بقايا هيكل
الحلقة31
اللحظات الفارقة
يبدأ هيكل موضوعه بقوله “إحنا فات علينا في العصر الحديث في واقع الأمر ثلاث لحظات فارقة كان ممكن فيها الأمة تعمل اللي تعمله..” (النص).. فماذا أقول؟
يصنّف هيكل اللحظات التاريخية الثلاث في تاريخ الشرق الأوسط إبان القرن العشرين بكل ما نتج ما بعد الحرب العالمية الأولي وهي اللحظة الأولي، ثم ما نتج ما بعد الحرب العالمية الثانية من الحرب الباردة وهي اللحظة الفارقة الثانية، ثم نهاية الحرب الباردة في السبعينيات وهي اللحظة الفارقة الثالثة.. دعوني أحلل هذا “الموضوع” الذي بدأ هيكل يلوك فيه وقد أخذه مني بوضوح عندما قدمته تاريخيا في تقسيم الأجيال، خصوصا من كتابي “تفكيك هيكل” (نشر عام 2000) من دون أن يشير لا من قريب ولا بعيد إلي أي مرجع.. رجع هيكل بعد اختلاسه الأفكار التي طرحتها عليه في كتابي ضد أطروحاته، ليركّب عليها من عندياته الأمثلة الفاشلة التي لا تتفق وسياقات الأطروحة التاريخية فيما يسمي بتحقيب التاريخ العربي والإسلامي.. إنه أخذ مني وباع علي، ولكن من دون أن يحدد ما الذي يريد الوصول إليه.. إذ دوما ما يترك ما يقوله من دون أي نتائج عامة يريد الوصول إليها، أو أي استنتاجات يستنبطها بنفسه ليقدمها ضمن سياق الآراء التي يمكنه تقديمها.
البؤس التاريخي
ولما كانت الأطروحة التي قدمتها منذ زمن طويل تقسم تاريخنا المعاصر إلي ثلاثة أجيال يبدأ كل جيل بلحظة تاريخية فارقة، فإن هيكل غاب عنه منطلق تحقيب المرحلة، وجاء ليسوّق بضاعته التي ما انفك يرددها علي الناس.. بحيث أثار مللهم وضجرهم كثيرا.. ولقد دخل الموضوع بالنص التالي وهو يتساءل: كيف وصلنا نحن إلي هذه اللحظة البائسة من حياتنا العربية؟ قائلا: “أنا السؤال اللي وقفت عنده المرة اللي فاتت هو إحنا كيف وصلنا نحن إلي هذه اللحظة عايز أقول إيه؟ عايز أقول إنه في حياة الأمم والشعوب لحظات فارقة تستطيع فيها هذه الشعوب أن تمسك مصائرها وأن تعقلن الفوضي الطبيعية في الأمور طبيعة التاريخ تدفق تيارات اقتصادية عسكرية.. دول طالبة مصالح دول غازية.. بطالة موارد تجارة اللي إحنا عاوزينه لكن حركة التاريخ المتدفقة عادة فوضي ودور البشر ودور الإدارة السياسية في التعامل مع هذه الفوضي هي محاولة عقلنة هذه الفوضي حنلاقي باستمرار انه الأمم في حياتها لحظات فارقة إذا تنبهت لها وإذا استطاعت انها تستعمل هذه اللحظات يبقي قيادات هذه الأمم النخب في هذه الأمم مهمتها الإدارة السياسية والإدارة السياسية بمعني عقلنة التطورات الجارية عقلنة التيارات المتدافعة عقلنة الأحداث المتصادمة عقلنة القوي إلي آخره.. (نص هيكل) “.
