يشمل هذا ” الموضوع ” التنمية في كندا في مجالات النقل والاتصالات والطاقة والمواد والأشغال العامة، والخدمات العامة (الرعاية الصحية)، وتكنولوجيات المستهلكين. ان معظم التكنولوجيات المنتشرة في كندا جاءت من أماكن أخرى. وهناك عدد قليل نشأ في الواقع في كندا.
تجدر الإشارة الى حقيقة أن فترة نشر التكنولوجيا بدأت منذ “عصر البخار” أي بين 1840 إلى 1880. باستحداث قوارب تعمل بالطاقة البخارية أدخلت عام 1809، وانتهى زمن بناء السكك الحديدية في عام 1885، ولكن استمر بناءها في القرن 20. للحفاظ على استمرارية وتطوير البخار، ضمن “عصر البخار”.
كانت التكنولوجيا احدى المحددات الثقافية الكبرى، التي لا تقل أهمية في تشكيل حياة الإنسان من الفلسفة، والدين، والتنظيم الاجتماعي، أو الأنظمة السياسية. في أوسع معانيها، بكل قوى التكنولوجيا. وقد عرفها عالم الاجتماع الفرنسي جاك ايللول بأن التقنية تفوق مجمل الأساليب العقلانية في كل ميدان من ميادين النشاط البشري كالتعليم، والقانون، والرياضة، والدعاية، وقد غدت العلوم الاجتماعية كلها ضمن التقنيات في هذا الاتجاه. وعليه ففي الطرف الآخر من المقياس، لغة مشتركة لتحديد معنى المصطلح لفنون صناعية محددة.
لقد انتهى عصر الإبحار بما شمله من سفن، ولغة رمزية، وعجلة القيادة، والخيول، وصنع الطاولات والكراسي في عصر يمتد بين (1600-1830) ، وبدأ عصر النقل من خلال بناء السفن والعجلات ، فتطورت الاتصالات، وتحولت اللغة الرمزية ، ثم بدأ استخدام الطاقة لتبدأ الصناعة بتوظيف المواد ، وتقدم الطب والتكنولوجيا المحلية والتخلص النفايات وصولا الى التكنولوجيا العسكرية . وبرزت كندا ضمن العالم الجديد في عصر البخار بثورة القطارات والتلغراف، والتوقيت العالمي، والمياه والنفط (1830-1880) ، وتطور النقل من خلال الطاقة البخارية مع تطور الاستشعار بالتوقيت العالمي ، لتبدأ ثورة الاتصالات والبحث عن الطاقة والنفط ، وتزداد المواد والمنتجات وتجددت التقنيات الصناعية والعمليات في علوم الطب والتشريح وما اخترع من ادوات وصولا الى الأشغال العامة، وتوظيف (الماء)، مع تقدم الهندسة المدنية والهندسة المعمارية ، كما تطورت وسائل الدفاع مع اختراعات مذهلة للانسان في أوائل الازمنة الكهربائية والضوء، والعدسات والنظارات التي ساعدت عيون الانسان والهواتف، والمجاري، وصولا الى الصناعات الثقيلة وناطحات السحاب والتدفئة المركزية (1880-1900) ومرجع ذلك كله الى توظيف كل من الطاقة والكهرباء ، وتطور النقل و الاتصالات ونمو الصناعات الثقيلة مع ثورة العمليات الصناعية وتقنيات المواد وضوء التصنيع ، والأشغال العامة والهندسة المدنية وايجاد طرق جديدة في التخلص من النفايات (المجاري) وبناء ناطحات السحاب والعمارة مع التدفئة المركزية ووسائل التبريد .. واذا كان القرن التاسع عشر زمن القطارات فان القرن العشرين هو زمن الكهرباء، والسيارات، والتلفزيون، والرقائق والطائرات والنفاثات والصواريخ وسفن الفضاء ، وصولا الى القرن الحادي والعشرين فهو عصر الإنترنت والتكنولوجيا اللاسلكية، HD TV، وتسارع الزمن واكتشاف مجاهل الكون، وتكنولوجيا النانو .
مكانة كندا في التصنيع
تعد كندا من أغنى دول العالم حيث يرتفع بها معدل دخل الفرد فيها كثيرا ، وهي من الدول المنتجة والمصنّعة ،وعليه ، فان مستواها المعيشي عالي جدا . وهي كذلك من أعضاء منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ومجموعة الثماني. فضلا عن كونها من أفضل عشر دول تجارية في العالم ، اذ يعد اقتصادها اقتصاداً مختلطاً ويصنف اعلى من الولايات المتحدة وفوق اقتصادات أغلب دول غرب أوروبا تبعاً لمؤشر مؤسسة التراث للحرية الاقتصادية. وان أكبر المستوردين الأجانب للبضائع الكندية هم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة واليابان.
