اولا : صناعة الخراب
العاصفة تأكل حياة كل العراقييننعم ، انها “ عاصفة الاوراق” ، كما وصفها احد الكتّاب العراقيين الذين احترم كتاباتهم ـ نقلا عن ماركيز ـ ، لكنه لم يكن موفقا في مقالته الأخيرة ! كل شيء هائج في العراق هذه الأيام .. كل القيم مفقودة في العراق الحر .. الاضطراب يعصف بكل الأفكار .. الثقافة القديمة مترّسخة في مجتمع من الصعب ان يرحل مع الراحلين الجدد عن أجندته السابقة .. من لم يزل يصفق لما كان قد ترّبى عليه ، فسيخيب أمله ، فهو مقارب للرحيل النهائي والانتقال إلى الرفيق الأعلى ، وسيأتي جيل جديد نجهل تماما كيف سيكون تفكيره ، وهو يخرج من تحديات الماضي وخنادق الأشرار .. فأما يستجيب لتحديات الحاضر ، أو ستستمر معاناته ، ولكن بأشكال أخرى !
الأزمة ، لا تجدها منحصرة عند السياسيين والمتحزبين والملالي ورجال الدين ، بل يعيشها حتى المثقفين والكتّاب والمفكرين والفنانين .. الذين يعّبرون اليوم عن مشاعر متنافرة ، ويستندون ـ ربما ـ إلى معلومات خاطئة ، يتداولها احدهم عن الآخر ، من دون تدقيق ، ولا أي تحقيق !! العراقيون قاطبة ، لا يعرفون ماذا يريدون في خضم هذا المأزق التاريخي الذي هم عليه ، أو المخاض الذي هم فيه اليوم .. التشظيات تجدها بين تنافرات جيل مضى زمنه من قوميين وشيوعيين وبعثيين وإسلاميين ! أو بين هوس جيل قديم وضياع جيل جديد ! أو بين أفراد من شيوخ عشائر ، وضباط عسكريين متقاعدين ، ورفاق درب ومناضلين الأمة العربية ومجاهدين الأمة الإسلامية .. أو عصائب وميليشيات وجماعات .. تلحق بهذا أو تترك ذاك ، سعيا وراء المال والسلطة والقوة والنفوذ ، أو بين قبائل وعشائر تنادي بالافضليات ، وتعيش أمجاد ذاكرة الأصول والبطون والأفخاذ والأطراف ، أو بين مدن أصبحت مخيفة ، أو كسيحة ، أو كئيبة وبين أرياف قاحلة ومتخلفة عن حياة العصر حتى وان بقيت تستلم العالم عبر ستالايتات مزروعة فوق أسطح صرائف وأكواخ ، أو بين طوائف منقسمة ومتناحرة ، وبين اكثريات أسموها بـ ” المكونات الأساسية ” وبين أقليات هادئة الطبع ، كبيرة الإنتاج ، تنسحق يوما بعد آخر .. الخ
تفاقم المشكلات : المضامين والتداعيات
المشكلات تتفاقم بفعل عدم وجود اتفاق بين العراقيين ، لا على معرفة أسبابها فقط ، فهم راضون بواقعهم ـ كما يبدو ـ من دون أية احتجاجات ولا أية مظاهرات .. ولا أية معارضات ! أو لأنهم يختلفون في أساليب حلّ تلك المشكلات ، إذ لا تجد خمسة عراقيين يتفقون على مبدأ واحد ، فهم مختلفون لأسباب أو حتى من دون أي سبب واحد .. العراقي لا يتنازل للعراقي الآخر حتى وان اخطأ بحقه .. والعراقي لا يعترف بالخطأ الذي ارتكبه أبدا ! وعليه ، فان الحياة العراقية لم تختزل مشاكلها بالأمن والحواجز والمنطقة الخضراء والمناطق الحمراء والصفراء وانطفاء الكهرباء وانسداد المجاري ، ولا حتى بالأصابع البنفسجية .. بل تمتد العاصفة لتشتمل على ضياع القيم ، وانفلات الألسنة ، وصناعة العبث ، والسخرية من المواطنة ، وتزوير التاريخ ، ونهش المال العام ، وتمجيد الهوامش ، وقتل المضامين .. لقد غدت فكرة العراق الموحد مجرد أحلام عصافير عند واحد من الزعماء العراقيين ! وحذار من العروبة ، فهي في عرفهم ، أفيون العراق ومن سموم الماضي القاتلة !! وكأن بغداد والبصرة والكوفة والموصل والنجف وغيرها .. لم تكن يوما بمراكز حيوية للحضارة العربية المسالمة والانفتاح على العالم برقي منقطع النظير .. إنها كانت ـ في عرفهم ـ مجرد قرى قاحلة في قلب صحراء ، أو في جوف واد غير ذي زرع أو ضرع !
