العراقيون بين المضحك المبكي
لقد كانت لنا فرصة ذهبية ان نستمع ونشاهد كيف هي ردود بعض القادة السياسيين والوزراء ورؤساء الوفود ، وعراقيات متحزبّات في مناسبات دولية .. يسارعون إلى حضورها والمشاركة فيها من دون أي معلومات ، ولا أي مواقف ، ولا أي أرقام ، ولا أي وجهات نظر وطنية متكاملة .. إذ أننا نقف بين حين وآخر على هكذا مواجهات مخجلة بين مسؤولينا من دولنا في المنطقة وبين المسؤولين في دول كبرى .. ولم تحدث مثل هذه السيناريوهات فجأة ، بل سبقتها تجارب سابقة منذ ثلاثين سنة مضت .. تنّدرت الصحف العالمية على مسؤولينا ووفودنا وهي تشارك في مؤتمرات ، أو ملتقيات ، أو مباحثات .. فنقرأ قصصا مضحكة مبكية في آن واحد عن أناس غير مؤهلين أبدا لتمثيل بلادهم أو مجتمعاتهم دوليا ! وطالما تحدث مواجهات مضحكة وهزيلة جدا ولكن في جلسات مغلقة وسريّة .. وهذا ما يريده دوما اغلب المسؤولين من بلداننا ، كيلا تنفضح أمام العالم ، بضاعتهم ، وقلة حيلتهم ، وجهالتهم وضعف حجتّهم في المواضيع المصيرية أو المصالح المشتركة التي تهم شعوبهم وبلدانهم .. لقد صعقت وأنا أتابع بعض ” التقارير ” الدولية عن أخطاء يقترفها بعض المسؤولين العراقيين ، وهو يتكلم بتثاقل وسذاجة وتفاهة وابتعاد عن الموضوع وذلك هن بلاده التي هي بأمس الحاجة إلى العالم الخارجي لمساعدتها وانتشالها من أوضاعها السيئة التي تمر بها ! وكأنه يقول بأنه مذنب وانه يزيد من جنايته على بلده أكثر مما جناه الآخرون على العراق ! وكأن مجمل القضايا التي يعيشها العراق لا أهمية له عند أمثال هؤلاء .. وكأنه خرج الى العالم ليعّد الأيام ويقبض ما يمكن القبض عليه ، أو ليعقد صفقة مهما كانت ليقبض ( الكومشن ) عليها ! اتقوا الله أيها الموفدون العراقيون الجدد ، ألا يكفينا ما كان من مهازل لمن كان يمّثل العراق دوليا سابقا ، وقد أدّت مهازلهم إلى كوارث وفواجع ! .. إنكم جميعا لا يهمكم العراق بقدر ما تهمكم مصالحكم الشخصية .. وليبقى العراق مؤجلا عن أي مشروع متقدم ، وينقله من تعاسته إلى حالة أفضل .. إن كل حكومات العالم وشركاته وأحزابه ومؤسساته .. تسعى لكي يمثلها في الخارج أفضل الناس حنكة وتخصصا وقوة حجة ومنطق وثقافة ولباقة وكياسة ودبلوماسية ولغة تعامل .. إلا نحن في العراق لا تؤخذ مثل هذه الاعتبارات أسسا حقيقية للتمايز .. إنها كلها مصالح آنية وعلاقات شخصية ومحاصصات حزبية ومحسوبيات ومنسوبيات ..
