اثار السيد عامر حنا فتوحي في ردّه المنشور في جريدة المدى 12/1/ 2016 على مقال الدكتور سيار الجميل والمنشور في المدى 21 /12/ 2015 .. ملاحظات ومغالطات باسم تصويبات وإضافات ، وقد اطلع مكتبنا عليها ، ومن خلال ايماننا بحق الرد ، ينبغي ان نوضّح الحقائق ، كيلا تؤخذ ملاحظاته التي نشرها مأخذ الجدّ ، في النقاط التالية :
اولا : قال في مقدمته : ” وقد سبق لنا وأن تبادلنا عددا من المكالمات الهاتفية – مع الدكتور سيار – تناقشنا فيها حول بعض الأعمال التي كانت ضمن مدار الاهتمامات المستقبلية له ” . والحقيقة ، ان اتصالين هاتفيين مع الدكتور سيار قبل اكثر من 5 سنوات ، لدعوته القاء محاضرة في ديترويت ، وقد تأجلت بسبب عدم ملائمة الظروف ، وانقطع السيد عامر عن الاتصال . في حين دعي الجميل من قبل جهات اخرى في مشيغان ، فكان ان لبى بعضها والقى محاضراته فيها .
ثانيا : ما العيب في توصيف الكلدان بالعراقيين حتى تغدو قضية ؟ فثمة كلدان في تركيا ، وسوريا ولبنان وايران .. وبعضهم نزع عراقيته وعدّ نفسه كرديا ، والاخر اميركيا ، والاخر يطمح لتأسيس كيانه في سهل نينوى . وهناك من اندمج مع الاثوريين ليغدو كلدو آشور ، او يرفض ان يكون مع السريان في سلة واحدة ! فهل هي الخطيئة وصفهم بالعراقيين ؟ يقول الكاتب : ” لو حدث ما يتطلب من عراقيي اليوم أن يعود كل واحد منهم إلى مسقط رأس أجداده، لغادر العرب إلى الحجاز والكورد إلى همدان (إيران) والشبك إلى خرمباد اللر(إيران) والفيلية إلى كلهر اللر(عيلام – إيران) والتركمان إلى تركمانستان والأرمن إلى أرمينيا، وهذه المناطق كما نعرف جميعاً تقع خارج حدود العراق الحديث وبلاد ما بين النهرين القديمة معاً. لكن ربّ سائل يقول، ترى أن يذهب الكلدان؟ ( انتهى النص ) .
” الكلدان العراقيون” : هو تعبير استخدمناه في توصيف جالية تقطن ديترويت ، والتوصيف ليس بحاجة الى تفلسف وشروح وتقليل من شأن العراقيين الاخرين ، وكأن المالك الحقيقي يريد طرد بقية المالكين المشاركين له منذ الاف السنين ، وليس ذنبهم انهم كانوا كثرة على حسابه وهو الذي بقي اقليّة ، ولم يكن يكنى بذلك تاريخيا ، بل نقرأ في الادبيات القديمة : النساطرة والجرامقة والسريان والاراميون والاشوريون والمندائيون واليهود وغيرهم . ان الامور لا تحسب بطريقة شوفينية ، فتاريخ العراق قد تغيّر عدة مرات . ان العراقيين لا يمكن تحميلهم اليوم جنايات الغزاة القدماء للعراق من كل الجهات ليتوطنوا فيه . ونسأل : كم اشترك من العراقيين في بناء حضارات متنوعة وثقافات عليا متعددة في العراق ؟ تلك التي لم تحسب على ملة معينة ، او عرق معين ، او مذهب ودين معين .. وأسأل : لماذا لم يزل اغلب العراقيين يكتبون بالعربية ؟ ويتثقفون بها ؟ ويغنون بها ؟ ويتاجرون بها ؟ ويبدعون فيها ؟ طيب ، بنفس المنطق الشوفيني ، فان مجنونا سيقول لكل العراقيين اليوم : ارجعوا الى لغاتكم واديانكم وثقافاتكم القديمة او المندثرة ! فهل يصح هذا القول ؟
لو اخذنا بهذا الرأي او ذاك بحيث يرجع كلّ عرق واثنيّة في العراق الى مكانها الاول ، فهل هذا منطق من يعيش في اميركا التي جمعت كلّ الاعراق والاديان والثقافات ؟ بحيث يعرف كلّ العالم من هم سكانها القدماء ؟ ومن الذي بنى حضارة اميركا الحديثة ؟ وهل بالإمكان ان يطبق مثل هذا الرأي في بريطانيا او كندا او استراليا مثلا ؟ ماذا اصاب الجيل الجديد من العراقيين ؟ ما هذه اللغة البائسة التي يتكلّمون بها ؟ من جعلهم أوصياء وسدنة ، يكتبون بلا معرفة ولا موسوعية ويناقشون بلا منهج ولا منطق ؟ ان مشكلة كل طيف عراقي احتكار العراق لنفسه ، ولوحده فقط من دون الاخرين!
