إن كثيرا من المحللين والكتّاب العرب والإيرانيين يجدون في خطوات إيران واستعراض عضلاتها كل نجاح وانتصار ، وأنها قادرة على أن تلعب لعبتها بمهارة سواء في سياستها الداخلية أم في اختراقاتها الإقليمية أو في مناوراتها الدولية ، وخصوصا في مشروعها النووي الذي أدخلت نفسها من خلاله في تدويل مشكلة برنامجها وخصوصا بعد أن قابلها المجتمع الدولي بالعقوبات ! صحيح أن إيران قوة لا يستهان بها في المنطقة ، وان العديد من الكتاب والمحللين يتكهربون عند ذكر إيران إعجابا بها أو خوفا منها .. ولكن ثمة من يرى أن إيران تندفع في طريق وعر بكل رعونة واستهتار وهي لم تدرك بعد حجم ما ستؤول اليه نتائج سياساتها الداخلية والإقليمية والدولية ..
لقد دعاها وزير الخارجية الفرنسي فيليب دوست بلازي الى “اختيار الحوار” بهدف تفادي “عزلة متنامية”. وقال بأن : “مجلس الأمن يضع إيران بهذا القرار أمام خيار واضح: التعاون مع المجتمع الدولي أو مواصلة أنشطة تخصيب اليورانيوم والمعالجة تحت طائلة عزلة متنامية”. ولكن قابله تصريح مسؤول إيراني على مستوى عال : ” إن طهران ستواصل، رغم العقوبات التي صوت عليها مجلس الأمن الدولي بالإجماع ، برنامجها النووي ومشروع تركيب ثلاثة آلاف محرك طرد مركزي في مصنع لتخصيب اليورانيوم ، وان هذا القرار الجديد لن يشكل عقبة أمام تطور إيران في المجال النووي”. ويذكّرني رد الفعل هذا بما حصل للعراق بداية التسعينيات عندما دخل المصيدة وما الذي عانى منه على امتداد سنوات طوال والى أين انتهى مصيره ! علما بأن العالم كله كان يشهد قبل مصيدة العراق فصول الحرب العراقية الإيرانية المأساوية من دون إيقافها ..
ربما تتمسك إيران بذرائعها حول أنشطة تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية ، ولكن هذا كله لن يقنع العالم أبدا بأن من عدم نجاحها في إنتاج أسلحة نووية أو صواريخ باليستية في المدى القريب ، خصوصا وأنها تتبّع نفس تقاليد العراق الذي سبقها في هذا السيناريو عندما كان يستعرض قوته التصنيعية العسكرية والباليستية على العالم .. إن إيران لن تشعر مع من يؤيدها اليوم في برنامجها النووي أنها تلعب بالنار الحارقة في منطقة جد حسّاسة يشكّل مجالها الحيوي واحدا من أهم استراتيجيات العالم لقوة احتياطياته النفطية ، وإنها لم تستفد من تجارب من سبقها في الإقليم ، ليس في تهديد المنطقة ، بل تهديد إسرائيل التي ارتاحت لقرار مجلس الأمن ، بل وتطالب بإنزال عقوبات اشّد وأقسى على إيران .
إن المشكلة ليست في الرضوخ للإرادة الدولية كي تأخذها العزّة بالإثم ، بل لئن المنطقة تعيش أزمات سياسية ومشكلات إقليمية واحتلالات مدولنة .. وان الإقليم نفسه لم يتفق على بناء هكذا إستراتيجية متقدّمة وخطيرة لإيران مما يشعره بمخاطرها عليه وتداعيات ما ستحدثه أي تجربة أو ضربة على سواحله ومدنه في الخليج خصوصا .. إن القرار رقم 1737 الذي حظي بموافقة 15 من جميع الأعضاء في مجلس الأمن الدولي ( بمن فيهم دولة قطر ) سيكون البادرة الأولى من اجل لّي ذراع إيران .. وستتلوه مجموعة خطط أخرى حتى إزالة خطورة إيران في المنطقة . واعتقد أن المجتمع الدولي أصبح على قناعة تامة بما لإيران من مخاطر ليس ببرنامجها النووي ، بل لسوء تدخلاتها الفاضحة في شؤون الشرق الأوسط بدءا بلبنان ، ثم العراق وفلسطين وبلدان أخرى من خلال تحالفاتها مع جماعات ومنظمّات وقوى سياسية مضادة منتشرة في اغلب دول العالم الإسلامي !
إنني اعتقد انه بالرغم من تلويح روسيا بحق النقض ( = الفيتو ) ، وكان لها تأثير كبير على تغيير نص القرار حيث عملت على عدم تضمينه أي ذكر لمفاعلات المياه الخفيفة التي تبني موسكو منشآتها بتكلفة 800 مليون دولار في بوشهر .. وبفضل روسيا حالت الفقرة 41 من الفصل السابع بتحاشي استخدام القوة لفرض قراراته ، ولكنه فرض تجميد جملة حسابات وقيّد سفر 12 عالما في برنامج إيران النووي و11 منظمة إيرانية مرتبطة كذلك .. نعم ، هذا شيء مقبول من روسيا في هذه الأيام ، ولكن توّضح التجارب بأنها تتخّلى عن غيرها عند انتهاء مصالحها الحيوية !
إنني أتوقع عدة قرارات دولية ضد إيران على امتداد السنتين 2007- 2008 حتى تستكمل برنامجها ، ثم يطبّق عليها كل ما يشبه سيناريو العراق ، علما بأن العراق كان قد انتهى برنامجه النووي منذ زمن طويل ، ومع كل ذلك ، فلقد واجه حربا ضروسا أطاحت ليس بالنظام السياسي الحاكم ، بل أطاحت أيضا بالنظام الاجتماعي وقلبت العراق رأسا على عقب ! السؤال الآن: هل سترضخ إيران لمثل هذه الإرادة الدولية وتتراجع عن قرارها .. أم أنها ستواجه التحدي كما واجهه من قبلها العراق ودول أخرى في المنطقة ؟؟
لقد اعتبر وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير القرار 1737 “إشارة تصميم قوية من جانب المجتمع الدولي” .. ودعا إيران إلى “الامتثال لهذا القرار من اجل التمهيد لمعاودة المفاوضات”، مؤكدا أن العرض الذي تقدمت به الترويكا الأوروبية (فرنسا وألمانيا وبريطانيا) مع الصين وروسيا والولايات المتحدة “إلى إيران في السادس من حزيران/يونيو لا يزال صالحا”. أما بيرنز مساعد وزيرة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية والمكلف بالملف الإيراني ، فقال : “لا نعتقد أن هذا القرار كاف في ذاته، نريد أن يذهب المجتمع الدولي ابعد من ذلك، لن نضع كل خياراتنا في سلة الأمم المتحدة”.
وأخيرا اقول ، بأن إيران قد دخلت نفس مصيدة العراق ، وعليها أن تفكّر طويلا بما ستؤول إليه أوضاعها والمنطقة في ظل إصرارها على سياساتها المتصادمة وبرامجها الخطيرة !
النهار البيروتية ، 28 ديسمبر 2006
شاهد أيضاً
زعامات ورزايا .. ورئاسات بلا مزايا
الزعامة غير الرئاسة، والرئاسة غير الإدارة، والإدارة غير القضاء. لقد مضى زمن الزعامات الحقيقية، وماتت …