الحلقة السابعة
خيبة رجـل يعبد نفسـه!
عرفنا من الحلقة السابقة ان الانسان ان وجد في نفسه ضعفا وركاكة واعوجاجا عليه ان يحترم تاريخه وما انجزه لا اقول ان ينعزل عن الناس او يتقاعد ، بل اقول ان يحترس ولا يهذي .. وحسنا جدا تفعل قناة الجزيرة اذ تنقل حرفيا ما يقوله ضيوفها على شاشتها بالكامل ، فتوضح للعالم كله شخصيتهم اللغوية وحجم ثقافتهم ونسبة معلوماتهم .. ان عصر شبكة المعلومات الدولية يكشف كالمرآة ما يتمتع به كل مشارك شفويا وتحريريا ..
فلسفة الثورة
قرأت النص التالي ، وكنت قد اشرت في كتابي السابق ” تفكيك هيكل ” الى ان محمد حسنين هيكل يتشدق علنا بأنه هو نفسه الذي كتب كرّاس ” فلسفة الثورة ” الذي نشر باسم الرئيس جمال عبد الناصر ! وعليه فان هيكل قد أساء إساءة بالغة لسيده ، علما بأن اسم هيكل قد بدأ ” في الانتشار والشهرة لقربه من عبد الناصر بشكل لم يحظ به أي كاتب عربي أو أجنبي، واستنادا إلى هيكل نفسه أنه هو من كتب الكتيب الذي نشر باسم (فلسفة الثورة) منسوبا لجمال عبد الناصر. ومن شاهد حلقة فضائية الجزيرة (مع هيكل) بتاريخ 12 أكتوبر 2006 حول هذا الموضوع ، فسيجد هيكل يكيل لنفسه الأمجاد ، ويملأ ذاته بالنفخة وأدوار العظمة ، ويجعل من عبد الناصر تلميذا في معبده ، والحقيقة ليست هكذا ابدا ! وسواء كتب هيكل فلسفة الثورة ام لم يكتبها ، فلا يحتاج الامر الى اللف والدوران ورواية قصص بعيدة عن الموضوع ، ولا يستطيع أحد معرفة صحتها من كذبها، وكما قّلل نفسه من شأن (فلسفة الثورة)، فوصفه بـ (كتيب) كي ينزع عنه أي أهمية ، كونه يتألف من مقالات ثلاث جمعت في ذاك ” الكتيب ” . كنت اتمنى ان يكون الرئيس عبد الناصر يستمع الى هذيان هيكل وحكاياته غير الموثقة من دون شاهد اثبات ! يقول هيكل حرفيا: (أنا الكاتب ولكني لست المؤلف وجمال عبد الناصر ليس المؤلف وحده، ولكن اللحظة التاريخية و حوارات أجريتها معه و حوارات حصلت مع غيره). يقول احد النقاد معلقا : ” فمن من القراء يستطيع أن يفهم من هذه الجملة من هو مؤلف الكتاب؟. هل هو جمال عبد الناصر أم هيكل أم اللحظة التاريخية أم غيره؟ وهل سبق أن سمع أحد في الشرق أو الغرب عن مؤلف اسمه (اللحظة التاريخية؟. وصفة (اللف والدوران) كما يقولون في الشارع المصري سمة من سمات أحاديث هيكل، فلا تركيز على موضوع الحلقة إذ لا مفر من اختلاق أمور شخصية كلها تؤدي لأهميته ودوره في الأحداث ودوما الدور الفاعل المؤثر الذي يؤخذ في الحسبان لدى العديد من دوائر صنع القرار، وشيء طبيعي عنده أن يقول أكثر من مرة عن ملك أو رئيس عربي أنه قابله أكثر من خمسمائة مرة، وهذا لا يعني إلا أن ذلك الرئيس أو الملك لا عمل ولا مهمات لديه سوى استقبال هيكل والجلوس معه والاستماع إليه. في بعض حلقات أحاديثه أحصيت أنه كّرر كلمة (أنا) أكثر من 100 مرة، وهذا لا يمكن تفسيره إلا بالغرور الزائد أو النرجسية المريضة، لأنه فيما يتعلق بحقبة الرئيس جمال عبد الناصر من يستمع لهيكل ويقرأ ما كتبه عنها لا يخرج إلا بانطباع واحد وهو أن هيكل كان الحاكم والمخطط والمنفذ وليس جمال عبد الناصر، وربما يعبر عن هذا ما هو منسوب للرئيس محمد حسني مبارك أنه قال لهيكل في لقاء معه (أنت لم تكن رجل عبد الناصر، أظن أن عبد الناصر كان رجلك)، والمغزى الباطن في هذا القول لا يعني سوى ما أشرت إليه من غرور ونرجسية تصل لحد التلفيق خاصة أنه يروي عن أموات لا يستطيع أحد من البشر استنطاقهم في قبورهم ليؤكدوا أو ينفوا صحة ما يرويه عن نفسه معهم بشكل دائم.