صناعة الخراب
منذ نصف قرن ، والعاصفة تأكل العراق أكلا ، وتنهش المجتمع نهشا ، وتدمّره تدميرا : انقلابات عسكرية ، وبيانات على شاكلة بيان 13 ، وتدخلات خارجية ، وتآمرات داخلية ، وخيانات وطنية ، وسحل أجساد بالحبال ، وانشقاقات حزبية ، وصراعات سياسية بين الأحزاب الثورية ، واغتيالات عشوائية ، وعذابات قصر النهاية ، وسلطات قمعية ، وميليشيات شبه رسمية ، وإعدامات جماعية ، وانقسامات مبدئية ، وفتن داخلية ، ومحاكمات صورية ، ومشانق علنية ، وتهجيرات سكانية ، ومزارع رعب بالسواطير والطوابير، وإلغاء وجود بشر حتى الدرجة الرابعة من القرابة .. وميادين حروب دموية سقط فيها الآلاف ، وتجفيف اهوار ، وذبح نخيل ، وقطع السنة ، وجدع انوف ، وشرم آذان ، وإبادة مدن ، وحصار ظالمين ، وانسحاق عملة ، واحتلال وطن ، وتجريم شعب ، وشريعة غاب ، وسحق مؤسسات ، وحرق تراث ، واخذ ثارات ، وتهريب آثار ، وحرب طوائف ، وقطع رؤوس ، وذبح نساء ، وتدخل دول الإقليم ، ونهب ثروات ، وفساد أنفس ، وشراء ذمم ، وتهميش ملايين ، وسيادة مكونات ، وانفصام أقاليم ، وهجرات ونزوحات .. الخ
أبعد كل هذا وذاك ، كيف يمكننا تخّيل نوع العواصف في العراق ؟ كيف لا ينسحق أي عراقي وينكر مواطنته بحجة تحلل الشعب إلى مجرد مكونات وطوائف واقليات ؟؟ .. ويحاول أن يجدها عنده هو نفسه فقط ؟ كيف يثق أي عراقي بالآخر ، وقد مرّ هو وكل أبناء جيله بماراثون لا يمكن تحمّل تداعياته أبدا ؟ كيف لا ينكر عروبته ، وهو يجد نفسه ، وقد انقسم بيته إلى نصفين متصارعين : عراقي لا يتّسعه أبدا ، وعربي يعبث به العابثون ؟ كيف لا يرى هولاكو ، حكيما وتيمورلنك منصفا بعد أن شهد الويلات في النصف الثاني القاني من القرن العشرين ؟ كيف لا تجده ينفر خفافا وثقالا من تعابير مبتذلة ، وأغان فجة ، وشعارات مملّة سمعها كثيرا ، ورددها مسؤولون جهلة ، وعاشت عليها ذاكرته ليل نهار ، وهو مرغم على سماعها ، بل وألزم باستخدامها من دون أن يعترض أبدا ؟ ماذا تتوّخى منه وهو من مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية ، بعد أن عاش قرابة خمسين سنة من حياته أن ينّفذ فقط من دون أن يناقش أبدا ؟ ويخاف مرتعبا ؟ وينام مرتجفا ؟ لماذا تطالبه أن يحفظ قيم العراق ، والعراق غدا عنده خرابا يبابا ـ أو كما وصفه الصديق الروائي صلاح صلاح في روايته المميّزة بـ ” بوهيميا الخراب ” ـ ؟
