الرئيسية / مقالات / البرلمان العربي : أين هو ؟ اين دوره اليوم ؟؟

البرلمان العربي : أين هو ؟ اين دوره اليوم ؟؟

في مخاض عسير يعيشه العرب اليوم ، وفي غمرة التردّي يتساءل الناس : اين هو البرلمان العربي ؟ اين هو من قضايانا ومشاكلنا ومقاتلنا وصراعاتنا ؟ اين هو من اوضاعنا السياسية في كل من العراق ولبنان وفلسطين والسودان .. ؟؟؟ اين هو من كل ما قيل عنه من مزايا وما سيلعبه من ادوار ؟ اين موقعه في صنع استراتيجيات عربية من نوع جديد ؟ اين هو من تقديم اي مشروع قومي او المشاركة في اي برنامج دولي للتنمية ؟ اين هو من التأثير الدولي خصوصا ونحن نعلم كم المقارنة صعبة ومستحيلة بين البرلمانين الاوروبي والعربي ؟
كنت قد انتقدت منذ سنتين تأسيس هكذا ” برلمان عربي ” ، وذلك بتاريخ 28 يناير 2005 ، وقلت بأن لا فائدة من هكذا مؤسسات وستزيد من عبء التاريخ واثقاله ، فاجابني الاخ مستشار الامين العام للجامعة العربية بمقال يرّد ويوضح ضرورة البرلمان العربي ودوره التاريخي .. وها قد مضى على تأسيس البرلمان العربي زمنا ليس بالقصير ابدا .. فعلينا ان نسأل : ما دور هذه ” المؤسسة ” التي مقّرها دمشق وهي لا تؤدي اي دور حقيقي في حياتنا العربية ؟ وما الذي قدّمته حتى اليوم ؟
لقد اضفنا كيانا جديدا وهو راكد لا يقدم اي حراك ولا يشارك باي فعل ولا يصنع اي ارادة .. انه وهم كاذب صنعناه من دون اي نتائج مثمرة منذ تأسيسه حتى اليوم .. خصوصا ونحن نشهد انقسامات سياسية مريعة ، بل وصراعات بين فصائل وطنية واقتتال بين الاخوة .. ونحن نرى انتقال الفوضى الغادرة من مكان لآخر .. ونحن نشهد اشتداد قوى الارهاب والتفجير في منطقتنا .. ونحن نشهد انضواء ادوار دول معينة كان لها رصيدها وتأثيرها على الساحة العربية .. ونحن نتأسى على فقدان الارادة السياسية لصالح قوى واحزاب وميليشيات واوليغاريات خارجة عن القانون تمارس دور الدولة داخل الدولة من دون اي رادع .
لقد قلت في معرض انتقادي لمشروع البرلمان العربي قبل اكثر من سنتين ( النهار البيروتية ، 28 يناير 2005 ) : ” فهل يمكننا ان نستفيد من تجارب غيرنا ولو قليلا ؟ الا يكفينا من (مؤسسات ) عربية هشة وضعيفة ومحتضرة ، لن تستطيع ابدا اتخاذ مواقف جماعية ولا قرارات موحدة ؟ الا يكفينا ( مؤسسات شكلية ) يصرف عليها الملايين ، وهي لن تقوى على مجابهة متغيرات الحياة المعاصرة ، كما وانها لا تقوى أيضا على مجابهة التحولات العربية الجديدة التي ستمس مصالح الاجيال الثلاثة الجديدة في القرن الواحد والعشرين ؟