تقارير سيئة للغاية
إنني الآن في موقع دولي يتيح لي أن اطلّع على مجموعة ” تقارير ” خاصة بالعراق والمسؤولين العراقيين ، وتقييمهم من قبل أطراف دولية متنوعة .. فهي إذن ليست إدانات شخصية محددة ، ولكنها نقاط موضوعية لابد ان تؤخذ بالحسبان عند المسؤولين العراقيين قاطبة .. وان يعالج هذا ” الموضوع ” على مستوى وطني ، فليس من الصواب أن يتحدث مثلا ، احد المبعوثين العراقيين باسم فيدرالية كردستان ، وهو يهمّش العراق والعراقيين .. وكأن العراق صاحب قضية واحدة هي القضية الكردية ! إن موقفا ضعيفا ومتداعيا كهذا لا يليق أبدا بأي عراقي الذي يغّلب الجهوية والمحلية على الوطنية .. بل ويغدو موقفه ضعيفا ومتداعيا ، كي يتلقّى كلاما خشنا يصدر ممن يحادثهم أوربيا ـ مثلا ـ ! ان المسألة لا تقتصر على مبعوثين عاديين ، بل قد تصل الى مستوى وزراء ووكلاء وزارات ومسؤولين كبار .. وكأنهم لم تعلمهم التجارب شيئا منذ اربع سنين ! أو أن يكونوا قد تعّلموا من تجارب غيرهم في أوقات الأزمات ! ولا ادري هل كانت لدى أمثال هؤلاء المسؤولين والموفدين والمبعوثين معلومات كافية كي يتكلموا من خلالها ؟ ام ان عندهم مجرد كليشيات عادية يكررونها أينما ذهبوا ! وإذا كان بعضهم على ثقة بالغة بأن لا يمكن المجازفة بأي كلام يحسب على العراق ، فلماذا لا يتعلم الآخرون قواعد التعامل والتباحث والتفاوض وأسس العمل مع الآخرين .. ما كل هذا التبلد والخور والإساءات التي يأتي بعضها عن قصد وسبق إصرار .. ويصدر بعضها الآخر عن ناس جهلة لا يدركون منطق التعامل ، فكيف بهم يدركون عواقب الأمور ، والعمل الذكي مع الآخر من اجل المصالح العراقية العليا ؟ لماذا تقحم قضايا جانبية وهامشية تخصهم وتخص مناطقهم وتخص إقليمهم من قبل بعض المسؤولين العراقيين على موضوعات بحث تخص العراق كله ؟ ولماذا يختزل المجتمع العراقي ومشكلاته بموضوعات ليست من صلب ما تّم الاتفاق عليه في جدول الأعمال ؟ ان من شيم أي عراقي حقيقي أن يدافع عن كل العراق .. وعن قضايا كل العراقيين أينما كانوا ووجدوا في أي بقعة من العراق .. على أي موفد رسمي عراقي أن لا يحصر مهمته بسرد مآسي النظام السابق ، فلقد رحل ذلك ” النظام ” ، وأصبح في عداد التاريخ .. إن عليه أن يفتح صفحة جديدة في الرؤية نحو المستقبل ، وما يتصوره لبناء عراق المستقبل .. وما ضرورات العراق وحاجاته اليوم .. إن من المعيب أيضا على الموفد العراقي أيا كان مسؤولا أم دبلوماسيا أم إداريا أم أكاديميا .. أن يسّوق نفسه عرقيا أو طائفيا أو مذهبيا .. ويعزف على اسطوانة المكونات الثلاثة من دون أن يقّدم عراقيته أولا للعالم كله .. فلم نسمع أحدا من كل هذا العالم إن قدم عرقه ، أو دينه ، أو مذهبه للآخرين قبل وطنه وبلاده أولا وأخيرا .. ولا يقبل أي إنسان متحّضر في هذا الوجود ان تسأله عن دينه وعرقه وطائفته .. وحتى مدينته وتقاليده الخاصة ، فتلك أمور شخصية لا دخل للآخرين بها !
نصائح الى المسؤولين العراقيين
على موفدينا العراقيين أن يحملوا حلم الرجال ، فلا يخرجوا عن أطوارهم ، عندما يثيرهم صحفي أو محاور .. وان يردوا بأسلوب مهّذب وهادئ ، إلا إن كانوا متهمين حقا بقضايا كبرى وبتهم لا تليق بهم .. عليهم ان يدركوا طبيعة ما يوجّه اليهم بدل الدفاع المتهالك ، كمن يبحث له عن منقذين .. إنهم بتصرفاتهم يضعون كل العراقيين في قفص الاتهام ، وكأن كل العراق مدان لهذا العالم .. مطلوب منهم أن يدافعوا عن عراق مسحوق ، وان يعملوا من اجل ولادة وطنية من دون إعلان غسيلنا على العالم .. فالعالم يدرك كم هي تمزقاتنا ، وكم هي تشظياتنا ؟ وكم هي أوضاعنا صعبة ؟ إنني اطمح أن أرى مسؤولين عراقيين يعيدون هيبة العراق ، كالتي كانت في الداخل والخارج .. وطنيا ودوليا قبل خمسين سنة !
