الحلقة 25
مصر وفرنسا
دعونا نتابع موضوع مصر وفرنسا ، وهو ممتع حقا ، خصوصا عندما يغدو نقدا لأحاديث تلفزيونية تضمنت أشياء كثيرة تخص الفكر والسياسة والمثقفين وتاريخ العلاقات الحديثة .. دعونا نتأمل في النصوص التي قالها هيكل ، ثم نجادله بالتي هي أحسن من كل النواحي .. ولا نقصد من وراء ذلك إلا الوصول إلى الحقيقة ..
أسأل: هل كان هذا الهوس قد انحصر بالنخبة المصرية ؟ لقد ذكر هيكل بعض الأسماء من جيل الاستنارة، ولكن لم يذكر أي اسم من جيلين سبقا جيل الاستنارة ليرى أن الثقافة الأوروبية التي كانت منتشرة في كل من سوريا ولبنان وحتى العراق هي ثقافة الفرنسيين قبل وصول الإنجليز.. لو تمعن هيكل تاريخيا في النخب السياسية والمثقفة الإصلاحية في الدولة العثمانية طوال القرن التاسع عشر.. لوجدها كانت تستقي مصادرها من الفرنسيين، صحيح أن تأثير حملة بونابرت على مصر كان قويا ، ودومًا ما استخدم اسم بونابرت بالنسبة للحملة، وليس نابليون .. ذلكم أن لقب نابليون قد استخدم بعد أن أصبح إمبراطورا لفرنسا .. فكان يعرف بمصر ببونابرته ، كما ورد ذلك عند المؤرخين المصريين .. وقد وجدت في مخطوطات عراقية أن المثقفين العراقيين سموه بـ ( برته بول ) . نعم ، لقد كان تأثير الحملة كبيرًا، ولكن منذ عهد السلطان سليم الثالث المتأثر بالثورة الفرنسية ومن توالى في مسئوليات الدولة من المصلحين ، إذ كانوا في اغلبهم متأثرين بالثقافة الفرنسية.. سواء كانوا نخبا تركية أم أرمينية أم عربية .. الخ ولا ننسى أيضا تأثير الثقافة الفرنسية الجديدة بالنخب العربية في كل من تونس والجزائر والمغرب بشكل خاص سواء قبل أزمة الاستعمار، أم من بعده .. وكم تمنيت على هيكل أن يقرأ تاريخ الجبرتي ليرى حجم تأثير الفرنسيين على تفكير النخب وقت ذاك .. ويمتعنا هيكل بقصيدة للشاعر احمد شوقي وهو يتغزل بفرنسا، ويدافع عن شرف باريس التي كانوا يتهمونها بالدعارة .. إذ يورد هيكل ما قاله شوقي: زعموك دار مجانة وخلاعة
ودعارة يا بئس ما زعموك
إن كنت للشهوات ريا
فالعلا شهواتهن مرويات فيك ..
فعلا أمتعنا هيكل بالقصيدة التي يقول عنها بأنها هايلة .. ولكي يؤكد كيف أن الإليت ( يعني بذلك : النخبة ) هلكوا في باريس .. كيف ؟ يرجع ليورد قصة شخصية أيضا كاملة عن ذلك .. يقول: “لكن باريس بالنسبة لعدد كبير قوي وأنا يعني هلكنا بها مثلا صديقنا الأستاذ أحمد الصاوي محمد الصحفي الكبير اللي كان رئيس تحرير الأهرام في وقت من الأوقات ما بين الفترة اللي كان فيها أنطون باشا الجميل رئيس تحرير لغاية أنا ما رحت لرئاسة التحرير الأهرام كان كل حاجة عنده هي باريس فباريس خصوصا بقناة السويس وبدخول الفرنسيين في البنوك وفي صندوق الدين إلي آخره فرنسا تعتقد ومصر تعتقد في élite في نخبة في مصر فرنسية الهوى كثير قوي كانت خصوصا بين المثقفين والمفكرين.. ” ( نص هيكل ) .
كنت أتمنى على هيكل اختيار مصطلح ” النخبة ” بالعربية ، بدل استخدامه مصطلح ” الاليت ” ، فالناس في عمومهم لا تعرف ما الذي يقصد بـ ” الاليت ” .. ولا ادري لماذا يصطنع الرجل باستخدامه هكذا كلمات ، إذ أن من السهل عليه استخدام البديل بالعربية .
جان فرانسوا شامبليون 1790 – 1832
لم يكن التأثير قد نتج عن الحملة وعن بونابرت، بقدر ما كان للثورة الفرنسية من تأثير تاريخي كبير في العالم كله، خصوصا أن المبادئ التي دعت إليها في الحرية والعدالة والمساواة قد كانت السبب الأساسي الذي أثر في النخب الأوروبية أولا بديلاً عن قيم راسخة وقديمة كانت تنساق إليها كل المجتمعات متمثلة بالحكم المطلق والكنيسة والإقطاع .. جاء تأثير الثورة الفرنسية ليدق أبواب التفكير لدي النخب السياسية والفكرية التركية والعربية والإيرانية في منطقتنا.. فضلا عن تأثير بلورة القوميات الأوروبية للخروج من أطر قديمة كانت تهيمن عليها المنصوصات الدينية في الحكم .. صحيح أن مصر كانت سباقة للتأثر بفرنسا بفعل سياسة محمد علي باشا ومن توالي علي حكم مصر، ولكن الإعجاب المصري من قبل النخب لم يكن في الميدان لوحده أبدًا.
