الرئيسية / الرئيسية / سيّدة البلاد .. راقدة !

سيّدة البلاد .. راقدة !

سيدّة البلاد .. راقدة !
سيّار الجَميل
1
سيّدة البلاد الحزينة .. راقدة
في ردهاتِ مستشفى المجانين
أو تنتحب عند حافات كهوف القاعدة ،
و رقم سريرها مجهول الهوّية
وأطفالها غرثى يتضوّرون في الشوارع الأمامية
وأختها الجميلة ، منكوبة مسحوقة مدمّرة
أبادوا قلاعها الخضراء بانتقامٍ مع أهلها البائدة
تراقصوا في عرسِ الذئاب ..
فهل تغضب يا ترى ؟
2
نعم ، سيّدة البلاد راقدة
ألآبُ أسيرٌ في مستودع النفايات
والأمّ ماتت قبل ستيّن عاماً
الدودُ يأكل اليوم رغيف الخبز
وتتوّزع عصاباته عند كلّ مائدة
والعصافير تموتُ بلا أجنحة ، وهي تغّني
والبشرُ يحيا بلا رؤوسٍ صامدة
تقطّعت البلادُ بالفؤوس بأيدي قطّاع الطرق ..
و الضباع تنهش لحوم الاحياء الطرية
والأخت الثالثة فيحاء ، ظمأى تتوّسل الصدقات
بلا ماء .. بلا ثغور .. بلا شظآن فيروزية باردة
مومسٌ عمياء – كما وصفها السياب – .. يتلاعب بها الغرباءُ والقتلة
وهي لا تدري أين كنوزها شاردة !
3
سيّدة البلاد راقدة
أراها .. لونٌ بلا طعم ، بلا رائحة
أراها .. اسم بلا جنس ، بلا فائدة
كانت كالشمسِ تتوّهج منذ الأزل
وغدت مشوّهة لكلّ التاريخ .. وللتمدن فاقدة
كلّ ما فيها اليوم يعيشُ بلا عقل ، بلا رحم ، بلا قلوب واحدة
يتغنى بالجذور الممتدة في كلّ الأزمنة الغابرة
أنا بلاد الشمسِ والماءِ والخبز ِ والتمر ِ والخمر ِ والشعر
أمسيت أسيرة أحبو في القبو بلا أبوابٍ .. بلا نافذة
قالت : ” يخشى الموت .. خطاره
آنا لجرحكم .. عشت مجروحة .. وأنتم .. تعيشون بعشر معشاره ” * .
4
سيدة البلاد راقدة !
هنا مات النخيل .. هناك ذبحَ الخليل
هنا رحلَ الشموخ ، مذ لبس الصبية عباءات الشيوخ
جنّ الجنون ، واستعرت أحقاد ذوي العاهات ..
وامتلأت الساحات بالسرّاق السفلة وكل القذارات ،
وتجّار العقائد والسياسات من أصحاب العمامات الفاسدة
ماتَ المعلّم منذ ازمنة خلت .. سقطَ من فوق كرسيّه
وهو يعلّمنا معنى الوطن ، ويسمعنا موسيقى عايدة
5
آه .. يا سيّدة البلاد الحزينة
أنتِ الزهرُ والعنبر
أنتِ الحقلُ والمحجر
أنتِ الحبرُ والدفتر
سلبك الحمقى أعزّ ما تملكين
واعتقلوا الشوارعَ ، وفجّروا الفتنة ، ونحروا رموز الحياة
وانتشر البؤسُ .. واستعر االانتقام في مستنقعات راكدة
والكراهيّة العمياء أعلنوها في الصفحاتِ الأولى
وماتت الأخلاق بطيئاً ، فلم تجد الآ الجاحد هنا ، وهناك جاحدة
6
سيّدة البلاد راقدة
الطيبون كثيرون وهم يحيون ما تبّقى من حياتهم
على أملٍ موعودٍ ، وحكومةٍ واعدة ، وتشييع داعرة سائدة
ويحلمون ببلادٍ تخلو من الحمقى والاشقياء والقتلة والأغبياء والأشرار
آه لو جمعوا لحومهم ، ورصفوا جماجمهم وعظامهم
عندَ شواطئ تزبد أمواجها من دمائهم القانية .. ونشيدهم :
انهضي يا سيّدة البلاد ، فأنتِ أنتِ الوالدة ،
وافتحي أذرعك للشمسِ ، فأنتِ أنتِ الرائدة .
كفاك تبقين راقدة . كفاك تبقين راقدة ..
حذار حذار من غضبي ،
والويل من هزة المطعون في كل شاردة وواردة

كتبت فجر يوم 5 ديسمبر / كانون الاول 2918 ، وتنشر على موقع الدكتور سيار الجميل
https://sayyaraljamil.com/wp/
• تضمين من قصيدة النذر للشاعر الشعبي الراحل عريان السيد خلف ومقطعها الجميل
يخشى الموت .. خطاره
آنه الجرحك .. عشت مجروح ..
وانته .. ابعشر معشاره
الم بيه الوجع نيشان ثاير ما يرد ثاره ..
واهزك هزة المطعون ، من تتلايم
اكتاره

شاهد أيضاً

رموز وأشباح الحلقة 42 : برقيات وشفرات أميركية أرسلت من بغداد طوال يومي 14-15 تموز / يوليو 1958 لماذا لم يتمّ رفع السرّية عنها بعد مرور اكثر من ستين سنة على الحدث ؟

رموز واشباح الحلقة 42 : برقيات وشفرات أميركية أرسلت من بغداد طوال يومي 14-15 تموز …