ولد عام جديد ومنطقتنا تمر بها أحداث ووقائع دراماتيكية مهمة .. ورحل عام 2006 بسرعة وهو يحمل في جوفه جملة أسرار وآلام . لقد استقبلت مجتمعاتنا كلها 2007 وهي لا تدري ما الذي يحمله في رحمه من مفاجئات .. كنت استمع لنخبة من الزملاء في منتدى دراسات المستقبل الذي انعقد بطوكيو هذا العام ، وقد اجمع كلهم على أن الشرق الأوسط سيمر بظروف حالكة .. قلت : وسوف لن تنفرج أزماته إلا بنهاية العام 2009 بسبب المتغيرات الصعبة التي ستأخذنا إلى أحداث مخيفة تتلوها تداعيات اجتماعية واسعة النطاق في العقد القادم من هذا القرن .
لا أريد أن احمل إلى قرائي الأعزاء رسالة متشائمة عن السنة الجديدة ، ولكن لا أريد بنفس الوقت أن أخادع نفسي وارسم صورة وردية للناس ونحن نتلمس كل هذه الانقسامات والمعضلات والاختراقات والتدخلات المتنوعة التي تضرب العديد من ودولنا ومجتمعاتنا .. من دون أي حراك أساسي يقابل كل ذلك بمشروعات مستقبلية تحد من تأثيراتها على مستقبل أجيالنا ، وخصوصا الجيل القادم الذي اقتربت ولادته والذي سيتقلد مسؤولياته في الثلاثين سنة القادمة . فهل نجحنا في تكوينه لكي يتحمّل مسؤولياته الجسيمة في تكوين مستقبل صعب ؟
لم يجد العراق لنفسه حتى الآن أي مخرج حقيقي يضعه على جادة الصواب ، فهو في قلب المأساة ، وإذا كان العام المنصرم أقسى من سابقه ، فأنني اعتقد بأن 2007 ستكون عليه أقسى بكثير وخصوصا مع ازدياد انقسامات المجتمع وسطوة الاحتلال وهجمة التدخلات وعجز كل الخطط بمعالجة أوضاعه ، وان أي مشروع أمريكي لن ينفع بغياب أي مشروع وطني باستطاعته الوقوف بإرادة وطنية صلبة إزاء الأول . السؤال : هل باستطاعة العراقيين أن يجتمعوا في العام 2007 على مشروع وطني حقيقي بمعزل عن كل آثام ما جرى منذ العام 2003 ؟ هل بإمكانهم تشكيل إرادة وطنية بعيدة عن الطائفية والانقسام والتبعية والاحزاب الدينية ؟ هل باستطاعتهم رسم خطوط حمراء للتدخلات الإقليمية في شؤونهم الداخلية ؟ هل بإمكانهم ان يكونوا ثابتين في قلب العاصفة ليوازنوا أنفسهم مع الأطراف الخارجية ؟
وتعالوا معي لنشهد ما يحدث عند الفلسطينيين ، اذ لم أتصور يوما أن الانقسام سيتبلور بمثل هذه الحدّة عندهم على حساب قضيتهم التي تحولت إلى أن تكون في الأدراج ! لماذا كل هذا الصراع الذي نجح من كونه حالة افتراضية إلى واقع مؤلم ؟ لماذا التماهي نحو الانقسام وفي ظروف صعبة للغاية ؟ علما بأن خطورة ما يجري لا يمكن أن يعالج بسرعة ، فهو ليس حالة سياسية طارئة ، بل انقسام تاريخي سيعيق كل المسارات وسيغلق كل الأبواب خصوصا بانسكاب الدم الفلسطيني على نفسه ، والخوف أن لا يتحول في الـ 2007 إلى ما يشبه وضع العراق المأساوي ! علينا أن لا نرضى بما هو واقع ، بل أنني اعتقد ـ وربما كنت مخطئا ـ أن العوامل الخارجية الإقليمية هذه المرة هي التي تقف وراء كل هذه الانقسامات ، وهي التي تغذيّها وتمّدها بعوامل البقاء وبطبيعة الحال ستكون إسرائيل في مقدمة المستفيدين من ذلك !
أما لبنان ، فمخاضه في العام 2006 كان صعبا وهو يواجه تداعيات تلك الأحداث المؤلمة التي ألمّت به ، ولكن هل ستخفت الانقسامات أو تقّل حدّتها ؟ إنني اشك في ذلك ، إذ أن لبنان مقبل على تحولات غاية في الصعوبة ، وهي داخلية أكثر منها خارجية خصوصا وان تجربة الحرب التي خاضها بلا معنى ستلقي بظلالها الداكنة عليه ، وان الفشل قد رافق كل المحاولات التي زاولتها جامعة الدول العربية ، ولم يعد هناك من خيارات متاحة بين الفرقاء مع غياب أي خطوط للتلاقي على رسم خطوط للمستقبل ويمكنني القول ، أن المسألة اللبنانية قد تحّولت من صراعات سياسية مستديمة كانت تنظمها أجندة طائفية اجتماعية إلى انقسامات اجتماعية تقف وراءها أجندة إيديولوجية وسياسية !
لقد ازدادت المخاطر على مجالنا الحيوي العربي ، فبالإضافة إلى مخاطر إسرائيل في المنطقة ، فالأخطار القادمة باتت تندفع بسرعة مخيفة بلا توانٍ من كل مكان على جانبي المشرق والمغرب العربيين ، والمشكلة أن العرب اليوم ينقسمون أكثر من أي وقت مضى في مواقفهم من تلك ” الأخطار ” أو أنهم لا يحسّون بها وبآثارها على مجتمعاتنا ، وأخشى ان تتداعى علينا الأمم . إن انقسامات العرب إزاء سياسات الآخرين لم تجد حتى الآن اية معالجات حقيقية تحفظ مجتمعاتنا ومصير أجيالنا القادمة من الأذى .. وينبغي أن نعلم بأن العرب ليسوا بحاجة إلى أعداء جدد ، وعليه ، فمن الأجدى تحييد المشكلات وإيجاد حلول للنزاعات وخلق فرص للمفاوضات في العام 2007 وبشتى الوسائل ، وإيقاف كل ما شأنه ان يودي بنا الى المهالك وخصوصا في مناطق عربية شديدة الحساسية .
إن الممر الصعب للشرق الأوسط في العام 2007 ، ينبغي أن ندرك ما سيتخلله من مخاطر وان نكون مستعدين لمواجهتها في أي بيئة من بيئاتنا التي تعد أجزاء مهمة جدا من المجال الحيوي .. وان كل ما نادينا به منذ خمس سنين لم نفلح بالتوّصل إليه أبدا ، بل وان كل الوعود التي سمعناها من هذا أو ذاك لم تتحقق أبدا ، ولا اعرف إلى أي مدى نجحت جامعة الدول العربية في مشروعاتها ، والعرب عاجزون إزاء غيرهم في التأثير على مجريات الشرق الأوسط وهم القاعدة والأساس والأكثرية دولا ومجتمعات فيه .. ؟؟ إنني اليوم أدعو إلى ضرورة أساسية لمنطقتنا ، متمثّلة بالأمن الداخلي وإيقاف التدخلات والحد من الانقسامات وتصالح الفرقاء .. فهل من استجابة لذلك ؟
www.sayyaraljamil.com
البيان الاماراتية 10/1/2007
شاهد أيضاً
مطلوب لائحة اخلاق عربية
تعيش مجتمعاتنا العربية في حالة يرثى لها، لما أصابها من تفكك سياسي جعلها تتمزق اجتماعيا، …