الرئيسية / قراءات اخترتها لكم / عار اضطهاد المسيحيين في العراق!… عزيز الحاج

عار اضطهاد المسيحيين في العراق!… عزيز الحاج

من وراء ضرب الكنائس في بغداد والموصل؟ أية وحوش بشرية من أهل الكهوف المتعفنة تقدم على هذه الجرائم التي لم نشهد مثلها طوال التاريخ العراقي الحديث؟ كانت هناك مأساة الآشوريين الدموية لعام 1933والتي اقترف فيها الجيش العراقي انتهاكات مروعة. ولكن تلك المأساة حدث فريد وكانت له ظروفه السياسية الخاصة. وبهذا الاستثناء فإن مسيحيي العراق عاشوا مع بقية سكان العراق في أخوة وصفاء.

لقد كتب منذ أيام الدكتور المؤرخ سيار الجميل مقالا رائعا عن أصول المسيحيين العراقيين ودورهم عبر تاريخ العراق. وقد خصصت في كتابي [ بغداد ذلك الزمان] الصادر عام 1999 فصلا خاصا لدور المسيحيين بمختلف مذاهبهم عبر تاريخ العراق. وقد كانت أكثرية سكان العراق قبل الفتح الإسلامي مسيحيين يستخدمون اللغة السريانية. ولعب المترجمون السريان في العهدين الأموي والعباسي دورا حاسما في نقل التراث اليوناني للعربية مما كان له تأثير هائل في بناء وإغناء الحضارة العباسية الزاهرة. وكان للمسيحيين في العراق حضورهم المتميز في أواخر عهد الاحتلال العثماني، ولعبوا منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر دورا مهما ورائدا في فتح المدارس العصرية، وجلب المطابع، وفي المسرح والأدب.


أما في عهد الدولة العراقية الحديثة فقد شارك المسيحيون في مختلف التشكيلات الحكومية والبرلمانية والحياة الحزبية وفي ميادين الصحافة والثقافة والتعليم والترجمة واللغة والطب، فظهر العالم اللغوي الشهير الأب الكرملي والاقتصادي الوزير يوسف غنيمة وعبد المسيح وزير ويوسف سلمان فهد وميخائيل عواد وبشير فرنسيس وروفائيل بطي وانطون شماس وفيكتور عيساوي وعشرات آخرون من الباحثين والمؤرخين والتربويين والساسة. وكانت القوانين العراقية تسمح بتشكيل المجالس الروحية الخاصة للمسيحيين واليهود، ولهم حصص في عضوية المجلس النيابي ومجلس الأعيان
.

مرة أخرى، من وراء الهجمة الشرسة على المسيحيين وضرب الكنائس وما الهدف؟


الحقيقة إن الظاهرة بدأت بعد أيام من سقوط النظام الفاشي؛ بدأت في بغداد بضرب محلات الخمور ومطاردة الطالبات ومنهن المسيحيات لإجبارهن على لبس الحجاب. أما في البصرة فالظاهرة تستشري منذ شهور وشهور أمام أنظار قوات التحالف والمسؤولين العراقيين منذ تشكيل مجلس الحكم. والمسؤولون عن هذه الانتهاكات معروفون وهم يجاهرون: إنهم عصابات مقتدى الصدر وشرائح واسعة من قوات بدر بالبصرة حيث يعيث الإيرانيون لعبا بالمدينة حتى وكأنها مدينة إيرانية. ولم نسمع عن حكم واحد صدر ضد هذه الجماعات المسلحة التي تنتهك القانون علنا وتتحدى السلطة علنا بل تتصرف وكأنها هي الحكومة باسم “حكم الشريعة”. والمندائيون الصابئة يعانون من الهجمة الشرسة نفسها جنوب العراق. وقد وقفت القوات البريطانية في الجنوب موقف التساهل تجاه مد الجريمة الدينية الإسلاموية بحجة كونها “أمرا داخليا”! وفي بغداد وقف المستشارون الأمريكان لما قبل تشكيل الحكومة الحالية موقفا ممثلا في الجامعات حيث يستبيح المتعصبون الإسلاميون ولا سيما من أنصار الصدر حرمة الجامعات ويتدخلون في شؤونها. وقد حدثنا بالأمس سيار الجميل عن وقائع كهذه.

ولكن المتطرفين المسيسين من الشيعة وخصوصا الصدريين ليسوا وحدهم في هذا الميدان الظلامي الدموي. فمنذ عشية الحرب كان المتطرفون الوهابيون في الموصل يهددون جيرانهم بالويل والثبور لو جاءت الحرب وسقط صدام. وكانت التسعينات قد شهدت مدا وهابيا وافدا بتشجيع من صدام وأجهزته في حربه المتعددة الجوانب على الشيعة وباسم الحملة الإيمانية الزائفة. ثم جاءت “الزفة” الدموية الهوجاء للزرقاوي لتقترف أبشع الجرائم وأكثرها وحشية ضد العراقيين والأجانب لغرض نشر الرعب ولابتزاز بعض الدول التي لها قوات أو شركات أو أعمال في العراق. واتخذ الزرقاوي من الفلوجة ثم سامراء مقرات لعصاباته المتسللة عبر الحدود السورية والإيرانية خاصة. وعلى الأيدي الجبانة لهذه الوحوش يتم الخطف وقطع الرقاب بمنهى الخسة والسفالة والجبن. وبرغم أن الزرقاوي وهو من أكثر الفرع الوهابي تطرفا يكفر المذهب الشيعي وأهله فإنه وجد في مقتدى الصدر حليفا بلا كتابة اتفاق وعهود. وقد أعلن السيد مقتدى مرارا عن تمجيده لعمليات الإرهاب البشعة في الفلوجة. وبينما كان النطاق يكاد يخنق الإرهابيين هناك تحت الضربات الأمريكية، تعمد الصدريون فتح معارك ضد قوات التحالف في المدن الشيعية في غرض واضح هو إنقاذ الزرقاويين رغم كونهم أعداء المذهب؛ ولكن الدين والمذهب لا يلعبان هنا دورا مهما بل هو الغرض السياسي المشترك الموجه ضد العراق الجديد. وقد اتحد الفريقان في العراق معا واتحدت معهما فلول صدام المسلحة جيدا ومحترفو الجريمة المطلق سراحهم في تحالف دموي لتخريب العراق، ولكل مآربه ومشاربه! كما اتحد في المواقف في العالم مختلف أصحاب اليمين والشمال وجميع الأنظمة الإسلامية والقاعدة في رفض سقوط صدام وفي التحرك ضد العملية السياسية الجديدة. طبعا المنطلقات والأهداف مختلفة ولكن اللقاء وقع على أرض مشتركة هي الكراهية العمياء لأمريكا وكل ما هو أمريكي.

