليحكم ويفشل ثم يعّلق فشله على شماعات الاخرين !
ثمة أصوات أخرى مثل لورد ليفي المبعوث الخاص السابق لبلير في الشرق الأوسط يؤكد قائلا : إنه ينبغي التركيز على إيجابيات بلير. وأضاف :” أنا أعرف إن القيادة الفلسطينية تكن له احتراما عميقا كما أن له علاقات ممتازة مع الرئيس المصري حسني مبارك والملك عبد الله عاهل الأردن وفي الخليج”. صحيح أن هذا من حقائق الأشياء التي نعرفها في توني بلير ، ولكن كم سينجح في إعادة التوازنات في عملية السلام ؟ مع من سيكون ؟ مع من سينسق بشكل اكبر ؟ كيف ستكون سياسته وهو مبعوث لجنة رباعية وليس رئيس وزراء بريطاني ؟ هل انه سيترجم جهوده المضاعفة لايجاد حلول للمشكلات الصعبة ؟ هل سيجرى اتصالات مكوكية مع كل الأطراف ؟ هل سيكون حيويا وفعالا في خدمة المنطقة وحاجاتها ام سيكون العكس ؟
أتمنى على كل الفرقاء الفلسطينيين أن يجدوا لهم طريقا ثالثا ، فطريقهما متشاطر كل منهما باتجاه . واجد أن حركة حماس اليوم في الموقع الأضعف وهي تناشد من اجل الحوار.. إنني اعتقد أن الشرق الأوسط كله يعرف توني بلير من يكون ، ولكن لا يعرف غيره من يكون .. ومهما اختلفنا حول مواقفه السابقة في الشرق الأوسط ، إلا انه قد أسس معرفة سياسية وخبرة شرق أوسطية وعلاقات مع زعماء المنطقة . فماذا سيقدم عاشق الشرق الأوسط ؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام القادمة إن اختير فعلا مبعوثا للجنة الرباعية .
www.sayyaraljamil.com
البيان الاماراتية ، 4 تموز / يوليو 2007
شاهد أيضاً
زعامات ورزايا .. ورئاسات بلا مزايا
الزعامة غير الرئاسة، والرئاسة غير الإدارة، والإدارة غير القضاء. لقد مضى زمن الزعامات الحقيقية، وماتت …