ما الذي نطالب به من جيل جديد تربّى على اصداء العنف ، وعلى بيانات الحروب ، وعلى ازيز الطائرات ، وقصف القاذفات ، وحرب المدن .. ؟ ما الذي نرتجيه من وصول اكوام من الجثث ، وتفرقها على اسطح السيارات الى بيوتاتها حيث جزع الامهات الثكالى ؟ ما الذي نبتغيه من تدمير المحتل الغاصب تراب العراق ، وقتله العشوائي لكل من يصادف في طريقه ؟ ما الذي انتجه تاريخ مضمخ بالدماء لمجتمع يعشق الحرية ، ولبشر كان يوما يغني ويرقص ويطك اصبعتين ؟ ما الذي وجده العراقيون ، وهم يجدون وطنهم يذبح امامهم ذبح الشياه .. وتبعثر مكتباته وتدمّر متاحفه ؟ ما الذي تنتظره من اقوام كانت تنتظر أي فرصة للنهب من دون أي خجل ؟
الاقنعة الديمقراطية
كيف تريد منه أن يصدقك ، وقد كذب عليه كل الذين حكموه .. ولعبوا بخلقته ، وعبثوا بمصيره ؟ واستخدموه دميّة في كل حفلاتهم الهستيرية ، وهوساتهم الجماهيرية ، ومسيراتهم المليونية ، وهيجان مناسباتهم ؟ كيف تريده يحترم غيره ، وقد وجد أجمل ما يعتز به مذموما مدحورا ؟ كيف تريده مواطنا طبيعيا بعد أن عبث الآخرون بهيئته ومعابده وطقوسه .. وبأهله وباعزّ ما يملك ؟ كيف تريده يعترض وينتقد ويتظاهر .. وقد عاش حياته كله لا يعرف إلا أن يذبح حنجرته بالروح بالدم ؟ كيف نريد من أولئك الذين أسموهم بـ ” الأقليات ” أن تسكت بعد أن عاشت عمرها كله ، وهي تشعر بالاضطهاد ليس السياسي حسب ، بل بالجزع الاجتماعي أيضا ؟ وكلنا يعرف ما الذي كان يصيب حنا أو ميخا في ثكنات الجيش ، أو ساحات العرضات ، أو في النوادي الليلية من إصابات جارحة للنفس والوجدان .. ؟؟ كان بعض هؤلاء قد صدّق أيام 14 تموز 1958 أن الزمن تغير ، وأصبح العراق ديمقراطيا حرا ، وأصبح شعبه سعيدا .. فخرج هؤلاء من مكامنهم ، يعّبرون عما في صدورهم باسم الحرية والزعيم الأوحد والجمهورية الخالدة ، ولما كان الزمن العراقي يكذب على شعب العراق دوما ، فقد دفعوا أثمان باهظة في ما بعد ! هكذا ، صدّق العراقي اليوم أيضا ، انه يعيش عصرا ديمقراطيا للمكونات الجديدة ، فراح يغّرد كما يريد ، أو يتصايح كما يرغب ، بعد أن جرّب سابقا كيف يموء في الداخل ، أو ينبح في الخارج ( عذرا كما وصفوه في واحد من بياناتهم ) .. صدّق اليوم انه يعيش زمن الأنوار والحريات والديمقراطية ، فراح يحكي ما يشاء من دون رقيب أو حسيب .. ولكن ليس كل الصيد في جوف الفرا .. فثمة من يخرج عن الخطوط الحمراء ، فيكون مصيره الخطف ، أو القتل ورمي جثته في مكان بعيد !
وماذا بعد ؟
لقد تقهقر المجتمع العراقي ، وهو لم يزل يعاني من جملة مآس لا تعد ولا تنتهي ، واذا كانت بعض المدن مستقرة بالرغم من كل الصعب ، فان مدينة كبرى كالموصل قد أمست ـ ويا للأسف الشديد ـ مدينة نفايات مهمّشة ، بعد أن كانت أمّا حقيقية للربيعين في عموم العراق ! فهل تبدأ ساعة الصفر من اجل تغيير شامل لكل العراقيين .. ما مدى استيعابهم للمواطنة الحقيقية ؟ ما وزنهم ازاء حكامهم ؟ ما الرؤية التي يمكن اطلاقها لانقاذ العراق ؟ وما المشروع الذي ينتظرهم جميعا ؟ هذا ما ستجدونه في الحلقة القادمة بحول الله .