رواسب التفكير الانوي
ان التفكير الانوي الذي سيطر على شخصية هيكل منذ اكثر من خمسين سنة، لم تزل ترسباته راسخة في عقله الباطن ولم يستطع الانفصال عنه ابدا ، وانا يرى نفسه ليس فوق عقول وضمائر الكثير من المثقفين والسياسيين والاكاديميين العرب، بل ويجعل من نفسه اسطورة الاساطير ، فاذا كان قد وصف عبد الناصر كونه اسطورة ، فما معنى تجريد الرجل من تأليف ” فلسفة الثورة ” ؟ وكأنه يقول للعالم : انا الذي خلقت هذه الاسطورة لكم ، وانا الذي صنعت هذا العملاق امامكم .. ان كلمة ( أنا ) التي يستخدمها هيكل بوعي منه او انها تصدر عن لا وعي .. بدأ الناس يشمئزون منها تماما ، كونها تمّثل عند الرجل اقصى درجات الانوية وعبادة النفس وتقديس الذات بشكل لا يمكن تصويره ! وسنعالج لاحقا ما كتبه عن عبد الناصر وحكاياته المفبركة عن لقاءاته مع مثقفين غربيين كبار وما قالوه له عن عبد الناصر .. وستستمتع طويلا بذاك النسيج من القصص الخيالية . كنت أتمنى على الرجل وبعد كل ما كتب عنه من انتقادات علمية وسياسية ومنهجية ان يتعلم منها كون من كتب عنه ليسوا كلهم من اقرانه او من يحمل صفاته ، بل هناك من ساسة قدماء واساتذة كبار .. انه يتصور ان الساحة خالية تماما من المتابعين والنقاد والمحللين ، وان ليس هناك من كاتب حكائي الا هيكل ، فيذهب ويشتط بعيدا على عادته ، وليس باستطاعته ابدا التخّلي عن كل ما ترسّخ عنده او التخلص من كل ترسباته القديمة وسايكلوجيته الصعبة برغم كل التحولات التي طرأت على حياتنا كاملة في السنوات العشر الاخيرة.
الفراغ الفكري
ان سر بقائه مسيطرا على مثل هذه ” المكانة ” التي يعتبرها مع مؤيديه مكانة عليا ، لم تأت الا بسبب بؤس حياتنا السياسية العربية ، والتي تعيش اليوم فراغا سياسيا وفكريا هائلا بسبب انسحاب تيارين اساسيين فاشلين من الساحة، اي بمعنى انسحابهما من تفكيرنا وواقعنا ، كما قلت ذلك في اكثر من مكان ، وهما الفكر القومي العربي الذي سيطر على عواطف الناس لمدة 30 سنة (1949 – 1979)، لكي يحّل بدلاً منه الاسلام السياسي الذي سيكمل مع العام 2009، ثلاثين سنة من حياته . اما ثانيهما: فكان يتمّثل بالشيوعية العالمية التي سادت في منطقتنا على مرحلتين: مرحلة التأسيس (1917- 1947) ومرحلة الحرب الباردة التي تبلورت لما بعد الحرب العالمية الثانية وحتى العام 1979 مرورا بعهد الوفاق بين المعسكرين.
دعونا منه كي نلتفت الى تياراتنا واهوائنا واتجاهاتنا. مئة سنة مرت ولم تحقق القومية العربية اهدافها. فهل ننتظر مئة سنة اخرى حتى تتحقق تلك الاهداف؟ عشرات بل مئات الاحزاب الدينية الاسلامية ولدت في غضون اقل من ثلاثين سنة اثر ما سمي بـ”الصحوة الدينية”، فهل ننتظر ثلاثين سنة اخرى من اجل ان يحقق الاسلاميون امنياتهم وتصوراتهم ولن تتحقق؟ انتهت الشيوعية العالمية من فوق الارض بعد ان انتحرت ولم تكمل رسالتها. ولم يزل هناك من يصفق لها ويسبّح بحمدها! انتهى بعض الحكام المتوحشين الذين حكموا بالحديد والنار. ولم يزل هناك من يمجد ذكراهم بالرغم من كل ما اقترفوه بحق اوطانهم ومستقبل اجيالهم!
تخبّط جغرافي
اسمعوه ماذا يقول .. يقول هيكل : ” دعونا الحاجة الغريبة إنه في مصر بالتحديد عمرها ما كان ممكن تقدر تعيش لوحدها لسبب واضح وهو إنه منبع حياتها كان خرج موقع نظرها، النيل عمرنا ما شفنا منابع النيل لكن عشنا باستمرار على النيل لكن كان باستمرار بره، باستمرار كان هو بعيد في وسط إفريقيا وما وصلنا لوش إلا في القرن التاسع عشر، لم نعرف من أين ينبع النيل وعملنا أساطيل الدنيا، اللي أنا عايز أقوله إيه إنه بالدرجة الأولى إنه فكرة الحدود السياسية استولت علينا وارتبطت بفكر الاستقلال وهو مسألة مهمة جدا، لكن نبقى عارفين أين الاستقلال وأين.. ما هو أوسع من الاستقلال؟ أين هو الجامع المشترك؟ ” ( انتهى النص ) .
