نقلا عن NNA تابع المؤتمرون ، لليوم الثاني، أعمال مؤتمرهم الرابع للدراسات التاريخية المنعقد في فندق بريستول من قبل المركز العربي للابحاث ، تحت عنوان “العرب: من مرج دابق إلى سايكس- بيكو 1516-1916- تحولات بنى السلطة والمجتمع من الكيانات والإمارات السلطانية إلى الكيانات الوطنية”، بمشاركة أكاديميين واختصاصيين. وترأست الدكتورة فهمية شرف الدين الجلسة الصباحية، وقالت ان “معرفتنا بتاريخنا للأسف لم تكتمل بعد كغيرها من المعارف”.
افتتح اليوم الجلسة الصباحية الاستاذ الدكتور سيار الجميل ببحثه الموسوم “تاريخ العرب الحديث 15166-1916: إعادة الرؤية في أبعاد التكوين”، واصفا اياه بانه “محاولة إعادة الرؤية كي نعيد في أذهاننا المقاربة بين اقليم عربي وآخر لمعرفة ما كان يريده الباب العالي على امتداد أربعة قرون من رؤية عثمانية للمنطقة”. وقال: “ان تكوينات العرب الحديثة ليست كلها من صنع أوروبا. مشكلتنا حتى هذا اللحظة التاريخية لا تزال قائمة تجاه عملية التنوير، وهناك غياب لمعرفة العرب بما حل بهم في القرون الأربعة تحت حكم السلطنة العثمانية. نحن لا نزال نستخدم منتجات أوروبا والغرب ، ولكن لا دخل لنا بإنتاجها، فلا صناعة عربية منتجة حتى اليوم ، الحداثة لم تصل إلينا بعد”. وتحدث عن “ميزات حكمت فترات من التعايش العربي- التركي- الفارسي بعيدا عن النزعة العنصرية، او التعصبات الدينية والطائفية حيث كانوا يتبادلون الاحترام والحد الأدنى من الأخلاقيات التي ساهمت في تعايش هذه المجموعات أكثر مما هي اليوم”، مشددا على “غياب المساهمات السوسيولوجية والتاريخ الأنتروبولوجي لمعرفة ما الذي غاب عنا في القرون الأربعة العثمانية”.
ملخص المحاضرة
كيف نقرأ تاريخ العرب الحديث 1516-1916؟
اعادة الرؤية في ابعاد التكوين
ان قصة تاريخ العرب الحديث ، معقدة ومتشابكة ، وهي بحاجة الى اجيال قادمة من المؤرخين العرب والاجانب من اجل اغنائها بالتحليلات والمقارنات وتحقيق المعلومات المختفية للاستفادة منها ومن تجاربها المهمة . وتضمّ هذه ” الورقة ” مدخلات ومضامين ومخرجات ، وهي محاولة تأتي بعد مرور ربع قرن على صدور مشروعي في ” تكوين العرب الحديث ” ( 4 مجلدات ) ، فضلا عن كونها متابعة تحليلية لما صدر من جديد حول هذا ” الموضوع ” الذي يشغل مساحة تاريخية امدها اربعة قرون 1516- 1916 .
اوضحت المدخلات جملة من مشكلات اليوم التي تعود تواريخها الى تلك البقايا والجذور ، وكم تحتاج اجيالنا اليوم الى معرفتها ومعالجتها ، ثم تمّ تحليل اهمية تكويننا العربي الحديث ، فهو لم يزل يعيش في بقاياه حتى اليوم ، خصوصا وان العرب كانوا من اكبر تكوينات العثمانيين التي تفككت اثر مؤتمر فرساي 1919 . وكان لابد من معالجة التسمية ، ولماذا اطلق على هذا التكوين بتاريخ العرب الحديث ؟ معززا ذلك بنماذج وامثلة ، ثم الانتقال لتأكيد حقيقة تقول بأن هذا هو تاريخنا لا تاريخ غيرنا ، والرد على من يدعي انه تاريخ العثمانيين ، انه تاريخ العرب الذين احتفظوا بشخصيتهم الاجتماعية والحضرية والثقافية عندما خضعوا للعثمانيين . ولقد توقفنا عند بعض ما صدر من اعمال مهمة في هذا التاريخ مؤخرا .
