نشرنا قبل ايام على مقالة الدكتور سيار الجميل، المؤرخ العراقي والاستاذ الجامعي في كندا ( كيف نشق طريقا جديدا لنا في الثقافة الانسانية)، والتي عبرت بصدق عن رغبة عارمة تختلج صدورنا جميعا، في صراعنا للوصول الى افضل السبل لخلق الاستقرار والرخاء في العراق الجريح. وبقدر ما وجدتني اتفق مع الكاتب الاستاذ سيار، رغبت في اضافة هذه الملاحظات، التي اعتبرها مهمة ايضا، استرسالا لمقالته القيمة.
يتفق جميع المراقبين على ان من اقوى اسباب استخدام صدام وزمرته البعثية للقوة والبطش ضد الشعب العراقي كان فشل السياسة البعثية في التعامل مع الطبيعة العراقية ومسايسة متطلبات المرحلة التي حكم فيها الحزب، على الرغم من طول مدة الحكم. ويأتي هذا الفشل كنتيجة طبيعية لجهل هذه الزمرة بابسط مستلزمات الثقافة، بالاضافة الى الخلفية الانسانية المحطمة التي اتسمت بها حياة صدام واغلب اعوانه في الحكم.
تعتبر مرحلة الطفولة من اهم المراحل التي تؤثر سلبا او ايجابا على حياة كل فرد من افراد المجتمع، ولهذا نجد في المجتمعات المتقدمة، هنالك تركيز من القوى الحاكمة على مرحلة الطفولة للانسان، تحاول جاهدة حمايتها من الاخطار الاسرية او اخطار المجتمع. فمثلا تكفي ملاحظة احد لاثر للضرب على جسد اي طفل، ليقوم بالاتصال الفوري بالشرطة او الجهات المختصة لحماية الاطفال من الاعتداءات، وفورا تبدأ عملية التحقيقات، التي لا ينجو منها حتى الاهل، والى ان تصل الى المعتدي الحقيقي، وبعدها تقوم هذه الجهات باتخاذ الاجراءات الصارمة بحقه وحسب طبيعة الاعتداء، التي في اقلها، يكون الزام المعتدي بالدخول الى دورات تأهيلية واتباع منهج احترام طفولة الانسان وكيفية التعامل مع طبيعة الاطفال.
كما نجد ايضا ان التعليم الابتدائي ( اي لمرحلة الطفولة) تعليم اجباري، اي لاتستطيع اية عائلة التنصل من ارسال اطفالها الى المدارس، واذا حدث، فسوف تجد نفسها محاصرة بضغوط من جهات مختصة في قسم الثقافة والسلطة، ولن تتخلص منها الا باعادة اطفالها الى المدرسة. واذ تعمقنا في هذا التصرف، سنجده يأتي في صالح الطفولة ايضا، لانه يؤهلها ، ولثمانية سنوات ، كحد اقصى، للاعتماد على الثقافة كأساس في بناء مستقبلها، قبل ان يتركها تقرر مصيرها.
قد نجد، وبالرغم من التركيز على تثقيف الى حماية الطفل، ان هذه المجتمعات لاتخلو من المجرمين والقتلة والسراق والشاذين، ولكن لاتصل الامور بهم الى التطاول والاستحواذ على السلطة وارباك الامن والاستقرار العام والتسلط على رقبة الشعب، لان اغلبية الشعب المثقف والواعي لواجباته وحقوقه لا يسمح لهم بالتسلط.
هذا التركيز والاهتمام بالطفولة لم يكن موجودا في العراق قبلا، كما ان الزام العوائل العراقية بارسال اطفالها لنيل قسط التعليم ( الابتدائي على الاقل) لم تعرفه الحكومات السابقة، ولهذا وجدت الزمرة المجرمة نفسها متمرغة في وحل الجهالة والامراض المتخلفة وكبرت على فنون الاجرام والقتال، بدل الاعتدال واالتعقل.
نعم، اتفق معكم تماما بأن البدء بالحملة الثقافية الجماهيرية، من خلال الاهتمام بالثقافة الاعلامية( السياسية والمدنية العسكرية والدينية) ومناهج التدريس، مع التركيز على الطفولة فيها، كفيل بخلق مستقبل مشرق للعراق. وليس هنالك حل افضل من خلق الثقافة الانسانية في المجتمع، لاعانة الانسان لتفهم مكانته وواجباته وحقوقه في المجتمع، وتفهم مكانة وواجبات وحقوق الاخرين. نعم، الثقافة والثقافة الانسانية اولا واخيرا، هي الحل الافضل لخلق الاستقرار والامن والطريق الوحيد لرقي المجتمع وابعاده عن مخاطر المجرمين.
الحوار المتمدن – العدد: 601 – 2003 / 9 / 24
الرئيسية / قراءات اخترتها لكم / حول الثقافة الانسانية في العراق… مع تحياتي الى الاستاذ د. سيار الجميل… أميرة بيت شموئيل
شاهد أيضاً
حمّى رفع الشعارات: السياسي والأصولي والمثقف وصاحب المال
أطنب القدامى في الحديث عن علاقة المثقف بالسلطة في مختلف العصور وكشفوا النقاب عن الإكراهات …