حجر رشيد
هؤلاء الناس الذين تتحدث عنهم في فرنسا، هم قلة يتألف منهم بعض الآثاريين والمبشرين والمستشرقين.. ولم يكن الناس في فرنسا هم من مصريي الهوى .. بدليل عنايتهم ليس بالآثار المصرية فقط، بل بالآثار التي اكتشفوها في العراق وإيران وبلاد الشام.. وكنت أتمنى عليك أن توضح للمشاهدين العرب من هو شامبليون بدل أن تذكره يتيما من أي معلومات والناس لا تعرف من يكون.. وهذه ليست المرة الأولى ، فثمة شخصيات وأسماء مهما كانت درجتها من الشهرة في فرنسا أو الغرب، فإن المشاهد العربي العادي أو حتى المختص لا يعرف من هي .. كان عليك القول إن جان فرانسوا شامبليون 1790 – 1832 هو عالم فرنسي مات شابًا بعد أن اكتشف حجر رشيد الذي نقش عليه ” نص ” بلغتين وثلاث كتابات: مصرية قديمة مكتوبة بالهيروغليفية= المقدسة واليموتقية وهي الكتابة الشعبية، والكتابة اليونانية بالأبجدية الإغريقية.. ومن خلال المقارنة فان الرجل فك طلاسم الكتابة الهيروغليفية . وشامبليون أستاذ كرسي الآثار المصرية في الكوليج دي فرانس ووضع معجمًا في اللغة القبطية.
الثقافة شيء والسياسة شيء آخر
يتابع هيكل قائلا: ” الحقيقة يعني فالعلاقات بين فرنسا وبين مصر علاقات لها جزر كبيرة قوي أو عميقة قوي كانت ولا تزال فيما أظن نائمة تحت السطح لأنه ما يدخل الثقافة لا يخرج منها بسهولة يعني الجذور الثقافية باستمرار الموجودة في الأعماق بتعبر عن نفسها بطرق مختلفة.. ” ( نص هيكل ) . هذا كلام صحيح يا هيكل، ولكن لا دخل له عند صناع القرار سواء في دول كبري أو صغري .. فالثقافة شئ والسياسة شيء آخر، وانت تعلم ذلك جيدا من خلال تجاربك في القرن العشرين.. فثمة يهود شرقيون عرب من مصر والعراق، نجد عواطفهم وثقافتهم حتى لغة التخاطب بينهم عربية، كون لهم امتدادات تاريخية وثقافية واجتماعية مع أوطانهم الأم، ولكن هذا لا يمنع إسرائيل أبدًا من تنفيذ أي سياسات تريدها ضد مصر أو العراق مثلا .. وهكذا بالنسبة للأتراك أو الإيرانيين أو غيرهم من الذين لهم ثقافات وموروثات ثقافية راسخة ومشتركة مع العرب، ولكن الأمر يختلف في التعامل بين الدول سواء كان في تواريخ العصور الوسطي أم في تضاعيف العصر الحديث . إن الجذور الثقافية مهما كانت عميقة لا يمكنها أن تقف عائقا أمام المصالح الإقليمية أو الدولية وبأي شكل من الأشكال .
يقول هيكل: ” لكنه فرنسا في تلك الفترة حصل لها حاجة غريبة قوي حصل أنه النخبة المصرية سواء اللي نسميها علي سبيل المجاز الطبقة القديمة أو الارستقراطية القديمة يعني هي كلها جديدة مستجدة كلها لكن كلها كانت فرنسية .. ” ( نص هيكل ) .
دعوني أرد على هيكل قائلا: إن الإعجاب بمناخ الثقافة الفرنسية لم يقتصر علي الطبقة القديمة أو الارستقراطية القديمة التي سماها هيكل النخبة المصرية يقول ” على سبيل المجاز ” كما يؤكد ذلك .. ولكنني أرى أن النخبة المصرية هي ليست الطبقة الارستقراطية في المجتمع، فالأخيرة تجمع كل الأمراء من أبناء البيت الحاكم والباشاوات والأعيان والبهوات أو: البكوات من أصحاب رءوس الأموال وملاكي الأراضي، أو كما سميت بعد 23 يوليو 1952 بطبقة الإقطاع ! هذه لم تكن ممثلة للنخبة المصرية.. صحيح أن الارستقراطية المصرية كانت منبهرة بالفرنسيين، ولكن كل تقاليدها وعاداتها وأصولها وآداب مجالسها تمتد إلى الثقافة ـ العثمانية التركية.. وهذا ما نشهده من أمثلة في كل من العراق وبلاد الشام.. في حين أن النخبة المصرية تمثل طبقة جديدة في المجتمع بدأت مع رفاعة رافع الطهطاوي وكل المبعوثين المصريين العائدين إلى مصر وهم يحملون ثقافة فرنسية جديدة وامتدت منذ عهد الخديو إسماعيل وعلى كل امتداد النصف الثاني من القرن التاسع عشر، مرورًا بجيل الاستنارة الفكرية الذي شهد حراكًا ثقافيا رائعًا سواء علي مستوى ترجمات أحمد لطفي السيد للفلسفات القديمة، أو حركة السيد جمال الدين الأفغاني والتي مرت بباريس نفسها، رفقة الشيخ محمد عبده ، ومرورا بكل دفعات الخريجين المختصين من مهندسين ومساحّين ومعلمين وفنانين ووصولاً إلى أدبيات طه حسين ونقداته .. أن الثقافة الفرنسية في مصر حملها أبناء النخبة المثقفة وليس أبناء الارستقراطية المصرية.
