الحلقة -17-
“البصباص” وذاكرة مصـر!
الإمبراطورية العثمانية
يقول هيكل: “كتب التاريخ اللي درسنها يعني لكن أنا في هذه الفترة وكل فترات غيرها أفضل جداً الرجوع إلي الوثائق الأصلية لكي نتبين ماذا كان في ذهن المتصارعين والمخططين والقوي الإمبراطورية المتصارعة، والأمور تتكرر في بلادنا بشكل أو آخر حدث شيء من هذا النوع تقريباً في الشرق من شبه الجزيرة العربية حكومة الهند كانت بتلعب دور في منتهي الأهمية في الأوضاع اللي في شبه الجزيرة العربية والمتاخمة للخليج والمتاخمة للهند والقريبة من المطامع والمصالح الإمبراطورية المتصارع عليها في هذه المنطقة، فيما بعد جاء دور الأسرة الهاشمية، واقع الأمر أنه لو بصينا علي خريطة العالم بنشوف الدور اللي اتعمل في الصراع في المنطقة.. الزحف الإمبراطوري من البحر الأبيض ومن المحيط الهندي طيب نركن دي..” ( انتهى النص ) . ماذا أقول؟
وثائق أصلية ووثائق غير أصلية .. يا لسخرية البصبصة !
أسألك يا هيكل سؤالا محدداً: ما معني وثائق أصلية؟ وهل هناك وثائق أصلية ووثائق غير أصلية؟ ثم أين هي؟ تتكلم باسم الوثائق الأصلية مدعيا استخدامك لها، فأين هي؟ ما عددها؟ ما طبيعتها؟ من يحترز عليها؟ لا تقول بأنك تجمع وثائق وأنك من هواة جمع الوثائق الأصلية.. هذا كلام لا نصدقه أبدا! فالوثائق الرسمية لا يمتلكها أشخاص لا رسميين ولا عاديين، إنما هي تبقي محترزاً عليها في أرشيفات رسمية لدي دوائر أي دولة من الدول. ما معني انك تفضّل الرجوع إلي الوثائق؟ هل كنت قد قرأت كتاباً واحداً عن تاريخ محمد علي باشا حتى تفضّل الرجوع إلي الوثائق؟ وإذا كنت تخدع ـ بمثل هذا ـ الناس، فهل ستنجح في خداعنا نحن؟
وتتكلم عن حكومة الهند ولعبها دوراً في أوضاع الجزيرة العربية ولا نعرف الوثائق التي اعتمدت عليها أبداً، لأنك لم تعتمد علي أي وثائق حقيقية، من المحتمل أنك قد سمعت ببعض الكتابات وببعض الرسائل وببعض الأوراق الشخصية.. لكي تسميها لنا وثائق وتخدع بها كل القراء والأجيال. لقد وضعت بعض الأفكار المسبّقة التي تريد ترويجها من خلال ادعائك أن ثمة وثائق خدمتك.. وحكومة الهند ما علاقتها بما حدث في أعماق الجزيرة العربية إبان نشوء الدولة السعودية الأولي؟ سننتظر منك اي توثيق رسمي تعلنه علي الملأ يقول بما تدعيه علي الآخرين زورا وبهتانا.. وسواء أنت (بصيت) أو لم (تبصّ) أو حتى (تبصبص)، فهذا ليس شغلك أو عملك.. إنه عمل المختصين والمؤرخين وما أكثرهم الذين لهم القدرة علي فحص الوثائق وقراءتها واستكشاف معلوماتها. دعوني هنا أتوقف قليلاً عند ذاكرة مصر المتمثلة بوثائقها التاريخية التي دعوت في كتابي قبل عشر سنوات بأن تقوم الحكومة المصرية بالاستحواذ علي كل ممتلكاتها الرسمية وأوراقها التاريخية، خصوصا أنها تمتلك أرشيفاً ممثلاً بدائرة الوثائق القومية.. ثم أعدت ندائي من جديد عام 2008. كيف تم ذلك؟ وما تداعياته؟
الوثائق التاريخية: ذاكرة مصر
لقد قلت في حوار أجرته معي مجلة المجلة اللندنية العدد المؤرخ في 27 سبتمبر 2007، ما يلي مستنداً في ذلك علي ما كنت قد نشرته في كتابي “تفكيك هيكل” حول الوثائق التي يعلن هيكل أنه يمتلكها من دون أن يدري أنه بذلك يرتكب خطأ كبيراً، ذلك أن الوثائق مهما كان حجمها أو أهميتها فإن الدولة هي التي تحترز عليها لا الأفراد ـ كما أوضحت ذلك في نقداتي المريرة له في تفكيك هيكل ـ ويبدو أن الإنسان يبقي ساذجا مهما بلغ من الشهرة إن لم يكن قد تعلم أسس التعامل مع الأوراق الرسمية.. قلت حول هيكل وأنا أجيب عن تساؤل الدكتور مهند مبيضين يقول: من المعروف عن الدكتور سيار الجميل تصديه للنقد التاريخي وإثارته للسجالات الفكرية، ومن ذلك كتابكم “تفكيك هيكل”، فلماذا كان اختياركم لهيكل وكيف كانت التجربة النقدية له، وما مدي الثقة برواياته؟
أجبت قائلا: “إنه يدّعي أن ما يكتبه يعتمد اعتمادا أساسياً علي الوثائق، وهذه كذبة خطيرة أخري، فمن خلال خبرتنا في وثائق التاريخ الحديث والمعاصر ومعاينتنا لما اعتمده من وثائق نقول إن الرجل كان قد احتفظ لنفسه بأوراق خطيرة من خلال اشتراكه مع بعض الوفود – وكان عليه أن يسلّمها إلي دار الوثائق المصرية، فليس من حق أي إنسان الاحتفاظ بوثائق سياسية- وهو يصورها ليقول أن عمله وثائقي، علما بأنه لا يشير إلي أي أرقام ولا أي احترازات وثائقية، فكتاباته غير موثّقة أبداً بالشكل العلمي، أو وجدناه مؤخرا علي شاشة التليفزيون في قناة الجزيرة الفضائية ونتيجة نقدنا له وتفكيكنا لأوصال كتاباته يمسك ببعض الوثائق التي حضرها له بعض موظفيه في مكتبه ليقول للناس هاكم عملي الوثائقي. إن من يعمل في مكتبه يستل بعض البحوث الوثائقية ويترجمها له ليقول بأنها معلومات عن وثائق! ولا أدري هل اللعبة منه أو ممن يخدعه!
