الحلقة 33
خطيئة الزعماء الأربعة
لقد وجدنا هيكل يصف حرب اكتوبر 1973 بـ”المعجزة “، وأن العرب اصبحوا موضع اهتمام العالم واحترامه له، ولكن سنجد بعد قليل الأسباب الواهية وغير الذكية التي يسجلها هيكل ضد من كانوا سببا في تردي العرب بعد معجزتهم، ومن ذا الذي كان وراء وصولنا إلي مكان مختلف بعد ثلاثين سنة 1973- 2003؟
وماذا حصل كيف تفوتنا اللحظة الفارقة في التاريخ؟ لقد تعودنا أن نسمع من هيكل ادانات شخصية لا تفسيرات موضوعية، ونقلات ذاتية من دون أي تعليلات تاريخية، وأن يحشر نفسه دوما في الموضوع الذي يتكلم عنه، فضلا عن ضيق افق لا ينم عن بعد نظر أبدا.. إنه يدخل الموضوع، وفي باله أن يقول شيئا ضد فلان وعلان وفلتان.. ويبقي يهشم في هذا، وينال من ذاك من دون أن يري ما الذي يكمن وراء أحداث التاريخ؟ وما الذي يحرّك ظواهره الصعبة؟
وما مدي تأثير العالم علي منطقتنا ودولنا؟ كيف تتكلم بلا حساسية، وقد عرفناك أن دخلت الموضوع بالذات لكي تقول ما تشاء ضد زعماء معينين دون آخرين.. وإذا كنت قد جعلتها مسألة مهمة، فانني أعتقد أنها من التفاهة بمكان كونك خلطت بين السياسة الداخلية للبلدان وسياساتها الخارجية.. وانك هذا البعض الخاطئ الذي صنعت منه سبباً لما وصلنا إليه بعد ثلاثين سنة.. يعد بعضا تافها ازاء ما كان من اسباب حقيقية علي امتداد ثلاثين سنة !
خطيئة الزعماء الأربعة
تقول : “مين كان موجود علي القمة في الشرق الأوسط في هذه اللحظة؟ كان موجود ثلاثة ملوك ورئيس جمهورية هم بالدرجة الأولي المهمين؛ الثلاثة ملوك هم شاه إيران محمد رضا بهلوي، ملك المغرب الملك حسن الثاني، ملك السعودية الملك فيصل والرئيس أنور السادات والأربعة كانوا علي نحو ما الثلاثة الملوك الأوليين من الأول الحقيقة يعني من قبل الرئيس السادات كان عندهم رأي في المنطقة هم من الأول كانوا منحازين للأمريكان…. الرجالة الثلاثة دول أنا لا أتهم أحد الملوك الثلاثة لا أتهم أحداً بشيء لكنه ببساطة هؤلاء الناس وصلوا لاستنتاجات أنا من مرجعيتي وقد يثبت تاريخيا أنها مش بعيدة قوي عن الصواب قد بأقول قد إنه هم عملوا غلطة الغلطة فين الغلطة إنهم هم فيه حاجات كانوا فيها صح هم شافوا نهاية الحرب الباردة وهذا مضبوط صحيح والحرب الباردة كانت مقربة فعلا علي نهايتها وشافوا أن الاتحاد السوفيتي خسر هذه الحرب الباردة وكانوا علي حق صحيح وشافوا أن الأمريكان هم المنتصرون في هذا وده علي حق برضه كان الاستنتاج كان معقول ما عنديش خلاف معهم لكنه ما رتبوه هؤلاء الرجال علي هذه الحقائق الصحيحة من وجهة نظرهم ومن مرجعيتهم في اعتقادي كان غلط لأنهم واصلوا الحرب الباردة بعد انتهاء الحرب الباردة،…، في اعتقادي أن الملوك الثلاثة دول عملوا أيه؟ خلصت الحرب الباردة.. لكن.. واصلوا سياستهم في الحرب الباردة بعد انتهاء الحرب الباردة.. ” ( نص هيكل ).
أنور السادات
الآن وقف هيكل ليختار ثلاثة ملوك ورئيس جمهورية ويجدهم قد ارتكبوا غلطة كبري ! ولا أدري ما علاقة الملك الحسن الثاني وهو علي بعد 5000 ميل بالشرق الاوسط؟ هل كانوا لوحدهم منحازين للأمريكان؟ ما هي غلطة الغلطة التي ارتكبوها؟ متي شافوا الاتحاد السوفيتي خسر الحرب الباردة؟ وهل كانت نتائج الحرب الباردة لمنتصر أو مهزوم؟ ما هذا التفكير الساذج؟ إن الوفاق لا يعتبر هزيمة للسوفييت. أو الصين أمام أمريكا ! ومهما كانت نتائج الحرب الباردة، فهل انتهت سياسات السوفييت في العالم؟ وهل جمّدت الاحزاب الشيوعية في العالم كله؟ وهل الغت اتفاقياتها مع الدول الصديقة لها؟ الأمريكان أصبح لهم استراتيجيتهم إزاء العالم الذي لم يصبح بيديها بعد. طيب لماذا اخترت ملوكاً ثلاثة ورئيس مصر السادات من دون أن تذكر آخرين مثل رئيسي سوريا والعراق وكانا يرتبطان بعلاقات متميزة مع السوفييت؟ ولماذا لم تذكر الملك حسين في الأردن؟ هل سكوتك عن كل من سوريا والعراق والأردن.. أي عن رئيسين وملك يعني إ ن هؤلاء الثلاثة قد شعروا بانتصار أمريكي علي السوفييت؟ وأسألك: كيف واصل ملوكك الثلاثة والرئيس معهم سياستهم في الحرب الباردة بعد انتهاء الحرب الباردة؟ هل انتهي حلف وارسو علي يد الحلف الاطلسي؟ لقد بقي تأثير السوفييت قويا في العالم.. وبقيت الأحزاب الشيوعية كما هي في المنطقة.