وأسأل : ما الذي نفهمه من هذا الخلط والتشبيه ؟ اذا ما عرفنا ان مصر ليس باستطاعتها العيش لوحدها ولا علاقة لمنابع نهر النيل بالموضوع لا من قريب ولا من بعيد ، فاغلب الدول الممتلكة لانهار طوال ، لا علاقة لها بالمنابع ، بل لها علاقة بالمياة المتشاطئة التي تمتلكها جيرانها ، وهذا ما نلحظه من علاقة جغرافية عضوية بين مصر والسودان ليس الا .. واذا كانت مصر معبرا ، فهي ليس بمعبر نحو اعماق افريقيا ، بل هي حلقة وصل بين الشرق الاوسط وشمال افريقيا ، فالعلاقة بينها وبين الاخرين اقليمية . وعليه ، فهي ليست معبرا قاريا بين قارتين اثنتين مقارنة بينها وبين تركيا التي تعتبر حلقة وصل بين الشرق والغرب . ان هيكل يدافع عن الجامع المشترك ( وكنت اتمنى عليه ان يسمّيه الرابط المشترك ) ويقف حيال الاستقلال .. وكأن مصر لم تكن لها شخصيتها التاريخية وخصوصيتها الجغرافية . ولا ندري اين يريد هيكل الوصول بنا ؟ هل يريد الدعوة الى جامع قومي مشترك نحو الوحدة العربية التي ازدهرت شعاراتها في القرن العشرين ؟ ام يريد القول بأن مصر جامع اقليمي مشترك نحو الشرق الاوسط التي تزدهر مشكلاته اليوم ؟ ام يريد القول بأن مصر جامع دولي وقاري مشترك نحو افريقيا ؟ وهذا ما لم نلحظه ابدا .
تخبّط تاريخي
ونبقى مع هيكل في هذيانه وتخبطاته وخلطه المبهم بين الاشياء والعناصر بحيث يضيع على القارئ خيوط الموضوع عمدا من دون ان يصل به الى ما يمكن الاستفادة من كل هذا الغثاء .. لنتأمل قليلا وبعمق ما يقول : ” لما بأتكلم في القاهرة مثلا على سبيل المثال وأقول إنه مصر كانت باستمرار موجودة في الدولة، في الخلافة الأموية، موجودة قبلها في الخلافات الراشدة، موجودة في الدولة الأموية، موجودة في الدولة العباسية، موجودة في دول الفاطميين والأيوبيين والمماليك لغاية العثمانيين، لما جئنا في العثمانيين حصل مسألة مهمة أوي وهي دي أعطت القاهرة دور بشكل أو آخر العثمانيين بدا الإمبراطورية الرباط الجامع واللي كان مقبول من كل الناس، كان مقبول وكان يعني هو الهوية أو هو الرابط المقبول وحتى (Even) حتى إلى درجة الرعوية، كنا بنقول رعوية عثمانية .. ” ( انتهى النص ).
أسأل وبتجرد المؤرخ الناقد المنصف : هل هذا كلام مؤرخ له قصب سبق في الثقافة على امتداد ستين سنة ؟ هل باستطاعة أحد ان ينكر حقائق وبديهيات عادية يدركها حتى طلبة المدارس الابتدائية .. مصر موجودة في الدول الاسلامية ! طبعا موجودة ، فلماذا كل هذه السفسطة والمماحكة ؟ لقد اتخذت مركزيتها عند الفاطميين والايوبيين والمماليك .. فما الجديد في ذلك ؟ لقد بقيت بغداد هي المركز التاريخي والحضاري ومن ثم غدت القاهرة مركزا مهما ، ولكنها ياهيكل افتقدت ذلك في العصر العثماني على غرار غيرها من الولايات العربية العثمانية .. بل وغدت ولاية لا اهمية لها نحرتها اوضاعها الاقتصادية الصعبة بسبب الانقسامات المحلية بين المتسلطين من عثمانيين ومماليك .. فلا داعي لأن تؤكد الجامع المشترك لمصر الذي افتقدته بسبب الصراعات وانهيارات الداخل الاقتصادية بشكل خاص وانتشار الفساد وخصوصا في القرن الثامن عشر .
الامبراطورية العثمانية
يستكمل صاحبنا هذيانه .. فيقول : ” فإحنا الإمبراطورية الخلافة العثمانية بدأت شأنها شأن كل الدول تنزل تنهار وبدت المطامع الأوروبية تهاجم المنطقة من الشرق ومن الغرب وبدت الممالك تقام وبدت السلطة المركزية للخلافة تسقط أو تتداعى، لكن فضل العلم الإسلامي والعربي في القلب مختلف عن غيره من أقاليم الإمبراطورية في حين إن الولايات اللي في أوروبا المسيحية اللي في أوروبا لقت أسهل عليها إنها تنسلخ وتستقل، فالعالم الإسلامي العربي فضل مدرك أهمية الجامع المشترك ومشفق من خطورة ما يجري للدولة العثمانية وقلق على مصيره، لأنه باستمرار بيشعر أو هذه الواحات المتناثرة في هذا الفضاء في هذا الإقليم بتشعر بأنها لا تقدر تحقق لا أمن ولا تحقق مصلحة ولا تحقق.. خصوصا إنه الألفين وخمسمائة سنة اللي عاشت فيهم تحت جامع مشترك وجامع سياسي وعسكري، رابط لإمبراطوريات زي ما قلنا من الإغريق لغاية العثمانيين، هذا الرباط أوجد موروثه الثقافي، أوجد حقائقه الاقتصادية، الاجتماعية، الفكرية بالدرجة الأولى .. ” ( انتهى النص ) .
