كانت هيلاري قد غادرت البيت الابيض برفقة زوجها الرئيس قبل سنوات لتغدو اليوم سيناتورا بمجلس الشيوخ .. وكانت تأمل منذ تلك اللحظة .. ان ترجع الى البيت الابيض ، ولكن بصفة رئيسة منتصرة تتمتع بكاريزما مؤثرة ، وزوجها يلحق بها ثانية ، ولكن لا كما كانت تلحق به .. ويبدو انها مّصرة جدا ان تلعب كل اوراقها الان بعد ان عرفت اسرار اللعبة اذ كانت شاهدة حية على الاحداث الرئاسية ، بل ووقفت على كيفية تنفيذ الادوار وأدوات السيطرة على المواقف ايام الانتخابات .. واعتقد انها ستستخدم كل مواهبها ومكرها في الوصول الى سدة الرئاسة مستخدمة كل اساليب الحزب الديمقراطي ، بعد ان استفادت من مكانتها السابقة زوجة في البيت الابيض كي توظف امكاناتها في الاقناع وسحر الجذب السياسي من طرف والتلاعب بمصير العالم من طرف آخر !
وقع بيدي صدفة الكتاب الجديد للكاتب المعروف كارل برنستاين الذي كرّسه عن هيلاري بعنوان ( المرأة المسؤولة : حياة هيلاري رودهام كلينتون ) ، فقرأته بمتعة شديدة وفيه معلومات غاية في النضج ، وكشف فيه عن خفايا هذه المرأة التي بدا العالم يقترب منها ليعرفها جيدا على حقيقتها .. خصوصا عندما تتهيأ لتقود اكبر دولة في العالم وخلال مرحلة صعبة جدا سياسيا واقتصاديا وعسكريا .. فكل المؤشرات تقول ان الفرصة القادمة ستكون بيد امرأة قوية مؤمنة بمبادئ حزبها الديمقراطي حتى النخاع وانها مؤهلة لاتخاذ قرارات صعبة للغاية .. اذ سيكون امامها كل ما افرزه عهد جورج دبليو بوش لثماني سنوات مضت .. انه امر ليس بالهين ابدا .. ولقد وجدت انها امرأة صلبة تمتلك صفات قيادية متميزة .. بل انها فاقت زوجها في قوة خطابها وجاذبية شخصيتها .. لقد تعّرضت خلال حياتها للمزيد من التحديات ، ولكنها تواجه اليوم اكبر تحد لها .. علما بأن لها علاقات واسعة مع زعماء دول وحكومات يدركون انهم سيتعاملون مع امرأة ، ولكنها ليست عادية وهي تقف على رأس الولايات المتحدة .
ان هيلاري ـ كما تبدو في كتاب بيرنستاين ـ : امرأة واثقة من خطوتها التاريخية .. وان التاريخ لم يشهد التاريخ ان زوجين قد دخلا عالم السياسة كما دخله كل من بيل وهيلاري .. واعتقد انها وقفت الى جانبه اكثر من وقوفه اليوم الى جانبها .. انها اكثر ليبرالية من زوجها بفعل انعكاسات ابويها عليها ، وقدرتها في السيطرة على القوانين وتطبيقاتها ، وبالوقت نفسه فهي محامية وسياسية في آن واحد ، وتنتقد بعض الاحيان من قبل بعض خصومها لاستعلائها ومكابرتها ! ولكنها تعرف وسائل اقناع لا حدود لها ، وان لها قدرة على المناورة لا يجيدها الرجال .