ثانيا : المواطنة المعذّبة
العراق وطن ، ومن يسكنه ويعيش على أرضه يغدو مواطنا عراقيا بعد أن يثبت رسميا من يكون أسوة بكل قوانين التجنّس في العالم ، والمواطنة موجودة ، ولكن ربما ليست مغروسة عند البعض ، في حين تجدها عصابية عند آخرين .. المواطنة العراقية موجودة ، ولم تولد مع بدء تكوين الدولة عام 1921 كما يتخيل البعض!! وان مصطلح ” عراقي ” كان موجودا قبل أن نجد أنفسنا في دولة اسمها ” المملكة العراقية ” ، فالمواطنة العراقية ليست نكتة يضحك عليها الناس .. وحتى إن لم تكن موجودة ، فيكفي أن شعبا له حيويته وإبداعاته ، وله رموزه وقيمه قد آمن بها ، وضحى من اجلها بروحه ودمه على امتداد عشرات السنين ! ويكفي أن أحزابا وطنية عراقية كانت تؤمن ولمّا تزل بـ الوطن الحر ، أو المستقل ، أو العظيم .. الخ شعارات مقدسة لها ! إذا تريدون إلغاء المواطنة العراقية ، فما البديل الذي تريدونه ؟ إذا اعتبرتم المواطنة العراقية منذ ثمانين سنة مجرد ” نكته ” ، فأين يذهب آلاف الشهداء العراقيين الذين ضحوا من اجل وطنهم ؟ إذا كنّا ننفي المواطنة العراقية بجرة قلم ، فكيف تريدونها إذن ؟ هل المواطنة العراقية نزعة مصيرية ، أم مجرد شعار ينشره هذا الملك أو ذاك الزعيم ؟ هل هي قدرنا ومصيرنا ، أم هي مجرد قميص نلبسه في عهد ونخلعه في عهد آخر ؟ هل تأسست المواطنة العراقية من خلال وطن عريق ، أم من خلال طائفة معينة ؟ وهل كان كل الذين حكموا العراق بطائفيين ؟ إن فيصل الأول الذي دوما ما يصفه خصومه من العراقيين كونه حجازي وغير عراقي ، كان قد نادى بالروح الوطنية ، وعمل على ترسيخ هذا ” المبدأ ” عند أناس لم تؤمن أصلا بالعراق ! زعيم لم يكن عراقيا أصلا ، ولكنني وجدته أفضل من زعماء عراقيين ، خانوا الأمانة الوطنية ، أو سحقوا الروح الوطنية ، بل ووصل الأمر بأحدهم كي يقول : إذا تكلمت .. تكلم العراق ! وهل كان العراق وحده قد استورد زعيما ؟ علينا أن نعرف من يكون ذلك الزعيم .. وما الذي قدمه للعراق ؟ وهل احترم العراقيين مقارنة بالزعماء العراقيين الذين قصّبوا شعبهم ، وسحقوا ارادته ، ومزقوا شمله ؟
المواطنة ليست مجرد نكتة عراقية !
أما أن يتثبت المرء من عراقية أي إنسان يدّعي انه عراقي ، فهذا ما يعمل به في كل الدول ، اذ لا يمكن ان تتقّدم بطلب الجنسية في أي بلد ، من دون ان تقدّم ما يثبت جنسيتك قانونيا .. فالامر ليس سهلا ان تمنح المخاتير صكوكا وطنية لهذا او ذاك في أي مكان من الدنيا ! لقد كان العراق ولم يزل وسيبقى في قلب العالم ، وهو جاذب للبشر وطارد منه .. ان هذه ليست مشكلة في ان تكون عراقيا منذ الان بعد ان تثبت من تكون ، ولكن المشكلة كيف تتصرف حيال وطنك العراقي ، وانت تحمل مواطنته .. انت وذريتك من بعدك ! المشكلة ، لا يكفي ان تتغزل بالعراق وتعشق حياتك فيه ، وتأكل من ثرواته .. بقدر ما تتصرف فيه كانسان ازاء العراقي الاخر ! المشكلة ، ليست تاريخية ولا قانونية ، بقدر ما هي انسانية ! المشكلة ليست ان تبقى عراقيا بالاسم كونك تنهب العراق والعراقيين ، ولكن ان تتصرّف ضمن حدود المواطنة الممنوحة لك ! المشكلة ليست في ان تحتكر المواطنة لك ، وتنسى باقي ألوان الطيف ، فهم كلهم من المواطنين العراقيين ! المشكلة أن لا تشعر العراقي الآخر انك أفضل منه وهو أدنى منك ، ولكن أن تجد مجتمعك وقد ميزّ بين هذا وذاك على أساس ما قدمته من خدمات وإبداعات للعراق والعراقيين ! المشكلة أن لا يساق المواطنين العراقيين إلى أية محرقة ، بالرغم من إرادتهم الوطنية ! أبعد التي واللتيا تصبح المواطنة العراقية مجرد نكتة يضحك منها الناس !؟
هل كان حكام العراق غير عراقيين ؟
