الرئيسية / الشأن العراقي / هل ينزلق العراق نحو حرب أهلية ؟؟

هل ينزلق العراق نحو حرب أهلية ؟؟

انه بالرغم من الاوضاع المخيفة والمأساوية المحزنة التي يعيشها العراقيون ، ولكن ملامحها بدأت ترسم صورة مرعبة وغاية في التعقيد بعد ان لفّ العراق العنف الشديد مع شلال دماء العراقيين بشكل مخيف .. أليس هذا دليل واضح على ان العراق يعيش حربا اهلية ؟ ويبدو لي ان الصورة واضحة في دواخل العراق ، ولكنها ضبابية شديدة من الخارج . وتسير الحالة العراقية من سيئ الى أسوأ خصوصا اذا آلت الاوضاع الى نتائج خطيرة تمتد من دون شك الى الدول المجاورة في منطقة الشرق الاوسط كله !
يرى بعض الكّتاب ان العراق يعيش حربا اهلية على غرار تلك الحرب المأساوية التي عاشها اللبنانيون من دون ادراك الفوارق الجغرافية والتاريخية والاجتماعية بين البلدين ، كما وأنني اجد هناك من يسعى لاشعال الحرب الداخلية في العراق كي يجني من نتائجها الثمار له وحده . ان العراق لم يعرف الانقسامات الاجتماعية كالتي عرفها لبنان تاريخيا ، ربما كانت هناك افتراقات طائفية وعرقية في العراق اليوم ، وتجد الناس ما زالوا يتزاوجون وينسجون تكويناتهم ، ولكن ما يحدث اليوم من انقسامات سياسية حادة ستتحّول مع الزمن الى صراعات طائفية ربما تتمخض عن مخاطر لا يمكن التكهن بها .. ولكنها سوف لا تقتصر على العراق وحده ، بل لتمتد الى كل المنطقة .
لم يكن المجتمع العراقي مفككا او ممزقا او متصارعا في يوم من الايام ، واذا كان قد عاش صراعات سياسية وحزبية وايديولوجية في القرن العشرين ، لكننا لم نجده غارقا في انقساماته الطائفية . وبالرغم ما يدّعيه البعض من تفجير حرب اهلية عراقية ، وبالرغم من كل الانحسارات والتخندقات التي كرستها الاحزاب والتكتلات الدينية العراقية وميليشياتها اليوم ، فان المجتمع لم يزل متداخلا في طوائفه وبيئاته وكل ثقافاته .. وعليه ، اقول بأن الحرب الاهلية بحاجة الى تبلور عوامل داخلية تحتدم فيها قوى الصراع في الداخل وهذا ما لم يتوفر حتى الآن بسبب طغيان العوامل الخارجية على كل الداخل العراقي مسببة جملة من الاحتقانات والتشظيات . نعم ، ان ثقافة الانقسام الاجتماعي قد تبلورت مؤخرا في العراق ، وخصوصا بعد سقوط النظام السابق وبداية عهد التماهي اثر الاحتلال الذي كان ولم يزل يمضي في طريق خاطئ من خلال معلومات خاطئة عن المجتمع العراقي وبيئاته ، ويسوقها باعتبارها حقائق ثابتة .
هنا ، وبعد مضي ثلاث سنوات على التغيير الجذري في العراق ، يواجه العراقيون حمامات دم طائفية بشعة واهوال موت مجاني ، وتبرز امام كل العالم حلقات مفقودة لا يعرف اساسا من يقوم فعلا بهكذا افعال شنيعة من اجل اذكاء حرب اهلية .. وعلينا ان نكون اذكياء جدا في التعرف على من له مصلحة حقيقية وراء اشعالها من اجل انقسام العراق .. علينا ان نبحث عن ثمة علاقة شائكة وشديدة التداخل فيما بين الاوراق العراقية الاقليمية والدولية اليوم .. فلكل من هذه الاطراف عدة اجندة متصادمة او متلاقية لها اهداف معينة . كما ان هناك لغة شديدة الضراوة يستخدمها العراقيون في ما بينهم بعد ان ابتعدوا عن نزعتهم الوطنية من دون ان يجتمعوا منذ ثلاث سنوات في مؤتمر وطني حقيقي يحددوا من خلاله مصيرهم وأهدافهم الوطنية من خلال الاتفاق على مبادئ لا يمكنهم ان يحيدوا عنها !
