إنني أخشى ، وبمعيتي نخبة عريضة من نخب العراق ومثقفيه ، من الإبقاء على حالة الاستقطاب الطائفي ، وترتهن العملية الانتخابية القادمة بها ؟ هناك أجندة طائفية مشحون بها الخطاب العراقي اليوم لطرفين أو أكثر .. إن البقاء في تخندق طائفي سيكلف مجتمعنا العراقي الكثير مرة ثانية ومرات مقبلات .. وسيدفع العراقيون إثمانا غالية ـ لا سمح الله ـ , إن الإبقاء على معزوفة ” المكونات الرئيسية الثلاثة : السنة والشيعة والأكراد ، هو ضرب من الجنون في مجتمع يصعب أصلا انسجامه مع بعضه البعض ، فكيف إن أبقيتم على تشظياته ؟ إنكم إن لم تنزعوا نزعة مدنية ، وتعالجوا أخطاءكم التي لا تغتفر ، فمصيركم الهلاك عاجلا أم آجلا !
إن المحاصصات الطائفية التي لم تزل تنخر في عظام كل من الدولة والمجتمع العراقيين ، قد جسدتها الانتخابات السابقة ، فكانت أن ساهمت في تمزيق شمل العراقيين ، وخلقت بينهم التنافر والتباغض والتباعد .. فكيف يمكنكم الإبقاء عليها بعد كل ما حصل من خروقات وأخطاء على امتداد السنوات الماضية ؟ إنكم لا تعرفون ” الوطنية ” الا في كلامكم وتصريحاتكم .. ولكنها بعيدة عنكم بعدا كبيرا ، كونها هوية واحدة تجمع كل العراقيين بعيدا عن أي طائفة أو ملة أو دين أو أثنية أو أعراق .. إن الهوية الوطنية ستبعد العراقيين كلهم عن كل الأطراف الإقليمية .. ولكن هذا لم نشهده اليوم لدى كل الأطراف المشاركة في العملية السياسية .
إن العراقيين مدعوون قاطبة للتعرف على ما يحدث ، وعليهم أن يستوعبوا طبيعة السياسة التي ينتهجها كل المشاركين في ما أسموها بـ ” العملية السياسية ” ! وعليهم ان يسألوا : إلى متى يبقى التخندق الطائفي ؟ متى يتم إصلاح الدستور أو تغييره ؟ متى تنتهي المحاصصات التي يسمونها الآن بالتوافق ؟ متى يتم الإصلاح السياسي حتى يلتفت العراقيون الى مستقبلهم ؟ متى يصلحوا واقعهم التربوي والتعليمي ؟ متى ينسجم المجتمع أن كان يعيش تمزقاته في خنادق عميقة ؟ وهل باستطاعة الديمقراطية أن تعيش وتتطور في واقع ملئ بالتقوقعات الطائفية والتعصبات الاثنية ؟
ومن اجل مصلحة العراقيين العليا ، انصح هؤلاء الذين يناكفون أو يتحالفون أو يتصارعون من اجل الاستحواذ على السلطة أن لا يخدعوا الشعب العراقي ثانية وثالثة عندما يتكلمون باسمهم ويتسلطون باسمهم .. عليهم أن يكونوا أمناء مع أنفسهم ومع أبناء شعبهم بالتخلص من تناقضاتهم ، فأما أن تكون لهم أحزابهم الدينية أو تكون لهم أحزابهم المدنية ! أما أن ينهجوا نهجا عراقيا وطنيا وحقيقيا ، وإما أن يوضّحوا للعراقيين وللعالم اجمع أي نهج ينهجون ! أما أن المرأة العراقية مرشحة ومنتخبة بجدارة ، وإما لا يأتون بها لتشكيل نسبة معينة أو مجرد ديكور نسوي وهن يجلسن متشحات بالسواد الفاحم كالأشباح ، حتى يقال أن نسبتهن النسوية عالية ! ولا اعرف ما الذي يمكن أن يقدمه للعراق اناس متخلفون أتت بهم المحاصصات الحزبية والطائفية والاثنية .. وكيف لهم ان يديروا العراق ؟ إذ أثبتت السنوات الماضية نتائج مخيبة تماما ..
إن العراق بحاجة إلى إستراتيجية جديدة ، نعيدها ونكررها مئات المرات عسى يتفقه كل العراقيين في ما يمكن عمله : إطلاق ميثاق مشروع وطني ، وهو بمثابة عقد اجتماعي بين دولة ومجتمع ، مع إعادة النظر لتجديد الحياة الحزبية بإصدار قانون للأحزاب ، وقانون للانتخابات ، وتغيير بنود كاملة في الدستور الذي عدّ فجيعة قاد العراقيين إلى الويلات والتهلكة .. مع حل المليشيات وسحب السلاح والتحقيق في كل الجرائم التي حدثت وإظهار الإفادات وكل الحيثيات على شاشة التلفزيونات .. تطبيق قانون العقوبات العراقي بحزم وقوة .. جعل الانتخابات العامة تقوم ليس على أساس القوائم ، بل على أساس الأشخاص .. تحريم الانتماءات السياسية في الجيش وكل القوى المسلحة .. مع تفعيل قانون هيئة النزاهة ومحاسبة كل المختلسين والمجرمين والمرتشين والقتلة .. مع اختيار الرجل المناسب في المكان المناسب ، بعيدا عن الأجندة الحزبية والمحاصصات الطائفية .. إن العراق إن مشى خطوات على أي طريق وطني ، فسوف يزدهر ديمقراطيا .. سياسيا واقتصاديا وسيكون له شأن كبير .
نشرت في جريدة البيان الاماراتية ، 12 آب / اغسطس 2009 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com