Home / الشأن العراقي / العراقيون الحقيقيون ينتظرون !!

العراقيون الحقيقيون ينتظرون !!



عراقيون

هواجس عراقية
اليوم ينسحب الأمريكيون من شوارع العراق ، ولا ادري أين سيقيمون ! كم نّبه العقلاء ومن لدية حكمة وبصيرة منذ زمن ليس بالقصير إلى مخاطر وآفات قد تتعّرض لها البلاد .. ولكن لا حياة لمن تنادي سواء بالنسبة للساسة الأمريكان الذين يجهلون العراق وطبيعة تواريخه وتكويناته .. أو بالنسبة للعراقيين الذين يجهلون أساليب التعامل مع الأزمات وسياسات التلاعب مع القوى الإقليمية ومصالحها .. كل يعمل على هواه باسم الحريات والديمقراطية والأجواء الجديدة التي وفدت من دون ضوابط وروابط ، ولا مناهج عمل ، ولا تجارب ، ولا تمارين ، ولا دروس .. صور ما أحلاها للآخرين الذين يتمتعون بها من المحيطين بالعراق ويتشفّون بمناظرها وفي الداخل يتلظى العراقيون من جمر الأحداث ومن سوء الاوضاع ومن كل التشظيات .. أناس يريدون كل العراق والبقاء معه من اجل الحياة وأناس تريد تمزيق العراق إربا إربا من اجل مصالحهم وأجنداتهم الحمقاء .. ونحن نقرأ ونسمع منذ أكثر من ست سنوات عما يكتبه أو يقوله كل من هب ودب ويقترح شتى الاقتراحات التي تسري في الاعلامين الداخلي والعربي كالنار في الهشيم من دون أن تراعى مصالح العراق الوطنية العليا وهو يمر بأخطر معضلاته التاريخية ! موجات من الأخبار والأحداث يشترك في صنعها عراقيون وغير عراقيين ..

من اجل نقطة انطلاق موحّد
لقد غدا العراق مقصبة أو مجزرة لا تشم فيها إلا رائحة الدم المتعفر بالتراب ولا ترى فيه إلا أسراب ملايين الذباب وقد تجمعت فيه شراذم وعصابات وجماعات وتحزبات لا عد أو حصر لها .. قنوات فضائية لا تريد أن يكون العراق مستقرا ورهانات الكل على مصيره لمن سيكون في النهاية .. كلها ما فتأت تناضل أناء الليل وأطراف النهار بكل عناصرها وميليشياتها من اجل تأجيج الفتن وإشعال النار وهدم الأحجار وطحن الناس في العراق .. مع عشرات الصحف المحلية التي تضم اصواتا خيرة حتى اليوم تعّبر عن مصالح العراق العليا وعن ضمير العراقيين المأساوي . بين كل هذه التناقضات الخارجة لتوها من أدران العصور الوسطى تجد هناك من ينتقد باسم الديمقراطية والحريات الإعلامية وكأن دنيا العرب لها من الشفافية ما يعجز الآخرون عن الوصول إليها !
العراقيون منقسمون اليوم على أنفسهم انقساما ذريعا إلى جانبين : سلطويون وبعض وطنيين .. أحاديون في وطن موحد ، ثنائيون في وطن منقسم .. طائفيون وغير طائفيين .. فيدراليون على هواهم وغير فيدراليين غصبا عن الآخرين .. الخ والمشكلة أن العراقيين لا يعرفون إلا لغة السلاح والفتك والتصفيات سبيلا لفرض ما يريده هذا بالعنف على حساب ذاك الذي يأمل بلغة السلم والتفاهم والعقل .. العراقيون الحقيقيون لا يعرفون أين ستأخذهم دوامة الأحداث المأساوية وسط هذا التيه العجيب من التناقضات السياسية والأمنية والاجتماعية والإعلامية .. وخصوصا بعد انسحاب قوات المحتلين من الشوارع ! هذا الماراثون العراقي العجيب الذي كانت وراءه عوامل معقدة وخفية لا يدركها احد أبدا ، وكنّا ننوه بمخاطرها منذ قبيل سقوط النظام السابق كيلا تتفجر بكل القيح بعد انفتاح الجرح .. إن تراكمات وتداعيات ما جرى من إبقاء الدمل من دون استئصاله . وعليه ، لا راحة للعراق إلا بعد عمليات إلغاء لكل ما جرى من أخطاء وإعادة البناء السياسي على أسس وطنية حقيقية مع تفاعل عوامل لها علاقة بقضايا متباينة عربية وإقليمية ودولية لم يعرف الاحتلال كيف يداويها منذ سقوط النظام حتى اليوم ، بل وكان الاحتلال سببا مضافا يتحمله منذ اللحظات الأولى التي أصبح العراق بين يديه ..