ويبقى في كلامه العادي الذي لا جديد فيه وهو لا يحدد زمانا او مكانا معينين لما يريد العناية به . هناك ضعف عثماني اعقبه انهيار عثماني اعقبه سقوط عثماني .. متى حدث كل واحد منها ؟ هيكل لا يعرف ! هيكل يدخل دوما انفه في ما لا يعنيه ويخرج من الموضوع بسلة مليئة بالاخطاء التي لا يمكن ان يغفرها له المؤرخون المختصون ! فهو يخلط مقارنا بين ولايات العثمانيين ولا يدرك ان هناك تمييزا عثمانيا بين اقاليم روميليا وبين اقاليم اناتوليا .. بين اقاليم الشرق وبين اقاليم الغرب ( = طرابلس وتونس والجزائر ) .. هيكل لم يقرأ ولم يضطلع بما كتبه المؤرخون حول علاقة الأقاليم بالسلطة العثمانية ! هيكل لا يعرف سلاسل التاريخ ولا طبيعة احقاب التاريخ البشري ليطلق جامعه المشترك على مدى ألفي وخمسمائة سنة ، وكأن لا انقطاعات ولا تفاعلات ولا متغيرات حتى في تاريخ مصر نفسه ؟؟ هكذا اطلاق مبهم من الاغريق حتى العثمانيين ما هو الا سذاجة في قراءة الزمن . وهنا اود من الاخوة الباحثين الا ينساقوا وراء هكذا تعميمات لا نفع فيها ، لأن مصر او غير مصر وببساطة شديدة قد ورثت بقايا التاريخ .
وأخيرا : متى يتم تعّلم الدرس ؟
كم كنت أتمنى ان يكون هيكل متوازنا ، ليخاطب الناس بموضوعية متناهية .. ان موضوعا اشكاليا كهذا الذي ادخل نفسه فيه ، ليس من الهين التوغل فيه سياسيا ، والخروج بتاريخ سليم ، الا اذا كنت تريد فرض نفسك في ميدان انت ليس اهلا له ابدا ! خصوصا وان المؤرخين انفسهم ينقسمون الى نقيضين في تقييم هذا ” الموضوع ” الصعب ، وعلينا ان نحترم كل المواقف كي يتكون نقيض النقيض في قابل السنين ، وسيبقى تاريخ المراحل الاولى لتكويناتنا المعاصرة امانة باعناق المؤرخين المختصين على مدى الاجيال القادمة ، وان احكامهم لا يمكن ان تطلق من دون الاستعانة بالوثائق الرسمية القديمة . ان لدي ّ ما يمكن مناقشته مع هيكل ، ولكن ليس من خلال ميدان صحافي ، بل ادعوه الى مناظرة علمية في قلب جامعة او مركز علمي او اكاديمي حتى اثبت للعالم كله ، فشل الرجل في توصيل رسالة حقيقية الى المشاهدين العرب خصوصا والذين يشغلهم دوما تاريخنا الحديث وتعقيداته الصعبة .. كما أريد ان امنح الجيل الجديد فكرة صائبة ليس عن خيبة رجل لا يدرك ابسط قواعد المعرفة ، بل لكي اقوم بتصويب كل ما سجله تحريرا وشفويا من آراء في تاريخ لم يدرك معانيه أبدا .. ان التاريخ الذي سجله محمد حسنين هيكل تحريريا او شفويا حكائيا لا يمكن البتة الاعتماد عليه من كل النواحي .. انه (تاريخ) مخطوء فيه لغو كثير ، ويفتقد الى الحركة والفعل الكبيرين ! وكم اتمنى على الرجل ان يعلن الاعتراف باخطائه ، وتحمله المسؤولية في تصويب ما يراه المختصون مناسبا ، كي يسجّل واحدة من الحسنات التي تنتظرها منه بكل شجاعة ادبية واخلاقية مهنية . انه اذن مدعو الان الى أمرين اساسيين في مثل هذا ” الموضوع ” : مناظرة تاريخية في جامعة معروفة او اعتراف بما حصل من أخطاء .. والا فسأعتبره هارب من اية مواجهة علنية أساسها المعرفة ورد الأمانات الى أهلها .