الرجاء لا تستعرض ذاتك مع كوف دمروفيل
يتابع هيكل قائلا: “وفرنسا تعتقد أنه عندها حقوق في مصر لكنه حصل انقطاع.. ” هنا، هيكل يقصد بالانقطاع ما حدث يوم 23 يوليو 1952 . ولكن أتساءل: من قال إن فرنسا عندها مثل هذا الاعتقاد ؟ عندها حقوق في مصر؟ أي حقوق هذه بعد مضي أكثر من 150 سنة على حملة بونابرت .. أي حقوق ؟ ما نوع تلك الحقوق ؟ هذا كلام كبير يا هيكل .. كنت أتمنى أن تردف به أمثلة وشواهد تاريخية سياسية أصلا! لقد مضى قرن ونصف القرن من الزمان، ومرت بمصر متغيرات هائلة وكبيرة، خصوصا على أيام الاحتلال البريطاني الذي دام طويلاً، وبالذات عندما غدت مصر إحدى أهم ركائز بريطانيا في الشرق، أي تماثل الهند في مكانتها ، وتغدو لها مدرستها إزاء المدرسة الهندية.. إن كنت تقصد قناة السويس التي لم يعد لفرنسا فيها أي ثقل يوازي ثقل بريطانيا! ما حقوق فرنسا التي تعتقدها في مصر؟
دعونا من هذا كله، ذلك أن هيكل كتب ذلك مقدمة لما سيرويه من قصة جديدة عن صديق جديد له، وهو أيضا مهم جدًا وفيه مزايا هايلة، وسيصبح واحدا من أعز أصدقائه، ليحكي له الأسرار والنوادر، ويصاحبه ليل نهار ويلعب معه .. نقرأ ما يقوله هيكل الذي يدخل للمرة الألف نفسه وشخصه في موضوع عام جدًا، يقول: ” بقي وهنا اللي باتكلم عليه غريب قوي أنه لما جاءت 23 يوليو في ذلك الوقت السفير الفرنسي كان كوف دمروفيل.. كوف دمروفيل فيما بعد أصبح رئيس وزراء فرنسا وهو رجل أنا باعتقد أنه في مزايا هائلة لأن أنا عرفته وقتها وقت ما كان سفير لكن عرفته أكثر جدا فيما خصوصا لما قعدنا مع بعض تقريبا أسبوع بالكامل بحاله في.. في كرا في ملعب جولف شهير قوي في سويسرا وبنتقابل كل يوم وبنلعب سوا وسمعت منه كثير جدا علي تلك الفترة..” ( نص هيكل) .
قبل أن نكمل ما قاله هذا الشخص الفرنسي صاحب المزايا الهايلة إلى ( صديقه ) هيكل.. نسأل السيد هيكل: ما تعريفك للصداقة؟ وهل تدرك أن الغربيين عمومًا لا يمكن أن يصادقوا أحدًا، إلا بعد أن يعرفوه شخصيا، ويكسب ثقتهم ! ربما يلتقي شخص مثل هيكل مع سفير أو رئيس وفد بحكم عمله أو منصبه أو مرافقته الرسمية له .. أما أن يغدو السفير صديقا لهيكل ومتى ؟ بعد 23 يوليو، فهذا أمر مشكوك فيه تماما ! بل الأكثر من هذا.. إنه عرفه أكثر وكوف دمروفيل رئيسًا لوزراء فرنسا.. وقضيا معًا أسبوعًا كاملاً في سويسرا.. أسبوع بحاله يتقابلوا كل يوم ويلعبوا الجولف! يا سلام. المهم، نحن نبقي نستمع لما سيكون وراء هذه القصة التي أتعجب من رجل كيف ينسجها بمنتهى السهولة.. وبمنتهي الجدية من دون أن يدرك ولو للحظة واحدة أنه فاقد السيطرة على سيكولوجيته التي عوّدها على هذا الأسلوب منذ صغره ـ كما اعتقد ـ ! وحتى لو افترضنا صحة ما يقوله من دون أي قرائن ولا أي حيثيات ولا أي أمثلة وشواهد.. فما الذي يريد أن يصل هنا بالناس ؟ طيب، عرفنا أن كوف دمروفيل شخص هايل، ويلعب جولف معك .. ولا شغل عنده ولا مشغلة وهو يجالسك أسبوعًا بحاله في سويسرا .. ما نفع ذلك لملايين الناس ؟ أجيبوني يا ناس .. هنا، الأمر لا يقبله أبدًا صاحب أي دماغ ناشف، ولا يفوته أو يعبّره أي إنسان أو مواطن عربي مهما كان بسيطا ودماغه غير ناشف.