إنه تطفّل علي ميدان التاريخ الحديث والمعاصر، وهو صحفي لا يعرف آليات المناهج التاريخية ولم يقرأ فلسفة التاريخ. وبالرغم من تصريحاته بأنه صحفي لا بمؤرخ، ولكنه أقحم نفسه في ميدان هو بعيد عنه كل البعد، بل أطلق أحكاما لا تاريخية علي مراحل وعلي زعماء وعلي أوضاع لم يفهمها أبداً، كما أساء إلي مجتمعاتنا، فأساء إلي العراقيين والأردنيين والسودانيين والسعوديين والكويتيين والسوريين والفلسطينيين والمغاربة والأتراك والإيرانيين. وقبلهم كلهم أساء إلي المصريين أنفسهم من دون أي شعور بالذنب، ولم يكن ذلك بلائق أبداً. كان عليه قبل أن يتكلم في التاريخ الحديث لمصر أو للعرب أو للشرق الأوسط برمته أن يكون قد أكمل الشهادة الثانوية، فهو بلا أي شهادة ثانوية، وأيضا كان عليه أن يدرس التاريخ في واحد من أقسامه، ثم يكمل دراساته العليا كي يتأهل لكتابة التاريخ، وإلا فهو يعرض نفسه للتفكيك والتشريح.. إضافة إلي ذلك، فهو يتجاهل ذكر أي مؤرخ مصري أو عربي في كتاباته، ولن يمجّد إلا بعض الكتاب من الغربيين، فلديه عقدة خواجة قاتلة، والأكثر من ذلك أنه يجعلهم كلهم أصدقائه وقد أكل معهم الخبز والملح!!”.
دار الوثائق القومية
بعد مضي عدة أشهر، قرأت في مجلة “النهار” تقريراً كتبه حسام عبد البصير بتاريخ 26 نوفمبر 2008 جاء فيه أن جدلاً مثيراً يجري في القاهرة بسبب إصرار الحكومة المصرية علي مصادرة الوثائق التي يمتلكها الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل لضمها لدار الوثائق القومية. وتابع يقول إن بعض المصادر تشير إلي أن عدد تلك الوثائق يقدر بالآلاف وتؤرخ للعديد من المناسبات والأحداث المهمة سواء بالنسبة لمصر أو للمنطقة العربية. وقد قامت أخيراً إحدى اللجان التابعة لدار الوثائق القومية بمخاطبة مكتب هيكل من أجل محاولة معرفة عدد الوثائق التي بحوزته ودعته لسرعة إرسالها طواعية لدار الوثائق القومية. ورأي البعض أنها أمانة لابد من استردادها، ولكن لماذا بعد كل تلك الأعوام؟ لقد وجدت أن الحكومة المصرية قد استجابت لندائي حول احترازها رسمياً علي أي وثيقة تخصها، فهي ملك للأجيال، وليس ملكا لشخص معين يتصرّف بها علي هواه! إن قرار الحكومة المصرية لم يكن انتقامياً، فمن مهمة كل حكومة أن تكون مسئولة مسئولية كاملة عن أوراقها وأضابيرها ووثائقها، كما هو حال كل الدول، وإذا كان بعض المدافعين عن هيكل قد ذكر بأن هيكل قد نجح في الاحتفاظ بها طيلة حقب زمنية طويلة ولو كانت بيد الحكومة لضاعت جميعها ـ حسب زعمه ـ حيث كانت ستهرب للخارج وربما تم بيعها في المزادات في المملكة المتحدة أو فرنسا كما يحدث مع الآثار المصرية. وهذا تبرير غبي فالوثائق هي غير الآثار.. وأن مستقبلها سيكون مرتهناً بحياة صاحبها، فمتى ما رحل، تبعثرت وذهبت إذ إنها في عهدة شخصية وليس في عهدة رسمية.. ولا أدري لماذا تأخر صدور قانون للوثائق ليس في مصر فحسب، بل لم نجده حتى يومنا هذا في بلدان أخرى!؟
قانون الوثائق الجديد
وعليه، فإن قانون الوثائق الجديد بمصر لا يسمح للمواطنين باقتناء الوثائق ويجرم امتلاكها ويفرض غرامة مالية علي من يخفي أي وثيقة ويرفض تسليمها للسلطات. وكانت إحدي اللجان الخاصة قد بدأت في جرد الوثائق الخاصة بالتاريخ المصري المعاصر، وبالأخص إبان عهد الرئيس جمال عبدالناصر من أجل العمل علي معرفة ما ضاع منها وما هو لدي هيكل من أجل التحفظ عليه. وكان د.