ثمة مشكلة أخرى يعاني منها المثقفون الجدد ، إنهم يفصّلون ويخيطون لكي يلبس الشعب العراقي كما يعجبهم ، فهم يصدرون أحكاما تاريخية من دون معرفة التاريخ ، وكما رسمه المؤرخون الأوائل والأواخر من تفاصيل .. إذا كنت قد اختلفت سياسيا أو إيديولوجيا مع آخرين ، فليس من الإنصاف أن تثبت صحة رأيك بأمثلة من التاريخ ! فكيف تريد معالجة للوطنية العراقية ، وأنت تسحب مثلا قديما عمره مئات أو آلاف السنين ؟ لقد استخدم المصريون ايام الرئيس جمال عبد الناصر المثل نفسه ، انه منذ عهد الفراعنة ، لم يحكم مصر أي حاكم مصري حتى مجئ عبد الناصر ! ونقرأ اليوم عند بعض العراقيين كلاما مشابها ! فكيف تجرؤ ان تقول بأن العراق لم يحكمه أي عراقي منذ نبوخذ نصر وحتى العام 1958 ؟ وقد اختزلت حكما نهائيا من دون ان تعرف ما السلالات التي حكمت العراق ؟ ما أعمار الدول التي عاشت في العراق ؟ ما طبيعة الحكام الذين حكموا ايران وبلاد الشام ومصر ؟ اكانوا كلهم من أصول وطنية ؟ اذا كان هناك من حكم العراق على امتداد 500 سنة من تأسيس سلالته وغدت عراقية بحكم الزمن .. فكيف لا تضمن عراقية ابناء تلك السلالة ، وتضمن ان من حكم العراق بعد العام 1958 كان من اصول عراقية ابا عن عشرات الاجداد العراقيين ان لم يكن واحدا من ( لملوم ) العراق ؟
المهمة اصعب مما نتخيل
يطالبني كل الأصدقاء ان أكون متفائلا ، ولا أتشاءم ، وان أقول بأن المستقبل أفضل من الماضي ! نعم ، سأتفاءل خيرا كي نتصور الأطياف الجميلة ستصنع من وطننا بلادا ساحرة تقدمها لنا هدية ، أو أن عصا سحرية ستقلب الحال إلى أفضل الأحوال .. إن هذا كله وذاك مجرد أضغاث أحلام ، ولا أقول أحلام عصافير .. إنني مؤمن بوجود العراق وبقائه ، ولكن شعب العراق بحاجة الى مستلزمات لا حصر لها .. نعم ، ان العراق بحاجة إلى مستلزمات وإجراءات وتغييرات لا أول لها ولا آخر .. وان الاعتماد على حكومة معينة ، أو بطل معين ، أو زعيم مخّلص ما هو إلا مضيعة للوقت .. وإذا بقي الرهان على أن يحكم العراق منقسما إلى طوائف وتكتلات وعشائر باسم الديمقراطية .. ما هو الا العبث بحد ذاته . إن العراق بحاجة ماسة إلى كل العراقيين وهم يؤمنون بأن وطنهم لهم جميعا ، وان حكمهم لا يمكن أن يتطور إلا إن كان مدنيا ، وان دستورهم لا يمكنه أن يترسخ إلا أن تصلح مواده وبنوده .. عراقيون ينبغي ان يغّيروا ما بأنفسهم وعقولهم .. ما بوعيهم وما بذاكرتهم .. نحو الأفضل دوما .. عراقيون من جيل جديد بحاجة إلى ثورة حقيقية في التربية والتعليم والوعي بهذا العصر .. عراقيون يعترفون بالأخطاء ويسامح بعضهم بعضا ، عراقيون لا يمكنهم أن يبرزوا إلا من خلال تجانسهم وتفاهمهم ، بعيدا عن كل التشظيات التي أودت بهم إلى هذا المآل .. عراقيون يتوحدون تحت راية واحدة بعيدا عن أية انقسامات .. عراقيون لا يعوّلون على كتبة وشعراء وخطباء وملالي ، ولا على مقالات وكتابات وحكايات ومواعظ ، فهي ربما تنفع وتضر ، وقد تكون وبالا عليهم بابقاء التمزقات والرهان على السياسات المتفسخة .. ان العراقيين لا يمكن ضبط اوضاعهم الا من خلال القوانين والتشريعات لإصلاح اوضاعهم ، والسعي الى تطوير خدماتهم ، وتأسيس فضاءات جديدة لهم .. ان مشروعا عراقيا حضاريا ينبغي أن يؤسس منذ اليوم ، وان لا يعترض سبيله احد من العراقيين بعيدا عن أية إيديولوجيات تحاصره أو تقبض على أنفاسه .. وان ينضم كل المخلصين ليكونوا عونا أمام الجيل الجديد ، وإشعال الشموع أمام طريقه الذي لا ينفتح إلا من خلال التشريعات والقوانين . نعم ، لا يمكن المضي فيه إلا من خلال جيل جديد يتعلم كيف المسير ، ضمن ضوابط ومحطات وتوجهات على امتداد القرن الواحد والعشرين .
نشرت الحلقة الاولى ( صناعة الخراب ) ، ايلاف 12-13 مايو / ايار 2010 ، ونشرت الحلقة الثانية ( المواطنة المعذبة ) ، ايلاف ، 190-20 مايو / آيار 2010 ، ويعاد نشرهما على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com