دراسة التاريخ ليس لعبة جولف !
نكمل القصة مع هيكل لنرى ما السر الخطير الذي قاله له رئيس الوزراء الفرنسي صاحب المزايا الهايلة، يقول هيكل: ” لكن كوف دمروفيل حصل حاجة جاء في نهاية العصر الملكي وهو يعرف أو يتصور أنه يعرف كفاية قوي عن مصر لكن فوجئ بشيء غريب جدا حصل في مصر وهو اللي حصل في 23 يوليو ثم وجد بعده أنه تائه في المسرح المصري لا يستطيع لا يغطيه ولا يتكلم عنه ولا يحكي عنه ولا يصل إلي الناس اللي يؤثروا فيه لأنه ببساطة هذا الانتقال اللي حصل في 23 يوليو أزاح طبقة بحالها فرنسا كانت تعرفها وجاب ناس مختلفين خالص من حيث انهم أولا طبقيا مش هم اللي بيعرفوهم قديم، ثانيا هؤلاء ناس كلهم تقريبا معلوماتهم أو تعليمهم العسكري علي يد بعثات إنجليزية ثالثا ما يعرفوش فرنسي خالص ورابعا معلوماتهم عن الثقافة الفرنسية أو الحياة الفرنسية أو التأثير الفرنسي في مصر هو حملة نابليون وهم يتصورا أنها كانت حملة عسكرية يعني كده أيوه فاهمين أنها جابت آثار ثقافية مهمة لكن إدراكهم لفرنسا شوية ملتبس..” ( نص هيكل ) .
أسألكم بالله، هل هذه معلومات وأسرار تاريخية؟ هل كل هذه القصة والجولف والمزايا الهايلة وصحبة أسبوع بحاله في سويسرا.. من أجل أن نقول إن ضباط 23 يوليو لا يعرفون الفرنسية وأن كوف دمروفيل تائه في المسرح المصري .. وعاجز عن تغطيته ! كلّ ما في الأمر طبقة حاكمة ذهبت كانت تعرف الفرنسية وطبقة عسكرية جاءت لا تعرف الفرنسية ! وهل فرنسا أو غير فرنسا تشتغل طبقيا مع دول العالم يا هيكل؟ وهل كان الضباط الأحرار حتى إن كانت معلوماتهم العسكرية على أيدي بعثات إنجليزية .. هل كانوا يجيدون الإنجليزية وسهل أمر السفير البريطاني حتى يصعب أمر السفير الفرنسي؟ ماذا يفعل المترجمون الرسميون في وزارات الخارجية في العالم ؟ كنت أعتقد أن وراء المزايا الهايلة واللعب معًا في سويسرا معلومات نادرة وثمينة عن مصر من رئيس وزراء فرنسي ترك كل أعماله ليصاحب هيكل في سويسرا ؟ كنت أتمنى أن ينقل لنا الأستاذ هيكل أسرارًا مهمة عن فرنسا إزاء جمال عبد الناصر وسياسته ضد فرنسا في الجزائر .. ولكن إذا افترضنا أن كلام الرجل لا لبس فيه، فهل يعقل أن يصاحب السفير الفرنسي صحفيا شابًا لم يصل عمره الثلاثين بعد؟ وإذا كان الرجل قد صدق كلامه وقضى أسبوعًا كاملاً بصحبة رئيس وزراء فرنسا، فما المعلومات المهمة التي حصل عليها هيكل منه، ولم ينشرها ؟ أين صورته معه ؟ لماذا لم يقدم تعريفا واحدا له ؟ لماذا لم يمنح الناس فرصة انطباعاته عنه ؟
وأخيرا: ما كل ما يتمني المرء يدركه
إن الإنسان لا يمكن أن يكون بلا أخطاء .. ولكن من الصعب أن أتخيل الإنسان وهو قد نبّه مرات ومرات إلى ما فيه من خلل، ولم يحاول إصلاح أخطائه.. من دون أن يذكرك هذا أو يعلمك ذاك.. وخصوصا الإنسان الذي له تجاربه وخبراته في الحياة .. فهل باستطاعة هيكل أن يأخذ بذلك ؟ إنني اشك في ذلك!
نشرت على جريدة روز اليوسف المصرية ، العدد 1383 – الأربعاء – 13 يناير 2010
، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com
وأيضا على صفحة تجمع الدكتور سيار الجميل
http://www.facebook.com/group.php?sid=
ef680591def239dac31065b4f16482c3&gid=48810538237
ملاحظة : لا يسمح بإعادة النشر تحريريا أو الكترونيا ، إلا بترخيص خطي من المؤلف والناشر
موريس كوف دو ميرفل
الحلقة 26
هيكـل صداقـات وخناقـات!