عبدالواحد النبوي، وهو أمين لجنة مشروع قانون الوثائق الجديد قد أكد أن الجهات المسئولة اكتشفت ضياع جميع الوثائق الخاصة بالثورة بالإضافة لفترات مهمة من تاريخ مصر. وذكر الرجل أن مسئولين في لجنة مشروع “قانون الوثائق الجديد” قد بدأوا التفاوض فعلاً مع الكاتب محمد حسنين هيكل، من أجل إقناعه بإعادة تلك الوثائق”. وتابع يخبرنا بأمر خطير جداً قائلا: “إن دار الوثائق القومية كشفت عن عدم وجود أي مستندات عن ثورة يوليو، كما تعرضت جميع الوثائق الخاصة بالانتخابات البرلمانية منذ بداية القرن العشرين للضياع. من جانب آخر قرأت ما أكده الأستاذ مجدي الدقاق رئيس تحرير كتاب الهلال، قائلا إنه من المهم للغاية مصادرة جميع الوثائق التي بحوزة الأشخاص مهما كان حجمهم ونفوذهم وذلك من أجل إعادة إعمار دار الوثائق القومية التي تعد بحق ذاكرة الأمة. ويذكر أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كان يوجد في مكتبه ثمانية مجلدات كبيرة تضم وثائق مهمة عن التاريخ المصري؛ لكنها وفق بعض المصادر اختفت. وهنا أقول متسائلا: كيف اختفت؟ من أخفاها؟ من يمتلكها اليوم؟ وإذا كانت موجودة في مكتب الرئيس عبد الناصر، فمن كان مسئولا عنها؟ انه يحق لرئيس أي دولة أن يطّلع علي وثائق الأمة، ولكن لا يحق له أن يستحوذ عليها أو يحرقها أو يتلفها.. فكيف ذهبت تلك الوثائق؟ ومن استحوذ علي تلك المستندات التاريخية بطريقة غير مشروعة أبداً؟
الوثائق أغلى ما تمتلك الأمة
إن “الوثائق” هي أغلى ما تمتلكه الأمة.. وقد قرأت بعض الآراء التي تدافع عن بقائها في جعبة هيكل بدل أن يقذف بها في دواليب متهالكة كي تضيع ويصيبها التدمير.. هذا “البعض” يبدو أنه لا تهمه الوثائق بقدر ما يهمه هيكل.. وإلا كيف نفسّر هذه الدفاعات عن رجل يختصر ذاكرة مصر بشخصه؟ هل وجدنا مثل هذا لدي أي أمة؟ وهل وقف مسئول سابق في أي دولة من الدول، وقال إنني أستحوذ علي وثائق البلاد؟ إن مجرد ذكر ذلك يعد جناية كبري يحاكم عليها بموجب القانون. ولا أدري كيف يستهين البعض بالحكومة من أن تحترز علي أرشيف البلاد كاملا.. ونحن نعلم أن هناك في مصر دائرة رسمية للوثائق القومية كانت قد تأسست منذ زمن طويل.. واستخدمت وثائقها من قبل المؤرخين والباحثين في القرن العشرين. إن من الغريب تصريح أحد أساتذة القانون الدولي أن هيكل هو خير أمين علي تلك الوثائق وينبغي أن تظل بحوزته حتى لا تتعرض للسطو أو يتم تهريبها كما حدث مع العديد من الوثائق. والواجب في أي رجل أكاديمي أن يطالب الدولة برعاية الأرشيف الوطني والاحتراز علي الوثائق بدل أن تبقي ملكا لرجل واحد.. من دون أن يسأل سؤالا واحداً: بأي حق استحوذ محمد حسنين هيكل علي وثائق مصر؟ وبأي حق امتلاكه لها وحرمان الباحثين والمؤرخين منها؟ وهل كان الرجل حياديا وأمينا حتى نضمن إبقاءه لكل الوثائق ومضامينها؟ ولماذا يصبح هو الناطق الرسمي بها؟ ومن خوله قانونا بذلك؟
دعونا نعود من جديد لمناقشة بعض الأفكار.
إعادة وتكرار!
يستطرد هيكل ليقول: “ديعني علي أي حال لكن لما إحنا جيلنا تفتَّح علي المشهد العام اللي بعد الحرب اللي هي الفترة اللي بتكلم عليها الفترة اللي شوفتها الفترة اللي ممكن أقول إن أنا عشتها وهي الفترة ما بين نهاية الحرب الساخنة الحرب العالمية الثانية أو قرب نهايتها إلي نهاية الحرب الباردة وهي لا تزال مستمرة معانا باتكلم علي ثلاث أسر لعبت أدواراً مهمة جداً وباتكلم عنها بكل احترام لكن أيضا بنتكلم بكل واقعية ونحاول قدر ما يمكن ان إحنا نستند بالوثائق، كل واحد كل أسرة من هذه الأسر كل ملك من دول أنا لما جيت أحضر نفسي عشان أتكلم في هذا الحلقة لاحظت حاجة غريبة قوي لاحظت انه كل ملك وكل رئيس دولة من هؤلاء الناس السعوديين والمصريين والهاشميين كل واحد فيهم كان محصور داخل مربع تقريبا فهمَّا كانوا ثلاثة ملوك.. ثلاث أسر حاكمة داخل أربع جدران ” ( انتهى النص ).