الشاه محمد رضا بهلوي : الملالي دول كلهم شيوعيين !
دعونا نري ما حجم الاخطاء التي وقع فيها هيكل، وهو يدخل في موضوع لا يستطيع الخروج منه. يقول مستطردا: ” إزاي؟… وأنا فاكر إنه شاه إيران حتي وأنا بأشوفه سنة 1975 وبقوله أنا كنت بأموت في قم وأنا شايف قال لي الشيوخ دول كلهم شيوعيين أوعي يغرك العمامة السوداء اللي هم لابسينها أنكش أي واحد فيهم شيل القشرة الخارجية هتلاقي جوه شيوعي شيل قشرة.. أنا مكنتش أعرف الخميني وقتها لسه ما شفت الخميني بس كنت سمعت عنه لكن بدا لي إنه الكلام علي آيات الله في قم باعتبارهم شيوعيين.. ” ( نص هيكل ).
إنني لا أعتقد أبدا أن شاه إيران يقول مثل هذا الكلام، فهو يفصل حقا بين تفكير ملالي إيران والساسة الشيوعيين وحتي الماركسيين أمثال تودة وغيرهم.. ومن المستحيل أن يصور هؤلاء الذين دعمهم منذ البداية سواء في مدارس قم، أم في بازارات طهران والمدن الأخري بشيوعيين حمر ! إنه يدرك تماما كيفية الفصل الأيديولوجي بين حزب تودة مثلا وبين الوطنيين الليبراليين من جهة ثانية، ويفصل أيضا بين الشيوعيين الايرانيين وبين ملالي ايران.. !
عبد الناصر وفيصل آل سعود
أما عن الملك فيصل فيكتب قائلا:… أظن أن الملك فيصل عمل شيئاً مشابها، الملك فيصل عمره ما كان عنده عداء ضد الشيوعيين الملك فيصل وهو وزير خارجية سنة 1927 راح تفاوض مع مولوتوف في وقت ستالين علشان ياخد صفقة قمح يخدوا هدية قمح من الاتحاد السوفيتي سنة 1926 – 1927 وستالين في ذلك الوقت إداهم مائة ألف طن قمح فمحدش يقول لي إلحاد محدش يقول لي والله إحنا عندنا عداء مع الاتحاد السوفيتي لأن الاتحاد السوفيتي ملحد ونحن مؤمنين بالله موحدين يا أخي طيب ما أنت رحت له من بدري وهذه المهمة اللي أنت عملتها عنده في موسكو سنة 1926 أو 1927 هي المهمة اللي عملتك عند أبوك تستحق أن تُثبَّت كوزير خارجية وفعلا كانت بداية تجربة هائلة للملك فيصل لكنه في عدائه أو في خلافه مع عبد الناصر لم يستطع.. ” ( نص هيكل ).
دعني احاججك يا هيكل، فمثل هذا الكلام المطلق علي عواهنه، لا يستقيم أبدا مع الحقائق التاريخية مطلقا :
أولا : إن الملك فيصل آل سعود من امهر الساسة العرب الذين وجدوا في القرن العشرين، وهو يفرّق، أو كما تعلّم منذ صغره بين المصالح وبين السياسات.. بين ما يؤمن به وبين ما موجود من أيديولوجيات. لقد كان فيصل من ألّد اعداء الشيوعية العالمية، وكان له موقفه أيضا من الاحزاب الشيوعية العربية.
ثانيا: إن كان قد زار الاتحاد السوفييتي أو موسكو ضمن جولة أوروبية، فليس معني ذلك أنه قد اصبح مؤيدا للالحاد والشيوعية العالمية. أجدك يا هيكل تخلط الأمور والأوراق. فهل كان عبدالناصر شيوعيا عندما وثّق علاقاته مع الاتحاد السوفييتي؟ فضلا عن الذي غاب عنك، أو غيبّته ولم تذكره، ذلك أن الاتحاد السوفييتي هو من الدول الاولي التي اعترفت بكيان المملكة العربية السعودية.
ثالثا: لم يكن فيصل آل سعود وزير خارجية سعودي عام 1927، هذا خطأ تاريخي قاتل، ولم يزر موسكو ويتفاوض مع مولوتوف في هذا العام. بل إنه تقلد منصب وزير الخارجية في عام 1932 بالإضافة إلي كونه رئيساً لمجلس الشوري، وقد ظل وزيراً للخارجية حتي وفاته بعام 1975، باستثناء فترة قصيرة.