هنا يبدأ القول كي يضع مسئولية البؤس التاريخي الذي يعيشه العالم العربي علي كل الأجيال السابقة، من دون أن يحدد درجة الخطأ أين تكمن.. ومن دون أن يشخّص درجة الصواب أين كانت! ومن دون أن يحدد العوامل الأساسية للنهوض أو الانحطاط.. إنه يحاول أن يجيب عن سؤال يفكر فيه اليوم وبعد التي واللتيا: كيف وصلنا إلي هذه اللحظة اليوم؟ نجده يحاول الإجابة عن السؤال بشكل تهويمي كما قرأنا قبل قليل.. من يعقلن الفوضي الطبيعية يا هيكل؟ هل كانت إرادة الشعوب وتفكيرها واحدة علي مدي الزمن؟ مصالح دول غازية إزاء دور الإدارة السياسية في التعامل مع هذه الفوضي.. ماذا تريد أن تقول؟ من يحاول عقلنة الفوضي؟ اجب.. افصح! لحظات فارقة في حياة الأمم، وأعتقد أن العرب قد انتبهوا لها من حين لآخر وتطالب بالإدارة السياسية، وتعرّفها لنا بأنها عقلنة التطورات الجارية.. عقلنة الأحداث المتصادمة.. عقلنة القوي!! من تخاطب؟ هل تخاطب قيادات الإدارات السياسية؟ أم تخاطب الناس العاديين؟ هل تخاطب الحكام والقوي الحاكمة؟ كنت أتمني أن تقارن نماذج عقلانية في تاريخنا المعاصر بنماذج متهورة وفوضوية علي امتداد القرن العشرين.. كنت أتمني ألا تأتي ـ كما سنري بعد قليل ـ لأسماء ثلاثة ملوك، وجعلت خراب الدنيا علي أيديهم، من دون أن تذكر أي اسم من الحكام شبه المجانين الذين حكموا العالم العربي.. من دون أن تذكر أي حاكم جعل الأوهام حقائق أمام العرب وتعامل معها علي أنها مسلّمات، وصعد بهم يهيم في السماء، فإذا به يسقط ومعه يسقطون.. دون أن تري ما صنعته الأيديولوجيات المستوردة بتفكير أجيالنا.. أي عقلنة للفوضي التي زرعها ضباط أحرار جاءوا من ثكنات عسكرية ليحكموا مجتمعاتنا بلا مؤسسات علي امتداد زمن طويل؟ أي عقلنة للفوضي التي كرستها أحزاب شوفينية مخادعة؟ أي عقلنة للفوضي التي نشرتها منظمات إرهابية وعناصر ثورية.. لماذا لم تتكلم عنها؟ لماذا لذت بالصمت عن أجهزة مخابرات عربية لدول بوليسية، وقد جنت تلك الأجهزة علي كل المعارضين السياسيين؟ لماذا قتل (او: انتحر) البعض من شخصيات الماضي القريب، وقد توضّحت علاقاتهم بأجهزة مخابرات داخلية وأجنبية؟
اللحظة الفارقة الأولى
يقول هيكل ويعيد ويكرر (واعتذر من القراء الكرام من تكرار هذه الموضوعات التي يبدو أنها قد قضت مضجع الرجل منذ الهوس الثوري الذي عاشه قبل خمسين سنة).. دعوه يعيد ويكرر قائلا: “اللحظة الفارقة الأولي في اعتقادي هي اللحظة الفارقة التي تلت الحرب العالمية الأولي، الحرب العالمية الأولي حصل فيها إنه والله الإطار الجامع للعالم العربي كان هو الخلافة العثمانية والخلافة العثمانية انتهت فيه دول كانت خرجت من الخلافة لكن وفيه دول كانت بعدت عن الخلافة وفيه دول كانت لا تزال تابعة للخلافة وكانت فيه دول بتطالب بالتبعية للخلافة بالعودة للخلافة ثانية لكن في الحرب العالمية الأولي انتهت الخلافة وبدأ الإرث الامبراطوري للخلافة العثمانية بدأ يوزَّع علي بريطانيا وفرنسا.. ” (نص هيكل).
أرد عليك: صحيح، إنك أخذت الفكرة من صاحبك الذي فكك نصوصك خلسة، ولكن بنيت عليها أخطاءك.. ذلك أنك تسميها الخلافة العثمانية وهي دولة السلطنة العثمانية كما أعيد وأكرر دومًا، إذ إن مشروع الخلافة العثمانية الذي تبناه السلطان عبدالحميد الثاني واجه ردود فعل معاكسة، وهي ردود فعل عربية وليست أجنبية.. تلك التي سميتها بـ”الخلافة” لم تكن إطارًا جامعًا للعالم العربي إبان الحرب الأولي وما بعدها! إنك تتكلم عن أشياء لا وجود لها في تاريخنا! السلطان العثماني الذي تلقب بالخليفة ضمن مشروع عبدالحميد لم يكن إلا رمزًا منذ العام 1909 عندما سيطر الاتحاديون علي الحكم العثماني ونفوا السلطان عبدالحميد الثاني، ولم يكن من بعده أحد من السلاطين له كلمته وسطوته! أنت تتحدث عما آل إليه الأمر بعد 1914- 1918، أي أثناء وما بعد الحرب الأولي.. كل شيء قد تغير يا هيكل.. ولم يبق لا خلافة عثمانية ولا سلطنة.. البريطانيون يدخلون بغداد والقدس في سنة 1917، والثورة العربية تمتد نحو بلاد الشام والملك فؤاد يعلن نفسه ملكًا عام 1917.. أي إطار جامع تتحدث عنه؟ أتمني أن تكون دقيقًا في كتابة التاريخ صحفيا، أو حكايته تليفزيونيا.
ثلاث أسر حاكمة تقض المضاجع!
