Home / الشأن العراقي / العراق أمام مفترق طرق !

العراق أمام مفترق طرق !

يتراكض الساسة العراقيون اليوم من اجل تحالفات سياسية جديدة .. ومن اجل اتفاقات وتكتيكات للفوز بمقعد نيابي ، أو بمنصب سيادي أو وزاري .. خصوصا وان الانتخابات العامة تقترب يوما بعد آخر ، إذ تقرر أن تكون في شهر يناير القادم 2010 ، وعلى العراقيين أن يستعدوا لمرحلة تاريخية جديدة بعد أن مرّ العراق وكل العراقيين بمرحلة صعبة وقاسية لأربع سنوات مضت .. ويبدو أن جميع من هم في السلطة اليوم في سعي محموم لتأمين مكان لهم لمرحلة قادمة .. هكذا ، ستزداد الضغوط والصراعات والاتهامات وحمامات الدم والكيل بمكاييل مختلفة استعدادا لليوم الموعود . إن العراقيين منقسمون اليوم من حيث المبادئ التي يؤمنون بها ، وكل طرف يريد أن يستقطب الموقف إلى جانبه .. ربما ستولد تحالفات جديدة ، ولكن بنفس الوجوه التي ألفناها من الساسة الذين يريدون أن يستحوذوا على سلطة العراق بأي ثمن ، وهم يدركون جيدا أن سيادة العراق منقوصة .. وهنا نسأل : هل ما يحدث وباسم المبادئ الوطنية سيخدم مصالحنا الوطنية ؟ هل تبلورت في الميدان السياسي وجوه جديدة يمكن أن يبرز من بينها رجال لهم قدرتهم على حل معضلات العراق ؟ وهل يعمل الجميع من اجل الأهداف التي يريدها كل العراقيين ؟ أم انه سعي محموم من اجل القوة والجاه والمال والسلطة ؟
إنني أخشى ، وبمعيتي نخبة عريضة من نخب العراق ومثقفيه ، من الإبقاء على حالة الاستقطاب الطائفي ، وترتهن العملية الانتخابية القادمة بها ؟ هناك أجندة طائفية مشحون بها الخطاب العراقي اليوم لطرفين أو أكثر .. إن البقاء في تخندق طائفي سيكلف مجتمعنا العراقي الكثير مرة ثانية ومرات مقبلات .. وسيدفع العراقيون إثمانا غالية ـ لا سمح الله ـ , إن الإبقاء على معزوفة ” المكونات الرئيسية الثلاثة : السنة والشيعة والأكراد ، هو ضرب من الجنون في مجتمع يصعب أصلا انسجامه مع بعضه البعض ، فكيف إن أبقيتم على تشظياته ؟ إنكم إن لم تنزعوا نزعة مدنية ، وتعالجوا أخطاءكم التي لا تغتفر ، فمصيركم الهلاك عاجلا أم آجلا !
إن المحاصصات الطائفية التي لم تزل تنخر في عظام كل من الدولة والمجتمع العراقيين ، قد جسدتها الانتخابات السابقة ، فكانت أن ساهمت في تمزيق شمل العراقيين ، وخلقت بينهم التنافر والتباغض والتباعد .. فكيف يمكنكم الإبقاء عليها بعد كل ما حصل من خروقات وأخطاء على امتداد السنوات الماضية ؟ إنكم لا تعرفون ” الوطنية ” الا في كلامكم وتصريحاتكم .. ولكنها بعيدة عنكم بعدا كبيرا ، كونها هوية واحدة تجمع كل العراقيين بعيدا عن أي طائفة أو ملة أو دين أو أثنية أو أعراق .. إن الهوية الوطنية ستبعد العراقيين كلهم عن كل الأطراف الإقليمية .. ولكن هذا لم نشهده اليوم لدى كل الأطراف المشاركة في العملية السياسية .
