الرئيسية / مقالات / الشرق الاوسط بانتظار حرب أهلية كبرى !

الشرق الاوسط بانتظار حرب أهلية كبرى !

لا اريد زرع يأس او قنوط ، ولكنني افكر بمستقبل المنطقة كثيرا وأتأمل مصيرها طويلا ، ذلك ان بدايات صراع أهلي طويل الامد يتنامى فيها الان ، اثر انقسام يحصل فيها وانشطار يشطر الشرق الاوسط الى نصفين اثنين متصارعين بعيدا عن اسرائيل ومن وراء اسرائيل .. لقد قلنا ونعيد القول ، بأن العراق كان وسيكون بؤرة لهذا الصراع المحتدم الذي سيكون قاسيا ليس بين الاعتدال والتطرف فقط ، بل بين جناحين اثنين من المسلمين في المنطقة وبسبب تشظي الطرفين وتخندق الباقين وتمادي الابتعاد بين الاثنين من دون ان يجد الاقتراب ( او : التقريب ) اي فعالية تذكر !
واعتقد ان العام 2003 قد سجل بداية حقيقية لهذا الانقسام في العراق الذي بدأ سياسيا وانتقل الى ان يغدو اجتماعيا شيئا فشيئا .. وكان للولايات المتحدة الامريكية دورها في اذكاء الصراع الاجتماعي من خلال الاعلام وترويجاته .. وسجل لبنان مخاطر نوعية لهذا الصراع أيضا ، وبتأثير خطورته ، ستتآكل المنطقة تآكلا مخيفا بفعل تفاقم الاحقاد والكراهية .. واعتقد بأن من ينكر وجود اي صراع طوائف واعراق في المنطقة ، فهو يغالط نفسه او يكابر او يعيش في الخيال .. ولم يدرك انعكاسات ما يدور اليوم على شاشات التلفزيون من مواجهات مفاهيمية تمرر كلها تحت اجندة سياسية ! نعم ، انها تتضمن اسبقيات زرع فتن اجتماعية خطيرة جدا ينبغي الانتباه لها تماما من اجل درء تفاقم عوامل الصراع واطفاء جذوة نيران قد تنشب من خلاله .. وسيكون الصراع مدمّرا وهائلا يمزق ابناء منطقتنا شر ممزق ـ لا سمح الله ـ .. ان من يستبعد حدوث ذلك ، فهو جاهل تماما بتاريخ المنطقة ولم يعرف طبيعة العلاقات الاجتماعية التي حكمتها طوال القرون الفائتة .
لست صاحب بصر ثاقب كزرقاء اليمامة عندما نبهت قومها بزحف غابة اشجار داكنة نحوهم .. ويبدو ان الجميع قد استسلم للقدر الذي سيطبق على كل الانفاس من دون ان يحرّك احدنا نفسه كي يوقف الخطر ويطفئ النيران الشريرة .. ان احتداما طوائفيا مقيتا وتخندقات مفضوحة باتت تحكم طبيعة الصراع في منطقتنا تترجمه مشروعات القتل والتفخيخ والقتل على الهوية والخطف والتنكيل والتفجيرات وموت الابرياء .. وخوفي ان ينتقل ذلك الى ارجاء معمورتنا العربية .. العراق يذبح يوميا بكل قسوة.. وفي الجزائر استرجع الوضع المأساوي نفسه .. ولبنان بات ميدان صراع انقسامي طوائفي ومجتمعات اخرى تخاف العدوى لحساسية بعض مناطقها .. التاريخ متوقف تماما عن الجريان في منظومتنا العربية والحرائق قادمة لتأكل الاخضر واليابس من حياتنا .. ! المشكلة فينا قبل غيرنا ، فمن يروج لمشروعات القتل على شاشات التلفزيون من دون اي حياء ؟ ومن يعلن عن تفويض نفسه للتحدث باسم الامة ؟ من قال بأن الاسلام يبيح قتل الابرياء ؟ ما هذا الصمت الذي يسكن شوارعنا ومدارسنا ودوائرنا واسواقنا وكل ميادين حياتنا التي تختفي من ورائها عقائد منقسمة على ذاتها ؟ لماذا يسقط الابرياء دفعات هنا وهناك من دون اي ذنب ارتكبوه والاعلام اما ساكت واما يروج للانقساميين وخطاباتهم وتصريحاتهم ؟ هل هو اعلام للصراع بين من يحتلنا بجيوشه وبين من يحتلنا بتفجيراته ؟