مرة أخرى، جئت لتضع نفسك في قلب الأحداث وكأنك الوحيد الذي شهد أحداث القرن العشرين.. وكأنك الوحيد الذي يمكن أن يكون حجة علي المشهد العام! وكأنك تريد أن تصنع من نفسك شاهداً على العصر بين نهاية الحرب العالمية الثانية ونهاية الحرب الباردة التي تعتقد أنها لم تزل مستمرة، ولكنها انتهت وانقضت ليس مع انهيار الكتلة الاشتراكية كما يعرف الجميع، بل إنها خفتت مذ دخل العالم مرحلة الوفاق الدولي بالتوقيع بين قطبي المعسكرين الشرقي الشيوعي والغربي الرأسمالي علي معاهدة سالت الأولى.. ويبدو أنك بقيت هاجعا أو نائما ولم تصحُ حتى اليوم علي ما جري في العالم من متغيرات كبري، إذ لم تزل تتغني بذكريات تلك المرحلة التي ماتت ولم يبق منها شيء يذكر! فإذا كنت شاهداً علي مرحلة ما بعد الحرب الثانية، فما قيمة ذكر ذلك وأنت تعيد وتكرر الأسر الثلاث التي تقول إنها لعبت أدوارا مهمة جداً.. ولماذا كل هذا الخجل وأنت تعلن أنك تتكلم عنها بكل احترام، وكأنك مبيت شيئا ضدها! وأين هي الواقعية التي ستتكلم بها عن تلك الأسر الثلاث؟ وأين هي الوثائق التي تعيد وتكرر عنها وأنت لم تذكر وثيقة واحدة فقط من الذي تزعمه؟
إنني أطالبك لو عرضت تلك “الوثائق” إن كنت قد اعتمدت فعلا علي وثائق رسمية.. وفجأة بين الإعادة والتكرار واللف والدوران تكتشف حاجة مهمة وأنت تحضّر لما ستقوله.. تعلن عن مفاجأة ويبقي القارئ متتبعاً لك ليري ما الذي اكتشفته؟ يجدك وقد اكتشفت أن كل ملك أو رئيس دولة من هذه الأسر الثلاث محصوراً داخل مربّع تقريبا، وتختتم النص بقولك أن ثلاثة ملوك من هذه الأسر الثلاث منحصر بين أربعة جدران!! ولا يمكن أبداً لأي قارئ أو متتبّع أو حتى أي مختص وناقد أن يثمّن هذا الاكتشاف المهم الذي اكتشفه هيكل!! ولا ندري كيف استطاع هذا الذي عاش جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية أن يشهد ثلاثة ملوك من ثلاث أسر حاكمة بين أربعة جدران ممن كانوا قد حكموا أو نشأت وتطورت ممالكهم قبل الحرب العالمية الثانية! ألم يجد هيكل نفسه وهو يتخبّط ولا يدري ما الذي يقوله! ودعونا نرى تلك الجدران الوهمية التي تخيلها!
نشرت على جريدة روز اليوسف المصرية ، ،العدد 1353 الأربعاء – 9 ديسمبر 2009 ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com
وأيضا على صفحة تجمع الدكتور سيار الجميل
http://www.facebook.com/group.php?sid=ef680591def239dac31065b4f16482c3&gid=48810538237
ملاحظة : لا يسمح بإعادة النشر تحريريا أو الكترونيا ، إلا بترخيص خطي من المؤلف والناشر .
الحلقة 18
الجــدران الوهميـةالصراعات العالمية لا تعرف الحدود السياسية
يقول هيكل مستطردا: “لو بصينا في خريطة أخف نقدر نشوف الصلة ما بين.. أنا اللي عاوز باستمرار أحذر منه أو علي الأقل ألفت النظر إليه.. ألفت النظر إلي أنه التاريخ والصراعات الإمبراطورية والصراعات العالمية لا تعرف الحدود السياسية زي ما إحنا رسمناها وزي ما إحنا بنتصورها، الصراعات شاملة والصراعات مقتحمة والصراعات داخلة فاللي كان بيجري هنا في شبه الجزيرة العربية في الشرق مجاورا لحكومة الهند كان له مثيل في الغرب علي البحر الأبيض في أوضاع مصر.. ”
أسألك يا عزيزي هيكل بضعة أسئلة أطرحها ها هنا، لا لكي تجيب عليها، بل لتفكر فيها وكل المهتمين، فأقول: أي صلة هذه التي تريد أن تراها وأنت (تبص) علي الخارطة؟ ما الذي تريد أن تحذِّر منه أو تلفت النظر إليه؟ هل هي حاجة غريبة لا ندركها كي تلفت إليها أنظارنا والتي تقول فيها: إن التاريخ والصراعات الامبراطورية والصراعات العالمية لا تعرف الحدود السياسية؟ بالله عليك هل هي مسألة مبهمة أو معلومة مجهولة؟ ألا ندرك منذ أن درسنا التاريخ في مدارسنا بأن الصراعات الشاملة تخترق كل الحواجز والحدود والاقاليم؟ ألم ندرك كيف تطورت الصراعات في العالم ومعها كيف تطورت التحالفات؟ ومعها كيف تطورت خطط السلم العالمي؟ ولكن هل أنت علي دراسة جغرافية كافية عندما تقول إن شبه الجزيرة العربية في الشرق مجاور لحكومة الهند؟ هل تدرك أن شبه الجزيرة العربية عصّية جدا علي امتداد التاريخ علي كل الغزاة وقد شبهتها باصقاع روسيا وامتداداتها الجغرافية الهائلة.. ناهيكم عن صعوبة المناخ الجغرافي فيها؟ اتدرك أن نجد يقع في قلب شبه الجزيرة العربية، وهو من أصعب الأقاليم التي تحيطه الصحاري من كل حدب وصوب؟ أتدرك أن إقليم نجد هضبة صعبة لم يستطع اختراقها إلا جيش محمد علي باشا لاحقا؟ وإذا كانت هناك امتدادات واختراقات لبريطانيا في اصقاع عدة من العالم، فانها لم تخترق شبه الجزيرة العربية عسكريا.. ولكن استطاعت فيما بعد أن تمتد بنفوذها السياسي لاحقا.. فكل ما تقوله يا هيكل من باب التكهن وإطلاق الأقاويل والثرثرة التي لا معني لها.. ونحن ننتظر منك أي وثائق تقول بما أعلنته.