دعونا نعالج في حلقات قادمة نماذج أخرى من بقايا هيكل
نشرت على جريدة روز اليوسف المصرية ، 20 اكتوبر 2009 ، ويعاد نشره على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com
وأيضا على صفحة تجمع الدكتور سيار الجميل
http://www.facebook.com/group.php?sid=ef680591def239dac31065b4f16482c3&gid=48810538237
ملاحظة : لا يسمح بإعادة النشر تحريريا او الكترونيا ، الا بترخيص خطي من المؤلف والناشر .
الحلقة الثامنة
أوهام وتخبطات في التاريخ الإنشائي والبدائي والساذج
العالم في قبضة الكذابين
اي فكر نتشدق به يا استاذ هيكل ، والذي باستطاعته ان يقاوم هذا المارد الكاسح الذي يبدو انه قابض على انفاس العالم كله؟ اية حقوق مضاعة على مدى مئة سنة يمكنها ان تعود الى قبضتنا ونحن لا ندري كيفية التعامل معه؟ اية اهداف واية امنيات واية احلام كتلك التي آمنا بها يمكن تحقيقها بعد ان استخدمنا اللف والدوران على انفسنا ، وكذبنا كثيرا ، ولفقّنا كثيرا ، وفبركنا طويلا ، وضيعنا طرقنا، وشتتنا جهودنا، وقتلنا مشروعاتنا؟ لماذا لم تعترف ابدا كم ساهم الشعاراتيون والمهرجون والحكاؤون والخطابيون ومزورا التاريخ .. في تعطيل قدراتنا، وتجميد عقولنا، واصبحنا لا نفهم الا لغة الشتائم والتخوين والتكفير والكراهية والاحقاد؟ من علّم ملايين الناس هذه الاقانيم السوداء؟ من علمهم الكسل والتواكل والاستسلام للاقدار وارادة الدكتاتور ؟ لقد مضى زمنكم الى غير رجعة ، بعد ان تّم التنكيل بجيل كامل ، وولد جيل هارب من الايام على اعقابه وهو لا يعرف الا الماضوية والاصولية .. لقد ساهمتم بسلخ التفكير والترويج للاكاذيب والشعارات التي لا اساس لها من الصحة .
الظاهرة المهمة
ونبقى نتمتع بمثل هذا الهذيان والاطناب والخلط الساذج عندما يقول هيكل : ” أما جاءت الإمبراطورية العثمانية تضعف بدا يبقى في ظاهرة مهمة جدا، إيه هي الظاهرة المهمة؟ الظاهرة المهمة إنه إحنا بننسى مرات إنه الجغرافيا والتاريخ فاعلين في حياتنا، بننسى مرات إنه أنا لم أخطر موقعي مش بإرادتي مش بإرادة الشعوب إن أنا في مصر اخترنا جاء موقعنا البحر الأبيض شمالا والبحر الأحمر بالطريقة دي مؤديا للخليج، ما كنش هذه مصادفات أو هذه خلق هذا خلق أو هذه جغرافيا أو هذه مصادفات طبيعة لكنها حاكمة فيّ شئت أو لم أشأ، التاريخ بيعمل عمل تاريخ عنده القدرة والشعوب عندها القدرة أقصد الشعوب التي تحيا تاريخها عندها القدرة أنها تخلق باستمرار ما تحتاج إليه من ضرورات .. ” ( انتهى النص )
الجغرافية والتاريخ فاعلان في حياتنا ! ظاهرة مهمة ! يا سلام .. ذكرّني هذا باحدى مسرحيات عبد المنعم مدبولي الكوميدية ! كل مصري له وعي بسيط يشعر بأنه لم يختر موقعه .. الموقع مهم ومهم جدا ، وكان على هيكل ان يستشهد بكتاب عبقرية مصر لجمال حمدان الذي يختصر كل هذا اللغو .. ان ثمة بديهيات ليس بحاجة الى تأكيد .. والبحر الاحمر لا يؤدي الى الخليج يا هيكل . انه يؤدي الى خليج عدن والاخير يؤدي الى بحر العرب وهذا يؤدي الى خليج عمان ومنه الى الخليج العربي . فهل لم نتعلم هذا في المدارس الابتدائية ؟ وانها خلق او مصادفات طبيعة تحكمنا . وأسألك عما تقصده من ان التاريخ بيعمل عمل تاريخ عنده القدرة .. الخ نصك الذي يبدو انك تسّوق ظاهرة معروفة باهميتها ، وهي ليست بحاجة اليك . فالكل يدركها .. وحبذا لو أتيت لنا بشيئ جديد لم يتوغل فيها واحد بريطاني مثل كرومر او واحد آخر مثل الشخصية المصرية المعروفة جمال حمدان أو غيرهما .
