يقول واحد من الطلبات : ” خلال السنتين الماضيتين صدرت عن مسؤولين في الدولة شعارات عن إجراءات لإصدار قوانين جديدة تعمل على أنصاف الموظفين والمتقاعدين وتحقق لهم كرامتهم ، وفعلا صدر قانون الخدمة الجامعية ألذي أعطيت فيه حقوق ممتازة للموظفين والمتقاعدين وجاء واضحا فيه أنه يشمل المتقاعدين السابقين , حتى إذا ما انتقل القانون هذا إلى مرحلة التطبيق ، أصدرت وزارة المالية تعليمات تحدد من يشملهم القانون بأولئك الذي تقاعدوا بعد سنة 2005م. مما يعني إلغاءا لحقوق ألمئات بل الآلاف من الأساتذة العراقيين سواء في الداخل والخارج ، الأمر الذي زادهم إمعانا في المعاناة وذلك بإبقائهم في حالة من العوز الشديد والحاجة والشعور بالأسى. وهنا يتساءل الآلاف من العراقيين : أين أذا حقوق الإنسان من هذا ؟
وأين هي الشعارات المرفوعة من هذا الذي أصدرته وزارة المالية ؟ ومتى كانت التعليمات أقوى من القانون !؟ ويستصرخ البعض أن هناك مئات من أساتذة الجامعات وغيرهم من موظفي الدولة ممن اضطروا إلى مغادرة العراق لأسباب معروفة ومبررة بحثا عن أماكن يامنون فيها على حياتهم وحياة أسرهم .وقد كانوا يتطلعون إلى رعاية الدولة لهم وإنصافهم وذلك بإعادتهم إلى وظائفهم ، أو منحهم الحقوق التقاعدية التي يستحقون . إن هناك من تقدم بطلب أحالته إلى التقاعد ، وقد صدرت لهم بذلك أوامر جامعية ووزارية ، وعندما وصلت معاملاتهم إلى دائرة التقاعد ، رفضت هذه الأخيرة تسلم معاملاتهم بدعوى أنهم يعتبرون في عــداد المستقيلين وموضوعهم أنهم غادروا العراق وللأسباب التي ذكرت أعلاه للتدريس في جامعات عربية ولم يقدموا استقالات ، بل خرج كثير منهم بموافقات جامعاتهم الرسمية ، وعندما انتهت أجازاتهم خارج العراق ، صدرت – كالعادة- من جامعاتهم قرارات باعتبارهم مستقيلين من وظائفهم بعد مضي فترة محددة ، كما هو معمول به إداريا في البلاد. أذا ، فهم في ضوء ذلك لم يستقيلوا بل اعتبروا مستقيلين ، فلماذا والحالة هذه تمتنع دائرة التقاعد من تسلم وتمشية معاملاتهم التقاعدية ؟ وتنكر بذلك عليهم حقا قانونيا ودستوريا وإنسانيا في الوقت الذي تصل فيه خدمات بعضهم في الدولة إلى الخمسين عاما ، وقد استوفيت عنها التوقيفات التقاعدية منهم حسب الأصول ! ولدى مراجعة بعـض من تقدم بإحالته إلى التقاعد من المذكورين أعلاه في الفقرة السابقة إلى دائرة التقاعد مع موافقة وزارة التعليم العالي ، ألا أن دائرة التقاعد العامة لم تستلم معاملاتهم بدعوى :- أن كلّ من أعتبر مستقيلا خلال الفترة من 1996- 2003 م , لا يستحق راتبا تقاعديا وذلك – حسب قولهم – استنادا إلى تعليمات لديهم بهذا الخصوص! وهنا لا ندري ما هي تلك التعليمات؟ ومن الذي أصدرها؟ وأين نشرت ومتى بالضبط؟ لقد فتش هؤلاء في كل المصادر ، وفي الوقائــع العراقية ، وكذلك السؤال من المطّلعين من المحامين ومن ذوي الاختصاص .. والكل قال: لا توجــد هكذا تعليمات ، وهكذا ظل هؤلاء الزملاء تائهين ماذا عساهم يعملون أمام من ينكر عليهم أهمّ وأقدس حقوقهم ورزق عوائلهم بعد هذا الزمن الطويل الصعب من حياتهم ومعاناتهم !
ويؤكد آلاف الأكاديميين العراقيين قائلين : إن ما ينبغي تأكيده هنا ، أننا خدمنا وطننا وأبناءه بكل تفان وإخلاص ، ولم ندخر جهدا ، إلا وبذلناه ، وبكل تفان ونكران ذات ، وخلال عشرات السنين من الخدمة المخلصة ، وقد تخرّج على أيدينا خيرة أبنائنا وأبناء الأقطار الشقيقة الذين _ وبكل اعتزاز_ تبوأوا مراكز علمية وإدارية يفتخر بها الوطن ، والآن ونحن نعيش في المهجر وبلاد الغربة نعاني من فقدان فرص العمل ، وأي مصدر للعيش وحق التقاعد ، نقول أن بلدنا هو الذي من المفروض أن يصون كرامتنا ويهتم بتوفير العيش الكريم لنا. لقد كنا قد رفعنا اسم العراق عاليا من حيث المستوى العلمي والضبط والدقة والكفاءة النادرة .
لقد صدرت في بلدنا خلال العام الماضي دعوات إعلامية كثيرة سواء من مسئولين على صعيـد مجلس الوزراء ، أو وزارة التعليم العالي بأن العراق يفتح ذراعيه واسعا لعودة أبنائه من الأساتذة والعلماء المهجّرين والمهاجرين ، وهو مستعد لأعادتهم إلى وظائفهم ، ومنحهم امتيازات شتى نصّ عليها بما لا يقبل اللبس والاجتهاد ، ومنها قرار مجلس الوزراء الموقر رقم ( 441 لسنة 2008 ) المؤرخ في 17/12/2008 . هذا وقد أستثنى ذلك القرار الأساتذة من شرط العمر، فماذا لا يفّعل ذلك ؟ إن عدم أعادة الأساتذة والعلماء بدعوى عامل السن هو أمر غير مبرر لأنه يحرم مؤسساتنا التعليمية من تخصصات وخبرات كبيرة ومهمة .
إنني أهيب بالسادة المسؤولين العراقيين ، أخذ هذا ” الموضوع ” بالاهتمام من اجل مواصلة السعي من أجل عودة الحقوق لأصحابها ، حفاظا على كرامة أساتذتنا ورجالات العلم العراقيين الذين يكفيهم بهذلة وإذلالا ومشقة وصعابا ..
وأخيرا ، إن هذه الصرخة رغم أنها تخص شريحة الأساتذة الجامعيين وتطرح قضية جامعـّية ، ألا أنها تساند في الوقت ذاته كلّ دعوة مخلصة لأنصاف الشرائح الأخرى من المجتمع العراقي ألذي ضحّى كثيرا وتحمّل من أوزار الحروب والفساد الإداري والمالي وانعدام الخدمات بما لا تطيق حمله حتى الجبال . دعونا نبقى متابعين لهذا الشأن من اجل إحقاق كلمة حق وإنصاف لكل العراقيين وتحقيق مجتمع العدالة في دولة القانون .
جريدة الصباح ، 5 آذار / مارس 2009
وتنشر على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com