نتوقف الآن مع حكايات طريفة .. وأبدأ بتقديم نبذة مختزلة عن موريس كوف دو ميرفل والذي سنرى كتابة هيكل عنه .. وما الذي يجعل هيكل يقوم بنسج الأخبار والروايات على لسان غيره .. ويدّعي صداقته له من دون ان يطلعنا على حتى صورته معه .. فمن هو موريس كوف دو ميرفل ؟
وقفة عند موريس كوف دو ميرفيل
أحد أقطاب السياسة والدبلوماسية من الفرنسيين في القرن العشرين ، ولد في 24 يناير 1907 وتوفي في 24 ديسمبر 1999 . درس في فرنسا ، وانضم إلى دوائر الدولة المالية منذ العام 1930 ، وفي عام 1940 أصبح مدير الشؤون المالية الخارجية لنظام فيشي ! ففي مارس 1943 ، كان واحدا من عدد قليل من كبار المسئولين الذين انضّموا إلى حكومة فيشي الفرنسية الحرة. غادر إلى الجزائر ، عبر اسبانيا ، حيث التحق بالجنرال هنري جيرو. في 7يونيو 1943 ، عين في منصب مفوض الشؤون المالية في اللجنة الفرنسية للتحرير الوطني (CFLN). وبعد بضعة أشهر ، انضم الجنرال شارل ديغول. وأصبح عضوا في الحكومة المؤقتة للجمهورية الفرنسية (GPRF) في فبراير 1945 . ولقد شغل عدة مناصب بعد الحرب .. ومنها منصب السفير الفرنسي في القاهرة (1950ـ 1954) ، ومندوبا في حلف شمال الأطلسي (1954) ، وسفيرا في واشنطن (1955 ـ 1956) وبون (1956ـ 1958). وعينه الجنرال ديغول بمنصب وزير خارجية بعد عودته إلى السلطة عام 1958 ، وهو المنصب الذي احتفظ به لمدة عشر سنوات حتى التعديل الذي جاء في أعقاب أحداث أيار / مايو عام 1968 ، فضلا عن توليه وزارة الاقتصاد والمالية ، وأصبح رئيس الوزراء الانتقالي 1968- 1969، ليحل محل جورج بومبيدو. في السنة التالية خلفه جاك شابان دلماس. عضو مجلس الشيوخ من باريس : 1986-1995
خناقة هيكل مع صديقه السفير
نتابع ما يقوله هيكل : “إن فرنسا في ذلك الوقت أيضا كمان مش بس نظرتها لصلتها بمصر أو خط الصلات بمصر انقطع وجاءت نخبة ثانية علي ذروة القوي لكنه فرنسا الجمهورية الرابعة في ذلك الوقت أيضا كانت في حالة تأزم شديد جدا مع نفسها.. السفير الفرنسي في ذلك الوقت وهو كوف دمروفيل مع الأسف الشديد هو لما كان موجود في مصر، أنا تقريبا اتخانقت معه لأن هو كان بيكتب تقارير يبدو فيها عدم فهمه وبعضها يصلنا فأنا كوف دمروفيل في الأول وهو موجود في مصر وهو سفير في مصر أنا هاجمته في مقالة في آخر ساعة وعنوانها سفير فرنسا الذي فشل.. ولماذا فشل وبعدين تكلمت عنه وتكلمت عنه موضوعيا لكن قلت إن هو ما كانش مهيأ.. الرجل ده ما كانش مهيأ إطلاقا يفهم مصر لأن هو تقاريره كما كانت تصل إليها أصداءها إحنا طبعا ما نعرفش أي سفير بيكتب إيه.. ” ( نص هيكل ) .
أي صلات؟ أي علاقات؟ وأي خط انقطع؟ ولماذا تخانقت مع السفير الفرنسي؟ الله! اتخانقت مع سفير فرنسا؟ طيب إذا كان هو يكتب تقارير يبدو فيها عديم الفهم.. كيف عرفت ذلك؟ تقول بعضه يصلنا! الله! يصلك من أين؟ طيب ما علاقة ذلك بمهاجمتك له صحفيا؟ كنت أتمني أن تعرض علينا المقال الذي هاجمت فيه سفير فرنسا؟ ومتى نشرت ذلك؟ وأين؟ وحتى إن كنت قد نشرت شيئا من هذا القبيل في »آخر ساعة« أو غيرها.. أو انك كتبت مقالا من نوع (بصراحة) عن العلاقات الفرنسية المصرية، فهل تعتبر ذلك انك تخانقت مع السفير كوف دمروفيل الذي كنت أو صرت فيما بعد صديقا له؟ المهم أتمنى أن تجيبني عن السؤال : كيف كانت تقارير سفير فرنسا تصل إلي يديك؟ أم أنها هفوة كلام وعبرّتها علينا؟ سفير فرنسا يفشل في مهمته لأن الأستاذ هيكل تخانق معه! أو انه غير مهيأ ليفهم مصر! يا سلام.. وتختتم الفقرة بجملة غامضة، فما معني ان تقاريره كانت تصل إليها أصداؤها.. تقصد إلينا وتقول بأنكم لم تعرفوا أي سفير ماذا يكتب ايه! والله حيرتنا يا أستاذ هيكل.. قبل قليل تقول انك اطلعت علي تقاريره والآن تقول انكم لم تعرفوا ما الذي يكتبه السفير الي بلاده! دعوني ارجع الي العقل قليلا لأسأل: هل يعقل كل هذا الذي نسمعه ونقرؤه من الأستاذ هيكل؟
هيكل: هارب من المواجهة