عن أي خلافة عثمانية تتحدّث ؟
دعونا نساءل هيكل الذي يستخدم التاريخ استخداما بدائيا من دون اي معرفة تخصصية ولا بالاستعانة بأي مؤرخ متمكن في ” الموضوع ” ولا بالاشارة الى أي وثيقة .. يقول : ” لما الخلافة العثمانية بدت تضعف والعالم العربي مشفق على هذا الضعف من هذا الضعف ومشفق على نتائجه والضعف العثماني في الآخر انقلب إلى نوع زي أي ضعف انقلب إلى نوع من العنف الشديد فبدينا نشوف الإمبراطورية الكومنولث اللي كنا فيه جميعا باختيارنا وبرابط فكري وثقافي وإسلامي يدافع عن وجوده في وسط تزاحم إمبراطوري، بدينا لقينا الدولة العثمانية تلجأ للعنف والعالم العربي بدا.. في اليونان راحت لأوروبا بلغاريا راحت لأوروبا اللي كلها كانت ولايات عثمانية، لكن العالم العربي الإسلامي فضل متردد لأنه جامع الخلافة بدا له أقوى من أي شيء .. ” ( انتهى النص )
عن أي خلافة عثمانية يتحدث صاحبنا ؟ وكنت قد سألته قبل سنوات في ( تفكيك هيكل ) ان يصحح مفاهيمه الخاطئة حول هذا ” الموضوع ” وان يهتم بالشأن التاريخي لما يقوله ويدعمه بالسنوات والبراهين والامثلة والمقارنات والشواهد نظرا لخطورته .. فلقد كانت الدولة العثمانية دولة سلطنة وليس دولة خلافة ! وكثيرا ما يتوهم المثقفون العرب هذا ويخلطون بين مصطلحي ” الخلافة ” و ” السلطنة ” ، اذ عاشت الدولة العثمانية بطولها دولة سلطانية ، ولم يتبن مشروع الخلافة اي سلطان فيها باستثناء السلطان عبد الحميد الثاني ولكن ليس في بدايات عهده ، بل في نهاياته عندما تبنى مشروعا كان يروج وقت ذاك وخصوصا بعد ان اشاعه السيد جمال الدين الافغاني وبدا كل سلطان او ملك يحلم وقت ذاك بأن يجمع ولاء العالم الاسلامي تحت ظله كي يبايع خليفة على المسلمين أجمعين ! ولم تعلمنا متى بدت الدولة العثمانية تضعف ؟ فلقد بدت تعاني من الضعف منذ قرن كامل على زوالها وسقوطها .. من هم العرب الذين اشفقوا على هذا الضعف ؟ حدد لنا ذلك بالاسماء ان استطعت ؟ وعن اي عالم عربي تتحدث ؟ ومن ذاك الذي كان قد اشفق على نتائج ذلك الضعف ؟ ما هذا الهذيان ؟ وأي ضعف انقلب الى عنف شديد ؟ ما هي اجزاء الكومنولث الذي تدّعيه والذي كان يدافع عن وجوده ؟ عّم ماذا تتحدث ؟
لقد كانت الدولة العثمانية مستسلمة لقدرها مع الاوربيين على امتداد القرن التاسع عشر .. كانت تدافع عن نفسها ضد هذا بالتحالف مع ذاك .. وترضخ لمطالب هذا على حساب انهياراتها هناك ! لقد عانت من المسألة الشرقية بعد حرب القرم وعانت من اقتطاع اجزائها الاوروبية من دون ان تحّرك شيئا ! لم يشفق العرب على العثمانيين ابدا كما تقول ، نظرا لما حل بهم من مصائب واكدار .. لقد كان من نتائج المسألة الشرقية ان انفصلت اقاليم شرقي اوروبا واحدا بعد الاخر في ظل دفاعات عثمانية لم تجدي اي نفع .. كيف كانت كل اوربا ولايات عثمانية ؟ ما هذا الخطل بالتكوينات التاريخية ؟ وما هذا الجهل في التاريخ ؟ لقد كانت روميليا – حسب العرف الاداري العثماني – هي الاجزاء الاوربية من الدولة العثمانية وتجمع ولايات عثمانية عدة امتدت منذ القرن الخامس عشر الى اوروبا حتى وصلت عمقها على عهد السلطان سليمان القانوني 1520- 1566 لتشمل مولدافيا وولاجيا وبلغاريا والبوسنة والهرسك وهنغاريا واليونان ومقدونيا والبانيا وفشل العثمانيون في اقتحام فيينا العاصمة النمساوية لمرتين اولاهما في العام 1529 والثانية في العام 1683 ومنذ اندحارهم قرب اسوارها ، بدا الضعف العثماني في اوربا الشرقية .. ودخل العثمانيون في حروب ضد الروس حتى نهايات حياتهم .. ان كنت لا تدرك الخطوط العامة للتاريخ ، فكيف بك تجازف في الابحار بشؤوننا وتخلط الامور وانت لا تفقه اولويات التاريخ ، بل وتستخف بالتاريخ وهذه واحدة من فجائعنا الفكرية نحن العرب !