تستطرد قائلا: ” فإحنا كنا قدام لحظة فارقة وكان فيه مطالب وطنية سابقة في مصر وفي سوريا وفي العراق إلي آخره حصل في هذه الفترة إنه كان هناك ثلاث أسر راغبة في إرث الخلافة وبنفس المنطق، أسرة محمد علي مستندة إلي ظل مآذن الأزهر موجودة وراها، الهاشميين مستندين إلي نسب لرسول الله صلي الله عليه وسلم، السعوديين مستندين إلي واحد إنهم في شبه الجزيرة العربية ثم بعد كده في مكة والأرض المقدسة وبعد كده جه البترول فأنا قدام ثلاث أسر عملت إيه؟ متقدرش تقف قدام الدول القادمة المنتدبة اللي ورثت الخلافة الإسلامية سابت لها الخلافة واحتفظت بالإسلام سابت السلطة واحتفظت بشكل السلطة، أخدت هي الهيلمان والصولجان وسابت الأرض والحكم والسلطة إلي حد ما للقوي القادمة في الانتداب وعملوا شبه صفقة عمامة الخليفة العثماني وسيفه عند سواء الملك فؤاد أو الملك عبدالعزيز أو الشريف حسين وأولاده فيما بعد وأما السلطة الحقيقية قد فضلت للإنجليز أو الفرنساويين وده طبيعي كان طبيعي جدا لأنه لا يمكن تصور إنه من نظام خلافة عثماني جامع اسمي أو فعلي في بعض البلدان العربية تنتهي ثم ندخل إلي وضع والله ألاقي فيه ناس بيتكلموا عن الدستور وعن القانون وعن فيه ناس.. “(نص هيكل).
هنا أرد عليك: تغيب قليلا أو كثيرا، ثم تعود إلي الأسر الثلاث والرءوس الثلاثة والبلدان الثلاثة.. وكأن هؤلاء الثلاث قد سببوا مشكلات الأمة العربية.. وسببوا لها كل الفواجع والنكبات والهزائم.. دعني أحاكم النص قليلاً ثم أرجع لك ثانية. ان المطالبة بالخلافة التي كانت رمزا دينيا لم تكن إلا مجرد حالة من إضفاء الشرعية.. فالكل يعلم، أن الخلافة ماتت فعليا منذ سقوط العباسيين في بغداد وسقوط الفاطميين في القاهرة.. وأن بقاء الخلافة في القاهرة في ظل المماليك لم يكن إلا رمزًا تاريخيا للمشروعية الدينية لكل الدول التي استمدت منها الاعتراف. ما معني أنها أخذت الهيلمان والصولجان وسابت الأرض والحكم والسلطة إلي حد ما للقوي القادمة في الانتداب؟ هل هذا كلام عقلاء عندما تستهين بأدوار تاريخية كان لها رجالها ونخبها السياسية، خصوصا في مصر والعراق وبلاد الشام؟ لقد اعتبر الأعداء قبل الأصدقاء والخصماء قبل الإخوة في العروبة أن رجالات الأمس العرب علي أيام الانتدابين البريطاني والفرنسي كانوا رجال دولة من الطراز الأول.. وإذا كان الشريف حسين قد فشل في مشروعه العربي نتيجة عناده وإصراره علي إرادته، فلقد نجح أولاده في تأسيس كيانات من العدم.. وإذا كنت تعيب علي فؤاد الأول خضوعه للبريطانيين، فلم يكن وحده في الميدان، إذ كانت مرحلته تعج باسماء سياسيين كبار كانوا وراء نهضة مصر إبان عهده.. وإذا كنت تعيب علي عبدالعزيز آل السعود جملة من المعايب، فيكفي أنه نجح في تكوين دولة ووحد أقاليم وقضي علي سلالات حاكمة في الحجاز وحائل وعسير.. الخ
خطوط رسمتها ثلاث أسر حاكمة في التاريخ
وتبقي يا هيكل تنال من هؤلاء الذين لا أدري ما الذي فعلوه بك حتي تعلن حربك المجنونة ضدهم.. لنستمع إلي قولك التالي:”بدري لسه كان لكن في كل الأحوال إحنا لقينا إنه والله فيه قسمة للسلطة لكن المطالب الشعبية لا تزال بتعبر عن نفسها سعد زغلول في مصر مثلا بيتكلم دستور لكن الملك فؤاد بيتكلم ذهنه في خلافة وفي الشام تقريبا ناس بتروح للشريف حسين وهم بيتكلموا في حرية واستقلال إلي آخره والشريف حسين وأبناؤه بيتكلموا علي وضع ملكي أو شبه ملكي، إخونا اللي راحوا للملك عبدالعزيز وهو شخصية تاريخية مهمة بالتأكيد واحد زي أمين الريحاني لما راح شافه في ذلك الوقت بيتفرج أو بيشوف أو بيكتب علي شخصية ضخمة جدا لكنه بتتكلم علي زي ما روزفلت وصفه فيما بعد وقال عليه المتوحش النبيل بتتكلم علي رجل له قيمته أنا باعتقد إنه عمل دور مهم جدا في التاريخ لكنه ما يستطيع أن يستوعبه من عصره له حدود يعني.. ” (نص هيكل)
هنا أقول: مهما انتقدت انتقادك الساخط ضد هؤلاء الثلاثة، فيبقوا أنهم قد رسموا خطوطًا واضحة في التاريخ.. كّل في موقعه، وسواء كانوا خلفاء أو ملوكًا.. سواء كانوا سليلي أسر حاكمة أو كانوا زعماء قبائل، فهم انتصروا سياسيا. إن عهد فؤاد الأول يبقي عهدًا زاهيا ووصلت مصر إلي أقوي حياتها السياسية، وشهد البرلمان المصري فيها أعلي درجات القوة مع تبلور نخبة سياسية وفكرية لم تحظ بها مصر لاحقًا.. أما الشريف حسين، فيكفي أنه أعلن بعد مرارة وتعاسة ما مورس ضد العرب من قبل الزعماء الاتحاديين الاتراك، خصوصًا جمال باشا السفاح بإعدامه نخبا من الشهداء العرب الشباب ولم يكن كلهم يشتغل بالسياسة، بل كان فيهم عدد كبير من أدباء ومثقفين.. كان رد فعل الشريف حسين قويا وترجم ذلك ولده فيصل بعلاقاته مع الجمعيات العربية السرية.. أما عبدالعزيز آل السعود، فيكفي ما أوردت بحقه من إيرادات. وعليه، لماذا تناقض نفسك هنا؟ الشخصية الضخمة والمتوحش النبيل قد أنجز دورًا مهمًا جدًا في التاريخ. وعليه، فيستوجب أن تسكت بعد اليوم! ولكن يبقي عدوك اللدود شاخصًا أمامك لتنال منه ومن أسرته دومًا.. مهما ما قلت وستقول عن الملك فؤاد الأول فإن عهده يعد من أفضل عهود مصر في التاريخ الحديث.