الا تعتقدون بأن مؤسسات عربية جديدة بحاجة الى ظروف ملائمة وتوافقيات حضارية وشراكات اقتصادية والاهم من كل هذا وذاك انها بأمس الحاجة الى عقليات جديدة بمقدورها استيعابها والتعامل معها من اجل ان يكسب العرب ولو جولة واحدة لصالحهم ؟ ان المؤسسات الاتحادية او الكتلوية او البرلمانية في عالم اليوم قد انطلقت من قناعات تامة بما وصل اليه العالم المعاصر اليوم والتوافق مع حركته وتحولات عناصره وآليات تفكيره واستمراريته .. فهل يؤمن العرب كلهم بما هو عليه عالم اليوم وبما وصل اليه عالم اليوم وبما يمكن ان يلزم به العرب انفسهم في التعامل مع الاخر من اجل بناء مصالحهم العليا ومستقبل اجيالهم ؟ انني اعتقد ان العرب ما زالوا يختلفون في ما بينهم على مثل هذه ( الاسس والاعتبارات الاساسية والركائز الكبرى ) ، فكيف بهم يتقبلون حالات التعايش والاندماج والشراكة والانفتاح والتوافقية ؟؟ انهم ما زالوا يعتبرونها ( تبعية ) وخصوصا في الحالات الاقتصادية ؟ ” !
انني أسأل اليوم : ما جدوى تأسيس هكذا برلمان عربي وحياتنا العربية تنحدر من سيئ الى أسوأ ؟ ما نفع اي مؤسسة عربية لا تجيد التعامل مع الاخر لمعرفة الرؤية الاخرى في قضايانا التي باتت تأكلنا واحدا بعد الاخر ,, وبات العرب لا يفكّرون ابدا بما يجري في العالم ، فما يجري في عالمهم لا يمكن ان يتقبله عاقل ابدا !
ان مشروع البرلمان العربي قد اثبت فشله الذريع ، وذلك باختفاء تطبيقاته وغيبوبة تأثيراته كونه لا يصلح والتنافر قائم والتباعد حاصل .. حتى غدا موضوع العمل العربي المشترك مجرد شعار وهمي لا يمكن العمل به ما دام هناك جامعة عربية لا صلاحيات قوية لها .. ان المخاطر والتحديات التي تواجهنا لابد من العمل على التصدي لها قبل استفحالها في عموم منطقتنا . وعليه ، ينبغي ان يكون البرلمان العربي مشروعا مؤجلا اليوم ، اذ لا يمكن ان يستمر في ظل اوضاع مزرية يعيشها العرب وهو لا يفعل شيئا .. انهم في بداية نفق طويل لابد من سحبهم منه قبل فوات الاوان .
انني اعيد دعوتي من جديد للعرب كلهم وهم يعيشون ويدركون اي منحدر سياسي باتوا فيه في عدد من البلدان العربية واي فقدان للامن والنظام فيها ؟ انني ادعوهم من خلال برلمانهم العربي ان يفعلوا شيئا ذا بال اتمنى ان ينجح اي ” مشروع ” استراتيجي حقيقي يمكنه ان يعيش بقوة فلسفته والاجماع على دوره .. وان يساهم في فعل اي شيئ من اجل مصالحنا في المنطقة والعالم . ان الضرورة باتت ماسة لكي تتشكل ارادة حقيقية من النخب السياسية والفكرية بالاعتماد على القوى الشعبية التي تمثل الشعب . ان مجتمعاتنا باتت اليوم منقسمة على نفسها .. وانها بحاجة الى انقاذ حقيقي من الهوة السحيقة التي تنتظرها . اتمنى على الاخوة في البرلمان العربي ان يساهموا بشكل حقيقي في الانقاذ او ليغلقوا ابوابهم ويقرروا الغاء مؤسستهم التي لا حول لها ولا قوة .. وهي صفر على الشمال منذ ولادتها القيصرية حتى يومنا هذا !

www.sayyaraljamil.com
البيان الاماراتية 20 حزيران 2007

شاهد أيضاً

زعامات ورزايا .. ورئاسات بلا مزايا

 الزعامة غير الرئاسة، والرئاسة غير الإدارة، والإدارة غير القضاء. لقد مضى زمن الزعامات الحقيقية، وماتت …