ثانيا : يسأل الكاتب قائلا : ” حول الرقم 150 ألف نسمة الخاص بتعداد الكلدان في متروديترويت، أتساءل: من هيّ المؤسسة التي زودت الأخ د. الجميل بهذا الرقم اللا واقعي، ووفقاً لأي مصدر سواء كان في ميشيغان أو كاليفورنيا؟ ” .
ونجيبه وهو القاطن في ديترويت ان يرجع الى المصدر التالي حديث النشر ، اذ جاء على الصفحة 11 من كتاب ” الكلدان في ديترويت ” Chaldeans in Detroit لمؤلفه Jacob Bacall النص التالي :
“ Today, there are approximately 150000 Chaldeans in the Detroit area and another 50000scattered in California, Illinois, and other areas of the United States”.
وترجمة النص ” هناك اليوم ، بحدود 150000 كلداني في منطقة ديترويت وهناك 50000 اخرين منتشرين في كاليفورنيا والينويز ومناطق اخرى في الولايات المتحدة الامريكية ” والكتاب الذي اعتمدنا عليه ، منشور في دار نشر اركاديا / جارلستون ، جنوب كارولينا عام 2014 .
بمعنى ان هناك 200 الف كلداني امريكي في حين بالغ صاحب الرد بجعلهم 400 الف من دون أي مرجع رسمي يعتمد عليه ، اذ يقول : تبين لنا بأن نسبتهم الكلية في اميركا اليوم لا يمكن أن تقل عن 400000 نسمة، تضم ولاية مشيغان نسبة 65% من العدد الكلي، أي ما لا يقل عن 260 ألف نسمة، وهذا الرقم هو تقريباً ضعف الرقم المستخدم في موضوع د. سيار الجميل المحترم، علماً بأن الرقم 400 ألف هو أقل بكثير من الرقم الفعلي للكلدان في متروديترويت ولاية ميشيغان وولايتي كاليفورنيا وإيلينوي، ناهيكم عن كلدان ولايات أخرى مثل تيكسس وأريزونا .
ونجيب بأنّ هذا تهويل في عدد الكلدان . علينا ان نحترم عقول الاخرين اذ لم نكن نحترم عقولنا ! ونسأل : هل درس صاحب الردّ انثربولوجية سكان الشرق الاوسط ، وهل تضلّع جغرافيا وموسوعيا وعرف طبيعة اثنوغرافية العراق قبل مئة سنة ، لندرك الاحجام الحقيقيّة للسكان اليوم ! وكان عليه احترام ملّته في مناقشة صاحب الكتاب المذكور قبل ان يناقشني .
ثالثا : يقول كاتب الرد : ” نعم أن أوائل من وفدوا إلى الولايات المتحدة كانوا من قريتي تلكيف وألقوش …… ان الغالب الأعم من كلدان الولايات المتحدة اليوم ينتمون إلى مساقط رأس تمتد من شمال العراق حتى جنوبه ومن أقصى شرقه حتى أقصى غربه، ولذلك فأن ذكر قرية تلكيف العزيزة لوحدها هو نوع من المجاملة غير المحمودة وبعيدة عن جادة الصواب والنفس العلمي.” .