إن الحرب على المسيحيين جزء من الحرب على الشعب العراقي كله وعلى هدف بناء الديمقراطية. إنها تحد صارخ للحكومة العراقية معلنة لها: “أين انتم؟ ومن أنتم؟! نحن هنا..نحن السلطة.. نحن القانون..”! إنها حرب إيرانية ـ زرقاوية ـ صدامية في تحالف رأينا نتائجه الدامية منذ سقوط صدام. فماذا فعل المسؤولون يا ترى لوقف جرائم استباحة غير المسلمين؟! بل ماذا فعلوا لمعاقبة كل خارج على القانون باسم الشريعة والدين؟ وأي حكم صدر على واحد من المئات من الإرهابيين القتلة الأجانب الذين اعتقلوا متلبسين بالجريمة؟ ترى هل تشعر الحكومة فعلا بحجم الخطر وهل تدرك حقا أن الهم الأول والثاني والثالث للمواطن هي صيانة أمنه وحياة عائلته؟! ومهما كانت أهمية الزيارات الرسمية للدول العربية وعلاقة بعضها بالمسألة الأمنية فقد كان على كبار المسؤولين البقاء في العراق لمواجهة حرب القتلة الإرهابيين على شعبنا مواجهة حازمة وليل نهار وبلا هوادة ولا رحمة ولا عفو وبلا مصالحات مع القتلة أيا كانوا. وكنا نامل من الأخ الكريم رئيس الوزراء، وهو الماسك بجميع المسؤوليات الامنية ان يبقى في العراق ويرسل وفدا وزاريا صغير لهذه الدول إن كانت ضرورية وليس أن يغيب ومعه حوالي نصف الحكومة بينما الإرهاب يتصاعد برغم ان قوات الشرطة وحدها تبدى بسالة وروح فداء ولكنها لا تزال غير كافية أبدا.

إن بصمات إيران وجيش المهدي واضحة في انتهاكات البصرة وأصابع الزرقاوي المجرم المحترف صارخة من وراء ضرب كنائس الموصل وبغاد في اتفاق واقعي وغن لم يكن اتفاق وعود وعهود!


يا أخي العزيز الدكتور علاوي: “اضرب بيد القانون، وبعدالة القانون، فترك القتلة في حرية ليست ديمقراطية، والضرب بيد القانون والعدل ليس دكتاتورية، وإن ما بين دكتاتورية صدام الغاشمة ودكتاتورية الظلامية الإسلاموية وفوضى الحرية هناك خيار [الديمقراطية القانونية] إن صح التعبير. إن احترام سيادة القانون جزء لا يتجزأ من كل نهج ديمقراطي. وأعرف أن حفظ الأمن يحتاج لخطة متكاملة: اقتصادية وسياسية وثقافية وإعلامية، ولكننا في وضع يعتبر فيه الحزم الأمني مفتاح الحلول. كما ألفت نظركم يا سيادة الأخ الكريم رئيس الوزراء إلى أنكم تركتم الوزير الشجاع الشعلان وحيدا في الميدان والسهام توجه له كل يوم لا من إيران وحدها بل ومن مسؤولين داخل الحكومة وبمستوى كبير. ولعمري إن هذه لعجيبة أخرى في وضع اليوم: حكومة بأصوات مختلفة في مسألة أمنية حادة تتطلب تغليب الانتماء الوطني على كل انتماء حزبي أو مذهبي. ومن كان في الحكومة من يبررون التدخل الإيراني بالمغالطات فعليهم التنحي من المسؤولية حالا لان الوضع لا يحتمل أمثال هذه المهزلة”.

إنني أخيرا أحيي مسيحيي العراق داخل الوطن وخارجه، وليملوا أن الصدر لا يمثل ضمير الشعب العراقي، وأن الزرقاوي ليس عراقيا بل هو مجرم دولي مطلوب للعدالة الدولية، وهو يتوهم أن بإمكانه تحويل العراق إلى إمارة تابعة للقاعدة كما كانت أفغانستان الطالبان. كما أدعو سائر القوى الوطنية العراقية وممثلي المجتمع المدني لرفع الصوت عاليا ضد الانتهاكات التي يتعرض لها المسيحيون، ومواصلة وتشديد مطالبة الحكومة باتخاذ الإجراءات القانونية الحازمة ضد المجرمين القتلة .

إيلاف

شاهد أيضاً

حمّى رفع الشعارات: السياسي والأصولي والمثقف وصاحب المال

أطنب القدامى في الحديث عن علاقة المثقف بالسلطة في مختلف العصور وكشفوا النقاب عن الإكراهات …