إننا نريد من يرفع رأس العراق عاليا بالعمل على انتشاله مما هو فيه .. إننا نريد من لا يمّثل أيديولوجية معينة من دون مصلحة وطنية ، أو يمّثل سلطة إقليم معين من دون العراق كله ، او يمثّل نظاما واحدا منقسما على نفسه من دون مجتمع موحد.. إننا نريد التخلص دوليا من سمعة سيئة عن العراق والعراقيين ،إذ كان ولم يزل ينظر اليهما العالم بعين الريبة والاتهام .. فالالتفاف والمداورة والمناورة والتغّني بهذا المكّون ، او ذاك الإقليم ، أو هذا المذهب لا تنفع كلها هنا .. إننا نريد عراقيين يعرفون كيف يتكلمون ، وكيف يتعاملون ، وكيف يتباحثون دون إطلاق الكلام على عواهنه .. وسواء كان بالعربية أو الانكليزية أو الفرنسية أو أي لغة أخرى .. فينبغي أن تكون اللغة حاذقة وبأسلوب علمي ومنطقي وبأفق واسع غير مفتقد للثقة بدل التخوف من أجندة معينة ، أو سلطة حزب مهينة ، أو أوراق ائتلاف ، أو تحالف ، أو مصالح شخص معين .. كلها تجعل قضايانا المصيرية تافهة في نظر العالم والمجتمع الدولي كله . إن اللغة الخائرة التي يستخدمها بعض العراقيين تدّلل على إنهم يحاولون رتق فتق يصعب رتقه على الجميع ، وان ضياعه وهو يهيم بعباراته المتذبذبة ، ونتوءاته المتلكئة .. وجلفيته السمجة .. سيجعلنا نخسر جميعا جملة من المسائل التي يحتاجها العراق اليوم قبل ان يطويها الزمن ! إن مطالبتنا قبل أربع أو خمس سنوات من اليوم بأناس توكنوقراط يدركون ما يستوجب عمله كان سينقذ البلاد أكثر بكثير مما فعلته محاصصات الاحزاب وتوافقيات التحالفات سيئة السمعة ! أما الوفود النسوية ، فحدث عنها ولا حرج لما يقترفنه بعضهن من تصرفات ، وكأنهن جالسات على بسطات الشوارع ! إنني لست ضد أي عراقي أو عراقية في أن يشارك دوليا ، ولكن لابد من توفّر أولويات من اجل المشاركة ، فليس كل من جعله القدر مسؤولا بين ليلة وضحاها ، أو جيء بها ورقة ، أو رقما إلى أروقة البرلمان ، أو صعد من خلال لعبة التوافق وخطيئة المحاصصة ، أو نصبه الأمريكان اعلى المناصب .. وغيرهم كثير أنهم يصلحون وجوها مستنيرة أمام المجتمع الدولي ..
واخيرا : هل من اجراءات رسمية ؟
عليهم أن يتخّلصوا من الطريقة البدائية التي دوما ما أشبهها بالنعامة التي تخفي رأسها في الرمل وكل أشلائها مفضوحة للعالم .. عليهم التخّلص من الأسلوب الذي لم يستوعبه العالم .. عليهم أن يعرفوا حجمهم الطبيعي بين البشر ، ويعترفون بكل أخطائهم .. إنني الفت نظر المسؤولين العراقيين إلى هذا الجانب الذي له ثقله في بلدان أخرى في العالم ، باختيار أفضل الموفدين والدبلوماسيين والممثلين .. وعلى الحكومة أن تصدر إجراءات تشدد من خلالها على نوعية جحافل هذه الوفود التي تضّر بمصالحنا العراقية مستقبلا .
نشرت في الصباح ، 21 مايس / آيار 2009 . ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com
Check Also
زعامات ورزايا .. ورئاسات بلا مزايا
الزعامة غير الرئاسة، والرئاسة غير الإدارة، والإدارة غير القضاء. لقد مضى زمن الزعامات الحقيقية، وماتت …