زعيم التاميل
اليوم ، يبدو التاميل شعبا بائسا سحقه الفقر والجوع والمرض .. وعانى طويلا من حمامات الدم .. شعب شرده القتال كبقية المجتمعات الممزقة .. وتتوقع كولومبو العاصمة السريلانكية سخاء المساعدات الدولية .. ويبدو أن كندا هي في صدارة قائمة الدول التي ستعمل على إعادة بناء مجتمع التاميل ، شريطة اخذ وعود لإعطاء الأقلية التاميلية المساواة في الحقوق وحصة أكبر في الحياة العامة للبلد. ونعلم من خلال تدريسنا تاريخ آسيا المعاصر انه منذ استقلال سيلان عام 1948 ، فإن الأغلبية السنهالية البوذية تجتاح تلك الجزيرة المخروطية الواقعة في المحيط الهندي والتي يبلغ عدد سكانها 21 مليون نسمة ، وتدريجيا ، وجراء تدفق تلك الأعداد الكبيرة من أصقاع الهند إليها ، فلقد حدث تخلخل كبير .. واختل نظام الوظائف العليا في الحكومة والتعليم والأجهزة الأمنية بين السكان ، إذ بدا المجتمع السيلاني منقسما على ذاته .. فوجد التاميل الهندوس أنفسهم يتراجعون بشكل مطّرد وتتبخر حقوقهم !
شعار نمور التاميل
إن الاتحاد الأوروبي يدعو لفتح تحقيق في جرائم الحرب دوليا ، وأيضا في مقتل مدنيين خلال الأشهر الأخيرة. وهنا قد تتهم الحكومة السريلانكية ، مما يخدش صورتها أمام الرأي العام ، ذلك إن النمور لم تستخدم المدنيين كدروع بشرية ، وان سريلانكا ، قد أنفقت ما يقرب من 2 مليار دولار على الحرب هذا العام ، وهي اليوم بحاجة ماسة إلى المساعدة على إعادة بناء المناطق المتضررة في الجزيرة ! إن الشباب التاميل في دواخل سريلانكا أم في الشتات يشعرون بالغضب الشديد على النهاية الدموية التي حاقت بشعبهم .. فهل ستبقى حكومة كولومبو تعيش احتفالاتها بالنصر ؟ أم أنها ستواجه العالم بعد أن يستيقظ على ما كان هناك من مظالم كان ينبغي التصدي لها ! وإذا نجحت في إقناع العالم بصواب خطواتها ، فهل تقدر على مغازلة خطر تجدد أعمال العنف ؟ وإذا كانت قد عرضت شريطا مصورا لجثة زعيم النمور .. فما معنى إعلان النمور في الخارج أن زعيمهم لم يزل على قيد الحياة وبصحة جيدة ؟ وحتى إن مات زعيم النمور ، فهل حركة مقاتلة عمرها قرابة 30 سنة ستموت مباشرة ؟ ليس المهم أن يذيع الرئيس السريلانكي ، أن بلاده تحررت من الإرهاب، وانه للمرة الأولى منذ 30 عاما ، يتم توحيد البلاد بعد هزيمة متمردي نمور التاميل ، بل المهم أن يبدأ صفحة جديدة من الحياة السياسية والدستورية ، وان تمنح كافة الحقوق لشعب التاميل الذي صبغته الدماء وأبكاه البؤس والشقاء .. هل ستتعلم المجتمعات المعقدة ، غير المتجانسة ، كيف يمكنها أن تبني شراكة ومعايشة مصيرية ؟ وهل يتعلم الحكام كيف ” لا يجعلوا الشجرة التي أمامهم تعيقهم عن رؤية الغابة التي خلفها ” ربما كانت روح هذه الحكمة القديمة أكثر ما تحتاجه سريلانكا اليوم ، حكومة وشعبا ، بعد أن غطى الدم حقول الشاي الخضراء لأكثر من ثلاثين سنة ؟
البيان الاماراتية ، 27 مايو / آيار 2009 ، ويعاد النشر على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com