تطورت الصناعات الكندية في القرن العشرين تطورا مذهلا ، وأدى نمو قطاعات الصناعات التحويلية والتعدين والخدمات إلى تحويل البلاد من اقتصادها الريفي المستقر إلى ان تكون إحدى أكثر الدول الصناعية والحضرية في العالم . وتهيمن صناعة الخدمات على الاقتصاد الكندي والتي توظف نحو ثلاثة أرباع الكنديين. وتوصف كندا كونها واحدة بين الدول المتقدمة في اهتمامها بالقطاع الأول من الاقتصاد، حيث تعد صناعة قطع الأشجار والاخشاب والسيارات والادوات والنفط من أهم الصناعات في كندا. علاوة على ذلك، تعتبر كندا أكبر دول العالم إنتاجا للزنك واليورانيوم، كما أن لها مكانة عالمية رائدة في الكثير من الموارد الطبيعية الأخرى مثل الذهب والنيكل والألومنيوم والرصاص. تقوم الحياة في العديد من المدن الشمالية والتي تصعب فيها الزراعة على وجود منجم قريب أو مصدر من مصادر الأخشاب. فضلا عن ان لدى كندا قطاع صناعي ضخم يتركز في جنوب أونتاريو وكيبك، حيث صناعة السيارات والملاحة الجوية ، وهي صناعات مهمة على وجه الخصوص.
ازداد التكامل الاقتصادي تقدما والفة مع الولايات المتحدة الاميركية بصورة كبيرة منذ الحرب العالمية الثانية . ولقد قادت اتفاقية منتجات السيارات وتجارتها التي أبرمت في عام 1965 إلى فتح حدود التعاون في قطاع صناعة السيارات. وفي عقد السبعينيات من القرن العشرين ، نمت بعض المخاوف جراء الاكتفاء الذاتي من الطاقة والملكية الأجنبية في قطاعات الصناعة مما قاد الحكومة الليبرالية برئاسة بيير ترودو إلى إنشاء برنامج الطاقة الوطني إلى جانب إنشاء هيئة مراجعة الاستثمارات الأجنبية. ولكن الغي البرنامج في عقد الثمانينيات من قبل بريان مالروني رئيس الوزراء القادم من الحزب المحافظ التقدمي وقام بتشجيع الاستثمارات الخارجية.
الصناعات الرئيسية
ان الصناعات الرئيسية تأخذ حيزا كبيرا في الاقتصاد الكندي – كما تبدو لنا معلومات عام 2012 – ، وكان الوزن النسبي من حيث قيمة الناتج المحلي الاجمالي للصناعات الكندية هو
10.86 التصنيع . كندا لديها صناعات متنوعة ومهمة واستراتيجية ذات تقنية عالية جدا ، مع صناعات خدمية حديثة كالسياحة والفندقة والدعاية والافلام والتلفزيون والميديا ، وصناعة الترفيه على مستوى إنشاء محتوى للاستهلاك المحلي والدولي. وتعد السياحة من أهم المرافق الكندية المعاصرة التي تحتل أهمية متزايدة مع تقادم الايام ، علما بأن الغالبية العظمى من الزوار الدوليين هم زوارا من الولايات المتحدة. ودول أخرى مثل الصين ، اذ زادت السياحة في كندا. وان اكثر المدخولات من صناعة السياحة تتمثل بكازينوهات القمار ، اذ تعد حاليا المكون الأسرع نموا في صناعة السياحة الكندية، والمساهمة بـ 5 مليارات دولار من جني الأرباح .
تشتهر كندا ايضا في صناعة الطائرات ، ذلك ان التصنيع الذي تمثله بومباردييه إيروسبيس وهي ثالث أكبر شركة لتصنيع الطائرات التجارية في العالم. وخصوصا طائرة CRJ-900 التي بنيت في كندا.. وحسب اطلس جامعة هارفارد للاقتصادات المعقدة ، فان كندا تعد واحدة من الدول ذات النمط العام للتنمية للدول الغنية ، اذ جرى التحول من اقتصاد الصناعات الأولية القائمة على تصنيع أساس واحد، إلى اقتصاد قائم على الخدمات والتصنيع . ولم تستطع كندا ان تهرب من هذا النمط حتى في الدورة التاريخية الصعبة غير العادية ابان الحرب العالمية الثانية والتي بلغت ذروتها عام 1944، وشكلت لتصنيع 29٪ من الناتج المحلي الإجمالي، ولكنه تراجع إلى 15.6٪ في عام 2005.
كندا تضم عددا كبيرا من الاغنياء الذين استفادوا في تكوين ثرواتهم من التصنيع ، ولكنها عانت من التراجع النسبي في أهمية التصنيع منذ ستينيات القرن العشرين حتى اليوم كما توضح ذلك دراسة نشرت عام 2009 من قبل هيئة الإحصاء الكندية ، اذ انخفض التصنيع كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي النسبية من 24.3٪ في الستينيات إلى 15.6٪ في عام 2005 وان حجم التصنيع بين عامي 1961 و 2005 يواكب النمو الإجمالي في مؤشر حجم الناتج المحلي الإجمالي. كما ان التصنيع في كندا وخصوصا الأكثر تضررا قد توالد من تأثير الأزمة المالية 2007-2008 واعتبارا من عام 2010، تعلمنا حسابات التصنيع انه وصل 13٪ من الناتج المحلي الإجمالي في كندا، وان الانخفاض النسبي لأكثر من 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي قد جرى منذ عام 2005.