من المعيب جدا ان تفسر الامور بهذا الشكل ، فاذا كانت اموركم في ما بينكم بهذا المستوى ، فليس ذنب من يهتم بثقافتكم ويفخر بتجربتكم ان يتهم بهذه الطريقة وتحاورونه بهذه اللغة .. متمنين تعلّم كيفية مخاطبة الناس الذين لا دخل لهم في علاقاتكم ، ولا يتمنون لكم جميعا الا الخير ، كان كرسي البطركية في الموصل منذ 1830 وبقيت فيها حتى 1947, حيث نقل الى بغداد . ولكن ليس وجود الكرسي يعني ان تابعيها هم من حولها ، ولكن تنتقل نسبة الى الظروف السياسية والاوضاع التاريخية في البلاد . ونتمنى على كاتب الرد ان يقرأ تاريخ المسيحيين العراقيين بدقة .
ان من يقرأ ذلك التاريخ ، سيجد وقوع اغلب الاديرة والكنائس القديمة في الموصل وسهل نينوى ، وان اغلب المسيحيين العراقيين السريان والكلدان والتيارية الاثوريين والارمن يرجعون الى تلك الاديرة والكنائس .. ويتكلّم سكان القرى ( = الفليحيّة ) السريانية ، ويتكلم المسيحيون من سكان المدن العامية الموصلية بلهجات متنوعة .. واذا توطن ابناء القرى المسيحية بغداد او اماكن اخرى ، فهم يتكلمون اللهجة التي عاشوا في بيئتها بلكنة واضحة . ان في كل قرية مسيحية قديمة في سهل نينوى تزخر بكنيسة او اكثر .. وهذا لم نجده في قرى وسط العراق وجنوبه . علينا ان نتكلم بما هو واقع اليوم ، لا ان نتغنى بما كان في قديم الزمان . وعليه ، فان اغلب الذين نزحوا نحو بغداد اولا ، ومن ثم نحو خارج العراق هم اصلا من الموصل ومن القرى التابعة لها . وهنا ينبغي القول بأن ليس هناك أية ” مجاملة غير محمودة وبعيدة عن جادة الصواب والنفس العلمي ” ! ولا ادري لمن هذه المجاملة ؟ هذا كلام لا اقبله ابدا .
رابعا : ليس من حق كاتب الرد ان يجعلني اكتب على مزاجه ، فاذا كنتَ أنتَ على خلاف مع غيرك ، فتلك مشكلتك ولا دخل لي بها . لقد استضافني عراقيون في ديترويت لأكثر من مرّة وتعرفت على اغلب ابناء الجالية وهم من الاخوة الكلدان وبمعيتهم اصدقاء من اصول عراقية ويجمعون كلّ الطيف .. والقيت محاضرات وكانت لي انشطة ثقافية واعلامية . انني لست ضد المركز الثقافي الكلداني الاميركي ، فلماذا اتجاهله ؟ انني اعتز بكم جميعا كعراقيين وافخر بأنشطتكم جميعها ولا اميّز بينكم ابدا في هذا العالم .. فأتمنى مخلصا ان تكونوا من اهل النوايا الحسنة في ردودكم بعيدا عن الانفعالية والتشنّج .
واخيرا ، على المرء ان يحترس كثيرا قبل التسرع في اطلاق احكامه ، ومناقشة غيره . ان الدقة مطلوبة وان يتأكد المرء من وجهات نظره قبل نشرها ، وان لا يجعل نفسه معلمّا على الاخرين ، وان كانت هناك تصفية حسابات بين ابناء جالية معينة ، فنتمنى ان تعالج بعيدا عن اناس لا ناقة لهم ولا جمل .ان ثقتي كبيرة بالتجربة الكلدانية في مشيغان كونها عكست جانبا من حضارة العراق وثقافاته المتنوعة .
نشرت في جريدة المدى / بغداد الثلاثاء 26 كانون الثاني / يناير 2016 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيّار الجميل
www.sayyaraljamil.com
شاهد أيضاً
رموز وأشباح الحلقة 42 : برقيات وشفرات أميركية أرسلت من بغداد طوال يومي 14-15 تموز / يوليو 1958 لماذا لم يتمّ رفع السرّية عنها بعد مرور اكثر من ستين سنة على الحدث ؟
رموز واشباح الحلقة 42 : برقيات وشفرات أميركية أرسلت من بغداد طوال يومي 14-15 تموز …