يهمس كبار الانكليز في آذان أصدقائهم من أبناء العرب في القدس ، كما هو المتعارف عن براعة السياسة الانكليزية في حلبة جس النبض بأن الحكومة عازمة على حل المشكلة السياسية الموجودة ، وقد دار الحديث هناك حول حل تلك العقدة السياسية ، وغاية ما يرمي اليه أهل البلاد الموافقة على ذلك بشرط ان لا يكون الحل ظاهره عطاء وحقيقته سلب !
ويقول العارفون بأن الحكومة البريطانية تريد ان تفتح الباب لأخذ آراء الاهلين ، فان راقت لها ووجدتها معقولة ، فحينئذٍ تفاوض حولها الرجال الذين يمثلون الامة . اما الحكومة البريطانية ، فانها تحتج بكونها قد عرضت على الشعب ما يمكنها ان تفعله ، غير ان الشعب ، كان يتستر وراء ستار سلبي مدى الاوقات ، ولذلك اضطرت على ادارة الحكومة ، وادارة شؤون البلاد ، كيلا تتحمل مسئولية جفاء الشعب .
ويقول أحد الزعماء الخبيرين المحنكين ، ان الظروف التي مضت على الحكومة كانت تقضي عليها ان تجابه ما قوبلت به من المقاطعات والمقاومات حيث كان يومئذ يستحيل على الشعب الفلسطيني ان يعترف بمغازي السياسة اذ لم تكن قد نضجت افكاره السياسية خاصة وان الحركة الصهيونية كانت في عنفوان شبابها قد أخذت تخطر تيها وعجبا ، فكان اهل البلاد من حقهم ان يشكو في كل مشروع ، اما وقد قضى الان الافلاس السياسي والاقتصادي على تلك الحركة الفير المباركة ، فلابد ان تكون ذهنية العرب هناك الان غيرها بالامس ، كما انه لابد ان يكون هدف نظرهم نحو سياسة التعاون غير الهدف الذي كان من قبل ، وهذا من جملة البراهين التي تبرهن به الحكومة على تأييد حجتها . ولذلك فان الحكومة لا تريد أن تفاوض أحدا من أهالي البلاد الا بعد ان يبرهن لها بأنه من الرجال الذين بيدهم الحل والعقد ، وبيدهم الرأي العام ، وبأنه من من الذين قد اكتسبوا ثقة الشعب ، ولا يمكن الوقوف على مثل هؤلاء الرجال الا بانتخاب حر نزيه سالم من كل ما يشوبه .. ومن اجل هذا ، فقد نشأت في تلك البلاد فكرة جديدة خلاصتها عقد مؤتمر وطني عام يضم بين بين جدرانه جميع اعضاء البلديات وجميع الرؤساء المنتخبين ورؤساء الاحزاب السياسية والجمعيات الاسلامية والمسيحية ورؤساء جميع النوادي الوطنية ورجالها ، فيعهد الى رجال ذلك المؤتمر بانتخاب لجنة من بينهم يكون رجالها ممن يعرفون قدر الامة ويعرفون حقوق الامة وقيمة البلاد تسمى باللجنة التنفيذية ، فتمثّل الامة تمثيلا صحيحا ، ويكون لها حق المفاوضة مع الحكومة بحيث لا يبقى في امكانها أن تبخس المفاوضين قيمتهم ، وحينئذٍ يظهر للعالم صحة عزم الحكومة من عدمه .
ويقول أحد الزعماء هناك بأن هذه الفكرة سوف تصادف بلا ريب ارتياحا عاما وقبولا صحيحا ، ويؤمل ذلك الزعيم ان يقابلها المفكرون والحكماء من ابناء الشعب بكل نشاط يكون من ورائه التأييد والموافقة اذ ان الامة تعتقد ان الكلمة الاخيرة لها ، وان جميع ما تقوم به الحكونة من سن قوانين واصدار تعليمات ، انما تقع مسئوليتها على الحكومة ما لم تكن الامة مشتركة بها ، وسوف نرى ما يكون في نتيجة ذلك وما ستحدثه الايام .
جريدة صدى الجمهور ، الخميس ، 24 شباط / فبراير 1927 .
ملاحظة الناشر : نشرت هذه المقالة قبل عشرين سنة من تأسيس اسرائيل عام 1947 ، وقبل اربعين سنة من هزيمة العرب امام اسرائيل عام 1967 .