إن هيكل مستعد دوما للتبرير وايجاد المسالك التي باستطاعته الهروب منها.. ولكن سنلاحقه لنرى كيف نقبض عليه.. يستطرد فيقول مبررًا الفلتة التي لم يحُكم صياغتها عن صديقه السفير:”لكن بنشوف التصرفات الموجودة في عاصمته ونشعر أنه علي الأقل جزء من المعلومات التي بنيت عليها هذه التصرفات التي نلمحها وبالتالي إحنا كنا حاسين إن فرنسا في ذلك الوقت مصر يعني حاسة السياسة المصرية حاسة إن فرنسا في ذلك الوقت ليست متفهمة.. ” ثم يأخذنا هيكل بعد هذا ” الاحساس” الي جملة أزقة كي يضيعنا فيها، ثم يشرد هاربا.. ادخلنا في حادثة دريفوس الفرنسية وهو ضابط يهودي فصل بعد اتهامه بالجاسوسية وحصلت له محاكمة، وقبل الحرب العالمية الثانية كان كل سياسي فرنسي يخاف اليهود كي لا يتهم بمعاداة السامية.. نتابع معه : ” لأن فرنسا كاثوليكية جدا والاعتقاد في الكاثوليكية هو انه هؤلاء صلبوا المسيح.. اليهود هؤلاء هم اللي قتلوا المسيح أو دسوا له أو خانوه إلى آخره ففي شعور في فرنسا بمعاداة السامية لكنه مضغوط تحت الضرورات السياسية بيتاه لما جاء وهتلر دخل باريس وفرنسا استسلمت بلا قيد ولا شرط المشاعر الفرنسية ظهرت إلي درجة أن حكومة بيتاه رحلت عدداً كبيراً من يهود فرنسا إلي محارق اليهود في الهولوكست في بولندا وفي أوروبا الشرقية وفي غيرها.. “الخ من هذا الكلام الذي يفتقد أي معني، بل يفتقد الصلة بما كان يتحدث عنه بعد 23 يوليو.. يذهب يحلق بعيدا مع كل الأخطاء.. ثم يعود هذه المرة الى الاليت المصري الذي انقطعت صلة فرنسا به.. إذا كان عليه ان يختزل كل هذا اللف والدوران ليقول إن فرنسا كانت علاقتها قوية باسرائيل اما الحاجة الثانية، هنا فيقول هيكل معلومة مهمة وهو لا يدري.. يقول : “الحاجة الثانية أنه في مصريين كثير قوي معادين لما جري في القاهرة وبالتالي فهم يقولوا كلام ثاني مختلف يزيد من شكوك فرنسا نحو اللي جاري.. “.
هنا يجعلنا هيكل نتوقف قليلاً : هناك مصريون كثير قوي معادون لما جري في 23 يوليو! بمعني ان 23 يوليو لم تكسب الا مصريين قليلاً قوي مناصرين لما جري في 23 يوليو. واعتقد ان هذا ليس بصحيح أبدًا، صحيح ان الطبقة الحاكمة والنخب المثقفة المصرية وحتي الطبقة الوسطي في المجتمع المصري فوجئوا بالاحداث التي اعتقدوا انها ستصحح المسار من دون إسقاط النظام الملكي، ولكن ما جري كان كافيا لكي تغدو مصر بيد الضباط الأحرار الذين ليس لهم أبدًا أي خبرات سياسية ولا أي إمكانات ثقافية او تخصصية عليا.. يقول هيكل: “إلي جانب أنه فرنسا انقطعت صلتها الـ(élite اللي في مصر كله تغير وبقي في (élite تاني أقرب للإنجليز من ناحية أنه قادر يتفاهم مع الإنجليز باللغة الإنجليزية ممكن وقادر ويتطلع للأمريكان”. دعني اقول شيئا : إذا كانت فرنسا قد انقطعت صلتها بالاليت المصري، فهل كل الاليت المصري قد تغير؟ هل كل أساتذة الحقوق المصريين خريجي السوربون قد تغيروا؟ هل كل الموظفين المصريين من الدبلوماسيين في وزارة الخارجية قد تغيروا؟ هل استطاع الضباط الأحرار أن يغّيروا طواقم الاليت المصري بهذه السرعة؟ ثم كيف بقي الاليت المصري الأقرب للانجليز؟ هل تقصد الضباط الأحرار انهم اليت مصري؟ وهل باستطاعتهم جميعا التفاهم مع الإنجليز باللغة الإنجليزية؟ هل وصل الاستخفاف بالنخب المثقفة والمتخصصة المصرية إلى الحد الذي يصبح الضباط الأحرار يتفاهمون مع الإنجليز بلغة الإنجليز؟ وهل كان إليت الضباط الأحرار يتطلع للأمريكان؟
صداقة بعد خناقة
يستطرد هيكل في الفقرة التالية ليحوّل الخناقة السابقة الي صداقة متينة مع كوف دمروفيل.. يقول : ” وأنا فاكر أنه في هذه الفترة كوف دمروفيل كان دائما في المرات اللي لقيته فيها يقول لي أنتم الأمريكان وزعلان قوي من الأميركان لهم نفوذ كثير لكن أهم من ده كله إن فرنسا نفسها كانت مأزومة فرنسا نفسها في ذلك الوقت عايشة في أوهام لا حدود لها أوهام فرنسا.. فرنسا عندها تصورات عن عظمة فرنسا اللي كان يعبر عنها جنرال ديغول بحاجة زي لاغرواد لفرنس وأنا سمعتها منه مباشرة مجد فرنسا مسألة مهمة جدا بالنسبة لساسة الفرنسيين في الجمهورية الفرنسية الرابعة بعد الحرب..” ( نص هيكل ) .
