تسلّمت رسالة ايميل من احد الاصدقاء تتضمن تصريحات اطلقها الاخ رئيس مجلس النواب العراقي السيد محمود المشهداني ، ولقد عجبت منها كونها لا تتلاءم ابدا ومنصبه ، فمنصبه لا يبيح لمن يتولاه توزيع الاحكام السياسية او التهجم على الناس بمزاجية مفتعلة كما وينبغي ان لا يوظف اتجاهه السياسي او الديني في الردح والثرثرة ولا اقول التهريج ، بل يستوجب عليه ان يكون فوق كل الميول والنزعات والشبهات ، لا يسب ولا يقدح ولا يتهجم على أي مسؤول او سياسي او نائب او موظف او أي حزب او جهة معينة .. ولا يمكنه ان يستغّل حصانته البرلمانية ابدا في اللعب باوراق سياسية او طائفية ليتكلم بأسم الاسلاميين ضد الليبراليين او باسم ( المقاومين المجاهدين ) ضد ( الخونة والعملاء ) ، وعليه الا يعلن للملأ وفي الصحافة عن اية تدخلات سياسية او حكومية ، فالسلطة التشريعية فوق الجميع .. وان ابتذالها بمثل هذا الشكل يعّرض صاحبها للمحاسبة والاقصاء من قبل لجنة دستورية تنبثق عن البرلمان ، فالبرلمان ليس ابا احد ولا هو بصالة رقص ولا حلبة ملاكمة .. انه المسرح المعبر حقيقة عن ارادة كل شعب العراق بمختلف الوانه واطيافه وتياراته السياسية .. فلا يمكن ان يحتكر رئيس البرلمان او غيره الارادة العراقية للاسلاميين فقط ، انه بهذا يعبر عن دكتاتورية سلطة دينية .. ونحن نعلم من يصنع كل فجائع العراق اليوم !!
ان هذا المنصب بحاجة ماسة الى من يكون مؤهلا له ويعرف قدر نفسه وان يتمتع بشخصية قوية لها مكانتها وسمعتها في المجتمع ، وان لا يكون كاريكاتيرا بل يكون مثقفا عالي الثقافة ! ثم لم نفهم مغزى زيارة الاخ المشهداني لإيران ؟ وما الذي فعله هناك ؟ وبأي مهمّة ذهب الى ايران .. اننا لم نزل نذكر ما قاله في ندوة مجلة البيان قبل تسلمه منصبه اذ قال بالحرف الواحد مطالبا : ” يتعهد الجانب الأميركي بمنع دول الجوار، وخاصة إيران من التدخل في شؤون العراق الداخلية؛ لإبعاد العراق عن صراعات الإرهاب الدولي ” . واليوم يأتي ليتحدث بلغة اخرى عندما يقول : ” ان الجمهورية الاسلامية الايرانية تدعم مشروع التقريب بين التيارين السني والشيعي بهدف الوصول الى وحدة إسلامية تقطع الطريق أمام المخطط “الاسرائيلي” الذي اعتبره “مؤامرة” تهدف إلى إفشال الاسلاميين في العراق ” .
وهذا يتناقض يا رئيس مجلس النواب مع كلامك السابق عندما سئلت من قبل مجلة البيان عن مصداقية الانتخابات السابقة اجبت بالحرف الواحد : ” مصداقية الانتخابات أمام المجتمع الدولي هي نفسها مصداقية الاحتلال أمامه؛ فالذي سكت على الاحتلال الأميركي للعراق سيسكت على الزفاف الإعلامي لزواج غير شرعي بين المشروع الفارسي، والمشروع الصهيوني في العراق، وستبقى أصوات المقاومة الشريفة هي وحدها القادرة على شق سكون ليل القهر السياسي الذي يسود العالم الآن ” . والحقيقة لابد ان تقال انني لما سمعت السيد رئيس مجلس النواب العراقي يقّدم نفسه للعالم اثر اختياره لهذا المنصب ضرب اصحابي كفا بكف اذ لم يتوقع العراقيون ان يمنح المنصب لرجل من (الملالي) اذ قالوا بأن امكاناته لا تصلح لهذا المنصب خصوصا وان العراقيين لم يعرفوه سابقا ولا يعلمون من اين أتى بالدكتوراه ولا يدرون من هو ؟ وما سيرته ؟ وما دوره في العهد السابق ؟ وعندما سمعوه يقول بأنه كان راشيا من دون ان يتكتم على ما فعله .. قالوا : ألم يعثر العراق من بين ابنائه على شخصية قديرة تحتل هذا المنصب التشريعي ؟؟ ثم بدأنا نسمع قصصا عما يحدث من اخطاء وما يمارس من خطابات في جلسات المجلس العتيد .. وليدعني انقل عنه ما كان قد قاله قبل ان يتولى المنصب ويقال ان الرجل كان وقت ذاك ( مّلا ) من الملالي مسؤولا عن لجنة الارشاد والفتوى في حزب او جماعة اسلامية ، وهو عدو لدود لكل الساسة العراقيين المستنيرين والتقدميين والوطنيين ( باستثناء البعثيين ) ودوما ما يجمعهم في سلة واحدة باسم العلمانيين .. وكأنهم رجس من عمل الشيطان في حين انه يتخّيل نفسه تحّف به الملائكة !