معضلة فؤاد: لا يعرف العربية!
تقول عنه مستطردًا: ” لكن ومع ذلك فكل هذه التطورات في اعتقادي كانت طبيعية لكن نتيجة ده إن أنا لقيت عندي خلفاء بيتكلموا باسم الإسلام، الملك فؤاد مكنش بيعرف عربي الملك فؤاد العربي بتاعه كان مكسر وأنا لا أظن إنه في حد غير الساسة اللي قابلوه مباشرة سمعوا منه لأن الملك فؤاد عاش حياته مع أبوه الخديو إسماعيل في إيطاليا منفي وعاش شبابه ضابط في الجيش العثماني اللي عاشر الجيش النمساوي الألماني وبعدين جاه بقي الملك عاش في مصر فترة مع مجتمع معين في مناخ معين ولما وصل للمُلك بيتكلم علي خلافة وهو لا يعرف عربي بيتكلم عربي مكسر يعني، ابنه الملك فاروق بقي بيتكلم عربي هايل عربي بلدي لكن ده موضوع آخر قضية أخري، الملك عبدالعزيز أنا باعرف إنه ممكن قوي يتكلم شرع وممكن يتكلم قوة رئيس بدوي شيخ قبيلة ويقدر يعمل إلي آخره لكن في حدود..” (انتهي نص هيكل).
باستطاعتك اختزال كل منجزات مصر علي عهد فؤاد الأول كونه يتكلم “عربي مكّسر”.. كنت أتمني أن تتكلم جملة مفيدة واحدة بالعربية المبسطة يا هيكل! كنت أتمني عليك أن تقول إن زعماء آخرين كانوا يهذون لساعات طوال بأسلوب بلدياتي من دون أن يقولوا جملة واحدة مفيدة باللغة العربية! زعماء عرب عديدون هم من أصلاب عربية وعاشوا في بيئات عربية.. لكن تخونهم لغتهم العربية. فهل لم تجد في بحثك عن زلات فؤاد إلا لغته العربية؟ يا أخي أعود اليك لطلب منك قراءة ما كتبه الصديق المؤرخ لبيب يونان رزق في كتابه عن فؤاد الأول.. وأن تتخلص من هذا الحقد الأسود ضد فؤاد الأول.. وسواء تكلم بالفصحي أو تكلم بالمكسّر أسألك يا هيكل سؤالاً واحدًا وان تجيب إجابة قاطعة غير ملتوية ومن دون لف ولا دوران : هل أحب فؤاد الأول مصر حبًا جمًا وعمل من أجلها أم لم يحب مصر، ولم يعمل من أجلها طوال حياته؟
وإذا كان فؤاد الأول لا يعرف العربية، وهو من أصل غير عربي، فما بالك نري زعماء عرب اقحاحا منذ خمسين سنة لا يعرفون الكلام بالعربية، بل لا يجيدون القراءة العربية! أما “فاروق” الأول، فهو ليس قضية ثانية.. بل إن “فاروق” أحب مصر وعمل من أجلها، ولكن خانته ظروفه وعلاقاته وأولئك الذين تعامل معهم.. إن عهد فاروق هو امتداد طبيعي لعهد أبيه.. وإذا كان فؤاد الأول يمالئ الإنجليز، فإن فاروق كان شوكة في خاصرتهم، وتاريخه يشهد بذلك! إن الأخطاء السياسية لا يمكن أن يتحملها شخص واحد، بل يتحمل مسئوليتها أشخاص كثر.. ولو كانت الأخطاء يتحملها شخص واحد، فإن هزيمة 1967 كان سيتحملها جمال عبد الناصر وحده، وان الأخطاء السياسية هي غير الهزائم العسكرية، ولنا أن ندرك أن الإنجليز كانوا سيرحلون عاجلا أم آجلا من كل المنطقة، بدليل رحيلهم من مشيخات الخليج العربي وغيرها.. وأن الفراغ سيملؤه الأمريكيون، ولكن ما حدث من انقلابات عسكرية كافية لتحويل تاريخ دول مهمة عديدة في المنطقة من أنظمة دستورية مستقرة إلي أنظمة فوضوية ثورية..
