ثمة افكار مختزلة لحصيلة احداث ووقائع مريرة عاشها العالم في العام 2006 الذي سيرحل بعد يومين .. سأوجزها في هذا المقال عن محاضرة سألقيها في تقييم ايجابيات وسلبيات واستشراف رؤية العام الجديد بمنتدى دراسات المستقبل الذي سينعقد في طوكيو قريبا .. دعونا نقول للعام 2006 وداعا بعد ان انقضت فصوله واكتملت صفحاته وذقنا مراراته ورحل بكل اتراحه .. ها هو يشد رحاله ليمضي من دون رجعة ! ها هو يمضي ليغدو تاريخا كي نستقبل عاما جديدا . نعم ، سيرحل 2006 تاركا من ورائه غصة في كل مكان من قارات العالم القديم والحديث معا اذ كان لوقائعه واحداثه ثقل مرير على جملة مجتمعات ودول وسكان مدن وحكومات ومؤسسات وقوى ليس في آسيا واقريقيا وحدهما ، بل وان قارات اخرى كاوروبا والاميركتين قد عانت هي الاخرى من مشكلات لا حصر لها !!
ان مجرد تأمل بعيد وقراءة معمقة في طبيعة تحولات العالم خلال العام 2006 ، سيوصلنا الى نتائج مهمة جدا يمكننا استثمارها من اجل درء مخاطر كبرى سيتعرّض لها العالم في العام الجديد 2007 .. ان مشكلات افغانستان والسودان والعراق والصومال وارتيريا واثيوبيا ولبنان وفلسطين واندونيسيا والشيشان قد تفاقمت مخاطرها ، ولم تجد لها حلولا حقيقية ، وستبقى قضاياها المحلية والإقليمية والمدولنة معلقّة لسنتين قادمتين اخريين .. وكم كان مطلوبا هنا من الدول الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية أن تبحث عن علاجات حقيقية قبل ان تتفاقم مخاطرها وتتوسع نطاقات أعمالها ، اذ لا يمكن اتقاء خطر الإرهاب من دون إصلاح السياسات والمشكلات من الجذور ؟!
يمكننا ان نقول بأن 2006 شهد حروبا مريرة كان لها تداعيات خطيرة وخصوصا في منطقتنا العربية وعالمنا الإسلامي .. وأبرزها الحرب التي شّنتها إسرائيل ضد الفلسطينيين واللبنانيين .. ناهيكم عن الاختراقات الإقليمية للمنطقة إزاء الاستراتيجيات الكبرى . إن متغيرات 2006 السياسية مهّدت للانقسامات ، وخصوصا ما حدث ولما يزل يحدث في العراق ولبنان وفلسطين والصومال .. وعلى الرغم من رحيل العديد من الساسة والزعماء والشخصيات عن الحياة والمسرح السياسي والسلطوي معا .. ، فان ثمة صعود عدد من رؤساء دول وحكومات ومسؤولين جدد في كل من اليابان وكندا وإسرائيل وألمانيا والعراق والبرازيل وفنزويلا وتركمانستان .. وغيرها وبقدر ما نجحت التجارب الانتخابية في مجتمعات دول الجزيرة العربية الخليجية ، مثل : السعودية والكويت واليمن والبحرين والإمارات .. بقدر ما أصابت الانقسامات والصعوبات التي رافقت الانتخابات في كل من : مصر والعراق وفلسطين !!
نقف أيضا على جملة متغّيرات خطيرة في الطبيعة حدثت في العام 2006 ، وخصوصا جملة كوارث طالت الشرق والغرب معا ، إن إعصار كاترينا والاتنلانتيك وزلازل اندونيسيا ، وانهيارات الأسطح في سوق موسكو من تأثير الثلوج ، واحتراق الغابات في أمريكا الجنوبية ، وغرق العباّرة المصرية في البحر الأحمر .. ومجاعات شرق إفريقيا ، وانفجارات مكسيكو ، وموجات الحر التي اجتاحت العالم ، فضلا عن نداءات متكررة أطلقت في بريطانيا خوفا من الضرر الذي أصاب الكرة الأرضية وبيئاتها الخضراء .. كلها قد سبّبت مآس لا توصف للإنسان.. إن الإنسان لم يدرك بعد بأن الأرض تعد من أجمل الكائنات في هذا الكون العظيم ، وهي كائن حي لا يقبل أبدا أن يفتك الإنسان به فتكا في نشر العوادم ، واستعمال الأسلحة المحرمة ، وحرق الأشجار ، وزحف الصحراء ، وتلويث المياه .. الخ ويمكنني القول بأن الإنسان لم ينتبه بعد إلى كم الأذى الذي يقترفه بحق الأرض وهي لم تزل تمّده بكل خيراتها ، مع كونه أنجز في العام 2006 انجازات كبرى على مستوى استكشافات الفضاء والمجموعة الشمسية سواء ما يخص وجود الماء في المريخ أو حقائق علمية خطيرة عن زحل وغيرها ! إضافة إلى المنجزات الهائلة في الثورة الرقمية والجينية والمعلوماتية .
في العام الراحل ، كان صدام الثقافات قويا في هذا العالم ، إذ اضطربت أحوال فرنسا من خلال الاحتجاجات الطلابية وثورة الجاليات وما سببته من أضرار .. أيضا ثمة معارضات صارخة ضد تصريحات بابا روما بنديكيت السادس عشر حول نبي الإسلام الكريم وما سّببته من ردود فعل صارخة .. مما حدا به إلى التراجع وزيارة تركيا .. هناك سجن زكريا موسوي مدى الحياة واتهامه بالاشتراك في تفجيرات 11 سبتمبر 2001.. وهناك تفجير مرقد الإمامين العسكريين في سامراء بالعراق وما سبّبه من تصادمات طائفية خطيرة الزرقاوي على أمل توقّف الإرهاب في العراق ، ولكن القتل ازداد أكثر عددا وشراسة ! مع ازدياد حدة التصادمات الدينية والطائفية وما تسّببه من كوارث اجتماعية وسياسية في العراق ومصر والباكستان والهند وتشاد ونيجيريا وتايلاند .. وغيرها ، كلها أحداث اعتقد أنها تمّهد لمخاطر اكبر سيتعّرض لها العالم في قابل !
إن ما يهمّنا حقا إيجاد حلول في العام الجديد 2007 للقضية الفلسطينية ، وان يستقر العراق بعد هذا النزيف المرعب بخروج المحتل وتوقّف العمليات الإرهابية ضد المجتمع .. وان يستتب الوضع في لبنان ، ويتخّلص من موجة الاغتيالات كي يرجع لبناء ما تحّطم في الحرب مع الإبقاء على الشرعية والحياة الدستورية وبناء ما دمّره العدوان الإسرائيلي .. إضافة إلى أن تجد مصر حلولا للمشكلات الداخلية التي تعصف بها .. وان يجد السودان نفسه حلا لمشكلة دارفور من دون تدويلها .. وان تحل مشكلة المفاعلات النووية والصواريخ البالستية في إيران .. وأخيرا ، أن يتم إنقاذ أسواق الأسهم والسندات المالية في المنطقة من الانهيارات التي حدث في العام 2006 ! السؤال : هل سيكون العام 2007 أفضل بكثير من العام الراحل ؟ علينا ان نستبشر خيرا بالرغم من كل الدلائل الصعبة .
البيان الاماراتية ، 28 ديسمبر 2006
شاهد أيضاً
مطلوب لائحة اخلاق عربية
تعيش مجتمعاتنا العربية في حالة يرثى لها، لما أصابها من تفكك سياسي جعلها تتمزق اجتماعيا، …