لماذا لا نؤسس قطيعة حقيقية بين من يقاوم الاحتلال وبين من يقتل الابرياء ؟ لماذا نعيش مرحلة عجيبة من خلط الاوراق فلا نفقه معاني المستقبل .. ولا يتعلّم اولادنا كيف يتوجسون المخاطر ! نحن لا نعرف كيف نجابه التحديات الداخلية الطارئة ولا ندرك كيف نتعامل مع الازمات الطويلة .. نحن لا نفقه لغة الواقع ولا نتثبت من حقائق الاشياء التي نسمعها ليل نهار .. نحن لا نقيم وزنا للناس المعتدلين ولا للمستقلين ولا للحكماء والعقلاء .. ان الجيل الجديد يعيش على شعارات واوهام ، بل ويشهد اليوم ممارسات خاطئة تماما باسم الاسلام والاسلام بكل سموه وتجلياته برئ من طقوس محزنة ومؤذية مبتدعة وعادات سيئة متوارثة .. وتبدو مجتمعاتنا تغرق يوما بعد آخر من خلال انغلاقها على كل السيئات التي تتناقلها وسائل اعلامية متطورة .
العراق مأساتنا الاولى وجرح المستقبل .. القضية الفلسطينية تحاول ان تجد حلولا لمشكلاتها بدل مشكلتها مع اسرائيل ! ولبنان لا حلول لانقساماته التي لا معنى لها .. وفي السودان والجزائر والصومال جروح لا تندمل .. منطقتنا اشبه بميدان هرج ومرج لا تعرف مع من تتكلم ولا تدرك اين سيأخذك هذا وماذا يريد ذاك .. ميدان بلا حراس لبواباته ، المعتدلون نائمون ، الغزاة محتشدون ، الاجواء مكفهرة دوما والزمن يبكيه القانطون .. الناس تموت بلا اسباب حقيقية .. دنيا بلا احلام .. الخاملون والكسالى لا يعرفون الا الارتخاء والصامتون حيارى والعقلاء مجانين حتى تثبت ادانتهم !
لم يعد للتفكير السياسي من معان فهذا مشغول بمذهبه وذاك مشغول بجهويته واقليته والاخر بطائفته .. السني والشيعي يتقاتلان بشكل بشع ، بدءا من الملاسنات ثم التهجير والخطف والمذابح .. صورة سوريالية يعتم عليها تماما وفي غمرة الصراع ، لم يحس هؤلاء الناس ان الانتماء الحقيقي للتراب هو الذي يحفظ لنا وجودنا جميعا .. قبل اي شئ آخر !! لنحترم خصوصياتنا ونقول لكل الانشقاقيين عن حدود الاوطان انكم تقتلون انفسكم قبل الاخرين ! انكم تلعبون بالنار التي سيتفاقم لهيبها .. ثم اين نحن اليوم من انتماءات نتعصب لها وهي تفرقنا مللا ونحلا مؤذية توارثناها عن عصور خلت ؟ لماذا ايقاد الاحقاد والكراهية وتفاقم المشكلات كي تنفجر في حروب أهلية كبرى لا تبقي ولا تذر ، ولا يستفيد منها الا الاعداء ؟ وهنا انادي الجميع ان يحولوا دون اي صراع ، اذ لابد من حفظ نسيجنا الاجتماعي وتطوير اساليبنا في التعامل مع الحياة من اجل المستقبل .

البيان ، 21 فبراير 2007
www.sayyaraljamil.com

شاهد أيضاً

زعامات ورزايا .. ورئاسات بلا مزايا

 الزعامة غير الرئاسة، والرئاسة غير الإدارة، والإدارة غير القضاء. لقد مضى زمن الزعامات الحقيقية، وماتت …