نشرت على جريدة روز اليوسف المصرية ، العدد 1417 – الاثنين – 22 فبراير 2010
، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com
وأيضا على صفحة تجمع الدكتور سيار الجميل
http://www.facebook.com/group.php?sid=ef680591def239dac31065b4f16482c3&gid=48810538237
ملاحظة : لا يسمح بإعادة النشر تحريريا أو الكترونيا ، إلا بترخيص خطي من المؤلف والناشر .
بقايا هيكل
الحلقة 32
اللحظة الفارقة الثالثةيقول هيكل: “اللحظة الفارقة الثالثة إحنا فاتتنا اللحظة الفارقة الأولي تعبنا قوي وانشغلنا قوي باللحظة الفارقة الثانية ولو إنه قدرنا نعمل فيها حاجة مهياش لعبة بين المعسكرين المتعاركين عندنا زي ما بعض الناس بيتصوروا من منطق سياسة عدم الانحياز، عدم الانحياز يعني أن يكون لك قرار مستقل غير مقيد مسبقا بانحياز إلي طرف من الأطراف جوهر عدم الانحياز ليس لا الانتهازية ولا اللعب علي الحبال ولا الانضمام إلي ده أو الانضمام لده ولا الحياد ولكنه الاستقلال المسبق في كل قضية وفي كل رأي بمعني إن أنا أعرف إن إحنا وقفنا ضد الأمريكان مثلا في كوبا لكننا وقفنا ضد الروس في العراق ودخلنا معهم في معركة كبيرة جدا في هذه الفترة، الاستقلال جوهر عدم الانحياز هو الاستقلال وأنا فاكر إن حضرت مرة في البرلمان الهندي احتفال كان لطيف يعني وكان ناس بتتكلم علي عدم الانحياز وكان كريشنا مينون وقتها هو النجم الصاعد وكان وزير خارجية الهند وكان نهرو لسه موجود وكان فيه مناقشة علي عدم الانحياز وقف واحد من النواب بيحيي الناس الموجودين وبيقول والله إحنا غير منحازين إحنا لا في هذا الجانب ولا في هذا الجانب ولكن إحنا في نص الطريق فوقف كريشنا مينون وقاله له أه أنت في نص الطريق عشان تندهس تدهسك العربيات مفيش حاجة اسمها نص الطريق قضية عدم الانحياز وأنا بأعتقد إنها مهمة جدا لأنه الدول اللي تمسكت بها دفعت ثمنها واستفادت منها لكنها لم تكن انتهازية بمعني أنك خلقت في هذا المكان من العالم كان فيه محاولة مقاومة لكن في كل الأحوال ده مش الموضوع اللي عايز أتكلم عليه اللي عايز أقوله إنه إحنا كنا أفلتت منا اللحظة التاريخية أو اللحظة الفارقة الثانية بسبب الحرب الباردة جت اللحظة التاريخية الفارقة الثالثة وهي إيه؟ نهاية الحرب الباردة في وقت ما من السبعينات بقي باين الاتحاد السوفيتي الحقيقة الاتحاد السوفيتي أنا في اعتقادي وأنا راجل من الناس اللي اقتربوا جدا من الواقع السوفيتي الاتحاد السوفيتي كان دولة محكوم عليها حأتكلم وأقول محكوم عليها ليه (نص هيكل).
صحيح والله تعبت الشعوب قاطبة من اللحظة الفارقة الاولي، ولكن لماذا انشغل العرب قوي باللحظة الفارقة الثانية؟ كنت اتمني أن تبين الاسباب لا أن تبرر.. فأي حاجة عملتها؟ الم تكونوا لعبة بين المعسكرين المتعاركين؟ ودعك من هذه المثاليات التي كنت ولم تزل تصبغ بها أوضاعنا السيئة؟ أي منطق لسياسة عدم الانحياز التي لم تزل تدافع عنها، وقد ماتت منذ ولادتها؟ لقد ضحك العالم الثالث علي نفسه كثيرا بشعاراته البراقة كالحياد الايجابي وعدم الانحياز وحركات التحرر.. وكلها وليس بعضها كان ضالعا مع هذا الطرف او ذاك! تعّرف لنا يا هيكل الان لنا سياسة عدم الانحياز، وتلخصها ان يكون لك قرار مستقل غير مقيد مسبقا بانحياز إلي طرف من الاطراف.. اسألك بربك: أي قرارات مستقلة اتخذت في عموم العالم الثالث وفي معظم القضايا الاستراتيجية التي شغلت العالم وقت ذاك؟ هل كنتم خارج إطار الصراع السوفييتي الأمريكي في المنطقة؟ هل كانت للعالم الثالث استقلاليته التامة عن ذاك الصراع؟ ما دور السفراء السوفييت في عواصم العالم الثالث؟ وما دور السفراء الأمريكان فيها أيضا؟ هل كانت لديكم أسلحة استراتيجية كدبابات وطائرات ومن صنع العالم الثالث، حتي لم تقع دولة تحت وطأة الضغوط من هذا المعسكر أو ذاك؟ ما دور السفير السوفييتي الذي اتصل بأحد زعماء عدم الانحياز وهو الرئيس عبد الناصر كي يوقظه من نومه ويوصل له رسالة القادة السوفييت أن لا يبدأ الهجوم علي إسرائيل؟ ماذا تسمّي هذا كله؟ صحيح أن عبد الناصر وقف مع كوبا ضد أمريكا، ولكنه وقف مع أمريكا ضد العراق عندما قرر الزعيم العراقي ضم الكويت إلي العراق !
