الرئيسية / مقالات / هوغو شافيز : كاراكاس ومستقبل الكاريبي… فنزويلا على مفترق طرق

هوغو شافيز : كاراكاس ومستقبل الكاريبي… فنزويلا على مفترق طرق

بقدر ما تتمتع به مناطق مهمة في العالم من مجالات حيوية كالخليج العربي وقزوين والباسيفيك والأحمر.. كذلك تتمّتع منطقة البحر الكاريبي بأهميتها نظرا لثرواتها الاقتصادية وإستراتيجيتها القارية بين الأمريكتين . وتعد فنزويلا في موقع حيوي مهم بخصائصه العليا ، وهو عالم غريب جدا بتناقضاته وسعة تنوعاته ، ونجده ينأي لوحده منذ مئات السنين ، ويتقلب بأنظمته السياسية وتبايناته الاقتصادية . لقد اندفع نحو القرن الجديد بعد أن عاش حياته بين سلم وصراعات، بين غني جنوني وفقر مدقع، بين قوة إمكانات وأزمة انتماءات، بين استقلالات وطنية ومؤامرات أمريكية .. الخ.
لعل فنزويلا وعاصمتها كاراكاس نموذجاً حيوياً لكل التناقضات الصارخة ، ولكن أجيال اليوم لا تعرف عن العالم الكاريبي إلا أبطال كرة القدم اللامعين وملكات جمال العالم الساحرات والبن وقصب السكر. ولقد انتشرت المخدرات وجماعات المافيا مؤخرا! وعلينا أن نسأل: هل ستعمل فنزويلا على الاستفادة من مواردها النفطية في تأسيس تكتل جديد يسعي للبروز مع التكامل الدولي الذي تفرضه العولمة الاقتصادية!؟
والحقيقة، انه عالم بحاجة ماسة إلى تكتل اقتصادي موّحد يتوّجه للعمل رفقة تكتلات اقتصادية عولمية كبرى كالاسيان ، والنافتا ، واليوربيان .. إن أي تكتل عولمي لا يمكنه أن يتحقق من دون استقرار امني وسياسي إقليمي .. وهذا ما يحتاجه إقليم الشرق الأوسط والخليج العربي بالذات أيضا من اجل تأسيس كتلته العولمية هو الآخر. ولقد خرجت فنزويلا اليوم من خضم أحداث صعبة اثر الانقسامات التي حصلت في سياستها الداخلية بين ثلاث قوى: الرئيس والجيش والشعب. ونسأل : ما أهمية الدور الاستراتيجي لفنزويلا مستقبلا مع الدول المطلة على الكاريبي في قيادة قارة أمريكا اللاتينية من اجل التكتل والتعامل في واحد من طريقين غير متوازيين ولا متقابلين ولا متجانسين: المحور الإقليمي والمحور العولمي في ظل التحديات وتقلبات السياسات الأمريكية ؟!
ولد هوغو شافيز سنة 1954، وتخرج ملازما في الأكاديمية العسكرية، وشارك في تأسيس الحركة الجمهورية العام 1982، وتم انتخابه العام 1998 تقديرا لبرنامجه الانتخابي الذي قدم فيه خططا لمحاربة الفقر والفساد وفرض السيطرة الوطنية على الثروات الطبيعية للبلاد. وفاز شافيز مرة أخرى بالأغلبية (أكثر من 70% من الأصوات العام 2000) وحقق بذلك أعلى نسبة لرئيس فنزويلي منذ أربعين عاما. وفاز مؤيدوه بـ 120 مقعدا من أصل 128 في البرلمان ، ونجح مع حكومته في خفض معدل التضخم من 40 % إلى 12 % ، محققا نموا اقتصاديا قدره 4 % ، وبدأ بثورة تربوية تشمل قطاعات الشعب بحيث زاد عدد تلاميذ المدارس الابتدائية بفنزويلا على المليون سنة 1999. ولكن هذا لا يعني أن حكومته حققت تقدما حقيقيا على المستوى الصناعي والزراعي، أو رفع مستوى المعيشة وتوزيع الدخل توزيعا عادلا في المجتمع.
