إن مفهوم الأمن الخليجي من أثمن الموضوعات وأخطرها اليوم في حياة دول مجلس التعاون الخليجي.. انه المعطى الناتج لحالات الاستقرار والسيادة والاطمئنان في ظل أية تهديدات أو اختراقات أو تجاوزات أو كل ما يهدد الدولة والمجتمع في المنطقة . ولقد انتقل هذا ” المفهوم ” اليوم من المعنى التقليدي الذي ساد في القرن العشرين إلى معاني أخرى بفعل الهواجس والقلاقل والتهديدات والتحديات والحروب والهجمات والاضطرابات والتسلح والإرهاب .. الخ مما يحفّز لتأسيس مفهوم جديد للأمن الخليجي في القرن الواحد والعشرين . لقد انبثق مجلس التعاون الخليجي ، خشية من التدخلات الدولية ، أما اليوم ، فان الإقليم يتعرّض كله لمخاطر وتدخلات وتأثيرات أسلحة الدمار الشامل وتهديدات تخص الدواخل والبيئة والسواحل والمياه والثروات البترولية والمناطق الإستراتيجية وأخيرا التهديد بالإرهاب . وعليه ، فالأمن ضرورة حتمية مركزية في التفكير الاستراتيجي والمجتمعي لكتلة المجلس على أساس استمرار الوطن والتاريخ .
تطرح اللحظة السياسية-الاقتصادية الراهنة موضوع الأمن الخليجي بإلحاح لا سابق له ، فالأهمية الإستراتيجية المتصاعدة للمنطقة تترافق مع تهديدات جدّية لأمنها ومستقبلها ابتعادا عن هذا الذي سّموه بـ ” الفوضى الممّيزة ” ، واتقاء من نشوء اللحظة الراهنة ينبغي الابتعاد عن الأزمات ومصادر التهديد الخارجية والإقليمية والداخلية التي تحول دون إرساء إستراتيجية أمنية متماسكة ، كما ينبغي على دول المجلس أن ترسم إستراتيجية الأمن الاجتماعي الخليجي من خلال التكامل البلدي الذي أكدّ عليه اجتماع وزراء البلديات لدول الخليج الذي انعقد يوم 13 /9/2006 بدولة الإمارات العربية المتحدة في ما يخّص قواعد المعلومات الإحصائية والأنظمة واللوائح وبيانات المشاريع المختلفة ونظم المعلومات الجغرافية والبيئة الحضرية ومراقبة الأغذية وتحفيز الاستثمارات والطرق السريعة وغيرها كثير .
تعتبر تجربة المجلس هي التجربة التاريخية الوحيدة الناجحة على صعيد التعاون الإقليمي لدى العرب. نعم، انه انتصار ونجاح تكرسهما القدرة على الاستمرار، ونجاحه في التقارب والتنسيق مع جيرانه العرب والإقليميين. ولقد استشعر المجلس ضرورة تطوير الشراكة الأمنية – الإستراتيجية بالتركيز على الجوانب الدفاعية والأمنية ، وتجديد الالتزامات المبدئية السابقة وتطوير التعاون مع المجتمع الدولي . ولكن السؤال بقي مطروحا حول الخطوات لتطوير فعالية المجلس في هذه المجالات، فضلا عن مسألة تحديد مصادر التهديد الخاصة بكل بلد على حدة إضافة إلى مصادر التهديد المشتركة. وكلا النوعين من التهديدات يتضمن تهديدات داخلية وإقليمية وخارجية. ويمكننا تصنيف التهديدات الجديدة بسبع من التصنيفات ، وهي : النزاعات الثنائية والنزاعات الإقليمية والتناقضات الداخلية والمتغيرات العالمية وتنامي مخاطر الإرهاب وتهديد الجوار والتهديد الخارجي.
