كنت قد نشرت قبل 12 سنة مقالة بعنوان ” نقاد بؤساء ” ( انظر : الزمان اللندنية ، العدد 916 ، السنة 4 ، لندن ، 15 مايو / نيسان 2001 ) . اوضحت فيها بؤس بعض من يعارضني باستخدامه اسلوب الشتيمة من دون اية محاججة منطقية او مناقشة علمية او منازلة فكرية .. ولم انزل نفسي الى ميدانهم الهابط ابدا ، بل اكتفيت ان اخاطبهم من مكاني باللغة التي يفهمونها ، خصوصا وانهم كانوا قد جن جنونهم بعد ان اصدرت كتابي في نقد كتابات محمد حسنين هيكل وعنوان كتابي ” تفكيك هيكل : مكاشفات نقدية في كتابات محمد حسنين هيكل ” ( نشر عام 2000 ) .. ، ومنذ ذلك اليوم يخرج بين الحين والاخر عدد من البؤساء او السفهاء او المهرجين من الذين لا يمتلكون اية قدرة على المواجهة العلمية او المجابهة النقدية او المحاججة المنطقية .. كي يستخدم طريقته غير الاخلاقية في القذف والردح .. واليوم ، يخرج آخرون ليستخدموا الاسلوب نفسه ، وأود ان أعيد ما قلته قبل سنوات طوال ، واعيد القول ، بأن مثل هذا ” الاسلوب ” البليد لا يفيدهم ابدا ، وسوف لا ينفع كل ما يطلقونه من محاولات بائسة ، اذ سأبقى ابحث عن حقائق الاشياء ، واكشف عن كل المسيئين والمزورين والمنتحلين والمغالطين والمنافقين والمزايدين ، وخصوصا في سوق المعرفة التي اهترأت على ايديهم ، والثقافة التي انهارت من خلال امراضهم واوبئتهم ، او حتى تهريجاتهم وايديولوجياتهم .. وسوف لا يصح الا الصحيح ..
أن يكون اللسان طويلاً، فهذا ما ألفناه عند بعض الفاشلين من الكتاب المهرجين الذين يدعون أنهم نقادًا ومختصين ! أن يكون رمي الآخرين خفية وفي خلسة حائرة، فهذا من فعل الجبناء المتطفلين ! أن يكون التهور ديدنهم، فهذا ما اعتاد عليه بعض ممن يسمون أنفسهم بمثقفين واساتذة ومبدعين ؛ ليس أسهل عند بعضنا نحن العرب أن نرمي بالأشياء ومن دون أن نعرف ، ومن دون ان ندقق ، ومن دون ان نتحقق .. لماذا وكيف؟ وليس أشقى على دعاة الفوضى والغوغائية الفكرية أن يقاتلوا في غير ميدانهم الحقيقي! وليس أصعب على ذوي العقول الضعيفة أن يستوعبوا سطورًا عدة من كلام عادي، فكيف باستطاعتهم أن يفهموا مئات الصفحات من كتابات العلماء المختصين والنقاد الباحثين عن الحقيقة والصواب وفلسفات الاشياء ؟ وليس من عائق أمام أدبيات هذه المجتمعات العربية العريقة إلا حفنة من شراذم بلهاء ومجاميع أغبياء من التافهين البؤساء ، ليس لهم عمل سوى تشويه الحقائق أمام الناس، وهم يتبجحون بكل أطناب أمام الدنيا وعلى شاشات التلفزيونات وعلى صفحات الجرائد والمجلات ، وبشكل لا اخلاقي على صفحات المواقع الالكترونية تحت عناوين براقة شتى.
أن يكون امتلاكهم لزمنهم الكئيب الذي ولى وانقضى، فهذا من حقهم، ولكن أن يتطفلوا على زمن غيرهم من المعاصرين، فهذا ليس من حقهم أبدًأ ! أن تكون أبواقهم قد أوصلت حياتنا إلى ما هي عليه اليوم من الذلة والمسكنة .. فذاك زمن ولى وانقضى في القرن العشرين. أما أن تبقى أصواتهم الفجّة الناعقة تلعلع كما ألفوه ، فهذا ليس من حقهم اليوم أبدً! . إن ازدواجيتهم الفكرية وامراضهم الاجتماعية وتناقضاتهم للذات والموضوع والتفكير قد تعرّت اليوم فانفضحت مواقفهم وأفكارهم، وسيكون الدور الحقيقي للجيل الجديد الذي سيتسلم زمام المسؤولية في غضون سنوات قلائل من أجل أن يحاسبهم حسابًا عسيرًا على كل ما أوهموا حياتنا به فهذا هو منطق الحياة العربية القادمة .. ليدرك أمثال هؤلاء الذين لفظهم التاريخ خارج اسواره، بأن كتاباتهم العادية او آراءهم السياسية وشعاراتهم البراقة ، وإنشاءاتهم السريعة لا تستقيم وكتابات العلماء المختصين والمفكرين الحقيقيين!