لقد قام شافيز بإصدار 49 قانونا يسمح لحكومته بزيادة مدخولاتها من عائدات النفط، كما واتخذ إجراءاته الخاصة بالتقليل من سيطرة المال على وسائل الإعلام والقبض على تلك الوسائل للحد من حرية الإعلام فضلا عن سياسته إزاء الأوبك، واعتباره رئيس أول دولة يزور العراق أثناء فرض الحصار والمقاطعة عليه منذ العام 1990. ولقد اتهمته المعارضة الفنزويلية بالاستبداد والرأي المطلق والانفراد باتخاذ القرارات مما سبب إساءات بالغة في اقتصاد البلاد الغنية.. وشبهّوه بالنموذج الكوبي الشيوعي في جعل الدولة تستحوذ على كل موارد البلاد من خلال القرارات المكثفة والقوانين السريعة التي أصدرتها حكومته! ولقد وجدت الولايات المتحدة فيه زعيما يتحرك بقوة لوحده على غير ساحته من خلال اتصالاته وعلاقاته وزياراته.. ناهيكم عن بلورة العداء الذي سجله إزاءها ، وخصوصا عدم أخذ موافقاتها سواء على إجراءاته الداخلية وتصريحاته الخارجية! وتعتبره يسجّل دوما موقفا بالضد من مصالحها في العالم فضلا عن وقوفه حجر عثرة أمام النظام العالمي الجديد.. وأنها تدرك إدراكا حقيقيا أهمية الإطلالة الفنزويلية الشمالية على البحر الكاريبي .
ثمة علاقات قوية ارتاب منها الأمريكيون ، فربطوا بين حكومته وحكومة كاسترو في كوبا التي قامت بإرسال المئات من الخبراء والأطباء والمهندسين إلى فنزويلا. وكان ذلك ترجمة صداقة حقيقية بين زعيمين. ولقد أنذرت الولايات المتحدة شافيز بتصويب سياساته الداخلية والخارجية وخصوصا في موقفه من حربها في أفغانستان والعراق ، وانتقاداته الجارحة للتدخلات الأمريكية واتهامه لها بالإرهاب . ولما كان لشافيز موقفه النشيط في منظمة الأوبك من اجل تحسين أسعار النفط حيث تعد فنزويلا رابع مصدر للنفط في العالم وثالث مصدر للولايات المتحدة .. فضلا عن محاولاته لتغيير الاتفاقات الموقعة منذ عقود طويلة وفيها إجحاف واضح للاقتصاد الفنزويلي مع الشركات الأجنبية والأمريكية.. كذلك دعم شافيز للثوار وحركات التمرد في كولومبيا، ومنعه للطيران الأمريكي التحليق في الأجواء الفينزويلية بحجة محاربة المخدرات! ولقد اتهم شافيز انه يهدد الولايات المتحدة ببيعه النفط إلى كوبا ومعارضته حملة محاربة المخدرات في كولومبيا! وبرغم غنى فنزويلا بالنفط وضخامة الموارد الاقتصادية إلا أن الخلل يكمن في وجود اكبر نسبة من الفقراء داخل البلاد تصل الى 80 % من مجموع السكان.
إنني أتوقع حدوث محاولة انقلاب ثان على شافيز بعد أن فشل الانقلاب السابق ، وبتشجيع من ربابنة الأعمال ذلك أن الوضع الاقتصادي السيئ قاد ويقود إلى جملة من المشكلات المعقدة، فالثروة غير موزعة توزيعا عادلا وطبيعيا، فمن أصل 22 مليون نسمة، هناك 2 مليون نسمة يمثلون طبقة فوقية غنية طفيلية من الأثرياء الإقطاعيين الذين لا يمكن تخيل قوة مدخولاتهم وحجم ثرواتهم الهائلة، إذ أن حاصل تهريبهم للأموال الفنزويلية إلى بنوك ميامي بالولايات المتحدة يقدر بـ 500 مليار دولار أمريكي. واعتقد أن ظروف شافيز وكاركاس لا تسمحان اليوم بانبثاق أي تكتل عولمي لأمريكا الجنوبية ينطلق من البحر الكاريبي . وان شافيز لا يمكنه ان يصارع لوحده تناقضات فنزويلا الداخلية من جانب ويقف ضد الموجات الامريكية من جانب آخر !

www.sayyaraljamil.com

البيان ، 15 نوفمبر 2006

شاهد أيضاً

زعامات ورزايا .. ورئاسات بلا مزايا

 الزعامة غير الرئاسة، والرئاسة غير الإدارة، والإدارة غير القضاء. لقد مضى زمن الزعامات الحقيقية، وماتت …