رابعا : متي اخذ فيصل آل سعود صفقة قمح هدية قمح من الاتحاد السوفيتي سنة 1926 – 1927، وهنا تصر علي الخطأ ! وهل ستالين في ذلك الوقت إداهم مائة ألف طن قمح؟ ما هذه الفرية الجديدة؟ ربما كان ذلك، لكنني لم اجده في كل المصادر التي اطلعت عليها، فهل بامكان حضرة هيكل أن يسجل المصدر الذي أخذ منه هذه المعلومة؟ مائة ألف طن قمح للسعودية من ستالين عام 1926؟ أيعقل هذا الكلام؟
خامسا: أطلب منك يا هيكل الرجوع إلي كل المصادر والمراجع المعنية بهذا الموضوع، وليتأكد منه كل القراء الكرام، فإن هيكل يفتري علي الناس. واطلب منه أن يراجع حساباته ومعلوماته بالرجوع إلي دراسة فيتالي ناؤومكين رئيس المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والسياسية ـ موسكو الموسومة ” فيصل في روسيا ” والتي شارك بها في ندوة العلاقات السعودية ـ الروسية، والمؤرخة في موسكو 23 أكتوبر 2002. وراجع أيضا: أبوبكر يوسف، ” مثلث المستحيل في العلاقات السعودية الروسية، مجلة المجلة، العدد 1231، 14-2003/9/20 م ص10.، ص 10 .
سادسا :يخبرنا فيتالي ناؤومكين وغيره من الخبراء أن زيارة الأمير فيصل آل سعود لروسيا كانت في العام 1932 عقب تأسيس المملكة العربية السعودية واعتراف الكرملين بها وبالملك عبد العزيز آل سعود في 6 فبراير 1926، وبدء إقامة علاقات دبلوماسية بين الطرفين. وكانت روسيا ذكية في سياستها إزاء السعوديين، فلقد اختارت لهم سفيرا مسلما من كازاخستان هو نزير توريا كولوف، ولما كان مسلما بين كل السفراء المسيحيين فقد كان محظوظا في زيارة الأماكن المقدسة وتأسيس اقوي الروابط مع العائلة المالكة.
سابعا: أما بشأن زيارة فيصل آل سعود لموسكو في مايو 1932، فقد كان حين ذاك نائبا عن الملك، وكانت الدعوة موجهة إليه من رئيس مجلس السوفييت الاعلي ميخائيل كالينين، وهو الشخص الثاني في القيادة السوفيتية. وعدت تلك الزيارة لأول زعيم عربي إلي روسيا وقت ذاك. لقد كان ذلك قبل أن يتأسس التعاون الامريكي السعودي في هدف مشترك يقوم علي معاداة الخطر الشيوعي في العالمين العربي والاسلامي.
كان علي هيكل أن يدرك هذه الجزئيات التاريخية التي تحدد له ما يقول، أو تمنعه علي الاقل من اطلاق الكلام علي عواهنه.. وكأنه يريد دخول المعركة من دون اي اسلحة. وكان عليه أن يدرك أن العلاقات الدولية مع السوفييت قبل الحرب العالمية الثانية، هي غيرها بعد الحرب، اذ كانت روسيا السوفيتية منفتحة علي بلدان عدة.. وكان الغازي مصطفي كمال أتاتورك قد أسس علاقات وطيدة مع روسيا بعد تأسيسه للجمهورية التركية، وبلغت علاقاته الاقتصادية معها درجة مثلي.. ولكن السوفييت بدأوا عهدا جديدا من العلاقات الدولية بعد الحرب الثانية، إذ وقفت ازاءهم قوة الأمريكان الكبري.. وقد عرفنا أن الحرب الباردة بدأت في العام 1947.
الحسن الثاني ملك المغرب
يلتفت هيكل بكل خبطته وخلطته إلي الملك الحسن الثاني هذه المرة، فيقول : ” خلصت الحرب الباردة وجمال عبد الناصر اختفي وخلاص مش موجود الدنيا متغيرة لكن استمر الاتحاد السوفيتي يمثل له السند للخصم الذي رآه ذات يوم، الملك الحسن استمر يري في المهدي بن بركة اللي كان أستاذه وبعدين علمه الرياضيات وإلي آخره لكن استمر يري إنه.. ما هو لا يمكن أن يكون مهدي بن بركة هو اللي ممكن حرض عليه كل الناس اللي عملوا دول كلهم ضده واللي عملوا انقلابات واللي هددوه في حياته واللي عاوزين يغتالوه في الطيارات إلي آخره ده الاتحاد السوفيتي اختفي بن بركة لكن الملك الحسن عنده معركة مع الاتحاد السوفيتي أو مع الشيوعية أو مع البلشفية طيب.. ( نص هيكل ).