إن العراقيين مدعوون قاطبة للتعرف على ما يحدث ، وعليهم أن يستوعبوا طبيعة السياسة التي ينتهجها كل المشاركين في ما أسموها بـ ” العملية السياسية ” ! وعليهم ان يسألوا : إلى متى يبقى التخندق الطائفي ؟ متى يتم إصلاح الدستور أو تغييره ؟ متى تنتهي المحاصصات التي يسمونها الآن بالتوافق ؟ متى يتم الإصلاح السياسي حتى يلتفت العراقيون الى مستقبلهم ؟ متى يصلحوا واقعهم التربوي والتعليمي ؟ متى ينسجم المجتمع أن كان يعيش تمزقاته في خنادق عميقة ؟ وهل باستطاعة الديمقراطية أن تعيش وتتطور في واقع ملئ بالتقوقعات الطائفية والتعصبات الاثنية ؟
ومن اجل مصلحة العراقيين العليا ، انصح هؤلاء الذين يناكفون أو يتحالفون أو يتصارعون من اجل الاستحواذ على السلطة أن لا يخدعوا الشعب العراقي ثانية وثالثة عندما يتكلمون باسمهم ويتسلطون باسمهم .. عليهم أن يكونوا أمناء مع أنفسهم ومع أبناء شعبهم بالتخلص من تناقضاتهم ، فأما أن تكون لهم أحزابهم الدينية أو تكون لهم أحزابهم المدنية ! أما أن ينهجوا نهجا عراقيا وطنيا وحقيقيا ، وإما أن يوضّحوا للعراقيين وللعالم اجمع أي نهج ينهجون ! أما أن المرأة العراقية مرشحة ومنتخبة بجدارة ، وإما لا يأتون بها لتشكيل نسبة معينة أو مجرد ديكور نسوي وهن يجلسن متشحات بالسواد الفاحم كالأشباح ، حتى يقال أن نسبتهن النسوية عالية ! ولا اعرف ما الذي يمكن أن يقدمه للعراق اناس متخلفون أتت بهم المحاصصات الحزبية والطائفية والاثنية .. وكيف لهم ان يديروا العراق ؟ إذ أثبتت السنوات الماضية نتائج مخيبة تماما ..
إن العراق بحاجة إلى إستراتيجية جديدة ، نعيدها ونكررها مئات المرات عسى يتفقه كل العراقيين في ما يمكن عمله : إطلاق ميثاق مشروع وطني ، وهو بمثابة عقد اجتماعي بين دولة ومجتمع ، مع إعادة النظر لتجديد الحياة الحزبية بإصدار قانون للأحزاب ، وقانون للانتخابات ، وتغيير بنود كاملة في الدستور الذي عدّ فجيعة قاد العراقيين إلى الويلات والتهلكة .. مع حل المليشيات وسحب السلاح والتحقيق في كل الجرائم التي حدثت وإظهار الإفادات وكل الحيثيات على شاشة التلفزيونات .. تطبيق قانون العقوبات العراقي بحزم وقوة .. جعل الانتخابات العامة تقوم ليس على أساس القوائم ، بل على أساس الأشخاص .. تحريم الانتماءات السياسية في الجيش وكل القوى المسلحة .. مع تفعيل قانون هيئة النزاهة ومحاسبة كل المختلسين والمجرمين والمرتشين والقتلة .. مع اختيار الرجل المناسب في المكان المناسب ، بعيدا عن الأجندة الحزبية والمحاصصات الطائفية .. إن العراق إن مشى خطوات على أي طريق وطني ، فسوف يزدهر ديمقراطيا .. سياسيا واقتصاديا وسيكون له شأن كبير .

نشرت في جريدة البيان الاماراتية ، 12 آب / اغسطس 2009 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com

Check Also

نقطة نظام ضد الفساد والمفسدين والفاسدين

ملاحظة : طلب مني عدد من الاصدقاء العراقيين ان اعيد نشر هذا ” المقال ” …