وليعلم أولئك الذين ارتزقوا بمغامراتهم وابتزازاتهم على فتات الآخرين من معلومين ومجهولين، وغدوا من نخب المثقفين بأنهم ضعفاء النفس من زمر المهرجين أمام النزهاء من العلماء المتواضعين والأساتذة الحقيقيين! وليعلم الجميع بأن الابتذال في بعض وسائل الاعلام والمواقع الإلكترونية التي أسسوها لبث غثهم ، او لشتم الناس باسم النقد والناقد والنقاد والحوار والمتحاورين والكتاب والمؤلفين وبعض منشوراتها السقيمة ما هو إلا طريق غير نظيف للكسب غير المشروع.. وإن كلمات نظيفة وملتزمة في مجلات عربية عريقة معروفة ومحترمة كمجلة الآداب البيروتية مثلا ، جعلتها تعيش قهرًا حقيقيًا وشظفًا قاتلاً أجيالاً تلو أجيال بعد عشرات السنين من إثراء الفكر العربي المعاصر، ولكن في طريق نظيف وملتزم.
إن أزمة مجتمعاتنا ليست في زعمائها وقادتها حسب كما يدعي بعضهم ويشيع، بل تكمن في تلك النخب والفئات الديماغوجية ، وهم ليسوا بقلائل ابدا ، بل تكثر فيهم اعداد الكاذبين والمحتالين من أولئك الذين سموا انفسهم بكتاب ومثقفين وساسة واعلاميين ورجال دين .. وهم أدعياء النقد والفكر والصحافة البليدة، وهم من المروجين والمراوغين والدجالين والأفاكين والمنافقين والازدواجيين والمدلسين والانتهازيين والطفيليين والطائفيين والاقصائيين الذين جعلوا من منابرهم أدوات للقذف والهجوم والابتزاز كي يرضوا انفسهم المريضة ويشبعوا رغباتهم ومركبات نقصهم ! ويقدمون أنفسهم للعالم كونهم عمالقة وكبار وأوصياء على فكر الاخرين وقضايا المجتمع .. ويريدون الاستحواذ حتى على مصير عالمنا وأجيالنا القادمة! وهم مكشوفون للرأي العام، فكتاباتهم هزيلة، وأكاذيبهم فاضحة، وتواريخهم غير نظيفة.. وعلاقاتهم تشوبها ألف شائبة! وتراهم غير مؤتمنين على أسرار بلادنا ودولنا ومجتمعاتنا أبدًا! يتبجحون بنضالاتهم الثورية سابقا او يجعلون من انفسهم اليوم رجال تراث وعلماء دين كي يكونوا ضمن الموجة الرائجة هذا اليوم وسيماهم على وجوههم .. تراهم يكذبون علينا أنهم من الباحثين والكتاب والمثقفين المبدعين وهم فاشلون حتى عندما كانوا في مدارسهم الابتدائية! احترفوا مهنة صناعة الأكاذيب والدعايات والكتابات الفارغة الجوفاء فتجدهم يلفقون عن أنفسهم أنهم كانوا من الرواد واصحاب الأمجاد والعلماء الأسياد والمفكرين النقاد والمختصين ! لقد حان الوقت أن يكشف أمثال هؤلاء من المزيفين ، وتعريتهم على حقيقتهم قبل أن يرحلوا وهم يعتقدون أنهم أبطال الميدان في الثقافة والحياة .
لقد حان الوقت أن تكشف بضاعة هؤلاء على الملأ، لكي يعرف أبناء الجيل الجديد بأن أدوارًا مفجعة قد أداها أمثال هؤلاء ضد الشأن الثقافي والعلمي والتربوي العام! لقد حان الوقت أن تكتب دراسات عربية نقدية قوية ضد كل من قام حقيقة بتشويه الفكر العربي المعاصر! لقد حان الوقت أن تغدو المؤسسات الفكرية العربية نزيهة ونظيفة في تقييم المعلومات واحترام وجهات النظر مهما كانت درجتها قوية في الاختلاف! لقد حان الوقت لكي تعرف الأجيال الجديدة من هم الأقدر على إغناء المشروع النهضوي العربي الحديث، ومن هم أولئك الذين وقفوا ضد تطوره ورقيه وجعله في أسفل سافلين؟
لقد حان الوقت لكي يجهر الرجال الشجعان من الكتاب والأساتذة المختصين والنقاد العلماء الحقيقيين بأقوالهم الشجاعة والجريئة في نقد وجهات النظر الخاطئة أو المبتذلة، ولا بد من تشجيع الرأي الذي نخالفه من خلال الاهتمام به، وعلينا نحن العرب أن نكون أقوياء في الذي ننشره فنقابل كل حجة بحجة وكل حجم بحجم وكل خطأ بصواب! وعلينا أيضًا أن نكون أمناء في قول الحق بعيدًا عن الطعن الرخيص.. ورحم الله أولئك الاباء والأجداد الذين عرفوا قدر أنفسهم من خلال سمو أخلاقهم ، وقوة أساليبهم في نقد أحدهم للآخر، كما عرف كل واحد منهم منزلته الحقيقية في المجتمع بين الآخرين عكس ما يجري اليوم على أيدي بعض التعساء التافهين الذين يسمون أنفسهم نقادًا وعلماء ومثقفين !.
نشرت ضمن باب ( مكاشفات ) في ملحق الف ياء الزمان / لندن ، 14 مايس / آيار 2013 ،
http://www.azzaman.com/?p=34098
ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com
شاهد أيضاً
رموز وأشباح الحلقة 42 : برقيات وشفرات أميركية أرسلت من بغداد طوال يومي 14-15 تموز / يوليو 1958 لماذا لم يتمّ رفع السرّية عنها بعد مرور اكثر من ستين سنة على الحدث ؟
رموز واشباح الحلقة 42 : برقيات وشفرات أميركية أرسلت من بغداد طوال يومي 14-15 تموز …