انعقد في طرابلس الغرب ، قبل أيام ، مؤتمر قمة عربي من خمس دول فقط ، وضم زعماء كل من ليبيا ومصر واليمن والعراق وقطر ، وهم أعضاء اللجنة الخماسية المنبثقة عن مؤتمر قمة سرت السابق ، كي يتمّ تعزيز الأجهزة والهياكل الرئيسية لجامعة الدول العربية ، وكالعادة صرف الزمن في صناعة كلام ، وإلقاء تصريحات ، وبناء أحلام ، وإصدار قرارات ، وتوزيع أحكام .. وكلها كالعادة تبقى دون تنفيذ ، كما جرت عليه عادة تلك ” المؤسسة ” التي نادينا طويلا بإجراء معالجات حقيقية لأوضاعها الصعبة .. وبدل أن نجد بدائل حقيقية ، فإننا سمعناه كلاما على لسان أمينها العام ، يكاد يكون تكريسا للترهّل وإضفاء أعباء جديدة ، والتغّني بأحلام لم تتحقق أبدا لمؤسسة ترفل بثياب مهلهلة !
أنها ” مؤسسة ” لم تستفد من تجارب أكثر من خمسة وستين عاما على تأسيسها ، ولم تزل تعيد إنتاج مقولات ، وتلوك عبارات قالها مؤسسوها الأوائل ، وما حلموا به وتغّنوا من أجله ، ولم يتحقق حتى اليوم .. إنها تجتر نفسها دوما ، ولكنها اليوم لا تشابه ظروف منتصف القرن العشرين ! إن نظام القمة العربي لم يعرف حتى اليوم أية أجندة جدولية للانعقاد بين قمة عادية وقمة تشاورية ! ولم يزل الأمين العام يتغّنى بالأهداف الجديدة التي رسمها المؤتمر الأخير ، كي تعرض على مؤتمر القمة العربي القادم ، فكيف ستتم ” إعادة تشكيل المجلس الاقتصادي والاجتماعي العربي ” وبمستوى رؤساء الحكومات ، وتقديم مقترحات تعدّها لجان وهيئات متخصصة أخرى ، ولا ادري ما علاقة المجالس الوزارية العربية بها ؟ كيف ستقوم الجامعة بتعزيز السلام والأمن العربي ، وبأية وسائل وأدوات ؟ كيف سيتمّ إنشاء قوة لحفظ السلام ؟ وأين تعمل ؟ وما صلاحياتها ؟ أتريد هذه ” المؤسسة ” أن تزداد ترهلا أم أنها تطمع بمنافع خاصة ؟ كيف سيتم تضمين تشكيل برلمان عربي دائم ، إذا كان مشروع البرلمان العربي السابق مشروعا فاشلا ، إذ ما الذي قدّمه من خدمات حقيقية لواقعنا العربي ؟ وإذا كان العرب لم يفوا بالتزاماتهم منذ القمة السابقة بتقديم 500 مليون دولار من اجل الحفاظ على هوية القدس ، فكيف سيتم إنشاء المساعدات الإنسانية في حالات الطوارئ ؟ وكيف ستعمل أية هيئة للإغاثة والاستجابة للكوارث والأزمات الإنسانية ، أو الحروب والصراعات ؟ اذا كان معظم الدوائر المرتبطة بجامعة الدول العربية ، قد وهن دورها وقّلت أهميتها ، باستحواذ أناس معينين عليها ، فكيف تستطيع جامعة الدول العربية أن تفكر أيضا بإنشاء المنتديات والجمعيات العربية .. ؟ وكل ذلك تحت عريضة ” تعزيز العمل العربي المشترك ” التي سمعنا بها مذ كنّا أطفالا !
واذا كان المؤتمر قد ناقش مثل هذه ” الأمور ” التي كان يجب أن تنجز منذ نصف قرن ، فلا ادري لماذا تمّ اجتماع القمة خلف أبواب مغلقة، لمناقشة مثل هكذا ” مشروع ” أعده وزراء خارجيتهم رفقة الأمين العام ومساعده ، ولم يتمخّض إلا عن تقديم وثيقة بشأن تعزيز منظومة العمل العربي المشترك لمؤتمر القمة العربية الطارئة !
إنني واثق تمام الثقة أن بعض الزعماء العرب لم يعد يؤمن بجدوى ما يطرح ويقال ، ولكنه ملزم بأداء الشعائر القومية احتراما لأرث لم يحترم في اطار هذه ” المؤسسة ” ولم تقم بتطويره ، ليس في مبنى عريق يقع في قلب القاهرة ، بل في كل المنظمات الملحقة بها ، وآخرها ما اسمي بالبرلمان العربي !
أتمنى من صميم القلب أن يجتمع العرب في قمة دورية كل ستة أشهر ، وفي قمة اقتصادية كل سنتين ، وأتمنى كأي مواطن عربي أن يتم ترصين الجبهة الداخلية لمواجهة التحديات والصراع إزاء إسرائيل . ولكن هل سيتحقق ذلك ؟ كم سمعنا مثل هذا ” الكلام ” المعسول دون أي تنفيذ ولا أية إجراءات ! أين الآليات والنظم والخطط لمعرفة ما يمكن تنفيذه في زمن تتزايد فيه المخاطر يوما بعد آخر ؟ إذا لم نجد أي صيغ عادية من التعاون والشراكة والثقة بين الدول العربية حتى الآن ، فكيف يتغّنى الأمين العام بإنشاء اتحاد عربي على غرار الاتحاد الأوروبي ؟ انه حلم الملايين ، ولكنه هنا ، مجرد تسويق سياسي لبضاعة لا يمكن نقلها عبر الأبواب الموصدة !
إن هكذا ” إستراتيجية ” لا تبنى بقمة خماسية تدوم لبضع ساعات قليلة ، كي تجتمع القمة العادية لتبادل الخطابات من دون الخروج من الثياب المهلهلة وبناء إستراتيجية عربية حقيقية ، تعالج الأخطاء معالجة حقيقية ، دون أن تستعرض العضلات بعقد ” قمم نوعية ” ! إنني أقول لملايين العرب ، أن لنا موعدا قادما مع وثيقة ما سمي بـ “تطوير منظومة العمل العربي المشترك” التي ستعرض على القمة العربية الاستثنائية في التاسع من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل . لنرى كيف ستنطلق جامعة الدول العربية لتحقيق حلم العرب المنشود الذي نادي به العرب منذ العام 1909 .
نشرت في البيان الاماراتية ، 6 يوليو / تموز 2010 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
، www.sayyaraljamil.com
* جدع هو مختصر جامعة الدول العربية ، ولم يذكر في اصل المقال ، بل اضيف هنا ، للتعريف بمختصر عربي لهذه ” المؤسسة ” !
شاهد أيضاً
زعامات ورزايا .. ورئاسات بلا مزايا
الزعامة غير الرئاسة، والرئاسة غير الإدارة، والإدارة غير القضاء. لقد مضى زمن الزعامات الحقيقية، وماتت …