سياسي فاشل من يتعلق بالمثاليات
تقول إن عدم الانحياز ليس لا الانتهازية ولا اللعب علي الحبال ولا الانضمام إلي هذا الطرف أو ذاك! وانا اجيبك بأنك سياسي فاشل أولا واذا حاولت التفكير فانك فاشل ايضا بدليل مثل هذا “التعريف” وكأنك تشبه عدم الانحياز بطريقة صوفية مثالية ، فاذا كان قادتها قد تمتعوا بمنطقك، فانهم من أكبر الزعماء الفاشلين في التاريخ. السياسات الناجحة تنطبق عليها كل الاوصاف الحسنة والمشينة، إذا نجح أصحابها في تحقيق مصالح بلادهم! السياسات نتنة ووسخة وفيها مكر ودهاء وليس لعب علي الحبال فقط، بل فيها الانتهازية والوصولية وكل موبقات الحياة! وهل تأتي اليوم يا هيكل حتي تعلمنا بأن ساسة عدم الانحياز كانوا ملائكة؟ قد تكون لهم مواقف معينة، ولكنهم لم يسلموا قط من تأييد هذا الطرف أو الطرف الآخر.. والا يكونوا جهلة ومنعزلين عن العالم.. وإذا كنت تؤمن بما قاله صاحبك الهندي كريشنا مينون أن من يقف في وسط الطريق تدهسه ليس السيارات، بل الشاحنات والقطارات ولم يبق له أثر! فلماذا تريد ابعاد كتلة عدم الانحياز عن واقعها الذي كان كاذبا ومزيفا؟ لقد تكشفت في السنوات الاخيرة حقائق خطيرة جدا عن طبيعة تلك “الكتلة” التي ولدت وماتت ولم تعش أو تعمّر ابدا، كونها فاقدة لعناصر الحياة التي كان يقبض علي انفاسها كل من الأمريكان والسوفييت، أو بالاحري تحالف الاطلسي وحلف وارسو! ولا ادري هل توافق علي ما ذكره صاحبك المينون أم لم توافق.. لقد اتيت بقوله هذا، ونعرف أن كان صحيحا أم مختلقا، ولكن ما دمت قد استعرضت ما قاله لك هذا المينون، معني ذلك انك توافقه! فان وافقته، فان كل ما سبق من كلامك هو مجرد مثاليات لا اساس لها من الصحة وانت بالذات لا تؤمن بها ابدا.
الدور السوفياتي في العالم
في هذا “الموضوع” يأخذنا هيكل الي عالمه الذي بتنا نعرفه جميعا، فهو يبدأ معنا بموضوع وينتهي بموضوع آخر بعيد كل البعد، ليس عما بدأ به فعلا، بل عما مرّ به من منعطفات واستطرادات وتعليقات واستعراض عضلات. المهم دعونا نتوقف معه الآن عند عنوان (الدور السوفياتي في العالم).. ونتواصل مع كلامه كله، فمنه ما يمكن قبوله ، ومنه ما نرفضه جملة وتفصيلا، ليس لأننا ضد الرجل، بل لأننا نجد ما قاله يخالف الحقائق والمعلومات المنشورة، ويخالف ايضا المنطق جملة وتفصيلا.
يقول هيكل: “هأقول الاتحاد السوفيتي ليه كان محكوم عليه أنا هأتكلم عليها مؤخرا في حلقات تجربة الخمسين أو الستين سنة لكن لو حد يبص للقيادات السوفيتية اللي كانت موجودة وقتها حتي الموكب الجنائزي برجينيف قعد عشرين سنة وفي الأخر الراجل كان عاجز عن استيعاب أي جديد وكان قاعد متجبس تقريبا في مكانه متحنط في مكانه وبعدين علي بال القيادة وصلت إلي ناس عواجيز بقي فيه موكب جنائزي خلصنا من برجينيف جه هاندروبوف، هاندروبوف قعد سنتين كان عيان راخر كانوا ناس كلهم فوق السبعين ومقربين علي الخمسة وسبعين حاجات كده أنا بأقول الكلام ده وأنا بقول ثمانين أنا ما بأخبيش حاجة وبعدين جاء بعد هاندروبوف شرلينكو كان أكثر عجزا منه والنتيجة إنه الاتحاد السوفيتي كان فيه تآكل في داخل الدولة السوفيتية في داخل الإرادة السوفيتية وعلي أي حال كان باين إن أمريكا بتكسب وجت اللحظة الفارقة الثالثة وهي انتهاء أو قرب انتهاء أو علامات بتدل علي قرب انتهاء الحرب الباردة وإنها انتهت وانتهت لصالح الولايات المتحدة ولو مؤقتا وإنه نهاية القرن العشرين جت زي بداية القرن العشرين مؤكدة إن القرن العشرين أمريكي سواء أنا عجبني أو ما عجبنيش عجب غيري أو ما عجبوش أنا مش عاجبني مثلا لكن ده موضوع ثاني..” (نص هيكل).
