مصالح العراق العليا والاملاءات الأميركية
أ.د. سيّار الجميل
ظاهرة جديدة : املاءات بعنوان حوار
ها قد بدأت ظاهرة جديدة تتمثل بما اسمي بالحوار الاستراتيجي العراقي الامريكي ، وانقسم العراقيون كالعادة بين من يراها فرصة تاريخية انتظرها بفارغ الصبر من اجل تصويب كل المسارات الخاطئة ،وايقاف تدهور البلاد وانقاذها من حطام مؤكد قادت اليه السياسات الرعناء ، وهناك من يراها مناسبة لتصفية الوجود الامريكي من أجل أن تزداد هيمنة ايران وبطشها من خلال عناصرها ومليشياتها كونها الحامية للمصالح الفئوية النفعية البنتهامية للطبقة السياسية الطفيلية التي سادت منذ 2003 حتى اليوم ، وربما يرى كل الوطنيين العراقيين في هذه المفاوضات الاستراتيجية، بصيص امل لخروج العراق من أزماته الصعبة وأنّ موقفهم مساند للوجود العسكري الاميركي بمعنى اعتباره الحامي الأساسي ليس لهم فقط ، بل للعراق قبل ان يصبح لقمة سائغة بأفواه الايرانيين أو غيرهم في الاقليم ، ولم تعد هناك أيّة فرص أخرى للتحرّر من البطش الايراني للعراقيين في كل مجالات الحياة ، وهي فرصة ان ضاعت فهي لن تعود ثانية ،خصوصاً ، وأنّ الايرانيين يجدون في هذه المفاوضات الاستراتيجية الفرصة المناسبة لدفع عناصرهم في اذكاء الاعتراضات الغبية ولكنهم تراجعوا ، وقد وصل اسماعيل قآاني الى العراق مع ايرانيين آخرين ، وقد تبيّن واضحا أن نفوذهم بات منكمشا الان مقارنة بما كان عليه الوضع ايام قاسم سليماني وجبروته . وعليه، فلا مجال للمزايدات والمهاترات على حساب مصالح العراق العليا من قبل كل الاطراف !
المهزلة ستنتهي
منذ العام 2003 ، والعراق يعيش حالة عبثية سياسيّة ومهزلة لم يعشها أيّ بلد بمثله ، اذ كانت جناية الولايات المتحدة الاميركية انها وافقت على كلّ ما يجري في العراق من خلال الطبقة السياسية التي نصبتها ، فاستفحلت باحزابها ومليشياتها وسحب القوات العسكرية من امام داعش من اجل تدمير مدن اساسية في العراق ، كما ان اميركا كانت على علم تام بادوار ايران في العراق، فهل يمكنها اليوم أن تحدّ من نفوذ ايران في العراق ومن بعده سوريا ولبنان ؟؟ هل من خارطة طريق جديدة للعراق بمحاسبة كلّ من اساءوا للعراق والعراقيين طوال ما مضى من السنين ؟ هل من أحكام حدّية لا تقبل التأويل أو الاجتهادات السياسية المزيفّة كي نعود الى المربع الاول بصدد هيمنة ايران على العراق ؟ أعتقد ان نفوذ ايران في الشرق الاوسط بدأ بالتراخي شيئا فشيئا بالرغم من ان السياسة الايرانية كالافعى التي تغيّر جلدها بين حين وآخر .. وأعتقد أن الاميركيين يدركون المخاطر التي يعيشها العراق أكثر من العراقيين أنفسهم . ان حاجة العقلاء من الوطنيين العراقيين سواء كانوا يعملون في مثل هذه الدولة او كمواطنين عاديين في المجتمع تقول : هل من سياسة جديدة تقلب الطاولة على القوى العميلة واتباعها في العراق ممن افسدوا في الارض ، وعبثوا في مصيره من خلال بثهم روح الانقسام الطائفي المقيت؟ فان لم يحدث مثل هذا او ذاك ، فلا يمكن تسميتها بالمفاوضات الاستراتيجية ، بل هي مجرد لعبة تجري على التراب العراقي كالعادة ! وانا لا اعتقد ذلك ابدا ، بدليل الاملاءات الاميركية التي لقنّها الاميركان للعراقيين عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة التي دارت تلك المداولات من خلالها ، ولا يعرف حتى الان ان كان العراقيون قد كانت لهم الفرصة لكي يتداولوا اية قضية في الجلسات ام اكتفوا بالصمت والاصغاء ؟؟
اسئلة موجهة الى الاميركان
هل يدرك الاميركان في رؤيتهم أنهم خدعوا بمن تعاملوا معه من الساسة العراقيين ؟ انهم يدركون حتماً بأن سياساتهم عبر 17 سنة جعلت العراق هو الارض المستباحة مباشرة ، فمطلوب هو العلاج من قبل الوطنيين وما اكثرهم ممن يؤمنوا بالمصالح الوطنية العليا ، ونسأل الطرف الاميركي : لماذا وافقت عبر حكوماتها المتوالية على طبقة سياسية فاسدة أشاعت الانقسامات وعملت بالمحاصصات ونهبت المليارات ؟؟ طبقة مارقة وهجينة حكمت العراق ، وقد تعاملت بمئة وجه مع الفرقاء في كلّ من واشنطن وطهران ، وان العراق غدا معبراً لأيران نحو سوريا ولبنان . اليوم لا تنفع المجاملات أبداً ، فامّا مصالح العراق العليا وحماية أمنه وثرواته ومصيره واما خيانة العراق العلنية العظمى التي يعلنها باستمرار كلّ المتشبثين بالوجود الايراني تحت يافطات متنوعة ! خصوصا اولئك الذين يريدون اخراج الاميركان من العراق بسرعة كي ينفردوا به على حساب كلّ الوطنيين العراقيين ، ونسوا ان الكونغرس الاميركي وقف يصفّق طويلاً لشخص دّمر العراق على مدى ثماني سنوات اسمه المالكي ، ومن الجنون ان يبقى نفوذه سائدا حتى اليوم ، ولكنه بالتأكيد سائر الى حتفه !