مرة أخرى.. الرجل بان هو فاكر إن السفير الفرنسي (طبعا الذي خانقه) كان يلتقي بهي لمرات يجده زعلان قوي! لماذا؟ يقول له: أنتم الامريكان؟ ما معني ذلك ان كان هيكل يروي الصدق؟ او انه فلتة لسان هي الأخري؟ ثم ان فرنسا عايشة أوهام؟ أي أوهام هذه؟ ومتى؟ علي أي جمهورية فرنسية يتكلم عن الثالثة او الرابعة؟ متى كانت فرنسا لا تعيش بلا ذاكرة تاريخية، وذاكرتها عظمتها.. معروفة هذه سواء عبر عنها ديغول أم غيره! وماذا سمعت منه أيضا؟ ومباشرة؟ سمع منه ان مجد فرنسا مسألة مهمة جدا بالنسبة لقادة فرنسا بعد الحرب! وهل هذا امر جديد علينا يا هيكل؟ وسواء قال ذلك لك مباشرة أم لم يقل.. فالأمر لا يستحق كل هذه المعزوفة! والله لا يستحق أبدًا.. ان ابسط قارئ لتاريخ فرنسا او أي زائر لفرنسا.. يدرك ان الفرنسيين يعتزون بأمجادهم.
هيكل يحتاج شرح علشان الخطة!
يأخذنا بعد ذلك هيكل الي الجمهورية الثالثة ويحكي عن ايامها ابان الحرب الثانية.. ويذهب بعيدا جدا عن الموضوع الذي بدأ فيه، وأخيرا يقول: “وأنا بأعتقد أن هذه المسألة تحتاج شرح علشان الخطة ( The Three Musketeers ( اللي إحنا واجهناها في صيف 1956 واللي ازدحمت دخلت في زحام الخطط المتربصة والجاهزة المنتظرة لعمل شيء ما في مصر “.
كل هذا اللف والدوران ، ثم يعتقد ان المسألة تحتاج شرح علشان الخطة.. طيب ما شرحت وخرجت عن الموضوع عدة مرات.. والتقيت وصادقت وتخانقت.. كل ما في الأمر انه يريد القول إن فرنسا كانت تحضّر منذ سنوات طويلة للحرب ضد مصر!
بالنسبة إلى انجلترا، يذكر هيكل أنتوني ايدن يريد القتل، وان الاميركان داخلون للخنق وان إسرائيل متربصة بعد صفقة سلاح وهي تريد ضربة وقائية.. يقول: “لكن الغريبة قوي إن هؤلاء كانوا الفرسان الثلاثة الموجودين علي الساحة فعلا لكن فجأة الأميركان بقوا بعاد شوية لكن فرنسا بدأت تدخل، فرنسا بدأت تدخل ليه فرنسا بدأت تدخل لمسألة متعلقة ده موضوع أنا ما كنتش فهمه الحقيقة يعني وظللت طويلا مش فاهمه لغاية ما أظن شرحه لي بطريقة كافية جنرال بوفري جنرال أندريه بوفري وهو كاتب لي هنا علي كتابه بيهدي لي كتاب له عن السويس وده حاجة غريبة هارجع لها تاني جنرال أندريه بوفري كان واحد من القواد الموجودين في الجزائر فهو عارف هو كان الرجل القائد الثاني في الجزائر ” ( نص هيكل ).
هل يعقل انك لم تفهم لماذا دخلت فرنسا في تحالف مع بريطانيا وإسرائيل؟ هل يعقل انك لا تعرف كم كانت اسرائيل تعتمد علي فرنسا حتي في سلاحها؟ وكم كانت علاقتها وثيقة سياسيا؟ لقد بقيت تحكي لنا طويلا عن علاقة الفرنسيين باسرائيل.. فهل يعقل انك بقيت لا تفهم موقف فرنسا؟ حتى شرحه لك بطريقة كافية جنرال اندريه بوفري علي ما تظن.. هل شرحه لك سي بوفري أم لم يشرحه لك؟ هذا كلام لا يحتكم للظنون الشخصية؟ وما الحاجة الغريبة؟ طيب ننتظر حتي ترجع لها مرة أخرى.