هنا يحلو الكلام أيضا مع شخص يظن أن العالم يستمع اليه، ويدرك ما يقول، بل ويؤمن بكل ما يقول به، فاذا به لا يدرك ابسط الاشياء.. دعوني أسأله : من قال لك إن الحرب الباردة خلصت؟ وما علاقة جمال عبد الناصر بالموضوع. وسواء اختفي ام كان موجودا.. ما علاقة الحرب الباردة باختفائه أو وجوده؟ كيف تغيرت الدنيا يا هيكل؟ وما معالم تغّيرها؟ من اين اتيت بهذا الكلام كله؟ انني واثق أنه من جيبك من دون أن تتحرّي لما هو ثابت في علوم السياسة الدولية بجامعات العالم قاطبة ! ما علاقة ما ذكرت من معلومات حيث ذهبت بعيدا لتشرح عن المهدي بن بركة وعلاقته بالحسن الثاني؟ صحيح أن الملك الحسن الثاني كانت له مواقفه المعروفة من الشيوعية العالمية.. ولكن أسألك يا هيكل : هل قام الملك الحسن الثاني باعدام السيد علي يعته وهو اكبر رأس شيوعي مغربي؟ لماذا لم تقارن مع العراق مثلا، وحصد الشيوعيين علي ايدي البعثيين؟ اذا لم تكن هناك علاقات وطيدة بين دولة عربية والاتحاد السوفيتي معني ذلك انها تبقي في معرض الاتهام؟ ويجمع كل الذين تدارسوا الحرب الباردة، انها بقيت موجودة حتي الايام الاخيرة من حياة الاتحاد السوفيتي.. وكم كشف عن جواسيس من هذا الطرف أو ذاك ضد الآخر علي امتداد السبعينيات والثمانينيات ! إن موقفك السلبي من الملك الحسن الثاني لا يحتّم عليك أن تثير قضية المهدي بن بركة وانت تتحدث في موضوع آخر بعد أن كنت قد طعنت طويلا في سيرة الملك الحسن الثاني إثر وفاته ، كما انتقدتك علي ذلك انتقادا مريرا في كتابي السابق ( تفكيك هيكل ).
وأخيرا : جعلتهم ارتكبوا أخطاء شنيعة !
يتابع هيكل قائلا : ” خلصت الحرب الباردة يا جماعة لكن هم لا يزالوا يحاربوا نفس المعارك هنا حصل نوع من التداخل في الصور راحت الصور المحلية وجت محلها الصور الدولية وهذا أنا بأعتقد إنه التفسير الوحيد لخطأ استراتيجي ومنهج استراتيجي مشيوا فيه ملوك المنطقة وسايرهم بعض رؤسائها عن اقتناع الحرب الباردة خلصت أنت جاي تحارب الحرب الباردة بعد انتهائها، إحنا بعد سنة 1974 بأعتقد إنه من الأخطاء الشنيعة اللي عملناها إن إحنا دخلنا نحارب في الحرب الباردة بعد أن انتهت الحرب الباردة.. ” ( نص هيكل ).
اردت يا هيكل أن تخلط الاوراق، وتتهم الزعماء الاربعة بهكذا خطيئة، ولكنك فشلت.. فالحرب الباردة لم تخلص يا جماعة.. وأن الجماعة لم ترتكب أي خطأ استراتيجي.. وأن اتهامك لمنهجهم انهم اعتقدوا الحرب الباردة موجودة، فقد كانوا علي صواب، وانت الذي علي خطأ.. واطلب منك أن تعترف بخطئك بعد أن تقرأ كل من كتب في هذا الموضوع، وأن لم تستطع أن تصل إلي كتبهم، فانني استطيع أن ارشدك اليه ! حتي تسحب كل كلامك الذي لا معني له ابدا.. انت تنتقد اربعة زعماء ثبت للعالم انهم كانوا يتمتعون بمهارات عالية سواء قبلنا نمط حكمهم ام عارضناهم. لقد كانوا اذكي منك يا هيكل وانهم لم يرتكبوا اخطاء شنيعة كما وصفتها باتهامهم تهمة ساذجة كونهم دخلوا في الحرب الباردة بعد أن انتهت الحرب الباردة.. والحرب الباردة لم تنته الا بسقوط الاتحاد السوفيتي والكتلة الاشتراكية. وآخر ما اود نصحك به بالرغم من عمرك المديد، فانك لم تدرك إلي حد الآن سياسات الكرملين، فالسوفييت قد يضحون بأحزاب شيوعية كاملة من اجل مصالحهم.. لقد كانوا يقيمون علاقات قوية وراسخة جدا مع دول كانت تقمع الشيوعيين، بل انهم كانوا يعقدون معاهدات مع أنظمة حكم اضطهدت الشيوعيين ! وثمة تجارب فاضحة وواضحة عليك أن تدركها من خلال قراءة التاريخ.
نشرت على جريدة روز اليوسف المصرية ، العدد 1429 – الاثنين – 8 مارس 2010
، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com
وأيضا على صفحة تجمع الدكتور سيار الجميل
http://www.facebook.com/group.php?sid=ef680591def239dac31065b4f16482c3&gid=48810538237
ملاحظة : لا يسمح بإعادة النشر تحريريا أو الكترونيا ، إلا بترخيص خطي من المؤلف والناشر .