هل التاريخ صراعات أم مؤامرات؟
ويستطرد هيكل قائلا: “وبعدين بقي له أثر هنا ثاني، لو أنا سبت دول وبعدين جئت بقي وهنا أهم حاجة بالنسبة لي اللي هي الأسر المالكة آه باتكلم أهم حاجة بالنسبة لي في هذه اللحظة في هذا الموضع من حديثنا في هذه النظرة علي المشهد العام في المنطقة ألاقي إيه؟ ألاقي وهنا فيه موضوع لازم نبقي فيه قد ما نحس بالحساسية لازم نؤكد أولا أنه إحنا بنتكلم في أي حد إحنا بنتكلم عنه باحترام شديد جدا لأنه ببساطة التاريخ صراعات والتاريخ ليس ألعوبة وليس مؤامرة لكن المؤامرة موجودة واللعب بالناس وبالمقادير موجود..”.
ويبقى هيكل مع الأسر المالكة الثلاث التي شغلته وشغلت تفكيره، وكأن لا تاريخ للمنطقة إلا تاريخ هذه الأسر؟ وتبقي الثرثرة تلازم هيكل إذ يعيد ويصقل كلامه عن المشهد العام في المنطقة وكأن هناك من يعرض مشاهد خاصة.. ويتساءل تساؤلاته الواهية عما يلاقيه؟ ويجيب وكأنه اكتشف كنزا لم يكتشفه غيره، أنه يلاقي موضوعاً!! بمعنى كل هذا اللف والدوران واخيرا يلاقي هيكل موضوعا يطالب أن يبقى فيه بقدر ما يشعر بالحساسية!! هل فهم القارئ شيئا ذا بال؟ طيب، ثم يؤكد هيكل أنه لازم أنه يتكلم ويتساءل: إلى أي حد هو يتكلم عن الموضوع باحترام شديد جدا! هل فهم القارئ شيئا ذا بال؟ ثم يبدأ هيكل يجيب نفسه والإجابة أيضاً من قبيل الهذيان، إذ إنه يعرف التاريخ ببساطة كونه صراعات وأن التاريخ ليس ألعوبة وليس مؤامرة لكن المؤامرة موجودة واللعب بالناس وبالمقادير موجود!
هل نفهم ما الذي يريد الوصول إليه بعد هذا الخضم الأعمى من التناقض؟؟ ذلك أن التاريخ صراعات هو أمر صحيح وأنه ليس ألعوبة.. وهو لا يقصد بطبيعة الحال من يكتب التاريخ بل يقصد من يصنع التاريخ، وهنا وقع هيكل في المحظور، فاذا كان يقصد من يكتب التاريخ فهو أول من جعل التاريخ العوبة بيديه يحركها كيفما يشاء ويريد.. أما أن قصد من يصنع التاريخ، فهو غافل عما تصنعه الأمم القوية بالأمم الضعيفة منذ تاريخ فجر السلالات حتى اليوم.. وما دمت يا هيكل قد اعترفت بأن التاريخ صراعات، بمعني أن التاريخ ألعوبة بيد من يصنع التاريخ، أي أن العالم، بالأحرى، ألعوبة بيد من يمتلك إرادة القوة، ولك أن تفسّر لي أساليب الهيمنة التي اتبعتها الإمبراطوريات القوية في التاريخ وما التهمته من امتدادات العالم أجمع.. أما قولك بأن التاريخ ليس مؤامرة ولكن المؤامرة موجودة، ذلك لأنك غير مؤرخ ولا تدرك غير أسلوب المؤامرة ليس في صنع الأخبار واختلاقها، بل في فبركة المؤامرات وأنت تكتب تاريخا مزورا تحرّكه العقلية المؤامراتية.أما اللعب بالناس وبمقاديرهم، فهل هذا شيء جديد عليك يا صاحبي؟ ألم يتلاعب الأقوياء بمصير الضعفاء؟ ألم يتلاعب الجلادون بمصير الجماهير؟ ألم يتلاعب المستعمرون بخرائط العالم كله؟
تحليل سقيم للتاريخ: الجدران الوهمية الحاكمة للحكام
يقول هيكل: ” الجدار الأول هو قبل أي حاجة نظرة كل واحد فيهم لنفسه كل واحد فيهم الملك فؤاد كان شايف نفسه أو محمد علي حتي محمد علي لغاية الملك فؤاد كان شايف نفسه بشكل، الشريف حسين شايف نفسه بشكل، الملك عبدالعزيز شايف نفسه بشكل، الملك فؤاد شايف نفسه أنه والله هو موجود في البلد العربي الأكثر تقدما والأكثر أهمية هو الأسرة اللي بقيت حاكمة أو موجودة من أوائل القرن الثامن عشر لغاية قرب القرن العشرين.. نصف القرن العشرين، هو شايف أنه هما عندهم صلات بأوروبا وعندهم علاقات وأصلهم أتراك وأصلهم ألبان بشكل أو بآخر بينظروا لنفسهم نظرة متميزة مختلفة عن بقية.. حتي في المحادثات الخاصة للملك فؤاد لما كلهم كانوا عاوزين الخلافة لما وقعت الخلافة كانوا بيشتركوا جميعا في أنهم.. “