يعتقد الخليجيون اليوم في آخر مؤتمراتهم أيضا والتي انعقدت في المنامة يومي 10-11 سبتمبر 2006 وهم يحذرون قائلين: ” إذا ما تمّ إدخال العامل النووي العسكري إليها، فان المنطقة ستشهد سباق تسّلح نووي جديد يستنزف المزيد من مواردها ويهدد الأمن الخليجي جميعه ” . وان اغلب عواصم ومدن دول المجلس هي الأقرب للمراكز النووية الإيرانية من طهران _ حسب تعبير السيد عبد الرحمن العطية الأمين العام للمجلس ـ ” ويمكن لهذه المراكز العمرانية وسكانها أن تتعّرض لمخاطر جسيمة في حالة وقوع خطأ بشري أو بفعل كوارث طبيعية فضلا عن تلوث المياه ” . إن دول المجلس وإيران قد وقعّت منذ عدة سنوات للعديد من الاتفاقيات للتعاون في المجال الحيوي والبيئي المشترك.. وينبغي احترام كل الالتزامات . إن المجلس يدعو إلى حل جميع النزاعات الإقليمية ومن بينها قضية الجزر الإماراتية الثلاث ، ثمّ التأكيد على مبدأ المساواة في التعامل الإقليمي وتطبيق مبدأ حسن الجوار والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول وسبل بناء الثقة المتبادلة بين كافة دول المنطقة .
إذا ما تحقّقت مطالبات دول المجلس بجعل منطقة الشرق الأوسط بما فيه الخليج خالية من كافة أسلحة الدمار الشامل ، فإنها ستزيد من قدرات دول المنطقة والأسرة الدولية في الضغط على إسرائيل وحثّها على التوقيع على اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية .. وإذا كانت قوى إقليمية مثل إيران تحاول الخروج عن النطاق السلمي للتكنولوجيا النووية ، فان السؤال المطروح بإلحاح من أطراف خليجية عدة : ماذا عن موقفنا نحن العرب ؟ إننا كعرب لا يمكننا القبول والعيش في الظل على هامش المجال النووي ، أو أن نضع أنفسنا خارج دائرة الاهتمام والتقدم في هذا المجال الحيوي ، لذا فثمة من يدعو في هذه المناسبة كافة الدول العربية بعدم إضاعة الوقت في جدل عقيم لا طائل منه أو إلقاء حل مشاكلنا على عاتق الآخرين . إن الدعوة تنضج اليوم لإقامة تعاون نووي عربي مشترك للأغراض السلمية كضرورة مستقبلية ملحّة حتى يتمكن العرب من التصّدي لهذا التحدّي العلمي بوضع الأسس المشتركة في إطار مسؤولية جماعية عربية وتأسيس مشروع نووي عربي للطاقة النووية . إن سر إلحاح الإيرانيين على استخدام المشروع النووي يكمن في إصرارهم على تسويق رؤية قديمة تقوم على الامتداد باتجاه البر الخليجي العربي في كل من العراق والجزيرة العربية. وعليه ، يستوجب التفكير في إقامة توازن في مجال الردع .
المشكلة الأخرى التي بدت واضحة قبل أيام ولمناسبة مرور خمس سنوات على أحداث 11 سبتمبر 2001 ، تهديدات الإرهاب لدول المجلس ، وبهذا تكون مشكلة خطيرة أخرى تتفاقم بسرعة شديدة ، وهي تهددنا تهديدا مباشرا وصريحا وصارخا . وعليه ، فان الأمن وبناء توازن الردع ومجال التعاون الخليجي من أهم ما يمكن ترسيخه في بدايات القرن الواحد والعشرين من اجل تطوير هذه الكتلة العربية واستعدادها لمواجهة المستقبل بالحفاظ على كل منجزاتها ومكتسباتها بعيدا عن كل التهديدات والتدخلات والاختراقات .
البيان الإماراتية ، 20 سبتمبر 2006
شاهد أيضاً
زعامات ورزايا .. ورئاسات بلا مزايا
الزعامة غير الرئاسة، والرئاسة غير الإدارة، والإدارة غير القضاء. لقد مضى زمن الزعامات الحقيقية، وماتت …