الحلقة 34
مغزى الانقسام العربيفي حلقته التليفزيونية علي قناة الجزيرة، قدم هيكل بتاريخ ٨١/١/٧٠٠٢ حلقة عنوانها:
“العام 1955 والانقسام العربي، وقد بدأ بموضوع أبعاد ومعوقات العمل القومي المشترك.. يأخذنا هيكل لشرح ما كتبه الرئيس جمال عبدالناصر في أوراقه، ولا ندري من أين حصل هيكل علي هذه الأوراق الخاصة التي كنت قد طلبت من مصر أن تحترز رسميا عليها، بدلاً من أن تبقي بأيدي الناس.. وإذا كان هيكل قد ذكر رءوس أقلام لبعض الأوراق التي كان قد كتبها عبدالناصر، فلا ندري مدي صحتها من خطئها.. ولا ندري هل كانت تحتوي علي أفكار ومشروعات وتضم شروحات موسعة كأي خطط استراتيجية؟ أم أنها كانت تحتوي علي رءوس نقاط من المحتمل أن الرئيس عبدالناصر كان قد كتبها بخط يده أثناء اجتماع موسع مع عسكريين أو مدنيين كبار.. كل هذا لا يهم كثيرا، ولكن هيكل منحه الكثير من وقتنا وهو لم يخرج بأي حصيلة تذكر عندما أخذ بتعداد موضوعات ربما كانت ورقة لجدول أعمال بخط عبدالناصر.. ونتمني علي هيكل أن ينشر هذه الأوراق التي يحترز عليها شخصيا، وهي بخط عبدالناصر كي نفقه ما طبيعتها؟ وما الخطة (أو: المشروع) الذي أسس له الرجل منذ بدايات حكمه؟ فهل سيستجيب هيكل لمثل هذا “المطلب” العلمي والمنهجي كي يكون صادقا مع نفسه ومع عبدالناصر ومع الآخرين؟ إننا بانتظار ما سيقوله هيكل، فإن سكت وكأن الأمر لا يعنيه بشيء، فإنني أشكك في هذا الذي قاله علي لسان جمال عبدالناصر.. وإذا استجاب هيكل لنصيحتنا، ونشر أوراق عبدالناصر بخط يده، وهي كاملة بشروحاتها ومقارناتها.. عند ذاك يثبت هيكل أنه قد صدق في كلامه هنا، وسنعترف إذ ذاك بفضله. إن الأمر لا يثير أي حساسيات أبداً، فما نطالب به هو إثبات المتهم براءته هنا وهو يتحدث باسم عبدالناصر.. إن هذه ليست المرة الأولي إزاء عبدالناصر، بل سبقتها مرات ومرات، إنه يضع الكلام بأفواه زعماء يبدو أنهم لم يتفوهوا به أبداً.. وإن هيكل بارع ليس باستنطاق الميتين، بل بالتقوّل عليهم ما شاء له القول من أجل إثبات أي إيجابيات لهذا، أو سلبيات لذاك! إنني أخاطبك يا هيكل باسم الأمانة التي ائتمنك عبدالناصر عليها، إنك إن كنت تملك أوراقا خاصة بالرجل، فأتمني عليك مخلصا أن تعيدها إلي أهم مكتبة أو أرشيف بمصر، فهي ملك مصر كلها، وليست ملكا مشاعا لك.. تتحدث باسمها، وتزيد أو تنقص منها.. إنك إن امتلكت وعيا وطنيا بقيمة موروث عبدالناصر، فإن الأمانة التاريخية تفرض عليك أن ترجع الأمانة إلي أصحابها.. وحبّذا لو كانت لديك نسخة مصورة منها كي تنشرها كما هي علي الناس دون أي تحريف، ودون أي زيادة أو نقصان! فالرجل قد مضي إلي حقه في دار البقاء قبل أربعين سنة، وأصبح موروثه السياسي والرئاسي في عداد المؤرخين.. وليس من حق أي إنسان، حتي إن كان من أقرب المقربين إليه، أن يحترز علي أوراق خاصة بالرجل، أو يتصرّف بها علي هواه من دون أن يطّلع عليها كل العالم.
عام 1955 ومتغيرات العالم
يقول هيكل: “هذه الليلة نحن أمام لحظة في تاريخ العالم العربي هي في واقع الأمر لحظة الصراع علي مستقبله وعلي روحه وعلي إمكانية أن يفعل وأن ينفذ شيئا ما في هذا القرن الحاسم في تاريخ البشرية وهو القرن العشرين، سنة 1955 أنا.. يعني باحاول باستمرار أنه أضعها في سياقها الحقيقي وهي أنها كانت سنة بالغة الأهمية مش بس لنا، بالغة الأهمية في مصر، بالغة الأهمية في العالم العربي، بالغة الأهمية في العالم وسياق الحوادث وبالتالي فهو في قوة العالم العربي مصر هي البلد النموذج، ثم يحاول فتح الآفاق في العالم العربي، وهنا بدأت المعركة اللي علي روح وعلي فكر وعلي ضمير وعلي مستقبل العالم العربي، أنا شديد الحزن إني أقول إنه هذه المعركة بعد خمسة وخمسين سنة الآن يبدو لي أن إحنا خسرناها.. وصلنا من لحظة كان فيها أمل إلي لحظة في اعتقادي بائسة وإن لم تكن يائسة، لكنه لما أشوف الدول العربية الفاعلة في ذلك الوقت كلها وأبص عليها في أوائل سنة 1955، لأنه أوائل سنة 1955 كانت فارقة في حاجة مهمة قوي، نفتكر في موضوع الجلاء وقبل اتفاقية الجلاء الإنجليز والامريكان باستمرار بيثيروا موضوع انضمام مصر للأحلاف كثمن أو كبديل أساسي لأنه ما فيش قوات أجنبية، هكذا التصور يعني وأنه والله العلم الإنجليزي اللي علي قاعدة قناة السويس هيتشال والقوات هتتخفف، لكن هنعمل اتفاق بمقتضاه أنه علم حلف شرق أوسطي بشكل ما يترفع فوق القاعدة وهذا كان كلاما مرفوضا من مصر، لكن علي أي حال في ذلك الوقت بدأ جمال عبدالناصر Alright) ) عمل اتفاقية جلاء..” (نص هيكل).