ما هذا الجدار الأول الذي اخترعه هيكل؟ كيف يمكن مقارنة هؤلاء الزعماء الثلاثة مع بعضهم البعض يا هيكل؟ فكل واحد منهم له جذوره المختلفة عن الآخر.. ما معني أن الملك فؤاد كان شايف نفسه بشكل؟ وأن الملك عبدالعزيز شايف نفسه بشكل آخر؟ وكذلك الشريف حسين.. أن هذه بديهية معروفة حتي بحكم اختلاف البلدان التي حكموها خصوصا فؤاد وعبدالعزيز، أما بالنسبة للشريف حسين فإن له سيكولوجية مختلفة بحكم أرومته الدينية. أعتقد أنها ليست قضية يمكن أن تثار وتأخذ لها صفة الجدار الوهمي! إن الملك فؤاد يا هيكل قد أعلن تغيير منصبه من “سلطان” إلي “ملك ” بعد أن تبوأ العرش في العام 1917 في مصر والسودان ولم يكن له أي شعور في أن ذلك يشكل بلدا عربيا – كما تقول – إذ كان قد خرج من إطار مشروعية مصر العثمانية إبان الحرب العالمية الأولي ليشكّل له دولة كان آباؤه قد تعبوا علي بناء مؤسساتها.. ولم يكن يشعر إلا أنه عميد للأسرة العلوية التي بدأت حياتها مع المؤسس محمد علي باشا في العام 1805 أي في بداية القرن التاسع عشر، وليس كما تقول وتهذي إنها في بداية القرن الثامن عشر!! وما معني لغاية قرب القرن العشرين؟ ماذا تريد أن تقول؟ ثم تتبع ذلك بنصف القرن العشرين متداركا! وبطبيعة الحال إنه يدرك أن لهم علاقات بأوروبا.. ولكن ما أصل عائلته؟ أتراك أم ألبان؟ إنك لا تعرف.. لأنك متطفّل علي التاريخ وكتابته وبقدر ما انت ضائع في متاهة تاريخ مصر، تريد أن تضيع قراءك معك! إنك تكتب أو تتحدث هذيانا من دون فحص أدلة ما تريد قوله.. إنك لم تقرأ كتابا واحدا في تاريخ أسرة محمد علي باشا فلا تعرف الأصل ألبان هم أم أتراك! إنهم ينظرون إلي أنفسهم نظرة متميزة وهذا أمر معروف لا يحتاج إلي كل هذه الثرثرة .
الدولة العثمانية مرة أخري: سلطنة وليست خلافة!
يكمل هيكل حديثه قائلا: “الإمبراطوريات متخانقة مع بعضها لكن الإمبراطورية العثمانية اللي ورثوها وورثوا ممالكها كلها كان عندها حاجة ثانية كان عندها سلطة شبه دينية.. شبه دنيوية وهي سلطة الخلافة وبقوا الملوك الثلاثة الموجودين دول كمان..” .
مرة أخري يدخل هيكل أنفه في تاريخ الدولة العثمانية كما يفعل كل من هّب ودبّ من الكتّاب العاديين من دون أن يقرأوا ويتوغلوا في تاريخها ومعرفة تفاصيل نظام حكمها.. اسمعه يقول إن لها حاجة ثانية ويقول إن عندها سلطة شبه دينية.. وشبه دنيوية وهي سلطة الخلافة. هذا تخبط فهيكل أسوة بغيره لا يدرك تاريخ نظام حكم الدولة العثمانية ولم يدرك أنظمة الحكم في دول العالم الإسلامي.. إنه مرة أخري يعتبره نظام خلافة، وكأن تاريخ الدولة كله كان نظام خلافة، ونسأله: هل كانت الخلافة عثمانية أم إسلامية؟ فلا يدري لأنه كان قد سمع الموضوع بشكل خاطئ منذ البداية! ونسأله: ومتي اعلن نظام الخلافة في الدولة العثمانية، فلا يدري أبداً؟ ونسأله: ومتي ألغي نظام الخلافة فيها؟ فلا يدري.. أنه يثرثر من دون أن يدرك أنظمة الحكم في الدول السلطانية، وأن الدولة العثمانية كانت علي امتداد حياتها دولة سلطانية وليست دولة خلافة لا إسلامية ولا عثمانية.. إذ لم يكن سلاطين آل عثمان يدعون بالخلفاء يا هيكل.. وأن أول من أعلن عن لقب الخلافة وليس نظام الخلافة هو السلطان عبد الحميد الثاني 1876-1909، وبقي اللقب مستخدماً حتي ألغاه مصطفي كمال أتاتورك في العام 1925 بعد أن ألغي نظام السلطنة في العام 1924. أما اطلاقك للأحكام شبه دينية وشبه دنيوية فهذا نوع خاص من الهراء! ولك أن ترجع إلي مصادر ومراجع لمؤرخين معتمدين في هذا الباب لتتعلم كيف تكتب أو كيف تقول جملة مفيدة في التاريخ.. اقترح عليك تواريخ كتبها خليل انالجيك وستانفورد شو وثريا فاروقي وغيرهم.. ولا أريد أن أسجل لك اسم أي مؤرخ عربي يعتمد في هذا الباب كي لا تتكهرب من اسمه!
