إن وصول الحالة إلى حدوث ” اشتباكات عنيفة” اثر تراشقات وملاحقات .. واستمرار حرائق من قبل المتظاهرين .. مع انتقال هتافات علنية لشباب وشابات وصلت أوج انتقاداتهم وهم يهتفون “الموت للدكتاتور ، و” الموت لأحمدي نجاد” وأضافوا قائلين : “نريد العودة لتصويتنا” و ” لا نريد الحسم السريع ” .. الخ كلها تشير إلى أن المجتمع السياسي الإيراني اليوم منقسم على نفسه انقساما خطيرا ، وعندما نرى النتائج التي أظهرت أن 6. 62 في المئة من الأصوات قد منحت لاحمدي نجاد ، وان 33.75 في المئة منها قد أعطيت لمير موسوي — وهو رئيس وزراء سابق ، وغدا اليوم بطلا لحركة الشباب نحو الإصلاحات بدافع البحث عن مزيد من الحريات وألطف وجها لإيران في الخارج. إن كل ذلك يمنحنا نتائج غاية في الأهمية ، خصوصا ، وان الانتخابات جرت والسلطة بأيدي المحافظين الذين اقفلوا الأبواب أمام أي فرصة للإصلاح والتغيير ، وخصوصا ، الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي ، الذي يفترض فيه أن يكون أبا روحيا لكل إيران والإيرانيين ، وان يستخدم إرادته كي لا يمارس أي تعاطف مع أي طرف من الأطراف ، فهو الوحيد الذي يمتلك سلطات لا حدود لها ، وصلاحيات لا نهايات لها ، للتدخل في النزاعات ، فكيف يمكنه أن يظهر في رسالة على شاشة تلفزيون الدولة ، كي يحث الأمة على التوحد وراء محمود احمدي نجاد ، واصفا النتيجة “تقييم الهي” !! ؟
إنني اعتقد بأن إيران ستمشي بعد هذه ” اللحظة التاريخية المريرة ” في طريق آخر ، إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتوحد الأمة الإيرانية وراء مرشّح يدعمه سيد البلاد الروحي كونه تقييم الهي ! ولقد رفض موسوي النتيجة وقال أنها مزورة ، ودعا أنصاره إلى مقاومة حكومة “الأكاذيب والديكتاتورية” ! وقال : “أنا احذّر من الاستسلام لهذا التلاعب” ، وقال بيان نشر على موقعه على الانترنت : “نتيجة ما شهدناه من أداء المسؤولين ، فهو خطير جدا يهز دعائم جمهورية إيران الإسلامية المقدسة “. واستطرد قائلا : “لن تحترم الناس أولئك الذين قاموا بالاستيلاء على السلطة عن طريق الغش ” و ” لن نستسلم لهذا التلاعب الخطير”. وقام موسوي بمناشدة الإمام خامنئي مباشرة للتدخل ووقف ما قال انه يمثل انتهاكا للقانون .. ، فهل سيجني موسوي غير خيبة الأمل ، هذا إن استطاع أن يحافظ على حياته ، وكلنا يعلم بأن الإمام خامنئي رجل دين لم ينتخب ، ولكنه سيد إيران الحقيقي ، ويحمل السلطة السياسية في إيران بيديه ، ويسيطر على جميع القرارات الرئيسية المتعلقة بالسياسات.
إن إيران اليوم على مفترق طرق صعب ، وهي بحاجة إلى وحدة بين الفرقاء ، وكان خطاب المنتصر احمدي نجاد مثيرا ، وكأنه انتصر في معركة حربية ضد أعداء حقيقيين ، كي يصف خصومه الإصلاحيين بشتى التهم .. إن المرحلة القادمة مليئة بالمفاجئات ، وذكرت الأخبار أن السلطات الإيرانية اعتقلت زهرا إشراقي حفيدة مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله الخميني، وزوجها الدكتور رضا خاتمي شقيق الرئيس السابق ، فكليهما من الرواد الإصلاحيين .. إنني اعتقد انه مهما كانت الانتخابات الإيرانية نزيهة ، فهي مفتقدة مشروعيتها كون البلاد بيد ولي فقيه ، وبحكمه الذي يدعي انه مستمد من الآلهة .. فلا وجود لسلطات دستورية ، وحتى إن وجدت ، فلا فصل في ما بينها . هنا تكمن تناقضات المشكلة الأساسية عند الإيرانيين والحقيقية للانقسام بين محافظين وإصلاحيين .. مع وجود ملايين الصامتين !
نشرت في البيان الإماراتية ، 17 يونيو 2009 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com