انها تجربة تاريخية فريدة في تاريخ الولايات المتحدة والعالم ان تأتي امرأة تتولى قيادة الدولة الكبرى في مثل هذه المرحلة الصعبة من التاريخ .. وانني اجد العالم يترقّب عن كثب كيف ستفوز هذه المرأة عن الحزب الديمقراطي وتتولى حكم اميركا .. والى اي مسارات يمكن ان تأخذ العالم .. ويؤكد بعض المراقبين الدوليين بأن هيلاري ستغدو اقوى مما يمكن تصّوره اذا قورنت بالحكام الامريكيين الاخرين الذين سبقوها .. ولكن السؤال : كيف يمكن لهيلاري ان تحل المشكلات الدولية التي كان الجمهوريون سببا في حدوثها ؟ وهل ستواصل الاستراتيجية الامريكية نفسها في العالم وخصوصا ازاء المناطق الساخنة وبؤر التوتر ؟؟ ولعل العراق يمثل اليوم في الاستراتيجية الامريكية اكبر مشكلة ليس في اسباب ما حدث ، بل في نتائج الحدث وانعكاسات ذلك على مكانة الولايات المتحدة في العالم والحفاظ على مصالحها !
تبدو هيلاري مستعدة منذ اليوم على ممارسة امكاناتها باجراء زيارات الى مناطق معينة من العالم وخصوصا زيارتها للعراق .. وكانت قد أخبرت محطة إيه بي سي الأمريكية في العاصمة العراقية بغداد أن الشكوك تنتاب الكونجرس والشعب الأمريكي حيال نجاح مهمة الولايات المتحدة في العراق .. وانتقدت سياسة الرئيس بوش وطالبت باجلاء القوات الامريكية .. ولكنها غّيرت مواقفها في ما بعد .
تبدو خطورة تصريحات هيلاري واضحة في ما كتبه مايكل غوردن في مقالته عنها في النيويورك تايمز ، اذ قال بأن ” السيناتور هيلاري كلينتون تتوقع بقاء جزء من القوات الامريكية الى جانب الجهد السياسي في العراق اذا ما انتخبت كرئيسة للولايات المتحدة، لمحاربة القاعدة وردع العدوان الايراني ودعم الجيش العراقي.في المقابلة التي استغرقت نصف ساعة في مكتبها في الكونغرس قالت السيدة كلنتون بان العدد المتدني من القوات الامريكية التي ستبقيها في العراق ستكون بعيدة عن الشوارع ولن تشارك في حماية العراقيين من العنف الطائفي حتى ولو تحول الى تطهير عرقي. وهذا الموقف بدا مختلفا ولو بدرجة خفيفة من موقفها عندما سعت الى الحصول على مقعد في الكونغرس حيث كانت تدعو الى سحب القوات من العراق ” .
وكلنا سمع تصريحات هيلاري التي تفاقم من شدة ازمات امريكا ازاء العالم عندما قالت “ان بقاء مصالح حيوية تتعلق بأمن الولايات المتحدة في العراق يتطلب ابقاء قوات امريكية في هذا البلد بشكل مستمر”. واضافت : بان أمن الولايات المتحدة سيتعرض للمخاطر اذا ما انهارت السلطة المركزية في اي جزء من اجزاء العراق ” وان ” هذا الجزء المنهار سيكون مائدة شهية للمتمردين ولتنظيم القاعدة ، ان هذا البلد في قلب منطقة غنية بالنفط ، وهذا الانهيار يتعارض مباشرة مع مصالحنا ومصالح الدول المجاورة واسرائيل”.
ما يمكنني قوله ان هيلاري كلينتون توازن الان بين الارادة الشعبية وبين الاستراتيجية الامريكية بكل ذكاء ومكر ودهاء .. ولكن ما ان تستحوذ على البيت الابيض ، فانها ستعلن عن مواقفها الحقيقية والتي لا تحيد البتة عن تنفيذ المصالح العليا للولايات المتحدة .. لننتظر ولادة الاحداث القيصرية ثم نرجع الى هيلاري مرة اخرى ..
www.sayyaraljamil.com
البيان الاماراتية ، 25 يوليو 2007
شاهد أيضاً
زعامات ورزايا .. ورئاسات بلا مزايا
الزعامة غير الرئاسة، والرئاسة غير الإدارة، والإدارة غير القضاء. لقد مضى زمن الزعامات الحقيقية، وماتت …