وتقول : ” لكن العالم العربي الإسلامي فضل متردد لأنه جامع الخلافة بدا له أقوى من أي شيء ” ، متى بقي العالم العربي والاسلامي مترددا لأنه جامع الخلافة التي تتوهم انها كانت موجودة وانها اقوى من أي شئ ” ؟ ما القوة التي كان يمتلكها هذا العالم العربي الاسلامي ؟ ما الذي تقصده بالتردد ؟ كانت الجزائر قد انفصلت بفعل السيطرة الفرنسية ! كانت ايران على الجانب الاخر العدو اللدود للعثمانيين ! كانت الدولة السعودية الاولى والثانية من ألد اعداء العثمانيين ! كانت مصر محمد علي باشا قد توغلت حملتها في اعماق الاناضول ضد الدولة العثمانية ! كانت منطقة الخليج العربي قد انفصلت بالكامل عن هيمنة العثمانيين وتأثيراتهم ! كان الحسينيون في تونس قد وجدوا لهم ملاذا في ان يكونوا اسياد انفسهم ! كانت الصراعات الاوليغارية والحروب الطائفية في سوريا ولبنان لا يمكن ان تجعل الناس يفكرون بمثل هذا ” الكومنولث ” الذي اخترعه لنا هيكل ! عن اي عالم عربي تتحدث يا هيكل ؟
مصر محمد علي باشا
نتابع مع هيكل اوهامه ، فيقول : ” والحقيقة إنه هذا الجامع فضل مؤثر حتى في مصر في هذا البلد الذي اللي بيقول إنه والله أنا أقدم بلد مستقل وأكتر بلد وصحيح إنه هو ممكن أوي يكون مستقل، لكن أنا أريد أن أفرق بين أن تكون مستقلا وأن تكون في عزلة عما يجري حولك لأنك لا تستطيع أن تنعزل. طيب لو نفتكر إحنا إنه أكبر الأحزاب الوطنية بلاش نتكلم في محمد علي لما جاء محمد علي، محمد علي لم يكن ثائرا على الخلافة لكنه كان رغبا في تجديد مشروع الخلافة وقد يكون راغب في الخلافة لنفسه ولأسرته لكنه لم ينقض على فكرة الجامع، الجامع المشترك .. ” ( انتهى النص ) .
هذا ” الجامع المشترك ” الذي اوهم هيكل به نفسه ، ويريد ان يوهمنا به ايضا .. لا يستقيم مع الحقيقة ابدا ، ويريد ان يفترض بأن هناك من يقبل ان تكون مصر بلدا منعزلا ! من قال بانعزال مصر او بانكماشها على نفسها ؟ ان الاستقلال هو غير الانعزال .. هذه بديهية لا غبار فيها ، ولا اعتقد ان احدا في مصر يقول بانعزاليتها حتى اولئك الذين يتعصبّون لمصر ولهم الحق في ذلك ان وجدوا واحدا مثل هيكل يسّوق بضاعة الجامع المشترك .. فلماذا يخلق صاحبنا من ذلك قضية ؟ وما معنى انه يفتكر بأن اكبر الاحزاب الوطنية .. ؟ ما دخل هذا بالموضوع ؟ ماذا تريد ان تقول ؟ ما معنى بلاش تتكلم في محمد علي ؟؟ ثم تتكلم عنه ودوما ما تفقده سمته الشهيرة فهو محمد علي باشا والتي نبهتك عليها ( : اي على باشويته ) قبل سنوات ! ما معنى ان محمد علي لم يكن ثائرا على الخلافة ؟ اي خلافة هذه ؟ تقصد الخلافة العثمانية ؟ ولم يكن لها اي وجود عصر ذاك ايام محمد علي باشا حيث كانت السلطنة وانه ارسل الى مصر على رأس قوة عثمانية بأمر السلطان ؟ ومن قال لك ان محمد علي باشا كان راغبا في تجديد الخلافة ؟ ومن قال لك انه كان راغبا في الخلافة لنفسه ولأسرته من بعده ؟ وتعقّب قائلا : لكنه لم ينقض على فكرة الجامع ، الجامع المشترك !! هذا كلام هراء مع احترامي لمكانة صاحبنا التي يعتقد انها عالية او انه لم يزل في المقام العالي .. انني اتحداك ان تأتي لي بوثيقة واحدة او قصاصة ورق واحدة او معلومة تاريخية قديمة واحدة تؤكد مزاعمك ! انك بمزاعمك تشّوه التاريخ .. والتاريخ الذي استهنت به يمكنه ان يخنقك عاجلا ام آجلا ! اتحدّاك يا هيكل ان كنت على صواب في الذي تنشره من مزاعم باسم التاريخ الذي جردّته من حتى اولوياته ..
محمد علي باشا : مؤسس مصر الحديثة
وتستطرد من دون اي وجل ولا اي خوف من انكشاف الحقيقة قائلا : ” وهو رجل يملك حلم، محمد علي قيمة محمد علي إنه يملك حلم إنه رجل أطل بصرف النظر عن خلفيته وبصرف النظر عن مطامعه رجل أطل على الواقع الجغرافي والتاريخي والسياسي للمنطقة وأدرك أهمية هذه الجامعة فلما جاء حتى يثور على هذا الجانب لم يثر بقصد أن يهدمه ولكنه.. أو يفضه ولكنه تصور إنه هو إما يرث وإما يجدد فكان مشروعه مشروع تجديد عثماني. محمد علي عمل حاجة شديدة الأهمية في مصر وفضلت مستمرة، عايز أقول إنه مصر لم تُفكر حتى الحركات طول القرن التاسع عشر ونحن نفكر في مصر المستقلة.. ” ( انتهى النص ) .