ماذا اقول ؟
هذا الكلام ليس له أي أساس من الصحة، وكنت أتمني أن يثبت هيكل ما يقول بالأدلة والتوثيقات والمعلومات التاريخية، ذلك أن موضوع الجلاء لم يكن ضمن أي صفقة سياسية دولية أو إقليمية، وأطلب من هيكل أن يثبته لنا، أي يثبت أن مساومات جرت لإزالة العلم الإنجليزي عن قاعدة قناة السويس بموجب اتفاق يقضي بحلف شرق أوسطي! لم يمر علي المؤرخين هكذا معلومة أبداً، ولم يكن هناك أي بحث في حلف شرق أوسطي، أو هكذا الذي يسميه هيكل، حتي يكون هذا الكلام مرفوضا من مصر.. متمنيا علي هيكل ألا يتحدث باسم مصر بعد أن يبني للعالم قصصا وهمية لا أساس لها من الصحة، وأنني اتحداه إن اثبت هذا الكلام أمام الملأ. أقول هذا، وأنا أتحدّي هيكل أن يثبت بنفسه للعالم ما يقول من أمثال هذه الاوهام، ونحن أدري بتفاصيل ما جري بصدد الجلاء، ومن ساعد علي جلاء القوات البريطانية.. فمسألة جلاء القوات البريطانية عن مصر ـ وأعيد وأكرر ـ كانت خارج إطار أي نوع من هذا الكلام الذي لا أساس له من الصحة التاريخية أبداً.. إن اتفاقية الجلاء لا علاقة لها أبداً بسياسة الأحلاف التي يدّعي هيكل تبنيها مقابل المساومة.. طيب إذا صحّ ما تقوله يا هيكل، وأن هذا الكلام كان مرفوضا من مصر، فلماذا اختزلت المسألة في نهاية النص بأن الرئيس عبدالناصر قد بدأ عمل اتفاقية الجلاء؟ أين تفاصيلك التاريخية حول هذا الموضوع؟
أهداف عبد الناصر عام 1955
ينتقل هيكل ليحكي عن أهداف عبدالناصر عام 1955، فيقول عنه أنه “حاطط أمامه ثلاثة أهداف رئيسية في ذلك الوقت، الهدف الأول أنه السعودية تجيء بإمكانياتها وأن تدخل في مجال العمل القومي وفي هذا المجال أنا حجِّيت لأول مرة في حياتي معه لأنه هو قرر أن يحج سنة 1954 في التمهيد لما هو قادم، 1953 الملك عبد العزيز توفي، 1954 جاء الملك سعود وبعدين راحت له بعثات تهنئة وبعدين علي أي حال تقرر أن جمال عبدالناصر هيروح في موسم الحج ويقابل الملك سعود ويتحدث معه صراحةً اللي هو الملك الجديد في السعودية وهدف جمال عبدالناصر في ذلك، أولا أن السعودية تقوي في حد ذاتها ومش كفاية يبقي عندها عائدات نفط ولكن وكمان تقوي وتجيء إلي العمل القومي المشترك وأنا فاكر في ذلك الوقت وأنا كاتب هذا الكلام في وقته لأنه لما رحنا هو..” (نص هيكل).
دعني أحلل النص أعلاه في النقد التاريخي المقارن:
بالنسبة للهدف الأول سواء كان هذا هو الهدف الأول لجمال عبدالناصر، أم أن هيكل قد صنع هذا الهدف، فإن السعودية عضو مؤسس لجامعة الدول العربية.. أما أن تدخل بإمكاناتها في مجال العمل القومي.. فما الذي تعنيه؟ ما تفسيرك لمجال العمل القومي؟ فالعمل القومي عهد ذاك متعدد السمات والنوايا والمصالح والأهداف! سوريا بلد قومي والعراق بلد قومي والأردن يتحدث بالقومية والسعودية لها فهمها للعمل القومي.. هل البحث عن إمكانات مادية يغني العمل القومي؟ بلا شك، هذا صحيح، ولكن ثمة مسألة أهم وأقوي كانت سببا وراء كل الفجائع، وهي تتمثل بالزعامة القومية! من يتزعم من؟ من يري أنه الأفضل علي قيادة المشروع القومي؟ إن تأكيد هيكل علي الجانب المادي هو تقليل من شأن عبدالناصر ودوره، وكأنه يقول للعالم إن همّ عبدالناصر ينحصر بكيفية حصوله علي أموال النفط! كيف؟ سنري كيف يفسر هيكل هذا الكلام.. عندما يقول إن عبدالناصر له هدف من السعودية كونها تقوي في حد ذاتها أنها عندها عائدات نفط، وأنها تقوي وتجيء إلي العمل القومي المشترك.. معني أن عبدالناصر قد استخدم فريضة الحج لأسباب سياسية وأنت معه، بل إنك تقول إنه قرر أن يحج عام 1954 ممهداً لما هو قادم، وأنك أديت الحج لأول مرة في حياتك، لأنه هو قرر أن يحج عام 1954. ربما كان الرئيس جمال عبدالناصر قد استثمر الحج لأغراض سياسية، ولكن أن يأتي هيكل بعد خمسين سنة من حدوث ذلك، ويفسرها هكذا تفسير كون فريضة الحج وسيلة للعمل القومي المشترك.. فهذا ما لا يمكن قبوله أبدا! إن الملك سعود بن عبدالعزيز لم يكن بعيداً عن السياسة العربية، ولا جديداً علي الأجواء العربية، إنه يكبر عبدالناصر بـ16 سنة، فهو من مواليد العام 1902م وله خبرات سياسية وعسكرية، وساهم مع والده في تأسيس المملكة العربية السعودية.. ولا أعتقد أن الرئيس عبدالناصر كان موفقا في أسلوبه هذا مع الملك سعود منذ البداية إن كان هيكل صادقا في الذي يقوله! وهل الحج يا هيكل وسيلة لأي مقاربة سياسية؟ أم هو فريضة دينية يجب أن تخلو من كل أدران الدنيا؟ وما معني »للتمهيد لما هو قادم«؟ وأريد أن أصحح معلومتك عن تسلّم الملك سعود مقاليد الملك، إذ لم يكن ذلك عام 1954، كما قلت، بل كان في 9 نوفمبر 1953 عقب رحيل والده الملك عبد العزيز في اليوم نفسه. ويعيد هيكل ويكرر مسألة عائدات النفط السعودية، وكأنه يريد القول إن الرئيس جمال عبدالناصر كان متلهفا لتلك العائدات منذ العام 1954 تحت باب العمل القومي المشترك.