إن سقوط الاتحاد السوفييتي يا هيكل لم يكن بسبب موكب جنائزي أو عواجيز أو زعيم متجبس أو محنّط.. وسواء بصيت أم لم تبص إلي افراد ولم تبحث عن العوامل الاساسية التي كانت وراء انتحار الاتحاد السوفييتي، فهو يعد من الدول المنتحرة في التاريخ.. وكل هذه الدول علي امتداد التاريخ يقتلها تسلحّها، أو سياساتها في التسلح، فتنفجر لتموت كل مؤسساتها الحاكمة! المسألة لا تنحصر بزعماء عواجيز، ولا بنقص في استيعابهم أي جديد. أن السياسة التي اتبعها السوفييت منذ بدايات تكوين دولتهم الاتحادية تقوم علي ايديولوجية الصراع في الداخل والصراع مع الخارج من اجل جعل العالم كله سوفييتيا! ولما تبلورت الحرب الباردة لم يكن بريجنيف قد وصل السلطة العليا بعد. صحيح ان بريجنيف حكم طويلا، وأن الباقين الذين اتوا من بعده حكموا لفترات قصيرة، إلا أن رحيل الاتحاد السوفييتي قاد إلي رحيل المنظومة الاشتراكية برمتها.. فالاسباب معقدة جدا يا هيكل، ويبدو انك من ابعد الناس عن فهمها كونك لم تقرأ بما فيه الكفاية عن هذا” الموضوع” الذي عالجه العديد من المفكرين والكتّاب. كم تمنيت عليك ان تعطي رأيك، من دون توصيفات ذاتية، بالزعماء بريجنيف وهاندروبوف وجيرولينكو.. وصولا إلي غورباتشوف ويلتسين، ولكن يبدو ان فكرة العواجيز مسيطرة عليك سيطرة كاملة.. إلي هنا والرجل يتحدث في موضوع الدور السوفييتي في العالم. فجأة نجده يذهب للحديث في موضوع آخر، إذ يتذكر اللحظة الفارقة التي تركها! ولكن هذه المرة يتوقف طويلا.
الحرب الباردة.. مرة أخري
سنكمل ما يقول ثم نرجع إليه. يقول: إيه اللي حصل؟ اللي حصل إحنا في هذه اللحظة الغريبة إن إحنا في هذه اللحظة لحظة انتهاء الحرب الباردة أو قرب انتهائها كنا في أحسن أوقاتنا كنا يوم ستة أكتوبر كنا مش محتاج أرجع أتكلم فيها ثاني كنا في اللي وصفه أندريا بوف الجنرال بوف إنه العرب استطاعوا توجيه رسالة إلي المستقبل وهذا صحيح ومؤدي الرسالة كان أننا قادرين علي أن نكون شركاء في مستقبل قادم لكنه الطريق إليه لم يتحدد بعد لأنه إحنا مش لسه عند المستقبل إحنا كنا علي أبوابه الخارجية مقربين منه علي نحو أو أخر في هذه اللحظة إحنا بدليل ما نحن موجودين فيه إن إحنا في الثلاثين سنة اللي فاتت دول لحظة كنا فيها علي أبواب المستقبل سنة 1973 .. “(نص هيكل).
هل تعتقد أن الحرب الباردة قد انتهت عام 1970 ـ 1971، أم استمرت علي قوتها حتي شهر اكتوبر 1973؟ وهل تعتقد اننا كنا عند قرب انتهائها في احسن اوقاتنا؟ واذا كنا في احسن اوقاتنا فالمقارنة مع من؟ الماضي لها أو اللاحق بها؟ وهل استطاع العرب توجيه رسالة إلي المستقبل حسب ما تدعيه علي لسان اندريا بوف؟ وهل كنا قادرين علي أن نكون شركاء في مستقبل قادم؟ إذا كانت الأمور بنتائجها، فالنتائج اوضحت عكس ما تقوله تماما يا هيكل.. وإذا كانت الأمور معقودة بأسبابها، فالاسباب أوضحت عقم ما توصلت إليه بدلالة متغيرات السياسة الأمريكية التي كان مطلوبا منك أن توضحها وانت تحلل النقطة الفارقة الثالثة بدل ان تذهب الي السوفييت الذين لم يقفوا امام العوامل التي خلقها الأمريكيون في العالم بأسره.. ومن ضمن ملفات ذلك العالم، ملف الشرق الاوسط وعلاقة تلك العوامل الجديدة بمصالح الأمن القومي الأمريكي الذي وجد من الضرورة تحجيم الدور الشيوعي والبدء في مشروعات استراتيجية كبري يقف علي رأسها: الطاقة المتمثلة بالنفط.. أن هيكل باشارته وتأييده أن العرب نجحوا في توجيه رسالة إلي المستقبل.. معني ذاك انه نسف كل منجزات العرب في الخمسينيات والستينيات أيام عبد الناصر وما سمي بزمن المد القومي. ولكنه لم ير ما تحقق في السبعينيات من تحجيم للدور القومي والناصري بالذات.. ولم يذكر ابدا كيف (انتهت) الحرب الباردة علي عهد الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون بفعل الاستراتيجية الأمريكية التي زاولها وزير خارجيته هنري كيسنجر والدخول في عهد الوفاق الدولي بعد عقود من الصراع الدولي (الحرب الباردة) والسباق في التسلح النووي.. انني اعتقد بأن الحرب الباردة لم تنته ابدا حتي ابان عهد الوفاق الدولي أن الوفاق الدولي بين السوفيت والأمريكان مع مطلع السبعينيات حتي نهايته مرورا بالتوقيع علي معاهدتي سالت 1 وسالت 2، قاد إلي ايجاد ظروف جديدة لحسم الصراع بين العرب وإسرائيل، وخصوصا بين مصر وإسرائيل وصولا إلي آفاق تسوية في أواخر عقد السبعينيات.. كي تبدأ مرحلة تاريخية جديدة.. دعونا نتأمل في المعلومات التالية التي نشرت مؤخرا.