عليك يا صاحبي ان تدرك جملة من الامور التي خفيت عنك وانت تكتب عن محمد علي باشا ، وطالما نبهتك سابقا الى بعضها في ( تفكيك هيكل ) من دون ان تدرك الحقائق حتى اليوم ، فأنت كما يبدو لي تبقى تكتب او تسرد وغيرك يكتب لك من دون ان تقرأ .. انك كما يبدو لم تقرأ تاريخ مصر كما يجب ، فلو كنت قارئا متفحصا لتاريخ مصر الحديث لما اوقعت نفسك في هكذا مشكلات ومصاعب لا تحسد عليها ابدا .. فهل تعتقد ان محمد علي باشا كان يحمل فكرة جامعة ام كان يحمل فكرة توسع فالفرق كبير بين الموضوعين التاريخيين ؟؟ وتقصد الجامعة العثمانية التي اصطدم بها مرارا وخصوصا بعد امتداده في بلاد الشام اثر امتداده في الجزيرة العربية .. انه عمل على توسيع دولته التي لم تنفصل عن العثمانيين بحجة هذه الجامعة التي تعتقد انه كان يحترمها ، بل لأنه لم يجد في نفسه القدرة على الاستقلال التام عن العثمانيين . انك من ابعد الناس عن فهم تاريخ محمد علي باشا وشخصيته وسايكلوجيته ، بل وحتى طبيعة علاقاته العامة .. انك دوما تبخسه في خلفيته التاريخية ، وحتى ان كانت له مطامع ، فلقد ارتفع بتاريخ مصر لأول مرة بعد قرون من الانغلاق والانحسار والانقسامات والصراعات المحلية .. لقد اعطى محمد علي باشا واسرته لمصر الشيئ الكثير ، وارتقوا بمكانتها بين الامم واستطاع محمد علي باشا ان يؤسس حياة مصر الحديثة . ان هيكل يتوهم بأن محمد علي باشا قد آمن بالجامع المشترك ، وكأنه اراد ان يبقى تابعا لغيره .. لقد نجح محمد علي باشا في خلق مركزية جيوستراتيجية لمصر في المنطقة ، ولم يكن بحاجة الى اي شرعية يستمدها من هذا الذي تسميه يا هيكل بالجامع المشترك ، اذ اوجد له شرعيته التاريخية بنفسه وبنى له علاقات واسعة بين الدول .. ولكنه ابقى على رمز العثمانيين في مصر نظرا لانتمائه الاساسي اليها ، وهذا ما لم يفعله غيره ابدا .
ماذا أرى هذه الكتابة ؟
ان التاريخ لم يعد يكتبه اصحابه والمتبحرين فيه ، اصبح ساحة لكل من هّب ودبّ ، يكتب حسب مزاجه او حسب رغباته او حسب عاطفته السياسية وميوله الايديولوجية .. او حسب اجندة معروفة .. ربما ليس في ذلك اي عيب او جناية في أي نوع من الكتابة الانشائية او المخيالية او السياسية ، ولكن التاريخ بكل مساحاته وعناصره وافعاله واحداثه والوانه .. ليس ملكا لنا وحدنا ، فهو مسؤولية اجيال حالية واجيال قادمة .. هنا لابد لي ان اتوقف قليلا عند تاريخ مصر الحديث ، وخصوصا تاريخ مصر محمد علي باشا الذي لم يكتمل على ايدي المؤرخين ، وان 150 سنة من حياة مصر على عهد الاسرة العلوية لم تنشر كل وثائقه واعماله .. فلا يمكن لكاتب مثل هيكل ان بتقّول ما يشاء .. ومما يؤسف له ان نخبة رائعة من المؤرخين المصريين المختصين بدءا بالاستاذين المؤرخين الكبيرين محمد شفيق غربال وصبري السوربوني وانتقالا الى المؤرخين احمد عزت عبد الكريم وعبد العزيز الشناوي ومحمد رفعت رمضان واحمد احمد الحتّة واحمد عبد الرحيم مصطفى وجمال بدوي ووصولا الى الصديق المؤرخ الراحل يونان لبيب رزق .. لم نجد هيكل يذكر أي واحد منهم ولا يأتينا برأي من آرائهم او أي حكم من احكامهم .. وانا واثق تمام الثقة انه لم يقرأ صفحة واحدة من اعمالهم لتاريخ مصر الحديث !
دعوني اكمل معالجاتي لبقايا هيكل في الحلقات القادمة
نشرت على جريدة روز اليوسف المصرية ، 23 اكتوبر 2009 ، ويعاد نشره على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com
وأيضا على صفحة تجمع الدكتور سيار الجميل
http://www.facebook.com/group.php?sid=ef680591def239dac31065b4f16482c3&gid=48810538237
ملاحظة : لا يسمح بإعادة النشر تحريريا او الكترونيا ، الا بترخيص خطي من المؤلف والناشر .