وسواء كان عبدالناصر قد تلهف لذلك أم لم يكن بمتلهف له، فما بال هيكل يعيد ويكرر هذه “المسألة” خصوصا أن عبدالناصر لم تتضّح بعد اهدافه القومية ولم يكن قد أمضي في السلطة إلا قليلا.
المتغيرات السعودية
يستطرد هيكل، فيقول: “لازم أقول إن هو وقتها أعجبته شخصية الملك سعود ولقي إنه هنا فيه رجل جاي أبوه أنشأ الدولة ورجل له قيمة تاريخية كبري وأنا لا أجادل فيها، بصرف النظر عن أي حاجة ثانية لكنه هذا رجل صنع شيئا في التاريخ، جاء ابنه وفي تصور جمال عبدالناصر أنه سعود يستطيع أن يتحول بهذه المملكة زي اللي أنشأها الملك عبد العزيز..” (نص هيكل).
إننا لا يمكن أبدا أن نتخيل عبدالناصر في ذلك العام رائداً للقومية العربية بعد.. ربما كان الرجل يسعي لذلك في تلك الآونة، ولكن لا أعتقد أن السعوديين كانوا مطمئنين بعد لما قد جري في مصر بعد رحيل فاروق وتغيير النظام السياسي في مصر! ونحن نعلم كم كانت العلاقة جد وثيقة بين الملكين فاروق الأول وعبدالعزيز.. كما أن الملك الجديد سعود كان قد تجاوز الخمسين من العمر، وهو شريك والده وولي عهده لزمن طويل، ويدرك طبيعة العلاقات العربية.. وانه مساهم بدرجة أو اخري في إرساء استراتيجية عمل مع البلدان العربية قبل مجيء الرئيس عبدالناصر إلي السلطة باكثر من عشرين سنة. فكيف يمكن للملك الجديد أن يتحوّل بهذه المملكة؟ إذا كنت صادقا في ما تقول، فان عبدالناصر لم يكن يدرك حجم القوة السعودية وتأثيرها في ذلك الوقت، ولم يعرف تاريخ السعوديين خصوصا بعد عهد التأسيس علي عهد عبدالعزيز.. وإذا كنت غير صادق في ما تقول، فيعتبر كلامك هذا تجريحاً بموقف عبدالناصر الذي لم يكن في العام 1954 باستطاعته التفكير بتحول (…..) في السعودية علي يد الملك الجديد !
وأي تحوّل؟ هل هو تحول سياسي كالذي أعلمنا به هيكل في باب العمل القومي المشترك، أم هو تحوّل حضاري من نوع آخر؟!
هيكل ينال من عبدالناصر
نجد هنا هيكل يقول: “.. يتحول بها إلي دولة حديثة وقعد يتكلم معه في المدارس.. إنشاء المدارس وإنشاء الصناعة والكلام ده كله وأنا.. وحتي.. وأنا سمعت من جمال عبدالناصر وسمعت الملك سعود وحتي سألت الملك سعود إذا كان ضايقه بعض اللي كلمه فيه جمال عبدالناصر فقال لي الملك سعود وأنا كتبت هذا الكلام في وقته صديقك مَن صَدَقك لا مَن صَدَّقك وأنا أظن أن هذه الزيارة أنشأت بشكل ما علاقة..”( نص هيكل ).
يبدو أن الرئيس عبدالناصر قد ذهب عميقاً في إلقاء النصائح علي الملك سعود، حتي شعر هيكل بأن الأخير قد تضايق من كلام عبدالناصر، والاّ ما معني مثل هذا الكلام اليوم إن كان صحيحا ما يقوله هيكل؟ إذ لم يعد الرجل صاحب مصداقية في كل كلامه بعد كل الذي اكتشفناه فيه.. ماذا يريد القول هنا؟ وهل إن السعوديين بحاجة إلي مثل هكذا نصائح؟ وللعلم، فإن شخصيات قيادية لها تاريخ طويل في الحكم والإدارة تبقي معتقدة أن الضباط الانقلابيين إن جاءوا للسلطة، فهم في نظرهم مجرد ضباط إزاء ملوك وأولياء عهود وكبار قوم؟ إن صح كلام هيكل، فان الملك سعود قد تضايق فعلا من نصائح يوجهها إليه ضابط مصري أتي إلي السعودية لأداء فريضة الحج ولم يأت من خلال زيارة رسمية؟ وللتاريخ أقول: إن الملك سعود عندما ترك الحكم لأخيه الملك فيصل، كانت جهوده قد أثمرت عن بناء مؤسسات تربوية ومدارس وتأسيس أول جامعة في مملكته.