تعد جغرافية وسط كندا موطنا مؤهلا بيئيا لصناعة جميع السيارات الأمريكية واليابانية وان العديد من تلك المصانع الكبرى مملوكة من قبل الشركات الكندية مثل ماجنا الدولية وشركة Linamar. ان وسط كندا ينتج اليوم أكثر مركبات وسيارات وشاحنات سنويا مما تنتجه ولاية مشيغان المجاورة في الولايات المتحدة الأمريكية ، وتعتبر مشيغان قلب صناعة السيارات الأمريكية. وقد جذبت الشركات المصنعة لكندا بسبب السكان المتعلمين تعليما عاليا مع انخفاض تكاليف العمالة مما عليه الحال في الولايات المتحدة. فضلا عن نظام الرعاية الصحية الممولة من القطاع العام في كندا كان أيضا عامل جذب مهم في تطور الصناعات التحويلية . كما تشتهر كندا بالصناعات الخفيفة فضلا عن الثقيلة مثل صناعة الالبان وصناعة الاخشاب وصناعة الادوية والالات الزراعية والادوات الكهربائية والصحية والبلاستيكية والانسجة والاقمشة فضلا عن الصناعات البحرية والاطعمة والاسمنت والحديد والصلب والبناء .. الخ
الطاقة وإنتاج البترول في كندا
تعد كندا واحدة من الدول القليلة المتقدمة في الصناعة النفطية كون النفط مصدرا صافيا للطاقة ،ففي عام 2009 بلغ صافي الصادرات من منتجات الطاقة 2.9٪ من الناتج المحلي الإجمالي. اذ اشتهرت كندا بموارد النفط والغاز الكبيرة التي تركزت في ألبرتا والأراضي الشمالية، ولقد اكتشفت ايضا في كولومبيا البريطانية وساسكاتشوان المجاورة. وان الرمال النفطية في أثاباسكا الواسعة تمنح كندا لأن تكون ثالث أكبر مالكة لاحتياطيات النفط في العالم بعد السعودية وفنزويلا وفقا لهيئة المسح الجيولوجي الامريكية. في كولومبيا البريطانية وكيبيك، وكذلك أونتاريو، ساسكاتشوان ومانيتوبا ومنطقة لابرادور .. وهناك تصنيع الطاقة الكهرومائية التي تعد مصدرا غير مكلفا نسبيا بمصادقة للبيئة وتوفير طاقة وفيرة. اذ يعد الفرد في كندا واحدا من أعلى المستهلكين للطاقة في العالم . وقد مكنت الطاقة الرخيصة إنشاء العديد من الصناعات الهامة مثل الصناعات الألومنيوم كبيرة في كولومبيا البريطانية و كيبيك.
اما تاريخيا، فهناك مسألة مهمة في السياسة الكندية يمثلها التفاعل بين صناعة النفط والطاقة في غرب كندا وقلب المنطقة الصناعية جنوب أونتاريو. وأثار الاستثمار الأجنبي في مشاريع النفط الغربية وارتفاع الدولار الكندي. وأثار هذا السعر من الصادرات الصناعية في أونتاريو وجعلها أقل قدرة على المنافسة، وهي مشكلة مماثلة لتراجع قطاع الصناعات التحويلية في هولندا. وعليه فمن ألارخص لألبرتا شحن النفط إلى الولايات المتحدة الأمريكية الغربية لتكريره من إلى شرق كندا واونتاريو التي تعتبر ابعد جغرافيا من الولايات المتحدة . وبالتالي فإن الموانئ الكندية الشرقية تستورد كميات كبيرة من النفط من الخارج، وان أونتاريو يجعلها تعتمد استخداماتها الكبرى على الطاقة النووية.
ان سياسة الطاقة الوطنية منذ الثمانينيات في القرن العشرين قد بدأت في وقت مبكر بمحاولة لإجبار ألبرتا لبيع النفط مخفضا في رحلات من شرق كندا. لقد أثبتت تلك السياسة عدم جدواها إلى حد بعيد، وسرعان ما فقدت أهميتها مع انهيار أسعار النفط في منتصف الثمانينيات . وكان واحدا من البنود الأكثر إثارة للجدل في اتفاقية التجارة الحرة بين كندا والولايات المتحدة الأمريكية لعام 1988 مسألة الطاقة المتفق عليها بين الامريكان والكنديين .
للبحث صلة
ترقبوا الحلقة 26
نشرت في جريدة AKKAD الكندية آب / اغسطس 2015 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com
الرئيسية / الرئيسية / الصناعة والتكنولوجيا في كندا الحلقة 25 من كتاب سيار الجميل : دومينوين كندا من الاتلانتيك الى الباسيفيك
شاهد أيضاً
رموز وأشباح الحلقة 42 : برقيات وشفرات أميركية أرسلت من بغداد طوال يومي 14-15 تموز / يوليو 1958 لماذا لم يتمّ رفع السرّية عنها بعد مرور اكثر من ستين سنة على الحدث ؟
رموز واشباح الحلقة 42 : برقيات وشفرات أميركية أرسلت من بغداد طوال يومي 14-15 تموز …