هيكل والصديق الجديد بوفري
الجنرال بوفري كان الرجل الثاني في الجزائر واصبح احد قادة عمليات 1956 ضد مصر.. هذا ما يقوله هيكل وان ضباط فرنسا في الجزائر ساهموا في تلك العمليات، ولكن نرجع الي جنرال بوفري.. يقول هيكل: “وغريب قوي ان يكتب لي الرجل مع صداقة كل الصداقة لأن إحنا فيما بعد أصبحنا بالفعل أصدقاء بيحكي لي جنرال بوفري وأنا هنا كانت غائبة عني لأن إحنا تقابلنا كثير قوي مرات كثير قوي هنا في أنا عزمته في مصر ورحت معه وكثير قوي شفته في باريس وأنا فاكر ان حتي جئت به هنا في وقت حرب أكتوبر وأخذته للرئيس السادات وأخذته إلي الجبهة لأنه لأسباب هاتكلم عليها فيما بعد..”.
الآن جاء دور بوفري ليصادقه هيكل وأي صداقة.. يكتب له مع صداقة كل الصداقة لأن هما بالفعل اصبحا صديقين.. معقول كل من يأتي لمصر في زيارة رسمية أنت تصادقه كل الصداقة؟ ويحكي لك أسرارًا، ويكتب لك رسائل؟ يحكي لهيكل ما كان قد غاب عنه بعد ان تقابلا كثيرًا قوي في مصر وباريس.. اصبحا صاحبين، وجاء به وقت حرب اكتوبر واخذه للسادات والجبهة.. طيب بأي صفة دعوته، دعوة شخصية أم دعوة رسمية؟ وهل يحق لك مهما كانت درجتك عند الرئيس السادات ان تدعو صديقك وهو عسكري فرنسي قديم الي مصر؟ وبأي صفة قابل السادات؟ وهل كان عنده منصب في فرنسا اثناء دعوتك له أم لم يكن له ذلك؟ وإذا كنتم صحاب قوي، فأين هو الآن؟ وما الكتاب الذي أهداك إياه عن السويس؟ فإذا كان قد منحك كل أسرار حرب 1956، فماذا كنت تظن إذن؟ وهل حكي لك عن أسرار حقيقية بالإمكان تنورنا بها.. أم اكتفي بالقول انه كان جنرالا في الجزائر؟ اتمنى أن تحكي لنا كل ما قاله لك صديقك الجديد بوفري..
أين الأسرار التاريخية؟
ان كل ما حكاه هيكل بعد ذلك ما كان قد قرأه عن الجزائر وأنها كانت البديل الفرنسي ومعلومات عامة يعرفها الناس.. ان العالم كله كان يعرف دور مصر في مساعدة الثورة الجزائرية، والعالم كله يعرف أن بن بيلا هرب من معتقله بفرنسا الي سويسرا ومن هناك وصل الي القاهرة والتقي الرئيس عبدالناصر.. والكل يعرف كم كان عبدالناصر مهمومًا بالثورة الجزائرية وفتح لجبهة التحرير الجزائرية مكتبًا لها بالقاهرة ومكاتب لها في العديد من العواصم العربية.. فهل فرنسا لا تعرف أبدًا دور مصر والبلدان العربية الأخري في الوقوف الي جانب الجزائريين حتي ننتظر صداقة الجنرال بوفري لهيكل كي يعلمه ان دور مصر في الجزائر كان ثمنه المشاركة في الهجوم علي مصر!
يتابع هيكل حديثه عن تونس والمغرب إذا حصلتا علي استقلالهما، ولكن الجزائر كانت فرنسا البديلة.. دعونا نستمع الي هيكل ماذا يقول مرة أخري: “وهنا أنا أظن إن بوفري كان واضح جدا معي وفي جلسات طويلة قوي حكي لي كثير قوي العسكريين الفرنسيين لم يعتبروا إن ثورة الجزائر هي حركة تحرير لكن اعتبروها عدوان علي فرنسا البديلة أو فرنسا الممتدة عبر البحر وإن هم مش قادرين يواجهها وبدؤوا يبقي في تفكير..”.
انه يظن مرة أخري ان بوفري كان بمنتهي الوضوح معه وانه جلس معه جلسات طويلة قوي وقال له مثل هذا الكلام الذي يبدو لي ان هيكل قد قرأه في مكان ما، وجاء ليقصه لنا علي لسانه وهو كلام تشوبه الظنون، كون هيكل كثير الظنون، فإذا أنت تتذكر كل هذا الكلام الذي قاله لك صديقك بوفري في جلسات طويلة.. إذن لماذا تظن؟ وإذا كنت تظن وغير متأكد، فلماذا تكتب بعد ذلك قولك:”وهنا جنرال بوفري كاتب وأنا سمعت منه كثير بعد كده هنا جنرال بوفري قائل إن كاتب أنه إن جنرال إليي رئيس أركان حرب قال له فكروا في خطة لحملة علي مصر لأنه الإنجليز هيطلعوا وفي فراغ موجود هيبقي موجود في مصر ومصر هتنطلق تساعد الثورة الجزائرية..” ( نص هيكل).
نشرت على جريدة روز اليوسف المصرية ،العدد 1399 – الاثنين – 1 فبراير 2010
، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com
وأيضا على صفحة تجمع الدكتور سيار الجميل
http://www.facebook.com/group.php?sid=
ef680591def239dac31065b4f16482c3&gid=48810538237
ملاحظة : لا يسمح بإعادة النشر تحريريا أو الكترونيا ، إلا بترخيص خطي من المؤلف والناشر