اما مضامين ” الورقة ” ، فقد تمّ التناول فيها : كيف كان العرب قد شكلوا الثقل التاريخي للعثمانيين ، ومدى قوة الخلفية العثمانية لتكوينهم العربي الحديث .ولماذا ؟ وقد اجابت الورقة على ذلك . ثم تم البحث معمقا عن ثمة من قال بالانتماءات الكلاسيكية المندثرة التي لا وجود لها اليوم هروبا من الانتماء العروبي كرد فعل ازاء الوجود العثماني ، هنا ، ينبغي القول ان العرب انفسهم لم يكونوا مسؤولين ايضا عن كل ما جرى على ارضهم وبحارهم على امتداد اربعمائة سنة بين مرج دابق 1516 وحتى ثورتهم العربية عام 1916 ، ذلك ان العثمانيين هم المسؤولون الحقيقيون على تاريخنا من خلال التعايش مع الملل الاخرى تحت ظل السلطنة .. وكان للعثمانيين خلال القرن 18 ، تأثيراتهم التي تبلورت ليس من خلال التبعية للمركزية العثمانية ، بل من خلال انماط الحكومات المحلية ( السلالية والزعاماتية الاوليغارية والاثنية والمشيخية بالاعتماد على الاعيان ) التي اوجدوها في البيئات العربية ضمن النظام الاداري اللامركزي العثماني وخصوصا ابان القرن المذكور ، متمثلا ذلك باسر سلالية محلية ، امثال : آل العظم في دمشق ، وآل الجليلي في الموصل ، او بحكم باشوات مماليك في بغداد ، او بكوات مماليك في مصر ، او الاثنيات كالمعنيين قديما والشهابيين في لبنان ، او اوليغاريات عسكرية كما هو ضاهر العمر في فلسطين ، او حكم بايات تونس الحسينيين ، او دايات الجزائر ، او القرمانليين في طرابلس الغرب وغيرهم .
ان تاريخا مهما جدا للعرب شغلته اربعة قرون كاملة كانت الرؤى السياسية عنه اقوى من التواريخ العلمية فيه ! وقد عالجت الورقة الجذور التاريخية للعثمانيين والعلاقات مع ابناء الطيف الاجتماعي في منطقتنا العربية .. وكم تراءت رؤى تسقيطية لتكوينات العرب التاريخية الحديثة ، علما بأن العرب كانت لهم مدنهم الحضرية التي تميزت بالديناميكية والحيوية والتي تعايشت فيها مختلف القوى الاجتماعية الفاعلة .. ثم عالجت الورقة المؤسسات العثمانية وكم استفاد العثمانيون من العمق الحضاري العربي في بنائها ، ثم تناولت مرتكزات الدولة العثمانية :العثمنة اولا التي تمثلت بالسلالة العثمانية في المكانة الأولى ، ثم الملة العثمانية ، ثم انها كانت دولة سلطنة لا دولة خلافة ، وطبيعة السلطنة ، ثم تمذهبها بالمذهب الحنفي ، ثم تطور الوقفيات فيها كتعاقد الدولة وتكافل المجتمع ، ثم تحليل التنوع السوسيولوجي والثقافي .
وكان اخر المرتكزات يتمثل بمبدأ القوة بين الانفتاح على اوروبا والافتراق عن آسيا وافريقيا .. كما وقف البحث عند مكتسبات العثمانيين وما طبيعة الرؤية المختلفة ؟ والانتقال الى تحليل تقهقر التاريخ وتفكك السلطنة ، وعولج بالاخص تفكك الولايات العربية والانهيار العثماني ، وماهية التشكّل والسقوط ، وكيف تم التوقف عن النمو التاريخي لدى العثمانيين ؟ وما التنوع في التشكيلات العثمانية- العربية ؟ وما تحديات التاريخ التي صادفتها المجتمعات العربية وصولا الى التنظيمات التي لم تنفع الدولة من الانهيار ، وصولا الى المرحلة الدستورية ( = المشروطية ) ، وتبلور الفكرة الوطنية مع امتداد التوسع الاوربي في الارض العربية وانتهاء بالنهاية والافتراق واكتملت الورقة بالخاتمة التي اجابت على سؤال يقول : ما هي النتائج الاستيعابية للعرب في التاريخ الحديث ؟
لقد اعتمدت هذه ” الورقة ” على جملة من الكتب والاعمال العلمية الجديدة التي صدرت مؤخرا وتجدها في قائمة مراجع البحث .