تخبّط وهذيان!
يقول هيكل مكملا: ” لما نفتكر الإمبراطوريات اللي كانت ساعية للسيطرة علي المنطقة كانت بترث الخلافة العثمانية بترث الإمبراطورية العثمانية كنا قدام حاجتين، قدام الإمبراطورية العثمانية المالكة لهذه المناطق وقدام الخلافة الحاكمة بالهيبة الدينية علي هذه المناطق ولازم نفتكر أنه حتي أيضاً لفظ ملك.. كلمة ملك تعني حاجتين اثنين حتي في أي تعريف سياسي يعني تعني شيخ مدني.. شيخ قبيلة في واقع الأمر شيخ قبيلة مدني وله طابع ديني أو أخذ سلطة دينية كمان ولذلك حتي في ملوك أوروبا لما كانوا يقولوا والله حتي لغاية النهارده ملكة إنجلترا لما تيجي تتكلم تقول بنعمة الله وبإرادة شعبي، فكرة الملك اللي هي فكرة زعيم القبيلة أو رئيس القبيلة.. الملكية اللي فيها السلطة الدينية والسلطة الدنيوية ملتبسين بتصورات نعمة الله وإرادة البشر ” .
وأسألك مرة أخري: هل تسميها خلافة عثمانية أم امبراطورية عثمانية؟ إنك تعني الاثنتين معا من دون أي دراية بالواقع التاريخي الذي كان سائدا في تلك المرحلة! فلقد كان العثمانيون يحكمون أقاليم ومناطق لا حصر لها.. من دون أن يعلنوا أي نظام للخلافة الدينية حتي تكون الخلافة الحاكمة فاعلة عندهم باسم الهيبة الدينية علي هذه المناطق! هذا تفسير ضحل لا يستوي وحقائق التاريخ العثماني منذ بداياته الأولي وحتي سقوطه النهائي. فالهيبة سلطانية ولم يكن أي سلطان من سلاطين الدولة العثمانية له قدسية دينية علي الاطلاق.. إن مكانته سلطوية سياسية سلطانية تصل إلي درجة المكانة الامبراطورية، ولكن كان عنده في الدولة شيخ الإسلام (أي: المفتي الاكبر للدولة) يستشيره في كل الأمور حتي يضمن شرعيتها الدينية .
أما بالنسبة لتفسيرك مصطلح (الملك)، فليس من الصواب في شيء أبداً ألا ترجع إلي أي معجم لغوي أو قاموس تاريخي لتستوعب معاني المصطلحات التاريخية.. فالملك كلمة عربية قديمة استخدمها العرب القدماء في بلدانهم المتنوعة. كيف يمكنك أن تقّدم تعريفا تدعي بأنه تعريف سياسي للملك فتصفه بـ”شيخ مدني”؟! هل كنت تتمتع بالوعي الكامل عند اطلاقك هذا التعريف الذي لا نعرف من أي مصدر استلهمته! إذ إنك تضيف من عندياتك أيضاً شيخ قبيلة، ثم تجمع علي هواك الصفتين فتقول إن الملك هو شيخ قبيلة مدني! ولم تكتف بذلك، بل تزيد عليه بأنه يتمتع بطابع ديني أو أنه أخذ سلطة دينية.. ولم تكتف بذلك حسب، بل تقرن بين ملوك العرب وملوك أوروبا من دون أن تجد أي اختلافات بين العالمين إذ تقص علينا مثلا لكي تؤكد أن هذا اللغو صحيح! وتبقي في لغوك إذ تجده زعيم قبيلة بعد أن تضرب الأمثال عما يقوله الملوك! من دون أن تعلم بأن ملوك أوروبا لم يعتبروا أنفسهم مقدسين، بل يطلبون التزكية من رجال الدين الذين يقومون بتتويجهم!!
