لسنا الا من الذين يشتاقون كل حين لأن يشاهدوا بلادهم في غير الحالة التي نشاهدها الان ، كما اننا أول من يحبذ أن يرى أبناء بلاده يتبارون في مضمار الادب ويتسابقون نحو المشاريع الاجتماعية النافعة ، فهذه بلادنا ، بل هذه البلاد العربية أصيبت بقحط في الرجال ، فأمست حالتنا الاجتماعية ، ولا تزال على الفطرة ، غارقين فيها ، لا تميل الى تغيير في الوضع ، ولا نرى والحالة هذه فضلا في التغيير ، وها نحن مصابين بضعف أدبي مزمن ، لا تنفع معه سياسية السياسيين وأدب الادباء ، واقلام الكتّاب ، ومواعظ الاخلاقيين ، ولم يتصّل هذا الضعف الادبي بجسد الامة في اليوم والامس ، بل منذ فقدت الامة العربية استقلالها ، واندثرت معالم عظمتها ، وطويت آخر صحيفة من تاريخها الذهبي ، فتصاغرت فيها النفوس ، وضعفت اخلاقها ، وهزلت آدابها ، ولم يبق لها من اثر تفاخر به غير اطمار بالية هي بقايا ما جادت به قرائح الشعراء ، ففقدت بفقدانه كل عزم وثبات ، وماتت بموته عاطفة التعاون الاجتماعي والرثاء للبائسين ، والتفادي في الانتصار للضعيف ، والاخذ بيده ، وتأييد العلم وتشييد الملاجئ الخيرية ، تلك ارادة الله في خلقه وسنته في كونه ، فكأن الاستقلال لا يكلل تاجه هام الامة ، الا اذا عرفت اخلاقا وعزت جانبا ونضج علمها وتربيتها ولوجدها التعاون الاجتماعي فردا في شكل شعب رصين .
أما وقد نلنا نحن العراقيون من الاستقلال ما كّنا نشتاقه ونطمح اليه منذ قرون بعيدة ، فقد اصبح من المتحتم علينا أن نشمّر عن ساعد الجد لاصلاح حالتنا الاجتماعية ، ونعالج ضعفنا الادبي متعاضدين متكاتفين في سبيل الاعمال التي يسري نفعها الى العموم ، وان ننهض لترصين استقلالنا بدعائم رصينة ، فنتعب لتستريح ابناؤنا ، ونعمل تخليدا لأسمنا من بعدنا ، فتلك بلادنا في حاجة لأشياء كثيرة . أين جمعيات مساعدة البؤساء ؟ اين جمعية الرفق بالحيوانات ؟ أين ؟ أين ؟ نمر بالبائس الفقير ، فنبخل عليه بفلس يدفع الجوع عنه ، وننفق المئات عقباه .. نمر ببائس يشكو من ألأم حالته ومضضاة حياته ، فنصّد الوجه عنه كأنه ليس من بني البشر ، بل كأنه ليس من خلق الله .
نعم ، اننا ضعاف في تربيتنا وادبنا واجتماعنا ومداركنا وفي كل شيئ يؤهلنا للظهور بالمظهر الكبير الذي ينشده كل فرد من افراد هذه الامة ، فاحتياجا الى القلم والقرطاس والمدرسة والعلم والعقل والتربية أشد من الاحتياج الى الماء ، فالامة لا تكون أمة ما لم يعلمها القلم والقرطاس والمدرسة .. بأنها لا تعيش اذا لم يكن مجموعها فردا فردا مجموعا لا يقبل التجزئة والانقسام ، وما دمنا عاكفين على تقاليدنا البالية ، وتربيتنا السقيمة ، بل ما دمنا مثابرين على البخل في سبيل العلم ، والاسراف في اللهو ، وعلى التقاطع الاجتماعي ، وما دام كبيرنا يظلم صغيرنا ، ويأكل قويّنا ضعيفنا عند سنوح الفرصة ، فأننا سوف لا نزال مصابين بالضعف الادبي والسلام .
صدى الجمهور ، 28 شباط / فبراير 1927