دعوني انقل بعض ما قاله .. في جواب على سؤال عن تقييمه الانتخابات السابقة ونتائجها ، اجاب قائلا:” يعرف الجميع أن الانتخابات العراقية أُجريت بطلب من بوش لأغراض أمريكية داخلية. وهذا يفسر إصرار الرئيس الأميركي بالذات على إجرائها؛ والذين سعوا إلى تأجيلها كانوا محقين في طلبهم من أجل أن تكون هذه الانتخابات حرة ونزيهة وشاملة. ولكن الإصرار الأميركي أحبط هذا التوجّه، وكان ما كان، وبرغم ذلك فإن السحر انقلب على الساحر؛ حيث جاءت نتائجها مخيبة لآمال الذين راهنوا عليها، وأظهرت أغلبية السنة عصبية (شوفينية) الأكراد العلمانيين المقيتة، وعززت المخاوف من تداعيات الاحتلال الأميركي للعراق. وتنقسم نتائجها في نظري إلى قسمين: أولاً: النتائج السلبية: وهي شرعنة الاحتلال. وتهميش السنَّة العرب. وتكريس الطائفية السياسية والدينية. وإظهار التشرذم العرقي والمذهبي بأبشع صورة. والجاهلية السياسية لدى معظم المنتخبين. وزيادة رصيد المشروع الإيراني في العراق. وإعطاء الغطاء الشرعي لذبح المقاومة العراقية البطلة. وضعف الأداء السياسي لدى الحزب السني الوحيد الحزب (الإسلامي). واضطراب الخطاب الشرعي والسياسي للنخب الدينية السنية. ودفع مشروع (إسرائيل الكبرى) خطوة إلى الأمام ” .
ويستطرد يقول ما نصّه : ” ثانياً: النتائج الإيجابية ، وهي : اصطفاف ستة ملايين ناخب من أصل أربعة عشر مليوناً وراء المقاومة العراقية. وإبراز الدليل الملموس لأكثرية السنة العرب في العراق. وإعطاء الدافع القوي للسنة العرب، وبعض الشيعة العرب؛ للتجمع في خيار المشروع الوطني العراقي، المتمثل في مجلس الحوار الوطني العراقي لخوض الانتخابات القادمة من موقع القوة والمسؤولية. وزيادة اهتمام قيادات المقاومة العراقية المسلحة لبلورة مشروعها السياسي البديل. و فضح التواطؤ السياسي بين الفرس وأمريكا في احتلال العراق. وزيادة مخاوف الدول الخليجية تجاه المشروع الفارسي في العراق؛ مما قد يدفعها للتعاون البناء مع مشروع الحوار الوطني العراقي، ودعمه مادياً وسياسياً وإعلامياً. وزيادة الضغط على أمريكا بسبب تهميش السنَّة العرب. وإبراز إشكالية المثلث السني، الذي هو القاسم المشترك الأعظم بين الأكراد السنة والشيعة العرب؛ وقدرته على إسقاط أو شل أي مشروع إن لم يأخذ دوره كاملاً في العملية الديمقراطية؛ وذلك لأن ورقة المقاومة بيده. وإبراز نهم الأحزاب السياسية للسلطة، وضعف دورها في إنقاذ الشعب العراقي من معاناته ” . ان صاحب كل هذا الكلام هو رئيس مجلس النواب العراقي الذي يبدو كم غّير من مواقفه السياسية وثوابته التي كان يعلنها اعلاه للناس .. ولكنه تغّير بعد ان انخرط في السلطة ونسي ما كان قد قاله على الملأ، فاذا كانت تلك هي افكارك القاطعة التي تجد في كل من يحمل السلاح مقاوما وان كل اهل السنة مقاومة وبمعزوفة طائفية .. فما الذي دعاك الى ان تكون عضوا في اهم سلطة وصفتها من قبل بابشع الصفات ؟؟ وهنا ينبغي القول : على الرجل الحقيقي ان يحترم كلمته سواء كان اسلاميا ام علمانيا .. فهل سيدرك كل العراقيين كيف يقيّمون رجالهم ونسوتهم ؟
الصباح
البغدادية
3/8/ 2006
Check Also
نقطة نظام ضد الفساد والمفسدين والفاسدين
ملاحظة : طلب مني عدد من الاصدقاء العراقيين ان اعيد نشر هذا ” المقال ” …