الأم مدرسة إذا أعددتها
أَعددت شعباً طيب الأعراق
لو حدثتك عن فوائد تعليم البنات وما فيه من خير للأمة لابتسمت ، وعددت هذا كلاماً مفروغاً منه. ولو حدثتك كذلك إن في بعض زوايا البلدان أشخاصاً … ، ولكن العرف شاذاً فتأتينا دوماً بنبأ يحاكم عليه من يلقط به في البلاد الغربية لأنكرت ذلك. ولكن لماذا لا نقرّ بالواقع ؟ ولماذا ننكر على أصحاب هذه الآراء ؟ أأنت من طلاب الكلام ؟ أو تود أن تعيش في هذا العالم من دون أن يزعجك بعضه.
فإن كنت من هؤلاء فأنت حقاً تتطلب شططاً. وأما إن كنت متواضعاً في الآراء والمطالب ، فلا بد أن تكون إذاً مع فكرتي ، فلنتقدم سوياً لهؤلاء الناس بهذه الكلمة ، وبقلب مدلهف وروح نحيب مكتوم.
نحن طلاب استقلال يا صاح ولا يأتينا ذلك عن طريق الجهل وأستعباد الأمهات. أو كيف يعقل أن نكون أحراراً وأمهاتنا مستعبدات ؟
تعليم البنت: هو النهوض بنصف مجموع الأمة المشلول بل الأمة قاطبة، ففي خدرهن يتربى الأولاد ، فإن كنّ جاهلات أميات غرسن في عقول أولادهن أراء سخيفة واعتقادات خرافية وهناك الطامة الكبرى، فلا المدارس ولا النظم تفني فتيلاً في تقويم معوجٍ وإصلاح ما فسد.
أذهب معك إلى حد ما للمدارس من مقدرة في ملأ عقول الأولاد بالعلوم والفنون ولكن هذا لا يعني تربية مجيدة أو أخلاقاً حميدة فالعلم شيء والأخلاق شيء أخر.
وأنت ترى يومياً تلك المناقضة وأنت تحس كذلك بما يؤول بك إلى التساؤل : ما لي أرى فلاناً يتورط في هذا أو ذاك مع إنه على درجة من العلم كبيرة ؟
وجواب ذلك بالطبع ما قدمناه من الكلام.
فتعليم البنت إذا حصن حصين به تقدر وتفتهم المسؤولية الملقاة على عاتقها في إدارة زوجها ، وإني أؤكد لك إنه لو كانت نسائنا على شيءٍ من العلم والتربية لما رأيت هذا العدد الوفير يزحم بعضه بعضاً في المقاهي هرباً من جهل الزوجات ذلك هو الحق، وإِن غضب له أصحاب القهوات.
نعم كنت ترى البيوت مجتمعات أنس وأدب، ومجالس سمر وتهذيب ، تنشأ فيها الأولاد ترعاهم عيون الآباء مع الأمهات. نعم كنت لا تسمع هذه الكلمات البذيئة المخدشة للإحساس التي يحمر لها جبين العذراء خجلاً، تلكمو الكلمات التي نسمعها من أفواه الأطفال في الشوارع.
هذا حق لا مرية فيه تعمل وزارة المعارف إلى تحقيق ما نطمح إليه من تعليم فتاتنا والنهوض بالأمة إلى المستوى اللائق بها كيما نحتل مكاناً تحت الشمس، وهذا حق كذلك في إن شباب الحدباء الناهض يعرض عن الزواج بالجاهلات ويطلب أيدي رفيقات حياتهم من المهذبات المتعلمات.
صدى الجمهور ، العدد 16 ، الخميس 14 نيسان/ ابريل 1927، 12 شوال 1345 هـ .