القصر الرئاسي في هايتي
ربما كان الحدث المرير مفاجأة للعالم باختفاء قرابة ربع مليون إنسان تحت الأرض فجأة ، ولكن المجتمع الهاييتي يعيش مأساة تاريخية واجتماعية منذ أزمان طويلة ، وربما كانت ظروفه هي الأقسى من بين مجموعة الجزر الكاريبية كلها .. وإذا كان العالم ، قد بدأ الآن يساعد هاييتي ، بعد إن كان قد قطع مساعداته عنها ، كون المساعدة الإنسانية الآن ، هي الخيار الوحيد الذي يمكن تقديمه لشعب منكوب ، فان الناس الذين ينتظرون المال والأدوية والملابس والإسعافات الأولية .. والأطفال الذين ينتظرون من يتبناهم في عموم العالم .. وحتى التعاطف الوجداني إن أتى من مشاهير وفنانين كبار ، لإقامة حفلات من اجل التبرع بأموالها لهاييتي .. ، فان ذلك سوف لن ينقذ الناس إن بقيت حالة البلاد تائهة بين لجج الأمواج ، وغير قادرة على تخّطي مصاعبها وتحدياتها وآلامها .. ولكن يجب أن لا تكون المأساة ذريعة لدفن شعب بكامله ، الأموات منهم والأحياء ..
إن على جمهورية هاييتي أن تنقذ نفسها بنفسها ، لتبدأ حياة جديدة أسوة بغيرها من جزر الكاريبي ، فهي ليست اقل من جمهورية الدومينيكان الملاصقة لها في جزيرة هيسبانيولا الساحرة جمالا وجاذبية والتي تعيش على السياحة الدولية .. كما ان الملايين من الهاييتيين الذين شردهم العصيان المسلح وسوء التدبيرات السياسية منذ عشرين سنة ، نحو الأميركتين الشمالية والجنوبية ، لهم القدرة على إنقاذ وطنهم الأم من المأساة التي تلم به منذ عهد طويل . صحيح إن المنطقة موبوءة بالأنشطة الزلزالية ، ولكن ينبغي تعلّم الدرس من مناطق ودول أخرى في العالم معرضة للزلازل يوميا ، لاحتواء تموجات الأرض .. إن الاستقرار لا يمكنه أن يبدأ ، إن لم يقض على الاضطرابات السياسية التي تعصف بالبلاد .
لقد دفع الشعب الهاييتي أثمانا باهظة على امتداد التاريخ الحديث ، نتيجة معاناته الطويلة مع الاستعمارين الاسباني والفرنسي حتى حصوله على الاستقلال . ويكاد يكون شعب هاييتي هو الوحيد في العالم الجديد ، الذي استطاع أن ينجح بثورته التي أسموها ” ثورة العبيد الهاييتيين ” ، ولكن الانقسامات الاجتماعية كانت قد رسخّت منذ الماضي ذلك أن 90- 95 % من الهاييتيين هم من أصول افريقية ، وكانوا قد فّروا من سطوة الأوربيين الذين جلبوهم عبيدا إلى العالم الجديد ، ففروا من الاضطهاد ، واستوطنوا هذه الجزر المعزولة ، ولكنهم تحملوا سطوة الاستعمار بشكل لا يصدق ، فكانوا أهل ثورة دائما من اجل الاستقلال أو الحكم الذاتي، وخصوصا بعد أن ضحوا بقرابة مئة ألف ضحية من اجل الحرية ، وبقوا في نضال دائب ضد سلسلة حكومات استبدادية ، جعلت الآلاف المؤلفة منهم تهرب وتتشرد في الأميركيتين ، وخصوصا بعد أن أصبحت تحت حماية الولايات المتحدة الأميركية بين عامي 1905 و1934 .
رينيه بريفال رئيس هايتي
نشرت في البيان الاماراتية ، 27 يناير 2010 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com