عبد العزيز آل سعود مع أمين الريحاني
أولاً: الملك عبد العزيز
يقول محمد حسنين هيكل: “إخواننا دول الملوك الثلاثة أو الأسر المالكة الثلاثة لما جُم هما الأسر نشأت في القرن التاسع عشر أوله لكن بعد ما وقعت الخلافة والإمبراطوريات اللي وقعتها موجودة جنبهم هما أيضا نشأت ممالكهم بتقسيم الخلافة لكن أيضاً هما كل واحد فيهم أيضا طامع إلي أن يحل محل خليفة لأسبابه، الملك فؤاد مثلا علي سبيل المثال ضيع وقتاً كبيراً جداً في لعبة الخلافة لأنه متصور أنه والله في هذه المنطقة في العالم العربي الإسلامي وهو ملك على مصر وفيها الأزهر هو الأحق بالخلافة فهو اللي ممكن يرث.. ده في نظرته لنفسه، الملك عبدالعزيز عنده حاجة غريبة قوي يشرحها الكاتب العظيم اللبناني أمين الريحاني لما راح.. لما كتب كتابه ملوك العرب وراح شاف كل الملوك، الملك عبدالعزيز وهو بيكلمه قال له إيه؟ قال له أنت عاوز الخلافة؟ قال له نحن لا نطلبها لكن يسعوا إلينا فنقبلها وحتى فيه.. أمين الريحاني لفت نظره أنه الملك عبدالعزيز قبل ما يتكلم يقول نحن يقول احِنَّا العرب فهو كان بيقول والله إخوانا الهاشميين دول في الحجاز دول أتراك ولا لهم دعوة بالعرب نصفهم أتراك ملهمش دعوة بالعرب، الملك فؤاد على عيني ورأسي وفوق تاجنا ورأسنا وكل اللي انتو عاوزينه لكنه ألباني وتركي لكن نحن العرب فإذا أراد العرب خلافة عربية إسلامية فيجولنا وإحنا في هذه الحالة نقبل فالملك عبد العزيز كان يتصور أنه عنده حق. إنني مجرد أسأل بعض الأسئلة: هل من الأهمية بمكان أن نحكي مثل هذه القصة ومدى فائدتها؟ إن ثمة موضوعات بحاجة ماسة إلي معالجتها وتشكيل وعي بها أفضل بكثير من ترديد ثرثرة لا أكثر ولا أقل! إن زمن الإنسان ثمين جدًا، وأن الملايين متشبثة لمعرفة خلاصات التفاصيل المملة .
أمين الريحاني
ان المشكلة التاريخية كلها تختصر بجملة بسيطة ، او فقرة واضحة تقول ان كل ممالكنا ودولنا وملوكنا .. صناعة اجنبية ! هنا يختلف التقييم من مؤرخ يدرك طبيعة التكوين التاريخي الحديث للمنطقة بأسرها ، وقد عمل حياته كلها على بحث اسرارها .. وبين رجل كاتب صحفي تأثر بقراءة كتاب امين الريحاني عن ملوك العرب .. ويريد ان يجمع تاريخ ممالك ثلاث وملوك ثلاثة واسر ثلاث في سلة واحدة .. ويتعامل معهم معاملة واحدة ، من دون اية حسابات للفوارق الاجتماعية والتقاليد التاريخية وحسابات الاخرين .. ومؤثرات القوى الخارجية على منطقتنا ، وخصوصا ابان العهد الفكتوري وحتى اندلاع الحرب العالمية الاولى وتداعياتها على كل الشرق الاوسط .. كنت أتمنى على هيكل ان يحسب حسابات المؤرخ وهو يبحث مقارنا في تواريخ الاسر الثلاث ، وما طبيعة علاقات الملوك الثلاثة مع بريطانيا : الملك فؤاد الاول والملك الحسين بن علي وسلطان نجد عبد العزيز آل السعود ( كون الاخير توّج ملكا لاحقا ) ! كنت أتمنى أن يقرأ هيكل ما وجده المؤرخون من فوارق بين ما اتبع من سياسات بريطانية في مصر على يد اللورد كرومر ، وما جرى من وعود للملك ( الشريف ) حسين بن علي في الحجاز ، وما جرى من خطط على يد المستشار شكسبير عند عبد العزيز آل السعود ! كنت أتمنى على هيكل ان يقرأ طبيعة علاقات كل شخصية من الشخصيات التاريخية الثلاث مع البريطانيين ! كنت اتمنى على هيكل ان يفّسر طبيعة العلاقات الحجازية بمصر ويقارن ذلك مع طبيعة العلاقات النجدية بالخليج العربي .. واذا كان البريطانيون قد ترسخ حكمهم لمصر منذ بدايات الثمانينيات من القرن التاسع عشر ، فانهم كانوا قد رسخوا وجودهم في الخليج قبل ذلك بزمن طويل باتجاه العراق .. كنت اتمنى على هيكل ان يدرك طبيعة الامتداد البريطاني في العصر الفيكتوري لمنطقة الشرق الاوسط باتجاه كل من مصر والعراق .. قل ان يشغل نفسه بالاسر الثلاث وبالملوك الثلاثة .. ان ذلك كله ، يعّبر ببساطة عن عمق تفكير المؤرخ مقارنة بسذاجة كاتب اقتحم الميدان بلا اسلحة وبلا معلومات .. بلا منهج وبلا تفكير !
نشرت على جريدة روز اليوسف المصرية ، العدد 1357 الأثنين – 14 ديسمبر 2009 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com
وأيضا على صفحة تجمع الدكتور سيار الجميل
http://www.facebook.com/group.php?sid=ef680591def239dac31065b4f16482c3&gid=48810538237
ملاحظة : لا يسمح بإعادة النشر تحريريا أو الكترونيا ، إلا بترخيص خطي من المؤلف والناشر .