الرئيسية / تراث آل الجميل / الأديب علي الجميل في ذاكرة الثمانين

الأديب علي الجميل في ذاكرة الثمانين

في الخامس والعشرين من حزيران الماضي احتفلت الصحافة الموصلية بالذكرى الـ(123) لتأسيسها متذكرة تاريخها الحافل بالثبات على أسس الصحافة الهادفة، وتقاليدها المتعارف عليها من يوم صدورها في (25 حزيران سنة 1885م) وحتى اليوم، وأثبتت أنها كانت ولا زالت أهلا للتواصل مع قرائها مفتخرة بروادها الأوائل وأعمالهم الرصينة المتصفة بالدقة وقول الحق والصدق عبر تاريخها المجيد، وعرفت ببعض روّادها على صفحات الجرائد غير متناسية لمن سبقهم او لحق بهم، فممن سبق في عالم الصحافة الموصلية الأديب والشاعر اللبيب المرحوم (علي الجميل) (1890-1928م) فهو موصلي المولد والنشأة درس في مدارسها الأهلية فقرأ كتاب الله واهتم بالعربية وتعلم الخط وقيل انه طفق يكتب وهو ابن خمس سنين، وبعد تخرجه من الابتدائية التحق بالمدارس العملية الدينية وصاحب أهل العلم واخذ عنهم فمن شيوخه الشيخ محمد طاهر الفخري والقاضي الشيخ احمد الفخري والشيخ سليمان بن مراد الجليلي والشيخ عثمان أفندي الديوه جي فتلقى عنهم علوم اللغة والمنطق والأدب والشعر والبحث والمناظرة.
– اصدر جريدته (صدى الجمهور) سنة 1927م، وتوظف في دواوين الدولة، فكان كاتبا للضبط في المحكمة الشرعية بالموصل سنة 1328 هجرية، ثم تعين كاتبا في دائرة الأوقاف، ثم انتقل الى تحرير القسم العربي (من جريدة الموصل الرسمية) واختارته غرفة التجارة رئيسا لكاتبها، وعلى اثر الاحتلال الانكليزي للموصل عمل مع الساعين من أبنائها الى تأسيس (النادي العلمي) وهو الجمعية الأدبية في مظهرها، ثم وكلت إليه رئاسة تحرير (مجلة النادي) الذي صدر جزؤها الأول في (15 كانون الثاني سنة 1919).
– كان علي وطنيا متحمسا وكان يكتب مقالاته في جريدة النجاح والتي يصدرها المرحوم (خير الدين العمري) كما نشرت بعض آثاره العملية في مجلة (لسان العرب) و(المنتدى الأدبي) وبقي مع الصحافة حتى أدركه اجله المحتوم في حلب الشهباء عن (38) عاما أثناء إجراء عملية جراحية له رحمه الله رحمة واسعة.
– ولعلي الجميل شعر جميل تلقى فنونه وتعلم بحوره على يد المرحوم القاضي الشيخ احمد الفخري رحمه الله، فالمنشدون في الموصل لا زالوا يتغنون بقصيدته المشهورة (هل أنت مثلي قد شجتك يد النوى) فيقرؤونها بمقام (النوى احد فروع مقام النهاوند) والقصيدة من بحر الكامل احد أبحر الشعر العربي الستة عشر. وقد نظمها في الاستانة يوم تلقى برفيق دربه (مفتي الموصل المرحوم محمد حبيب العبيدي) الذي كان يجمعهما نشاطهما القومي في الموصل وتطلعهما لقيام دولة عربية في العراق بدل الحكم العثماني، فيوم رآه أحب ان يذكره بالموصل وأهلها وربوعها وهوائها وعذوبة مائها، فانشد قائلا:

هل أنت مثلي قد شجتك يد النوى
ام سالمتك فقمت تلحن بالنوى
إني ومن خلق النوى أبدا فلا
قلبي لغير ودادكم يوما نوى
يا أهل موصل ما قطعت مدامعي
عنكم وما زال الهيام بنينوى

وفي القصيدة من (البيان والبديع والمعاني) والحس الشعري ما يدهش الألباب، وإذا ما سمعها الناس بصوت المرحوم السيد إسماعيل الموصلي هاموا بلا ارتياب، وذلك ان للقصيدة والغناء الموصلي نكهة متميزة مبنية على أصول سليمة لا يحسنها الا من تمرس بها وتلقاها عن أربابها، وحبا وإعجابا بأصالة علي الجميل الشعرية نظمت هذه القصيدة.

الأديب علي الجميل في ذكراه الثمانين  (علي حامد الراوي)

آل الجميل تحية وسلام
وجلاله لعميدكم ومقام
ذاك الذي سرى القلوب بشعره
بقصيدة صدحت بها الأنغام
سحرت بمعناها النفوس فأشرقت
ببديعها وبيانها الإفهام
ذكر الأحبة فاستفاق فؤاده
بعد الفراق، وهاجت الآلام
مرت عليه بغربة أيامه
في طولها، وكأنها الأعوام
وترقرقت منه الدموع غزيرة
لا الصبر يمنعها ولا الإحجام
كابي فراس أيقظته حمامة
فشكت، وشكوى العاشقين حرام
ناحت وناح لحاله ولحالها
كل له في مقلتيه كلام
علم من الأعلام أنت (علينا)
يا من بكت لفراقك الأيام
فلانت حقا للصحافة مخلص
ولانت حقا في العلوم أمام
ولانت عف صادق في حبه
لا الدهر أنصفكم ولا الأسقام
ولقد تركت بموصل آمالكم
فمضت بأنس ربيعها الأحلام
فاضت بذي الشهباء روحك للعلا
ولكل أمر مبدأ وختام
فلكم بمكنون الفؤاد محبة
ولكم بجنات الخلود سلام

ـ نشرت في جريدة عراقيون ، الموصل ، آب / اغسطس 2008 .

شاهد أيضاً

يا نجوماً

(نظمها بالفرنسية ) ثم ترجمها الى العربية   صورة  للقصيدة بخط يد الشاعر يا نجوماً قد …