مشكلة العراقيين
المشكلة الحقيقية أن العراقيين يدخلون ميدان حوار صعب قد لا يدركون أبعاده ، وقد لا يجيدون اللغة التي يمكنهم الحوار السياسي بها ، وقد لا يحملون التفكير الدقيق في اتاحة خارطة طريق جديدة لا صلة لها البتة بما مضى من مفاوضات أو حوارات سابقة وعلى الامريكان أن الاملاءات الشفوية لا يمكنها ان تبقى حبرا على ورق ان لم تترجم الى فعل تاريخي على الارض ، وهم يدركون جيدا أنّهم يجلسون مع عراقيين منقسمين ، وان العراق بحاجة الى نهج سياسي جديد يوّحد سياسته وطنيا باتجاه السعي لتحقيق مصالح عليا بعيداً عن الخيانة والدجل والانتهازية والشعارات الكاذبة ، فهل سيتمّ تقديم كلّ شيئ من أجل السلطة ام المصالح العليا أولاً وهل سيبقى العراق عرضة للاختراقات الاقليمية ثانياً وهل سيعمل البعض من العراقيين في الوقوف سدّا أمام التوّصل الى أيّ اتفاق كالعادة علماً بأنّ العراق اليوم يعاني كثيراً من خواء خزينته ، وبؤس الناحية الاقتصادية مع اجتياح وباء كورونا ، فهو ليس العراق عام 2008 !! وهو ليس بحاجة أبداً الى أية مليشيات تتبّجح بخيانتها العظمى، وهو بحاجة الى ارادة عراقية تعمل على اصدار دستور جديد وقوانين جديدة ، واقتصاد من نوع جديد .
هل سينفتح الطريق المسدود ؟
المهم ، هل سيدرك كل العراقيين ضرورات العراق الأساسية اليوم ؟ وأهمها اعادة التوازن السياسي باطلاق العراقيين مشروعهم الوطني من خلال نخبة سياسية جديدة بعيداً عن الطبقة السائدة باحزابها وقواها الفاسدة ومليشياتها القذرة ؟ ثم رسم خارطة طريق جديدة توضّح فيها طبيعة العلاقة مع الولايات المتحدة؟ والالتفات الى انقاذ العراق اقتصاديا وماليا وتخليصه من شبح الديون ، ومعالجة الفساد الذي نخر عظام العراق دولة ومجتمعا . وينبغي على الأميركان أن لا يكتفوا فقط باملاءاتهم وتحقيق رغباتهم ومصالحهم ، بل عليهم ان يدركوا رغبات العراقيين الحقيقية ..
ان علاقات العراق مع الاميركان لا يمكن أن تنقطع هكذا بمنتهى السهولة ، فهل استطعنا كعراقيين أن نقف على أرجلنا كتلة وطنية موحدة بلا اية تهديدات اقليمية ؟ هل أعادت اميركا الاعتبار لكلّ من دفع الاثمان الباهضة من العراقيين؟ هل نسكت عن التعويضات التي وعدنا بها الاميركان ؟ ناهيكم عن اعمار هم البلاد التي سحقت ؟ ولا يمكن أبداً تعديل العلاقة مع الاميركان الا بعد ان تكف أيدي دول الاقليم عن العراق .. وسيبقى العراق بحاجة الى الامن ووالى قوى التحالف من اجل استئصال كل خلايا داعش في السنوات الخمس القادمة .
وأخيرا : هل من رسم خارطة طريق جديد نحو المستقبل ؟
وأخيرا اقول ، بأنّ المعادلة واضحة تمام الوضوح ، فاما نسعى لتحقيق مصالحنا العليا وبناء قوته السياسية وانقاذ اقتصاده وتطيره كي يقف على رجليه بعيدا عن مخاضه الحالي المدمّر والقضاء على الاشرار والفاسدين من خلال رسم خارطة طريق جديدة ، وأما يبقى العراق معبراً ويستمر أهله تحت الوصاية الاقليمية ..
تنشر يوم السبت 20 حزيران / يونيو 2020 على الموقع الرسمي للدكتور سيار الجميل
https://sayyaraljamil.com/wp
الصورة المرفقة : بغداد كما تبدو من الفضاء ليلا ( عن مجلة Time الاميركية ).