العراق لا يحتكره أحد !
العراق لم يدرك شعبه بعد ، أن طريق الخلاص لا يمكن أن يأتي في يوم وليلة ، وان الطرق الملتوية لا يمكن أن تؤدي إلا إلى التهلكة والدمار .. وكأن المحرمات لها علاقة بقضية وطن مذبوح منذ زمن بعيد يريد الخلاص . العراقيون في الداخل يرون في عراقيي الخارج ما لم يراه احد في هذا الوجود .. لم يكن هناك عراقي واحد قبل السقوط ما لم يعمل على أن يخرج من العراق ويتمنى كل العراقيين اليوم لو غادروا وطنهم الذي ذاقوا فيه كل الأهوال .. وليدرك كل العراقيين بأن العراق لا يمكن أن يحتكره المتخلفون ولا أن يتلاعب بمقدراته الأشقياء ، ولا يفككه الحاقدون ، ويضيّعه الأغبياء ، ويمزقه الشوفينيون !!! وقبل كل هذا وذاك لا يمكن للعراق أن يحكمه الملالي ورجال دين .. ليس لأنني لا اعترف بهم أو أنني لا احترمهم ، بل لأنهم لا يصلحون للسياسة والمؤسسات ولم يقبلوا بمبدأ المشاركة أصلا مع من يختلف معهم سياسيا .
مدن عراقية عدة تحترق وتنهب وتخترقها عصابات وميليشيات وجماعات لا يمكن أن تفهم ماذا يريدون ولا يمكن أن يتبين المرء العدو من الصديق .. والدبابات والمدرعات الأمريكية التي كانت تخترق الشوارع بفضاضة قاسية انسحبت وعمليات فاشلة من الكر والفر التي لم تعد تجدي نفعا في هذا العصر ، فيما يبقى صوت العقل مغيبا والحوار ميتا وهذا يأخذ العراق طولا والآخر يأخذه عرضا .. العراقيون يتلظون بين جدرانهم من دون حول أو قوة ، من دون أن يذكرهم احد ويخلصهم من سلاسل النكبات والأهوال المزرية .. ذاك يرمي بسياساته على النار حطبا ، وتلك المحطة الفضائية تشعل الجمر وتذكي الفتن ، وهذه الجارة تتدفق منها شراذم الانتحاريين وأخرى تتفشى على حدودها مجاميع الإرهابيين .. والجارة الشرقية تخترقنا مع كل مؤسساتنا .. لقد ضاعت مقاييس الوطنية التي بدأ يستخدمها الرعاع والقتلة والمجرمون والأشقياء والخاطفون من اجل تحقيق أهدافهم ومصالحهم على حساب الناس العزل .. ما الذي يجري من نكبات لا يتحسسها أصحاب الضمائر الميتة ؟ ما الذي جرى بالعراق بحيث يغدو قطاع الطرق من المجاهدين البررة ؟