هيكل يلتفت إلى الملك فيصل بن عبدالعزيز
يتابع هيكل حديثه قائلا: “وعلي أي حال المملكة العربية السعودية في ذلك الوقت وإن لم يبدُ لنا واضحا، كان واضحا إن فيها صراع بين سعود وبين فيصل.. الأمير فيصل، سعود هو ولي العهد وهو الأقرب للبداوة وفيصل هو في ذلك الوقت وزير خارجية في حياة أبوهم يعني، وزير الخارجية الأقرب إلي الحضارة أو إلي المدنية لأنه مقيم في جدة وعلي اتصال بالسلك السياسي وبالعالم ونفتكر ان فيصل جاءت له فرصة يلف الدنيا كلها وهو وزير خارجية أبوه بما فيها.. وأنا قلتها له في يوم من الأيام وتلقيت منه ردا غريبا قوي بما فيها أنه أول وزير خارجية عربي تفاوض مع الاتحاد السوفيتي سنة 1926 وطلب منهم معونات قمح لأنه السعودية كانت فيها مجاعة وتمكن بالفعل من أنه يأخذ من الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت مائة ألف طن قمح سُلِّمت علي دفعتين.. علي جزءين يعني، ففيصل هنا.. وحتي أنا فاكر إن أنا مرة.. بس ده كان متأخر قوي سنة 1971 قلت له أنت ليه ما تكتبش مذكراتك؟ فقال لي والله أنا حاولت أكتب مذكراتي.. أنا كان وجهة نظري أن ده رجل تعامل مع الاتحاد السوفيتي من أيام ستالين وتعامل مع أميركا من أول روزفلت وتعاون مع إنجلترا من أول مَن نشاء وأطول عمر وزير خارجية، فقلت له ليه ما تكتبش مذكراتك؟ فقال لي والله أنا حاولت مرة من المرات أكتب مذكرات لكن خطر لي أنه قد.. وملِّيت أشياء علي عمر السقاف.. عمر السقاف كان وكيل وزارة الخارجية وكان قريبا من فيصل بشكل أو آخر وكان قريبا أن يكون سكرتيره فملِّيته حاجات كثير قوي لكن خفت بعد ذلك أن يقع ما أكتبه في يد أحد فأمرت عمر أن يحرق الورق ده كله وبالتالي راحت تجربته..” (نص هيكل).
هل هناك معلومات مهمة في النص أعلاه؟ ما معني سعود بدوي وفيصل حضري؟ ما معني لم يبد واضحا لنا؟ من أنتم؟ وتعيد يا هيكل وتصقل حكاية زيارة فيصل آل السعود لموسكو.. وقد كذبنا كل إدعاءاتك سابقا حول هذا “الموضوع” في حلقة سابقة ، وكان من حقّ الرجل أن يردّ عليك ردا غريبا، إن لم يكن ردا قاسيا، كونك تريد أن تجعل من تلك الزيارة ( التي ادعيت انها عام 1926 وهي في الحقيقة عام 1932 ) مفاوضات مع ستالين، وأن السعودية في مجاعة.. وأن مائة ألف طن قمح وصلت معونات من الاتحاد السوفيتي إلي السعودية.. لقد اثبتنا مرة بعد اخري هذه الاكذوبة التي كنت ولم تزل ترددها في كل مقال، وفي كل حلقة.. الزيارة حصلت من قبل أمير سعودي كان يجوب عدة بلدان في أوروبا.. ونزل في ضيافة الروس.. ولم يكن هناك أي مفاوضات ولا هم يحزنون! أي مفاوضات هذه التي تريد اقحامها بالموضوع؟ اتحداك أن تذكر المصدر الذي اخذت منه مثل هكذا معلومات لا اساس لها من الصحة! وما معني أن قلت لفيصل سنة 1971 أن يكتب مذكراته أو لم يكتب.. وتختلق أشياء أخري علي لسانه، كونه أملي مذكراته علي مساعده عمر السقاف، ثم أمر باحراقها! ما معني هذا الكلام؟ وما علاقته بالموضوع أصلا؟ ما الذي تريد أن تقوله علي لسان فيصل آل السعود وهو في رحاب الله؟ وسواء كتب مذكراته أم لم يكتبها؟ وسواء أحرق مذكراته أم لم يحرقها؟ ما الذي تريد أن تتوصّل إليه؟ أم انك تعشق اللغو فقط؟ وحتي تقول للناس بأنك قد اقترحت عليه مثل هذا “المقترح” الذي لا أهمية له إن صح أن ذكرت ذلك أمام الملك فيصل آل السعود بالرغم من أنني أشك في كل ما تدّعيه من أقاويل!
نشرت على جريدة روز اليوسف المصرية ،العدد 1431 – الاربعاء – 10 مارس 2010
، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com
وأيضا على صفحة تجمع الدكتور سيار الجميل
http://www.facebook.com/group.php?sid=ef680591def239dac31065b4f16482c3&gid=48810538237
ملاحظة : لا يسمح بإعادة النشر تحريريا أو الكترونيا ، إلا بترخيص خطي من المؤلف والناشر .