إن فكرة استقرار العالم قد ولدت في العالم 1972 عندما زار نيكسون كلاً من بكين وموسكو لخفض حدة التوتر بين المعسكرين . ولقد بدأ نيكسون زيارته للصين لاجبار السوفييت علي اقرار ما كانت تطمع به الولايات المتحدة ، وهكذا انتجت لقاءات القمة الأمريكية السوفيتية نيكسون وبريجنيف اولا علي معاهدة الحد من الأسلحة النووية الاستراتيجية (معاهدة سالت 1). هنا، نجد بدء زمن جديد لحلحلة قضايا وازمات معقدة جدا، بعد الاعلان عن سالت 1 في يناير 1974، فتم الإعلان عن التوصل إلي اتفاق مع فيتنام الشمالية لإنهاء التورط الأمريكي في الهند الصينية.. وكان اندلاع حرب أكتوبر 1973 التي توقفت فجأة لسبب أساسي وسياسي يعرفه الجميع، وهو قطع الامدادات العسكرية عن مصر من قبل السوفييت، في حين أن جسرا جويا عسكريا قد فتح بين الولايات المتحدة وإسرائيل.. فاذا كانت الأمور بنتائجها وأنها معقودة بخواتيمها، فهل كان انتصار أكتوبر 1973 بداية لمستقبل من أي نوع يمكن وصفه؟ ولكن الأخطر كان مع التوقيع علي سالت 2 من قبل الرئيس جيمي كارتر عام 1979، وهو العام الذي شهد حدوث زلزال في منطقة الشرق الاوسط. وعليه، فان اغلب المؤرخين الذين كتبوا عن موضوع الحرب الباردة بقيت بالرغم من خفة حدتها علي عهد الوفاق، وان الصراع لم ينته بين المعسكرين المضادين، بل يؤكدون انها مرت في مراحل عدة، وهي:
المرحلة الاولي 1947- 1953
المرحلة الثانية 1953- 1962
المرحلة الثالثة 1962- 1979
المرحلة الرابعة 1979 – 1985
انظر
Grant, Ted: Russia, from Revolution to Counter-Revolution, London, Well Red Publications,1997, pp 43-9, 95-8, 119-143. Cf. Ronald Grigor Suny, The Revenge of the Past: Nationalism, Revolution, and the Collapse of the Soviet Union, Stanford University Press, 1993, pp. 68-91, 125-9.
خلاصة
إن مثل هذا “الموضوع” لا يعالج تلفزيونياً بمثل هذه الخفة والبساطة، وكنت اتمني علي هيكل أن يراجع بعض أهم الكتب التي نشرت عن أزمات الاتحاد السوفييتي واخفاقاته وصولا إلي نهاياته، والتعمق في عوامل السقوط من خلال دراسة التحديات التي احاطت به، او تلك التي نخرت عظامه، فالأمر لا يقتصر ابدا علي مجرد حكام عواجيز لم يفلحوا في الإدارة، بل ان ظروف البلاد الصعبة والترهل السياسي والايديولوجي.. فضلا عن الانفاق المجنون علي التسلّح والذي قاد إلي الانتحار المحقق.. كلها اسباب كان لابد من طرحها ومعالجتها بنوع من الاختزال، وكم وددت لو وقف الرجل عند الكتابين الممتازين الموثقين المذكورين في اعلاه، وتحليل ما ورد فيهما من آراء.
نشرت على جريدة روز اليوسف المصرية ، العدد 1426 – الخميس – 4 مارس 2010
، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com
وأيضا على صفحة تجمع الدكتور سيار الجميل
http://www.facebook.com/group.php?sid=ef680591def239dac31065b4f16482c3&gid=48810538237
ملاحظة : لا يسمح بإعادة النشر تحريريا أو الكترونيا ، إلا بترخيص خطي من المؤلف والناشر .