هل هناك طبخات سامة قاتلة ضد العراق ؟
لن يخلو تاريخ العراق المعاصر في القرن العشرين من الدسائس والمؤامرات وحروب الكلام والإذاعات ومن طبخات سياسية .. فهل أن طبخة العراق الجديدة تقضي بإشعال الفتن والحروب الداخلية الأهلية والأهوال الطائفية والمجازر المفزعة لينتج العراق المزيد من تواريخ النكبات والابتلاءات الأسطورية والأحداث المروعة التي تبقى الأجيال تبكي وتولول على ما فات .. من دون أن ينتبهوا ولو لمرة واحدة إلى واقعهم المزري .. ومنذ سنوات طوال وأنا اشدد على أن طبخات سامة قاتلة هي في الطريق تصنعها قوى ظلامية شريرة لا تشتهي إلا الدم ولا تهدف إلا إلى الموت والانتحار والتدمير وفناء المكونات .. إنها لا تريد التنوير ولا التحديث ولا التغيير ولا تريد الشراكة ولا التسامح ولا الإصغاء ولا تدرك أصلا معنى الاختلاف لأنها لا تدرك طبائع الأشياء ولا تعي طرائق العمل في اللعب السياسية .. ومن المؤسف أن هناك ثقافات بشعة في دواخل مجتمعاتنا تفعل كل الأفاعيل تحت شعارات ومسميات شتى .. بل وتقترف جنايات وجرائم لا حصر لها من اجل التزوير ، ومن اجل التدليس ، ومن اجل التعتيم على الايجابيات وقتل أي مشروعات واقتراحات وطموحات ومن اجل الدعوة إلى الإرهاب والقتل والخطف وعمليات النهب وتقطيع رؤوس البشر والعيش كوسيلة مارقة من اجل الارتهانات المخزية ..

كلمات ليست أخيرة
وأخيرا أتساءل : أليس العراق بلاد الأعاجيب الصعبة وبكل غرائبه ؟ متى سيتخلص من كل هذه التناقضات المريعة ؟ متى سيصحح الدستور العراقي تصحيحا يراعي شعور كل العراقيين ؟ ومتى يتعّلم العراقيون أن مصالحهم العليا لابد أن تكون هدفا حقيقيا لإستراتيجية عراقية في ما بينهم حتى وان اختلفت تكتيكاتهم إزاء الآخرين جميعا .. من اجل أن يغدو المجتمع العراقي كتلة وطنية منسجمة بكل أطيافها ليبدأ العملية السياسية الحقيقية لا الرتوش السياسية المزوقة والمزورة للإرادة العراقية في التاريخ . إنني أقول بأن مخاض العراق صعب جدا ولا يمكن أبدا أن نحلم بأن طريقه مفروشة بالورود والرياحين .. وان معضلة الاحتلال لا تمثّل إلا جزءا يسيرا من مشكلاته التاريخية المزمنة والموروثة ، وأقول كلمة للتاريخ بأن قوات متعددة الجنسيات سترحل عاجلا أم آجلا .. ويبقى العراق يعاني من ويلاته وموروثاته وتناقضاته وجيرانه .. وسيبقى الحزن يغلف كل أنحائه لزمن ليس بالقصير أبدا .. إنني لست متشائما ولكن لابد أن نتفاءل بخطوات عملية وقاطعة تتخذها نخب العراقيين .. فئات الناس .. جماهير الشعب . عليهم أن يقولوا كلمتهم إنني أتفاءل بمستقبل مشرق ستصنعه الإرادة العراقية في يوم قريب .. وعلينا أن نلفت الأنظار إلى أن حجم المأساة سيندر ويضمحل في حالة جعل العراق يعيش في الضمائر قبل أية انتماءات أخرى .. وان تزول عوامل التفرقة التي زرعت باسم المكونات الكبيرة والأقليات على حساب كرامة العراق والعراقيين .. نتمنى أن تتبلور متغيرات مهمة ليغدو العراق كالذي نحلم به .. فهل وعينا الدرس .. أم هل من مزيد ؟

نشرت في الصباح ، 2 تموز / يوليو 2009 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com

Check Also

نقطة نظام ضد الفساد والمفسدين والفاسدين

ملاحظة : طلب مني عدد من الاصدقاء العراقيين ان اعيد نشر هذا ” المقال ” …