الرئيسية / مقالات / كــيـف نـواجـه مصيرنا المشترك ؟

كــيـف نـواجـه مصيرنا المشترك ؟

نشرت قبل اكثر من سنتين ، مقالا في (جريدة النهار البيروتية 19 ديسمبر 2007 ) ، عنوانه ” كيف نواجه متغيرات العالم الاميركية ؟ ” ، اوضحت فيه ما الذي يمكن عمله ازاء تحولات اميركية خطيرة ستنال من العالم ، وخصوصا ، المجالات الحيوية . هنا ، ونحن في قلب تلك التحولات .. ما الرؤية التي باستطاعتنا ان نؤسس عليها اية استراتيجية مستقبلية تخص مصالحنا المشتركة لثلاثين سنة قادمة ؟ وكيف يمكننا ان ننقذ مصيرنا القادم ، ونحن في خضم مشكلات صعبة لا نكتفي نحن بمعايشتها ، بل ستؤثر على اجيالنا القادمة بكل تداعياتها ونتائجها ؟
ستعمل السياسات الاميركية المستحيل اليوم ، من اجل التحكم في كل المجالات الحيوية في العالم ، والهيمنة على مقدرات عصب الحياة المعاصرة لمئة سنة قادمة .. ولا يمكنها ان تتخلّى عن الخطط التي رسمتها من اجل منع اي نفوذ دولي يقف نحو تنفيذ تلك الخطط ، بالرغم من كل النكسات التي اصابتها مؤخرا .
لم تعد هناك اية رهانات على اية متغيرات سياسية ، او على اية انقلابات عسكرية او اي تظاهرات شوارعية ، او خطابات اعلامية ، او تحزبات ايديولوجية كالتي نجحت في تنفيذها ابان القرن العشرين .. لقد انتقلت اليوم الى انواع اخرى من انظمة التدخل ، عبر الاختراقات الاقتصادية وهيمنة شركات عابرات القارات ، وانتقال رؤوس الاموال الى مكان للاستفادة من الايدي العاملة والسوق .. لم يعد الامريكيون يقبلون بوجود اية شركات مستفيدة من دون منافستها ،من خلال شل حركتها او شرائها او انهائها تماما .. لم يعد يهمها ابقاء هذا النظام السياسي او ذاك الموديل الزعاماتي ، ما دامت قد أمنت مصالحها لدى هذا او ذاك .. انها اليوم اقوى قوة مسيطرة على العالم بنفوذها الاقتصادي ، وان ما تملكه من تريولانات لا يمكن ان يتوقف رقمه ابدا بالرغم من كل الكساد العالمي الذي كانت سببا في خلقه !
علينا ان نعرف من تكون امريكا اليوم .. وان نفكّر بطريقة علمية في كل الاجراءات التي تنفّذها في هذا العالم .. علينا ان نتخّلص من اللغة الثورية والحماسية والشعاراتية التي لم تعد تجدي نفعا ابدا في هذه المرحلة .. علينا ان نراقب اوضاع العالم بكل دوله ومجتمعاته ، ونقيس مدى التحدي والاستجابة لهذا الكاوبوي القادم الذي استقطب الارادة الدولية ، وهيمن من خلال مصالحه على كل مصائر العالم .. علينا ان نفّكر متسائلين : لماذا تريد الولايات المتحدة البقاء سيدة مطلقة للقرن الواحد والعشرين ؟ كنت قبل عشر سنوات اقول بأن امريكا ستبقى سيدة العالم لخمسين سنة فقط ، ولكن مجريات الاحداث والتطور التاريخي الحاصل لكبح جماح اوروبا الاتحادية واختراقات اقتصادات عملاق شرق آسيا ، يمنحني الثقة بالتساؤل :هل ستبقى امريكا ستبقى سيدة القرن الجديد بلا منازع !
علينا ان نفكر طويلا بكل تحركاتها اليوم في اغنى منطقة في العالم . ان مشكلاتنا لا تعني بالنسبة لامريكا شيئا ، بقدر كيفية تأمين مصالحها في المنطقة . انها لن تغادرها بعد ان وصلتها باساليب مباشرة او غير مباشرة .. ان رهانها اليوم هو الاستحواذ على الطاقة مهما كانت الاثمان ، وهي تعلم بأن العراق وايران ومنطقة الخليج العربي، تعد اكبر خزين للبترول ، انها تعلم ان مجلسا قويا يجمع دول الخليج المستقرة ، ولكن اذا كانت قد هيمنت على العراق ، فلم يبق امامها الا ايران ، وهي تدرك أن معنى الاستحواذ لا يعني السرقة ، بل يعني التحكم به من دون اي طرف قوي آخر لمئة سنة قادمة ! انها تريد ان تكون سيدة الطاقة في هذا العالم لمئة سنة قادمة ، وان لا يجرؤ كائن من كان ان يقف امامها . ان رهانها اليوم ايران ومن ثم فنزويلا .. واعتقد انها تقّدم الاهم على المهم ، فبدأت بالعراق وستنتهي بفنزويلا عبر ايران .. ولكن متى ؟ لا احد يعرف !
ان اهم ما نحتاجه هو الوعي بامريكا وفهم سياساتها التي تسّيرها مصالحها القومية ، وادراك افكارها قبل معاداتها ، او الاستسلام لها . ثمة مواقف متناقضة من الامريكيين وسياساتهم ، اذ يقف البعض مواقف في الضد منها وشتمها ، في حين يقف الاخرون بالاستسلام لها وتمجيد خطواتها ، بل ويذهبون بعيدا في التعويل عليها في الديمقراطية ، من دون ان يعلموا بأنها لا يهمها الا العمل بما تجده متفقا مع مصالحها اولا واخيرا . انها تدرك مثلا ان الديمقراطية لا يمكن نجاحها في بيئات متخلفة تماما ، ولكنها تسوّقها في مكان دون مكان آخر .. وهي تسكت مباشرة عن نظام كانت تصفه بـ ” متوحش ” لأنها أمنت مصالحها لديه !
ان من يتعامل مع امريكا ينبغي له معرفة مجموعة حقائق واساليب في كيفية التعامل معها .. ما يهم امريكا اليوم هو تطويع الشعوب على ممارساتها ، وبنفس طويل ، واتباع كل الوسائل في ذلك !
ان الارهاب العالمي الذي تحاربه امريكا اليوم ، كانت هي نفسها قد ساهمت في بلورته قبل ثلاثين سنة ، واعتقد انها خلقته ليكون من اهم التحديات التي تواجهها في تسويقه للعالم ، ووسيلة لاختراق العالم والهيمنة عليه .. فهل وعينا الدرس او ادركنا جملة من الدروس ؟ هل فهمنا بما لا يقبل مجالا للشك هذا ” المشروع ” الخطير من اجل حماية الحضارة الانسانية ـ كما يّصرح بذلك المدافعون عن السياسة الاميركية اليوم ـ ؟ وكم تعلمنا مسارات الاحداث الصعبة التي دارت رحاها منذ ثلاثين سنة حتى الان ما الذي تحقق لاميركا وما الذي تسعى لتحقيقه في المستقبل المنظور ؟ المهم ان نعي كيفية مواجهة متغيرات العالم الاميركية والتعامل مع ذلك على امتداد قرن من الزمن .

نشرت في البيان الاماراتية ، 10 مارس / آذار 2010 ، ويعاد نشره على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com

شاهد أيضاً

زعامات ورزايا .. ورئاسات بلا مزايا

 الزعامة غير الرئاسة، والرئاسة غير الإدارة، والإدارة غير القضاء. لقد مضى زمن الزعامات الحقيقية، وماتت …