ان التلويح بالحرب الاهلية قد سمعنا به منذ وقت طويل ، ليس من قبل العراقيين ، بل وكأن ثمة اجندة غير عراقية تدفع لحدوث مثل هذه الحرب الاهلية التي لا اعتقد انها ستشتعل ، فما حدث ويحدث من تفاقم لمشكلات سياسية مؤثرة في طبيعة المجتمع العراقي وترسيخ للانقسامات بهدف التوّصل الى انقسام العراق . واعتقد ان اغلب العراقيين قد انتبهوا الى سيرورة ما يحدث من عمليات صعبة افرغت البلاد من الامن والنظام ، فاصبحت العملية السياسية هشة لا تقوى على الحياة .. وكم كان من الصواب ان يمرّ العراق بمرحلة انتقالية حقيقية من اجل بناء اسس دولة جديدة والخروج من تاريخ مأساوي عانى منه كل العراقيين .
ان مفاتيح المستقبل كانت ولم تزل بأيدي العراقيين الذين يتوجّب عليهم ان لا ينقلوا الانقسام السياسي الطائفي الى المجتمع ، وان يستوعبوا من يعبث بمقدراتهم ليس السياسية حسب ، بل الاجتماعية اذ لا يمكن ان يبقى العراق مخترقا من اطراف عدة تعمل على اذكاء الحرب الاهلية التي يصعب اشتعالها ، فالمجتمع العراقي برغم كل انقساماته وتشظياته اليوم ، فهو نسيج من الروابط والمصاهرات والعلاقات والتعايشات في كل بقعة من ارضه .
ان التلويح بمثل هذه ” الحرب الاهلية ” يأتي من زعماء وكّتاب ومثقفين عرب واجانب لا يعرفون مثل ذلك ” النسيج ” الذي يرفض حتى يومنا هذا ان يسحق برغم كل ما يدفعه العراقيون من اثمان .. واذا كان هناك من ينادي بالانقسام الجغرافي من العراقيين من اجل الخروج من هذا المأزق التاريخي ، فهو اما مجّند لهذه الغاية او ان الموجعات الطائفية قد سحقته ، وينبغي ان يعى بأن الحرب الاهلية ستذيبه حتما ان مشى في درب الانقسام ! واليوم ، يردّد العديد من المثقفين العراقيين قولا حكيما ـ كما يصفونه ـ كان قد اطلقه نوري السعيد رئيس الوزراء المخضرم في العهد الملكي بالنص : ” العراق بالوعة وانا غطاؤها ” .. فهل كان النص مجرد نبوءة عابرة ام انه استنتاج استخلصه رجل عن تجربة وبعد نظر ؟؟
وأخيرا أقول : ان ما يجري في العراق يعد اقسى انواع العنف الديني والتناحر الطائفي والسياسي والاجتماعي ، وهذا ما يجعلنا نناشد كل العراقيين ان يتلاحموا قبل ان تستمر هذه الاوضاع من سيئ الى أسوأ لسنوات اخرى وتكون قفلتها الحرب الاهلية التي ستأكل الاخضر واليابس في المنطقة كلها لا سمح الله .

www.sayyaraljamil.com


الصباح البغدادية ، 14 سبتمبر 2006

شاهد أيضاً

نقطة نظام ضد الفساد والمفسدين والفاسدين

ملاحظة : طلب مني عدد من الاصدقاء العراقيين ان اعيد نشر هذا ” المقال ” …